أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عبد القادر الفار - حين تهمس النجوم: من بيتكوين إلى مقياس كارداشيف















المزيد.....

حين تهمس النجوم: من بيتكوين إلى مقياس كارداشيف


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 22:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


بين الأفعى المجلجلة والبتكوين، وبين الذهب والبلوك تشين، ظننا أننا نلامس ذروة الحريّة.

لكن… ماذا لو كانت هذه الذروة ليست سوى الدرجة الأولى في سلّم كوني أعلى؟


كما في رواية 2001 A Space Odyssey لم تكن الأدوات هي الغاية، بل تلك القفزات الصامتة نحو ما بعد الإنسان.

مقياس كارداشيف لا يقيس القوة، بل يقيس القدرة على احتواء الضوء.

و”رفع النجم” أو “تسخير النجم” (Star-lifting) ليست خيالا علميا فقط، بل نبوءة عن شكل الرأسمالية بعد أن تحطم أغلال الكوكب. وكما قال نيتشه: الإنسان شيء يجب تجاوزه.

كذلك الدولة، كذلك الأرض، كذلك حدود المادة


مقياس كارداشيف: البوصلة الكونية للطموح
نيكولاي كارداشيف، العالم الروسي، لم يبتكر مقياسًا حضاريًا بقدر ما رسم مرآة لشهية الوعي نحو الضوء.

النوع الأول: حضارة تسيطر على طاقة كوكبها.
النوع الثاني: تسيطر على طاقة نظامها الشمسي.
النوع الثالث: تسيطر على طاقة مجرّتها بأكملها.

لكن حين نتأمل هذا المقياس بعيونٍ أناركية فردية، لا نراه سُلَّما للهيمنة، بل خريطةً للانعتاق.

فكلما ازداد الكائن قدرةً على توليد طاقته دون وصاية، اقترب من السيادة بمعناها العميق.

الذهب؟ حضارة من النوع صفر، ما تزال مشدودة إلى الأرض بثقلها.
البيتكوين؟ ومضة باتجاه النوع الأول، شرارةٌ تحرّر القيمة من الجغرافيا والوصاية.
البلوك تشين؟ أول محاولة لكتابة الثقة بلغة لا تُمحى.

أما النوع الثاني؟
فهنا يبدأ حديثٌ آخر،
حديثٌ لا يُنصت فيه العقل فقط، بل تخشع فيه إرادة الوجود ذاتها.

نحن لا نقترب من الشمس لنزاحمها، بل لأننا نشعر، ولو خفية، أن لنا فيها نسبا من النور.
ربما أُذن لنا أن نفهمها، لا كي نستولي عليها، بل كي نرعاها كما تُرعى الأمانة.

وكأن الحضارة، عند هذا المفصل، تهمس:

“لقد تعلّمنا الحفر، وها نحن نحاول أن نتعلّم التوهّج… بهدوء، وبامتنان.”


Star-lifting: التمرّد على احتكار النار
كما تجرّأ بروميثيوس، في الأسطورة، وسرق شعلةً من نار الآلهة ليهبها للإنسان،
يتخيّل بعض المهندسين المستقبليين عالما لا يكتفي بالاحتطاب من الأرض، بل ينهل من الشمس ذاتها.

تخيّل اقتصادًا لا يقوم على موارد محدودة، بل على بحرٍ لا ينضب من الهيدروجين النجمي.
الطاقة هنا لا تُستخرج… بل تُساق.
ولا تُستعبد… بل تُرافق كما تُرافق الكائنات الحيّة في دورتها.

“رفع النجم” ليس مجرّد مشروع علمي، بل إعلانٌ عن بلوغ سنّ التكليف الكوني:

أن نكون أهلاً لأن نُضيء، لا لننافس، بل لنتّحد مع المصدر الأسمى للنور في هذا العالم.

من يرفع نجمًا، لا يرفع رأسه على أحد، بل يرفع مسؤوليته.

فإذا كان البنك المركزي يطبع، فنحن سنسعى إلى إشعالٍ أوسع… لا ليُقال إننا قادرون، بل لأننا صادقون في شوقنا للحرية. وإذا كانت الحكومات تسيطر على الأرض، فنحن لا نتمرّد على الأرض، بل نرتقي منها… أملًا في فضاءٍ أوسع للعدل والتوازن.


إذا كانت الحكومات تسيطر على الأرض، فنحن سنتحالف مع الشمس.


البتكوين لم يكن النهاية، بل البوابة
كلّ خطوة في طريق الأناركية الرأسمالية، من الذهب إلى البتكوين، كانت مجرد استعادة للحق في الإشعال.
لكن… من قال أن الشعلة يجب أن تظل أرضية؟

كما في Clair de Lune، حيث لا تنفجر الموسيقى، بل تنساب كأنها ضوءٌ يتذكّر شكله في الماء،
يأتي البتكوين لا كصرخة، بل كنغمة ناعمة تقول:

“أنا لست ضدك، لكنني لست ملكك.”


مقياس كارداشيف يقول لنا شيئا خطيرا:

الحضارة، في جوهرها، ليست من يحكم… بل من يُنير.

وهكذا، تصبح Star-lifting هي الحلم النهائي للحرية:
اللا مركزية على مستوى كوني.
لا دولة، لا كوكب، لا كربون.
فقط طاقة، ووعي، ونظام لا يُمحى… ونغمة طويلة لا تنكسر.

لكن ماذا بعد؟
لكن ماذا بعد؟
ماذا بعد البتكوين؟ بعد تسخير النجم؟ بعد بلوغ النوع الثالث من مقياس كارداشيف؟
هل تنتهي الرحلة عند قمة المجرة؟
أم أن القمّة الحقيقية ليست في الفضاء، بل في الرغبة الدفينة في البقاء… حتى حين يصير البقاء بلا معنى؟

في قصته العبقرية The Last Question، يطرح إسحاق عظيموف السؤال الأبدي:

كيف نمنع نهاية الكون؟

سؤال يتردّد عبر العصور، وتُجيب الآلات دومًا:

“البيانات غير كافية للإجابة.”

حتى يجيء يومٌ يُطفأ فيه كل شيء، ويصير الوجود أشبه بجسدٍ بارد، بلا نبض،
ثم يهمس الوعي الكوني – وقد صار شبه إله – الجواب المنتظر:

“ليكن نور.”


وفي لحظة، يبدأ خلق جديد.
لا لأن الطاقة وُجدت، بل لأن الوعي أصرّ أن يستمر، حتى لو وحده.

وهنا يظهر معدن الأناركية الرأسمالية في أرقى صورها:
ليست سعيًا للقوة، بل شوقًا للاستمرار في وجه الانطفاء.
ليست رفضًا للموت فقط، بل حنينًا إلى الوهج، حتى في العتمة المطلقة.

هي لا تقول للكون: “لن أموت”، بل تهمس:

“سأُضيء ما استطعت، ولو بآخر خيط من الذاكرة.”

الذهب كان تمرّدًا على المال الورقي.
البتكوين كان تمرّدًا على السلطة المالية.
البلوك تشين كان تمرّدًا على الكذب.
وStar-lifting هو تمرّد على ندرة الطاقة.

أما السؤال الأخير؟
فهو تمرّد على الموت نفسه.


النوع الرابع: حين تُصبح الحضارة سردًا

إذا كانت الحضارات من النوع الأول والثاني والثالث تُقاس بقدرتها على السيطرة على الطاقة،
فإن النوع الرابع يتجاوز ذلك كلّه…
لأنه لا يستهلك الطاقة، بل يكتب بها.

النوع الرابع هو لحظة تتحوّل فيها الحضارة من مستخدمٍ للضوء… إلى مؤلفٍ له.

في هذه المرتبة، لا تعود النجوم مجرد مصادر وقود،
بل تصير أحرفًا في جملة كونية.
ويغدو الوجود نفسه شيئًا أقرب إلى النص، إلى السرد المستمر:

ليكن كذا، فكان.

وعند هذا الحدّ، لا تعود الأسئلة الكبرى تقنية، بل لغوية.

من يكتب؟
من يقرأ؟
من يمتلك حقّ التعديل؟

وهنا، تظهر الأناركية الرأسمالية كمرشّح لغوي جديد:
ليست فقط فلسفة اقتصادية، بل شكل من أشكال الحكي الكوني بلا رقابة،
حيث لا يُفرض المعنى من الأعلى، بل يُولد من كل كائن حرّ، يضيف جملته الخاصة إلى النص الأعظم.

في النوع الرابع، تصبح الحضارة لغة تمشي على ضوء،
ويصبح الإنسان، للمرة الأولى،
ليس تابعًا للحكاية…
بل شريكًا في تأليفها.



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأناركية الفردية سوف تخفي الذهب تحت البلاطة، فوق الدولة
- ميم: رواية بضمير مستتر
- الإيقاع الحلال: ماذا لو جاز الجاز؟
- خطة الله في غزة
- سأم مع سبق الإصرار
- غزة: مشهد إضافي
- كاتب يطارد شبحه في أرشيف الإنترنت
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 8
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 7
- مذكرات تائب -٦
- مذكرات تائب - 5
- مذكرات تائب - ٤
- مذكرات تائب - ٣
- مذكرات تائب - ٢
- مذكرات تائب - 1
- لا أستحق الحياة
- صابر Sober - جزء ثان
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (7)
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (6)
- لا تخالف كي تُعرف (قصيدة)


المزيد.....




- حلبجة: ماذا نعرف عن المحافظة العراقية رقم 19؟
- كلمة الرفيق حسن أومريبط، في مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية ...
- ترامب لإيران.. صفقة سياسية أو ضربة عسكرية
- كيف نفهم ماكرون الحائر؟
- إسرائيل تعلن إحباط محاولة -تهريب- أسلحة من مصر
- مبعوث ترامب يضع -خيارا واحدا- أمام إيران.. ما هو؟
- أول رد فعل -ميداني- على احتجاجات جنود إسرائيليين لوقف الحرب ...
- مقاتلة إسرائيلية تسقط قنبلة قرب -كيبوتس- على حدود غزة.. والج ...
- باريس تُعلن طرد 12 موظفًا من الطاقم الدبلوماسي والقنصلي الجز ...
- عامان من الحرب في السودان... تقلبات كثيرة والثابت الوحيد هو ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عبد القادر الفار - حين تهمس النجوم: من بيتكوين إلى مقياس كارداشيف