مقامة البلاد البلاد .

صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 12:42
المحور: الادب والفن
    

عام 1991 ناقشت جامعة البكر رسالة ماجستير في التخطيط الاستراتيجي حول المخدرات في العراق , وتبين وجود حالتي تعاطي منذ اعلان الجمهورية 1958 , وأعدت اللجنة البحث غير مهم , لأن معضلة البحث غير موجودة أصلا؟؟ أما في بلاد بريمير يصرح السيد الجحيشي عضو مجلس نوابه : (( بأننا نزرع ونصنع وننتج ونصدر المخدرات , وأن تجار المخدرات باتوا كبارا , ولا يستبعد ان يفوز أحدهم بمنصب رئيس الوزراء يوما )) .

كان المرحوم د . فاضل الحسب أستاذ مادة ألأقتصاد السياسي يقول : (( ان الطريقة الاسهل لصناعة دولة فاشلة : اخنق افضل ما فيها , وصعد اسوأ مافيها )) , هكذا حصلنا على عراق مابعد 2003 , ومذ ذاك , لا جديد تحت الشمس في بلادي , (( يعكر الحملُ دائما ماء الذئب )) , يقول لافونتين : وقف الذئب يوماً ليشرب من النهر , فإذا بحمل صغير يشرب بجانبه , فقال له الذئب : (( لماذا تعكر عليّ الماء؟ )) , فقال الحمل الصغير : (( وكيف لي أن أعكر عليك الماء وأنت تقف في أعلى مجرى النهر , والماء يأتيني من جهتك ؟ )) , حدق الذئب قليلاً في الماء , ثم التفت غاضباً للحمل وقال : (( ولماذا أهنتني قبل ستة أشهر؟ )) , فقال الحمل : (( لم أولد حينها )) , فقال الذئب : (( إذاً فقد كان والدك الذي أهانني , والله لتدفعن ثمن تلك الفعلة )) , وهجم الذئب على الحمل والتهمه , تلك هي مشكلة الوطنيين في عراق بريمير , وليس في القصة أي جديد , فالذئب المدجج بالمخالب والأسنان , تصرف كما تتصرف كل الذئاب , والحمل الوديع لم يكن بيده أن يفعل أكثر مما فعل , فخاطب الذئب بمنطق العقلانية , ودحض الافتراءات بحجج عقلانية دامغة , ولكن منطق القوة والهمجية أقوى وأنفذ من منطق العقلانية , خاصة في بيئة الغاب التي تميل فيها الكفة لمصلحة القوي على الضعيف.

يقول المثل الإنجليزي المشهور : (( ((If you don’t belong, don’t be long , أذا لم تشعر بالانتماء فلا تطل البقاء , وتعني إذا لم تشعر بقيمتك في المكان الذي أنت فيه , أو عند الشخص الذي تحبه , لا تكمّل , وأنت تملك خيار الرحيل , لا تستنزف وقتك ومشاعرك ونفسك بالمجان , لأنها ستتحول في المدى البعيد إلى ذكريات مؤلمة تحاصر أيامك وتساهم في تغيير مجرى حياتك , و في الغربة , تتمنى أن تكون عصفورًا , لا لكي تطير , بل لكي تعودَ إلى عشّك , هناك من يؤمن بنظرية المؤامرة قليلًا أو كثيرًا , وهناك من ينفي نظرية المؤامرة قليلًا أو كثيرًا , ومؤخرًا أصبح لدينا قرائن ومؤشرات قوية أن ثمة مؤامرة في نفي نظرية المؤامرة , لأن الاستماتة في نفيها أصبح مثيرًا للريبة , ومن يقرأ ويسمع كمية الأوصاف الانتقاصية لمن يظن أن هناك مؤامرة في العالم , تصل إلى درجة التشكيك في قواه العقلية , وسلامة حالته النفسية , سيتأكد أن هناك بالفعل مؤامرة لنفي المؤامرة , وبطتنا بطت بطتكم .

(( كشمسٍ تُشرقُ على أرضٍ مجروحة, يُشرقُ الفجرُ على أحزاننا )) , يا له من اقتباس مؤثر وعميق , وتّشبيه قوي , لأن التشبيه بالشمس المشرقة على أرض مجروحة يحمل صورة بصرية مؤثّرة , فالشّمس , رمز النّور والأمل والبدايات الجديدة , تضيء أرضًا تحمل ندوبًا وآثار ألم , هذا يخلق تناقضًا حادًا ولكنه واقعي , تحضر الأحزان وترتبط بإشراق الفجر , الذي يقرّ بأنّ البدايات الجديدة لا تمحو الماضي بالكامل , الأحزان لا تزال حاضرة , ربّما كامنة , وربما تتأثّر بنور الفجر بطرق مختلفة , ونور الفجر لا يمحو الجراح , ولكنه يكشفها , وربّما يساعد في رؤيتها بوضوح أكبر, قد يكون هذا الوضوح مؤلمًا ولكنّه ضروري للتّعامل مع الأحزان وتجاوزها , وهو أمل مشوب بالألم.

يُقَالُ إنَّ ابنُ الرُّومِي أجمَلُ مَنْ عَبَّرَ عَنِ مَعْنَى الوَطَنِ فِي الشّعْرِ , فِي أَبيَاتٍ اشْتمَلَت عَلَى ذِكْر الوَطَنِ , إذْ قَالَ : (( وَحَبَّبَ أَوطَانَ الرِجَالِ إِلَيْهِمُ مَآَرِبُ قَضَّاهَا الشَّبَابُ هُنَالِكَا , إِذَا ذَكَـرُوا أَوطَانَهُمْ ذَكَّـرَتْـهُمُ عُهُودَ الصِّبَا فِيهَا فَحَنُّوا لِذَلِكَا )) , ماذا نقول والجرح المغلق عصيّ على التّطهير؟ ونيتشه يقول : (( ان القطيع ينبذ المفكر , لأنه يمثل تهديداً لوجوده , فالقطيع لا يفكر بل يتبع )) , اه ياشجرة تبكي لوزا وسكرا , بلادي نخلة, وإن أَحْكَمُوا الأَصْفَادَ حَوْلَ جِذْعِهَا , لن تَكُفَّ عَنِ النُّمُوِ بِإِتِجَاهِ الشَّمْس , فعندما تزهر الروح لا يهمها تعاقب الفصول , فلنزهر من جديد لنثبت لهم أن الذبول خرافة , كما علمنا شمس التبريزي , لقد فعل المغول ما لم يفعله الأميركان ببغداد(656هـ) , عندما انتصروا وانتهت الثلاثة أيام مِن الاستباحة , وهذه مِن طبائع الغزاة , ثبتوا الحكومة العباسية السّابقة نفسها , بوزيرها وقاضي قضاتها , بعد إزالة العباسيين عنها , أمّا الغزو الأميركي فكان تحطيماً لكلّ شيء , لذا , مازالت البلاد تئن مِن وطأة ما حدث , لتهمس أنفسنا (( ليت الغزو الأميركي كان مغوليَّاً )) .

يُعلِّمك العراق أن تتجاهل كل نظريات العلوم السياسية , ومبادئ العلاقات الدولية , تجد نفسك أمام بلد يسير عكس مصالحه , كأنه بلد انتحاري في عالم لا ينقصه الجنون , ولسوف يحيّر هذا البلد معظم منظِّري القرن الجديد , وهم يقرأون كيف تعامل مع محيطه, وحلفائه وأعدائه خلال العقود الأخيرة , العراق أمام موت جديد , في قصة ليست جديدة , لقد سئل الفيلسوف جان جاك روسو ما هو الوطن ؟ فأجاب : (( الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه مواطن من الثراء ما يجعله قادراً على شراء مواطن آخر, ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر ما يجعله مضطراً أن يبيع نفسه أو كرامته )) , ولا يستطيع أن يكون وطنيًا من كان ذا معدة خاوية , فالوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء , الدفء والإحساس بالكرامة , وليس الوطن أرضاً فقط , ولكنه الأرض والحق معاً , فإن كانت الأرض معهم فليكن الحق معنا , الوطن يعني البلاد , حيث يكون المرء فيها بخير, ونحنُ سُلبت منا اوطاننا ظهاراً جهاراً , بلد بلا دولة ولا هوية , والمواطن فيه رقم موضوع في خانة المحو والطرح والضرب بصفر, حرمان من أبسط الحاجات , ومصادرة مطلقة لحقوق الإنسان , وعدوان على السيادة والكرامة والحرية والحياة الآمنة المستقرة.

ومن الحب ما قتل , يقول توفيقي بلعيد : (( نحب الوطن ويحبون الوطن لهم الأفراح والمسرات ولنا الهم والحزن , يحبون الوطن ونحب الوطن لهم أجمل ما فيه ولنا التضحيات والمحن , يحبون الوطن نحب الوطن لهم مقالع الرمال وأعالي البحارْ لهم السهول والأنهارْ لهم النجوم والأقمارْ لنا التهميش والزنازن والإبحار لنا الإختفاء القسري والإقبار , يحبون الوطن نحب الوطن لهم كل ما فيه ولنا شبر وكفن )) .

#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات