أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر














المزيد.....

الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8311 - 2025 / 4 / 13 - 08:08
المحور: كتابات ساخرة
    


دخلتُ إلى السوق كما يدخل المحكوم عليه إلى ساحة الإعدام، لا لشيء سوى أنني حلمتُ بعشاء بسيط يُطهى بحب، تتصدره الطماطم، وترافقه البصلات، ويتنفس فيه اللحم رائحة الوجود. لكن الواقع صفَع الحلم صفعةً من العيار الثقيل، وقال لي: "استيقظ أيها الحالم، فقد تغيّر الزمان، ورفعت الطماطم رأسها، وصارت تحكم، أما المواطن، فما عليه إلا أن ينتخب الصبر… كل صباح"

نعم، الطماطم، تلك الحمراء البريئة، التي كانت تقبع في سلالٍ خشبية بانتظار أن يُلقى بها في طنجرة الفقراء، أصبحت اليوم سلعةً ثمينة، تُباع بنظرات التوجس، وتُشترى بكثير من الحياء. أصبح للكيلو منها هيبةُ القمح في زمن الحرب، وصارت تقف بجانب العدس والبصل والدجاج، تلوّح بشهادة العلو الاجتماعي الجديد: “أنا لم أعد للطبقات الدنيا… آسفة.”

تجولتُ بين "الطاولات" كأنني في مزاد علني. هذا يصرخ "درهمان زيادة"، وذاك يتنهد "ما بقى ما يعجب"، وآخر يربّت على قلبه ويهمس: "الله يجعل البركة فالخبز وأتاي". لقد أصبح السوق مسرحاً تراجيديًا، كل ممثل فيه يرتجل دوره حسب حالته المزاجية ومحفظته المهترئة، والجمهور… هو المواطن، يصفق على مضض، ويبكي داخلياً.

أين اختفى ذاك الزمن الذي كانت فيه ربة البيت تحمّل قفتها وهي تبتسم؟ اليوم، صارت تقيس الخضر بحذر العلماء، وتضرب الآلة الحاسبة في رأسها كلما همّت بوضع جزرة أو حبة طماطم في الكيس. لقد تحوّلت مهمة التسوق من طقس يومي بسيط إلى امتحان في التوازن المالي والذكاء الاجتماعي: كيف تُشبع العائلة دون أن تُفلس؟ كيف تطبخ وجبة محترمة دون أن تبيع خاتم الزواج؟

أما الدولة، فموقفها يذكّرنا بحالة الأب المغلوب على أمره في بيتٍ يعجّ بالصراخ: تُطلق التصريحات، وتتوعد المضاربين، وتُعلن عن “مراقبة الأسعار”، وكأنها تبحث عن شبح في الظلام. وما النتيجة؟ تبقى الأسعار على حالها، وتبقى الطماطم سامقة، كأنها ملكة تتفرّج علينا من برجٍ عاجي، ونحن نتقاتل تحتها على "حبة واحدة للزينة".

ثمّة شيء مُضحك في كل هذا… أو ربما مُبكٍ أكثر منه مُضحك. كيف صار المواطن المغربي يُقنع نفسه كل صباح أن الوضع سيتحسن؟ كيف صار يتعامل مع الغلاء كأنه طقس موسمي لا بد منه؟ أصبحنا نحفظ أسماء الأسواق كما يحفظ البعض أسماء أدوية الاكتئاب، ونتبادل نصائح التوفير كما يتبادل المرضى وصفات الأعشاب.

الغريب أننا ما زلنا نضحك. نُطلق النكت عن البصلة التي أصبحت تحلّ محل الذهب، وعن الطماطم التي صارت حلمًا مؤجّلاً، نضحك ونحن نعلم أن النكتة خرجت من رحم الوجع، وأن من يضحك اليوم، يضحك لأن البكاء صار ترفًا.

الطماطم تحكم، والبصل يفرض الإتاوات، والدجاج يخطط للهرب خارج الوطن، والمواطن… ما زال ينتخب الصبر. ليس لأنه يُحب الصبر، ولكن لأنه لم يتبقَّ له شيء آخر ينتخبه.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكرة في ملعبهم… ونحن في قاعة الانتظار
- الإيمان تحت رحمة الجغرافيا
- كاتب رأي... لا صحافي ولا هم يحزنون
- أعيدوها إلى السجن... حمايةً لما تبقّى من ملامح العدالة
- تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة
- جيل التسعينات: من الحلم إلى الاختناق؟
- المعلم ... من مربٍ إلى هدف
- الجزائر بين وهم الماضي وواقع المغرب المتقدم: الحقيقة التي لا ...
- طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم
- المغاربة… يكذبون الكذبة على الفايسبوك ويؤمنون بها
- الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش
- المغربي: بطل الأساطير في مسرح الحياة اليومية.
- صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قا ...
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...


المزيد.....




- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب
- بعد سنوات من الغياب.. عميد الأغنية المغربية يعود للمسرح (صور ...
- لقتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- مصر.. وفاة منتج فني وممثل شهير والوسط الفني ينعاه
- فنان مصري شهير يقع ضحية الذكاء الاصطناعي ويحذر جمهوره (صورة) ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر