|
ليالي الألم قراءة لرواية ليالي الهدنة لمني العساسي
بهاء الدين الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 22:58
المحور:
الادب والفن
ليالي الهدنة ومطارحات الألم : قراءة في رواية ليالي الهدنة لمنى العساسي. حيث يتم تصنيف الرواية إنها ذات بعد نفسي ولكن من أي زاوية؟ هي من زاوية التحليل النفسي لموقف إنساني وليس من باب المرض النفسي ولذلك تحديدا لأن النفس الإنسانية هي مناط الفعل الدرامي وبالتالي لا فعل درامي سوى مع البشر لأنهم الوحيدون القادرون على إمتلاك البدائل ويتحملون مسؤولية أفعالهم وبالتالي تكون الرواية ذات مدلول نفسي خاصة أن التحليل النفسي هنا مؤشر معرفي يخدم الأدب من خلال إثراء اللغة الفنية وليس شرحا فنيا لحالة نفسية هنا تصبح اللغة لغة فنية وليس لغة علم بعينه. حيث تبدا الرواية بتصدير شديد الروعة : في جوفي طائر محلق يضرب بجناحيه يبغي الحرية يرجو الخلاص. الزمن المخادع في رواية ليالي الهدنه حيث تضيع الأزمنة داخل تلك الذات المزمنة بالفراق ولكنها تقع في حاله مهادنة مع أحزان الفراق تلك ولكن لماذا المهادنة هي الباب الملكي لقراءة ذلك النص؟ العساسي كصوت قادم من بيئة ريفية مع إمتلاكها للرؤية والقدرة علي تحليل واقعها يكسب أعمالها نوعا من النكهة من خلال تلك العبارة الحاكمة (إن الموت هو الخلاص الشهي) وهي اخر عباره في الليلة الرابعة عشر بعد الهدنة. كيف نقرأ رواية ليالي الهدنة؟ يمكن قراءتها على أنها رواية الشخصية بكل ثقلها النفسي وروايتها المركبة للعالم ليصبح العمل الروائي مرتبا بطريقة الإختزال لعنصر من عناصر العمل الروائي ليصبح هو المنظار والباب الملكي لرؤية الواقع على أن يتم تضمين العناصر الأخرى في السياق السردي بمعنى أن يكون الأخر حاضرا عبر عذابات الماضي وبالتالي يستوعب الأمر رؤية أخرى للحدث من وجهة نظر الأخر ولكن المقولة الوجودية بالأصل أن الأخر هو الجحيم وذلك على مستوى ألام الذات ليصبح تاريخ الحزن كملهم رئيسي لفكرة الإبداع ، ومن هنا يتمحور المكان داخل ذات المبدع ولكننا هنا بصدد مكان افتراضي يعكس درجة قهر الأخر وكذلك يعكس جدلية العلاقة وليست ثنائيتها لأن الثنائية تفترض التأثير المتبادل عبر العلاقة الظاهرية ليصبح الجدل درجة من درجات الوعي المتنامي كقراءة للواقع وبالتالي يصبح الصراع والعقدة الدرامية كأحد أبعاد الفعل الدرامي داخل مساحة الوعي الذاتي هنا تصبح الفردية ذات البعد الإنعزالي القادر على إستجلاء أبعاد الرؤية من خلال اللغة وبالتالي يصبح التحدي في قراءة ذلك العمل تحديد المصطلح السائد عبر الرواية ومدي تعبيره عن فلسفة العنوان حيث ليالي الهدنه ولما كانت الهدنة هي إستراحة المحارب وعدم قدرة الطرفين المتحاربين على إستكمال الجولات القتال من ثقل الجراح الناجمة عن حركة المواجهة ،ليستبين أثار المواجهة على الذات وخسائرها والرؤية تجاه الواقع لإعادة والقدرة علي بناء المواقف من جديد ،وإذا سلمنا جدلا بمفهوم العتبات لقراءة النص وكذلك فكرة العنوان كبنية جنينيه تتفرع من خلالها النصوص الإبداعية وهي رؤيه استباقية لدى القارئ الأول للنص وكذلك شارحه وبذلك يصبح العنوان إما دليلا على جودة البعد المعرفي للمؤلف و قدرته على توظيف مفردات اللغة الفنية للعمل السردي لإبراز ذلك البعد المعرفي من عدمه وهنا المهارة الإبداعية للكاتب دون غيره. لتصبح قراءه النص من خلال عده أسئلة : ١ ليلة الهدنة الأخيرة وليلة الهدنة الاولى ما هي ملامح قراءه الذات للواقع الذي فرضه الاخر وقدرته على التحرر منه وبالتالي تحليل الليلة الأخيرة والأولى وفقا لطبيعة البداية في الليلة الأولى ومشاهدات ذلك عبر الليلات البينية. ٢العلاقة بين الذات والموضوع فبأي قدر تحولت البطلة من ذات قابلة للتاثر من خلال تعديل الموضوعات القابلة للإعتبار كمؤشر وطريقة رؤية العالم ليكون السؤال من يحدد أولويات الذات وبالتالي قدرة الذات على التحرر من الرؤى الموضوعية الواردة من الأخر، هنا فكرة الحرية حيث القدرة والكفاءة ما بين الذات الفاعلة والذات التابعة . في الليلة الرابعة والثلاثين تبدأ بفعل يفيد التطهر والرؤية والقدرة على الفعل : سأهجرك. ليصبح هنا ذلك الإستعراض لمساحة الألآم المتواترة عبر الليالي الثلاثة والثلاثين وهي عدد مرات التسبيح عقب الصلوات وكأن لذلك الرقم جزءا هاما في الوعي الجمعي. اللغة ذات أفعال متعدية: تتأمل- جمح – مبتسمه. هنا تصبح الهدنة قرار ولكن بغرض الرحيل وإستعادة الذات لأنها إستطاعت أن تجمع عبيرها المتناثر عبر زمان المحبة ولكن مع درجة من درجات الرقي الإنساني والقدرة على الغفران ومن هنا كانت اللغة المغرقة في الألام مع كثافتها مبررة فنيا ليخلق حالة الصفح. وإلى تلك الليلة من المفترض أن تكون نهاية الرواية ولكنها اتبعت تقنية رواية في بيتنا رجل لإحسان عبدالقدوس حيث جمعت قصتان في قصة واحدة الأولى قصه إبراهيم حمدي والتي إنتهت بتفجير المعسكر الإنجليزي واستشهاد إبراهيم والإفراج عن المحتجزين وذلك ليلة عيد الفطر ، ثم الفصل الختامي الذي رصد التغيرات المجتمعية على تلك الأسرة الممثلة للطبقة الوسطى ليكون إبراهيم حمدي هوالمثير لما كان من تغيرات نوعية لتلك الأسرة كنوع من الاستجابة للفعل الوطني المجتمعي وقتذاك. ولكن ذلك المعنى لا يكتمل إلا بتحليل الليلة الأولى حيث بداية الإنهيار لأن محددات الذات مشتقة من الأخر حيث أعتبرت نفسها من خلال تلك العبارة : كيف تصل إلى بهذا العمق.. وتهجرني بكل تلك القسوة؟ أنا الجميلة لحد الإبهار ألست أنت من قال هذا؟ هنا المرأة /الموضوع/ الجسد. بدلا من المرأة /العقل/الرؤية. وتلك أزمة الرجل الشرقي الذي يعاني من بقايا الإقطاع الفكري القائم على فكرة تسويق المرأة كرؤية الدين الشعبي أنها مرتع محايد من خلال ترسيخ الجمال الجسدي لا فكرة العقل المشارك وتلك الفكرة المحورية متعلقة بنمط الإنتاج الزراعي المتغلغل عبر الريف المصري وقد إنتقل بفعل سلفنة الواقع المصري بعد حاله التحقير التي مارستها الاستراتيجية المصرية بعد 74 وزرع فكرة التابع المميز بدلا من الرائد المتحقق، فإنتشرت تلك الفكرة في المدينة خاصه مع غزو الريف للمدينة وهو أمر تفسره طبيعة النظرة للنساء في مدينة الإسكندرية ما قبل 56 وبعد 56 حيث سيطرت فكرة النمط الواحد في التفكير بدلا من التعددية وهو ما يفسر لنا سيطرة الحركة السلفية بالإسكندرية والإسماعيلية والشرقية وذلك لأن رواد تلك الحركة اصطدموا بالتيارات الفكرية التي تبناها هؤلاء الاجانب فكان طرحهم الاجتماعي ردة فعل مدعومة بالتفسير الموافق للنص الديني والذي يحتمل عدة أوجه ولعل الدليل الأبرز على ذلك أن البيان الأول لجماعة الإسلام السياسي الرئيسية في العالم العربي إنها تقاوم التغريب ثانيا تطالب بإعادة الخلافة. اذا هنا بصدد الليلة الأولى التي فقدت الذات ما يراها حيث الانسحاق في منظار الاخر لتكون النهاية في ذلك القرار الرشيد بالهجران. لتكون الليلة الهاربة من التصنيف مقدمة لسفر الخروج وبالتالي يسهل تصنيف الرواية في موجة تيار الوعي حيث القدرة على التعايش مع المؤثرات الخارجية ولكن الطرح من خلال الإغراق في الذاتية يتم تسويقه فنيا لأن قضيه المرأة من الأمور المسكوت عنها عبر تاريخ المجتمعات الإنسانية وإلا لما حدث ما حدث لجان دارك وهي المرأة التي تمردت على دورها لتمارس فكرة العقل/ النبوءة ، لتنافس الفرسان في تقسيم العمل المتعارف عليه، ومن هنا نتفق على ان القاموس اللغوي عبر الروايه ينحصر في الأنا والذات والأخرون مع إستدعاء التصنيفات المرتبطة بفعل تلك المراكز المتحكمة في مسيرة الوعي عبر الرواية ولعل كثافة الضمائر الثلاثة تبدو في المقطع الأول من الليلة الثانية بعد الهدنه فقد جاء ضمير المتحدث أربع مرات مقابل هو مرة واحدة ونحن مرة واحدة وكذلك في الليلة الرابعة والثلاثين حيث وردت بمعنى هي مع أفعال متعدية في ثمانية مرات في ستة أسطر مع بداية الليلة بالضمير أنا وينتهي به، دلالة الضمائر هنا تدرجها من أنا والإنتهاء به ولكن عبر هي لتتسع المساحة وتتنامي قدرة الذات على تجاوز أزمتها والقدرة على تحليلها ،فعل الابتسامة الذي يحمل نوعا من السخرية حيث تلك السعادة بعد إكتشاف حمق الألم . تقنيه الفانتازيا كتطور طبيعي لعمق الألم الذاتي حيث تتلاشى نقطة الضوء في مجالات العتمة ليكون الحلم كتقنيه تعبير يمكن من خلالها طرح عدد من المكاسب التي تحققت بالهجران حيث تحولت لذات جديده قابلة للتجسد حيث القدرة على مهادنة الألم ذاته بعيدا عن مسببه حيث إحترام الألم الخالق للمتعة حيث تعبير الصلابة المجروحة كما ورد في صفحة 144 السطر الخامس من أسفل الصفحة. من خلال تقنية المسرح كمشهد ونوع من الإعلان عن التعالي على الألم تمهيدا لفكرة الخروج من معبد الرجل حيث قدرتها على تجسيد الألم وقدرة الروح على الصعود فوق فكرة الجسد لتصبح هنا الجسدنة نوعا من إدانة الواقع القائم على تقسيم العمل الظالم للمرأة وذلك التناقض القيمي حيث فكرة المتعة، والتمرد عليها غير إعادة النظر للمرأة وفق المنظور الحضاري للنص المقدس من خلال مفهوم المودة والرحمة والرقي بالجسد ، الصياغة هنا في أدب منى العساسي يقوم على الرقي خاصة أن مني العساسي قد إستفادت من دراستها النفسية في صياغة لغة راقية لتطابق التحليل العلمي لمفهوم اللاشعور وقدرته على صياغه المردود النفسي للتوافقات الجمعية فلم تسقط لغتها في فكرة ردة الفعل المبالغ فيه لتصبح مفردات الحالة النفسية المتعارف عليها مترجمة لغويا من أجل خلق حالة من التعافي وفق قانون الصحة النفسية وهنا يحضرنا تعريف جارودي للأدب على أنه نوع من ردة الفعل والإجابة عن أسئلة الوجود لدى المبدع وهي مرتبطة بوعيه ومهنته ومعرفته ولغته. شكرا لمني العساسي جهدها في صياغة معجم لغوي ومعاركة اللغة حتي إنها لم تشعرنا بوطأة تكرار الاطراف الدرامية لتخلق مساحة من الزمن الداخلي وقدرتها علي إمتلاك ناصية اللغة ونمذجة راقية للفعل الإنساني. بهاء الصالحي
#بهاء_الدين_الصالحي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ادب الرسائل عودة
-
فلسطين الفلسطينية
-
الهراوي صا نع بالبهجة
-
دراما وأشياء أخري
-
خيري شلبي
-
عرب الدغايمة
-
مشروع احمد عفيفي الشعري
-
أنتهي الدرس يأوكرانيا
-
نجيب محفوظ للناقد ابداعا
-
غزة أريحا ثانية
-
مصطفي نصر ٢/ه
-
مصطفي نصر عالم من الإبداع١٥
-
صلاح چاهين وعصره
-
تقديس اللغة
-
بعد ان يموت الملك
-
وكانت إمرأة قراءة في ادب محمد الجابري
-
المجد للشباب
-
طه مقلد ابداع لن يمون
-
سيد النماس
-
عالم يطن في اذني قراءة في ادب مروة مجدي
المزيد.....
-
بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص
...
-
ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
-
جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون
...
-
لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل
...
-
-حرب إسرائيل على المعالم الأثرية- محاولة لإبادة هوية غزة الث
...
-
سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
-
نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية
...
-
الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات
...
-
لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ
...
-
فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|