أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - إستكشاف تأملي مذهل بصريا للفناء والصداقة يجسدها فيلم- الغرفة المجاورة-















المزيد.....

إستكشاف تأملي مذهل بصريا للفناء والصداقة يجسدها فيلم- الغرفة المجاورة-


علي المسعود
(Ali Al- Masoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


فيلم المخرج الأسباني "بيدرو ألمودوفار" ( الغرفة المجاورة ) أول له فيلم باللغة الإنجليزية ، ويكون فيه الموت بطل الرواية ، وهو موضوع متكرر سبق وأن تناوله المخرج الإسباني في العديد من قصص أفلامه . عرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي الأخير ، وبعد طول إنتظار أنصفه المهرجان حين فاز فيلمه بجائزة الأسد الذهبي .
في فيلم " الغرفة المجاورة " تلتقي صديقتان قديمتان وكلاهما كاتبتان مرة أخرى . تكتشف إنغريد (جوليان مور) أن صديقتها مارثا ( الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون) التي كانت تعمل صحفية معها في نيويورك في سنوات شبابهما ، مريضة جدا والسرطان ويهدد حياتها على المدى القصير جدا . ويصبح القرب من نهاية الحياة سبباً لإعادة صداقتهما ويقودهما إلى القيام برحلة لن يكون لها عودة ولكن ستكون مفتاحا لكل منها . يستخدم الفيلم بعض الاستعارات الموجودة، الألم والمجد ، تدهور صحة الجسم ، وخيارات الطب التقليدي ، قرارات البشر بشأن الموت . يمكن أن تكون نهاية الحياة مرعبة ومؤلمة - كما تتصورها شخصية(جوليان مور )، أو يمكن أن تكون إعلانا للحرية كما تقول شخصية سوينتون
يعد فيلم بيدرو ألمودوفار الرائع المقتبس عن رواية " ما تمر به" للكاتبة الأمريكية (سيغريد نونيز) الصادرة عام 2020 ، احتفالًا بمعجزة الحياة ومواجهة مع الموت. يقدم الثنائي جوليان مور وتيلدا سوينتون جمالًا داخليًا وخارجيًا يرفع قصة الموت إلى عالم غير متوقع، حيث تسود الصداقة والرعاية وتقدير قيمة العطاء في الحياة . "الغرفة المجاورة " مثل العديد من أفلام (ألمودوفار ) الأخرى ، يفتتح بلقاء صدفة ، إنغريد (جوليان مور) ، كاتبة ناجحة في نيويورك ، تلتقي ستيلا في حفل توقيع روايتها الجديدة زميلة لها منذ سنوات ، تخبرها أن مارثا (تيلدا سوينتون) المراسلة الحربية ، صديقة الاثنان طريحة الفراش في سرير المستشفى ضحية لسرطان عنق الرحم . تعيش الكاتبة ( إنغريد ) بدون روابط أسرية ، وبهذا المعنى ، فهي على استعداد لترك كل شيء لمرافقة صديقتها مارثا في اللحظات الأخيرة من حياتها. في البداية تبدو إنغريد وكأنها تشعر بالذنب لأنها لم تكن تعلم أن صديقتها مريضة أكثر من شعورها بالحزن لعدم اتصالها بها لسنوات . عندما لا يعطي العلاج التجريبي الذي تخضع له مارثا النتائج المتوقعة ، تقرر المرأة التي سئمت بالفعل من الألم والمعاناة شراء حبة من السوق السوداء تساعدها على القتل الرحيم ، وتطلب من صديقتها إنغريد مرافقتها ، وتخبرها أنها بحاجة إلى شخص ما ليكون موجودا عندما يحين الوقت حتى لو كان في غرفة مجاورة .
سرعان ما يترابط الاثنان وكأن الوقت الذي مر منذ أن التقيا آخر مرة لم يكن موجودًا. تملأ وجوههم الرائعة الشاشة بفرح طفولي (تصوير سينمائي من إدوارد جراو) وكما هو الحال دائمًا في أفلام المخلرج الأسباني ألمودوفارفي أظهار الملابس ذات الألوان النابضة بالحياة (تصميم الأزياء من بينا دايجلر) والديكورات الجذابة (من تصميم إنبال وينبرج بإدارة فنية من غابرييل ليست) ترسم مزاجًا يبدو وكأنه انطلاقة لحياة أكثر من كونه خاتمة الحياة . إن المزهرية ذات الزهور الجميلة والمنظر الرائع لأفق مانهاتن من نافذة غرفة المستشفى الرائعة هذه تجعلك تنسى أن الموت حاضر . إنغريد (جوليان مور) روائية في حين كرست الكاتبة مارثا ( رشحت تيلدا سوينتون لجائزة جولدن جلوب لأفضل أداء) جزءا كبيرا من حياتها للعمل كمراسلة حربية ، كلاهما في الستينيات من العمر ويتمتعان بحياة مريحة ، ولكن حالة مارثا ، توقفت فيها الحياة بشكل قاتل بسبب تشخيص كارثي . طلبت المساعدة في سياق الانتحار مذكور بوضوح في الفيلم ، رغم أن ( القتل الرحيم) ضد القانون في هذه البلدة الأمريكية . لكنه موضوع على الطاولة للنقاش، بما في ذلك العديد من المعايير القانونية والأخلاقية. إذا أصبحت إنغريد هي الشخص الذي يرافق مارثا في لحظاتها الأخيرة ، لأن أقرب أصدقائها يرفضون القيام بهذا الدور وحتى إبنتها الوحيدة ، تروي ( مارثا ) قصتها وتحلل أخطائها وخيباتها ، تتحدث ( مارثا ) عن ابنتها المنفصلة عنها، وعدم قدرتها على أن تكون أما لابنتها ، والتي جعلت الأم تتساءل منذ البداية عما إذا كانت قد تم تبديلها عند الولادة .
لقد أنجبتها عندما كانت مراهقة ، وتتذكر مدينة نيويورك في الثمانينيات ، ولم تشعر أبدًا أنها كانت الأم المفترض أن تكون أما على قدر قيمة الأمومة . يضم الفيلم لمحة سريعة من الماضي ولقاء ( مارثا ) الشابة بحبيبها ( فريد ) الأب الغائب الذي سيعود من فيتنام مثل " روح مكسورة ". يرسم المخرج حياة ضائعة في لحظات وجيزة وصارخة ومهمة توضح استياء إبنة من أهمال والدتها لها ، كما ترويها والدتها المحتضرة لصديقتها إنغريد. وتثير ذكريات أخرى عن تجارب (مارثا ) المراسلة الحربية في العاصمة العراقية ( بغداد ) أثناء حرب العراق ، تبادلاً الحديث عن الحرب وصدمتها ا. وتستمر المحادثة بين المرأتين في حديقة جيفرسون الصغيرة، حيث تتذكران "حبيبهما المشترك" داميان (جون تورتورو) . وتكشف مارثا أيضا لقاءاتها طوال حياتها كمراسلة حرب في الميدان . في حين لا نعرف سوى القليل عن الروائية إنغريد التي تضعها المؤلفة والسيناريو بالكامل في خدمة صديقتها ، لا نعرف عنها سوى الحبيب المشترك للمرأتين اللتين تحافظ إنغريد معه على اتصالها السري به . جانب جمالي آخر يجب تسليط الضوء عليه هو الموسيقى التصويرية لألبرتو إغليسياس) ، المتعاون الأبدي مع ألمودوفار ، كما هو الحال في كثير من أفلام المخرج الاسباني ألمودوفار ، لا يكاد يكون هناك لقطة أو مشهد لا توجد فيه الأصوات الحزينة الجميلة والحنين إلى الملحن الباسكي العظيم في كل مكان .

"الثلج يسقط على الأحياء والأموات"
الموت أمر لا مفر منه وهوقضاء الله وقدره . لكن البعض يصبح مهووسا به لدرجة أنهم ينسون العيش ، بينما يحاول البعض الآخر التفكير في الأمر بأقل قدر ممكن . لا يهم ، سيكون المصير هو نفسه للجميع ، سواء كنت أغنى شخص في العالم أو ليس لديك حتى ما يكفي من المال لإطعام نفسك . وبالطبع ، لا يعني ذلك أن الموت كان موضوعا غائبا تماما في سينما" ألمودوفار "، لكن في فيلم "الغرفة المجاورة" يكون الأكثر تميزا به . في الفيلم، تتجولان الكاتبتان في حارة الذكريات، حيث ينجرف فيلم "الغرفة المجاورة" في خياله إلى إسترجاع ذكريات، وتشمل المشاهد تأملات المريضة " مارثا " مع حبها الأول في سبعينيات القرن الماضي ، وهو محارب قديم في حرب فيتنام سقط بطريقة مأساوية بسبب هلوسة اضطراب ما بعد الصدمة التي قادته إلى مبنى محترق لكن العلاقة أنتجت إبنة . أصبحت (مارثا ) الآن أكثر انفصالاً عنها ، وبرز دورها في خاتمة الفيلم . بإصرار لا يلين، اختارت الكاتبة والمراسلة الحربية لصحيفة (نيويورك تايمز) أن تنهي أوجاعها وتدفن هذا ألألم وبالنسبة لها أرحم من الموت والعلاج الكيميائي . وتفعل ذلك بأناقة وكرامة بواسطة حبة مميتة . ولكن ليس في سويسرا، حيث يعتبر توفير الوسائل اللازمة للموت الرحيم قانونياً ، بل في منتجع على ضفاف بحيرة في شمال ولاية نيويورك وصديقتها بجانبها في الغرفة المجاورة .
يختم هوس ( مارثا ) الذي يقترب من نهايته بروح تغمض عينيها مع تساقط الثلوج . من بين نجاحات الأسباني " بيدروا المودوفار" لمساته الجمالية المعتادة ، مع تلك الجملة الغنائية الوجودية كخاتمة والتي سيكون لها ارتباط بصري واضح مع مشهد الذروة عند إكتشاف جسد ( مارثا ) الميت: "الثلج يسقط على الأحياء والأموات" ، وهي عبارة ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح "الفكرة المهيمنة" للفيلم . من الواضح أن ألمودوفار، الذي يبلغ من العمر الآن 74 عامًاكان يفكر كثيرًا في الموت . لا يعد فيلمه "الغرفة المجاورة" عملاً فلسفيًا ثقيلًا ، ولكنه يتطور إلى تأمل لطيف وصادق في الشيخوخة والموت وما إذا كان من المناسب العثور على الفرح في أكثر الظروف يأسًا أم لا . فيلم بيدرو ألمودوفار "الغرفة المجاورة" هو استكشاف تأملي ومذهل بصريا للفناء والصداقة وتقرير المصير .
لقد نقل المخرج الإسباني الأسطوري أسلوبه المميز إلى الولايات المتحدة من أجل هذا "التأمل الصادق واللطيف في الشيخوخة والموت والذي يتميز بأداءين رائعين . لقد وجدت (مارثا ) حبة القتل الرحيم على شبكة الإنترنت المظلمة ، لكنها لا تريد أن تكون بمفردها عندما تتناولها ، بل تريد أن تكون صديقتها الكاتبة (إنغريد ) في الغرفة المجاورة . هناك الموت ، الذي ترمز إليه مارثا التي تعاني من مرض عضال ، والحياة التي تجسدها (إنغريد ) التي تحاول توثيق باهتمام شديد عذاب صديقتها المقربة ( مارتا) ضمن أحداث لروايتها القادمة . الصديقتان إنطلقتا في رحلة إلى الريف لاستئجار ملاذ لطيف يصلح للأيام الأخيرة في حياة على شفا الزوال، وما إن تصلا إلى هناك تكتشف المريضة أنها نسيت الحبة القاتلة، فتسلكان طريق العودة، وتصطدمان بحكايات عن الآخرين المهمومة بالمال والأطفال والعشاق والأزواج والسكن، التي بقدر ما تثير الحزن تفجر الضحك .
تصبح الصداقة علاجا للشفقة للروح . ينتهي الأمر بالمرأتين بإبرام اتفاق ، أذا وجدت باب غرفتها موصدة عليها أن تفهم أنها أغمضت عينيها وفارقت الحياة . ( الغرفة المجاور ة) فيلم " بيدرو ألمودوفار" الثالث والعشرين يتعامل مع موضوع مثير للجدل إلى حد ما ، موضوع الانتحار ولتمييزه يطلق عليه القتل الرحيم ، تعيش إنغريد (جوليان مور) في مانهاتن وتكسب لقمة العيش من خلال نشر رواياتها، إنها خائفة جدا من الموت لدرجة أنها كتبت للتو كتابا حول ( الموت المفاجئ ) . من الناحية الموضوعية ، يعد الفيلم تأكيدا على جمال الحياة السريعة الزوال ونقد المحرمات المجتمعية المحيطة بالموت والاستقلالية ، ولم يطرحه على أساس نقاش أخلاقي ولكن كفعل شخصي عميق . يستكشف ألمودوفار بحساسية وعمق المعضلة الأخلاقية المحيطة بحق كل فرد في اختيار نهاية حياته . يغمر المخرج المشاهد في جو حميم ومؤثر ، ويتساءل عن حدود الحرية الفردية في مواجهة معاناة لا تطاق .
بالإضافة إلى الجانب السردي ، تبرز "الغرفة المجاورة" لنطاقها الفلسفي ، حيث تدعو الجمهور للتفكير في الموضوعات المحظورة ولكن الحاسمة في عصرنا . يجمع ألمودوفار لسرد حكاية فيلمه بين ممثلتين من نفس الجيل ، تيلدا سوينتون (التي تعاونت معه بالفعل في أول تجربة له في اللغة الإنجليزية في اقتباس جان كوكتو في فيلم " الصوت البشري") ، تلعب دور ( مارثا ) مراسلة حربية في المرحلة النهائية . و( جوليان مور ) تلعب دور الكاتبة ( إنغريد ) التي تخاف من الموت والتي تعيد اكتشاف صداقتها مع (مارثا) . يعمل هذا الترادف بشكل مثالي ، حيث يعطي الحياة لقصة مشوبة بالكآبة والفروق الدقيقة الأخلاقية والعاطفية التي تحيط برغبتها في نهاية حياتها بشكل كريم . تبرز هذه التفاصيل رؤية ألمودوفار الفريدة وأسلوبه المميز بجمالية مع وجود ألوان زاهية مثل الأحمر والأخضر والأرجواني في الفساتين والأثاث والمناظر الطبيعية ، يضفي الفروق الدقيقة على البيئة بسلام بصري يتناقض مع جدية الموضوع . يبدو أن الاتجاه الفني المليء بهذه النغمات النابضة بالحياة يشير إلى أنه حتى الموت يمكن أن يكون له بعض الجمال والكرامة والابتعاد عن أي رؤية قاتمة .
يجد ألمودوفار أيضا التوازن المثالي بين الدراما والكوميديا والإنسانية ، معتمدا على الأخراج وعمل الكاميرا اللذان يعملان في وئام لالتقاط كل إيماءة وكل كلمة متبادلة بين مارثا وإنغريد . تدعوك حركات الكاميرا البطيئة والتأطير المغلق إلى الانغماس في كل لحظة ، والحفاظ على توتر هادئ وتأملي تقريبا طوال الفيلم . الجمع بين كل هذه العناصر (اللوحة اللونية واللغة المرئية والتواطؤ في الحوارات) يجعل الغرفة المجاورة عملا مؤثر بصريا . أراد المخرج الاحتواء لإضفاء الطابع الإنساني على الموت الكريم ، إن التقاط هذه الدقة بمثل هذه الرقة واللباقة هو شيء يعتبر ألمودوفار خبيرا مطلقا فيه . صنع بيدرو ألمودوفار فيلما عن الموت ، ولكن هناك فيه الكثير من الحب للحياة. من المستحيل التغاضي عن الموسيقى التصويرية البارعة والجذابة التي ألفها ألبرتو إغليسياس .
يتجه السرد في "الغرفة المجاورة" بشكل حاسم نحو هاوية وجودية - يذكرنا الفيلم بكلمات كامو: "المعنى الحرفي للحياة هو كل ما تفعله لتجنب قتل نفسك". والمشروع جريء للغاية لدرجة أنه ليس من المستغرب أن يواجه ألمودوفار بعض النكسات على طول الطريق . في بداية الفيلم ، تظهر ذكريات الماضي إلى ماضي شخصية مارثا (التي تلعبها تيلدا سوينتون) مثل الأغصان التي تطمس جذع القصة ، والتي تتجذر شيئا فشيئا في العلاقة التي أقيمت بين (مارثا )وصديقتها ( إنغريد ) ، لأنهما ربما يشتركان في الحياة الواقعية في الموضوعات التي يطورونها في حواراتهم وتبادلاتهم المكثفة ، ولكن مثل هذه القضايا لا تتعلق بالموت مباشرة، بل بالمشاكل الشخصية والاجتماعية وحتى السياسية التي يتركها الإنسان خلفه عندما يغادر إلى الحياة ، على أي حال ، فإن ماضي "مارثا " كمراسلة حربية يسمح لألمودوفار بنسج مجموعة من المعارك غير المرئية بخيط غير مرئي تقريبا ، تلك التي تؤثر على الأمم وتحمل اسم الحروب (فيتنام والعراق) ، وتلك التي تحدث داخل العائلات وتولد الصدمات ، وتلك التي لا يمكن لأحد تجنبها والتي تكون وجهتها الموت، يبدو أن المخرج " المودوفار" مهووس بالطبيعة الدورية الحتمية للموت .

الموت لا يوجع الموتى , الموت يوجع الأحياء - محمود درويش

في واحدة من أكثر المقاطع إثارة للصدمة في رواية "ما تمر به " ، يشرح سيناريو الكاتبة الروائية سنغريد في الفيلم ، كيف أن القرب من الموت يوقظ فيها "وعيا حادا بكل شيء، الضوء القادم من النافذة ، ورائحة وطعم القهوة ، طعم الذكريات والماضي الذي يطاردها . تظهر هذه الحساسية الشديدة ، التي تكاد تكون حقيقة معززة ، في الامتداد الأخير المثير لفيلم "الغرفة المجاورة" ، عندما يتم شحذ عاطفة مصطنعة في سينما المخرج "ألمودوفار " لرفع غناء الطيور ، وجعل أسطح الأشياء ملموسة وتسامي القيمة العاطفية لقبلة على الخد . في ظل هذا التوهج الحسي أيضا ، الخلاص الوحيد الممكن "أن نتعلم كيف نطلب المغفرة وكيف نصلح بقدر ضئيل الضرر المدمر الذي ألحقناه بعائلتنا البشرية والمخلوقات الأخرى والأرض الجميلة . أن نحب ونسامح بعضنا البعض بأفضل ما نستطيع . ونتعلم أن تقول وداعا" . يتحدت المخرج (بيدرو ألمودوفار ) عن فكرته : " إذا كان هناك شيء نهائي ، فهو الموت ومتعة الحواس ، وهو عكس الموت على المستوى السردي ، بما في ذلك الموت ينشط القصة بأكملها ، ويجعل الشخصيات تتفاعل لأنه شيء متطرف".
ولاينسى المخرج الأسباني في الإشارة الى قسوة الحروب اللامحدودة ، و الطرق المختلفة جدا التي تتعامل بها الكاتبتان وكيف يكتبان عن الواقع ، ويتحدث عن المحبة والصداقة كأفضل حلفاء لمحاربة الخوف والرعب . وتتحدث أيضا عن الاستيقاظ الجميل مع زقزقة الطيور ، في منزل تم بناؤه في وسط محمية طبيعية في نيو إنكلاند . طوال الفيلم ، يقدم " ألمودوفار " انعكاسا للوحدة والرغبة ، بإحساسه المعتاد بالملاحظة العميقة لسيكولوجية الشخصيات . على الرغم من أن الحبكة بسيطة وتدور في مساحة محدودة ، إلا أن ثراء الحوارات والتعامل مع مشاعر الشخصيات يسمح للقصة بالبقاء مكثفة ومؤثرة عاطفيا . يكتسب المنزل الذي تدور فيه معظم الحبكة ازدواجية ملحوظة وملجأ يوفر الخصوصية ، ولكنه أيضا مساحة تزيد من عزلة الشخصيات . يصبح هذا الهيكل المليء بالتفاصيل والرمزية المرئية ، امتدادا لعواطف والصراعات الداخلية للشخصيات . النوافذ الكبيرة ، التي تشكل في البداية دعوة إلى الحرية ، وينتهي بها الأمر إلى إحاطة المشاعر المكبوتة والقلق غير المعبر عنه. تساهم الألوان النابضة بالحياة ، التي تميز أسلوب المخرج ، في خلق "بنية عاطفية" تعزز طبقات الضعف والألم لدى الأبطال ، وبناء مساحة بصرية يتكشف فيها السرد بدون كلمات ، مما يسمح باستكشاف سيكولوجية الشخصيات .
في الختام : "الغرفة المجاورة " تمرين مثير للاهتمام في التفكير في موتنا ، ولكن دائما بعدسة الحب والتعاطف ، والابتعاد عن منظور عاطفي مفرط . من المدهش كيف يمكن للفيلم أن يكون مريحا ، حتى مع الصراع الذي يطرحه . إنه إنجاز عظيم ل(ألمودوفار ) في التمكن من التعامل مع هذا الموضوع بمنظور فريد وخاص . هذا ليس فيلما يمكن للمرء أن يتصالح معه بسهولة بالغة. ربما كان هذا هو الغرض. يبدو أن ألمودوفار على استعداد لتأليف نسخته الخاصة من مرثية لبطلته ، ولا يبدو أنه يجد طريقة أفضل لوضعها على الشاشة. وهو نوع من الأفلام المناهضة للكراهية وتدافع عن الحب غير المشروط في عالم تحدده الكراهية. والحق في الموت في مجتمع السيطرة الجسدية وقمع الرغبات . إذا لم تكن السينما بمثابة عزاء في هذه الأوقات ، فماذا سيتبقى لنا .


كاتب عراقي



#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلم الوثائقي -بين الثورات- محاولة الربط بين الثورتين في ك ...
- -إن شاء الله ولد- فيلم يدين ما يرتكبه المجتمع ضد الأرامل
- ‏ -الخرطوم-فيلم وثائق تجريبي يلتقط بشكل مؤثر مأساة الحرب في ...
- -غزة تنادي- فيلم يكشف لنا وجهاً آخر للمعاناة الفلسطينية
- - حافة التمرد- فيلم يفضح الممارسات العنصرية للشرطة الأمريكية
- -النظام-.. فيلم يجسد رحلة إلى القلب المظلم لأعماق أميركا
- ذاكرة مدينة يوثقها الكاتب العراقي سلام أمان في رواية - أبناء ...
- صرخة إمرأة بوجه العنف المنزلي في فيلم - الحُكم -
- -كعكتي المفضلة-.. حكاية امرأة وحيدة تخوض ثورتها في خريف العم ...
- فيلم - بيدرو بارامو-، مناورة للحظات سريالية من تخيل لرؤية أل ...
- - لا أزال هنا- فيلم برازيلي يعيد إحياء جراح الديكتاتورية
- فيلم - الباص الأخير- تأمل في الحياة والحب والالتزامات تجاه ا ...
- فيلم - العذراء الحمراء - يروي القصة الحقيقة للثورية العبقرية ...
- فيلم - لي - إعادة اكتشاف فترة مظلمة في التاريخ من خلال عدسة ...
- الفيلم الوثائقي -غزة، قطاع الإبادة - يوثق الإبادة الجماعية ف ...
- رحلة البحث عن الجذور والهوية في الفيلم الوثائقي - الإيراني - ...
- فيلم - قطار الأطفال - يحمل رسالة عظيمة عن أهمية الجذور والرو ...
- فيلم - عدوي ، أخي - وثائقي يكشف ضحايا حرب الثمان سنوات بين ا ...
- أسوأ عدو لي- وثيقة سينمائية تدين ممارسات النظام الإيراني وجل ...
- فيلم - لمسة‏‏ - رحلة البحث عن الحب المفقود


المزيد.....




- سحب فيلم بطلته مجندة إسرائيلية من دور السينما الكويتية
- نجوم مصريون يوجهون رسائل للمستشار تركي آل الشيخ بعد إحصائية ...
- الوراقة المغربية وصناعة المخطوط.. من أسرار النساخ إلى تقنيات ...
- لبنان يحظر عرض «سنو وايت» في دور السينما بسبب مشاركة ممثلة إ ...
- فيديو.. -انتحاري- يقتحم المسرح خلال غناء سيرين عبد النور
- بين الأدب والسياسة.. ماريو فارغاس يوسا آخر أدباء أميركا اللا ...
- -هوماي- ظاهرة موسيقية تعيد إحياء التراث الباشكيري على الخريط ...
- السعودية تطلق مشروع -السياسات اللغوية في العالم-
- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي المسعود - إستكشاف تأملي مذهل بصريا للفناء والصداقة يجسدها فيلم- الغرفة المجاورة-