أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما















المزيد.....

المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8310 - 2025 / 4 / 12 - 19:42
المحور: الادب والفن
    


في العلاج النفسي، كما في سائر أوجه النشاط الإنساني، تُعدّ الدراما أمرًا لا غنى عنه، بل حتميًا. فهي حتمية لأن الإنسان، على مدار دورة حياته، يواجه تحولات درامية متواصلة؛ وضرورية لأنها الوسيلة التي يتم عبرها تجاوز المراحل والتجارب المفصلية في الحياة. لذا ليس من المستغرب أن تُستخدم الدراما منذ قرون في المسرح وفي الطقوس العلاجية بوصفها مرآة للحياة. واليوم، تُعد الدراما مصدر الإلهام المشترك لكل من السيكودراما والعلاج بالدراما.
وقد انطلقت هاتان المقاربتان من فلسفة مفادها أن الحياة ذاتها درامية، وأن توظيف الدراما فنيًا في المسرح ينطوي على عمق نفسي. وعليه، توظف السيكودراما والعلاج بالدراما تقنيات مثل: لعب الأدوار، التقمص، التمثيل، والارتجال، لمساعدة الأفراد على التعامل مع قضاياهم الشخصية والاجتماعية.
ورغم انبثاقهما من منبع درامي واحد، فإن السيكودراما والعلاج بالدراما ليسا متطابقين. ويكمن هدفنا هنا، توضيح الفروق النظرية والعملية بين المنهجين، في ظل تزايد أعداد الممارسين والباحثين والمهتمين في هذا المجال.
أولاً: الخلفية التاريخية:
تُنسب السيكودراما إلى الطبيب الروماني-النمساوي جاكوب ليفي مورينو في عشرينيات القرن العشرين، وقد انطلقت كتجربة مسرحية قائمة على الارتجال التلقائي. لاحظ مورينو كيف أن الأطفال والممثلين المحترفين يحققون انكشافًا عاطفيًا من خلال لعب الأدوار، مما دفعه لاستكشاف الطابع العلاجي للمسرح التلقائي الخالي من النص المكتوب والحواجز بين الممثلين والجمهور.
لاحقًا، تطورت السيكودراما إلى أسلوب علاجي جماعي أكثر بنيةً وتنظيمًا، وأُسست أول جمعية مهنية لها عام 1942.
أما العلاج بالدراما فقد بدأ في الستينيات بوصفه امتدادًا لتقاليد المسرح التجريبي، متأثرًا برواد مثل بريخت، ستانسلافسكي، غروتوفسكي وأرتو. انطلق المعالجون بالدراما من تقديم عروض مسرحية في المستشفيات والسجون والمدارس، ثم طوروا أساليبهم لتلائم احتياجات تعبيرية وتنموية متنوعة، مما أدى إلى ظهور العلاج بالدراما كحقل مستقل في أواخر السبعينيات، مع تأسيس جمعيته الوطنية عام 1979.
ثانيًا: التعريف والمفاهيم الأساسية:
السيكودراما:
اشتُقّ المصطلح من "نفس" (psyche) و"دراما" (drama)، بمعنى تقديم النفس في حالة فعل. وهي منهج علاجي يُمكّن الأفراد من إتمام أفعالهم ومواجهتها من خلال التمثيل ولعب الأدوار والتعبير الدرامي. وتشمل تقنياتها: تبادل الأدوار، التضعيف (doubling)، الانعكاس (mirroring)، الحديث الذاتي، وغيرها.
العلاج بالدراما:
يصعب تحديد تعريف دقيق للعلاج بالدراما بسبب طبيعته التجريبية المفتوحة. غير أنه يُفهم عمومًا بوصفه استخدامًا منظّمًا للعب التمثيلي والخيال والتعبير الإبداعي الجماعي بهدف التفاعل مع القضايا النفسية. ويعتمد على أساليب مثل الحركة، السرد، التصوير، الارتجال، والرموز المسرحية (كالأقنعة والعرائس).
الفرق الجوهري:
يرى الباحثان أن الفارق الفلسفي الأساسي يكمن في أن السيكودراما تتخذ النفس غاية والفعل المسرحي وسيلة، بينما يتخذ العلاج بالدراما الفعل غايةً والتعبير النفسي وسيلةً.
ثالثًا: البنية النظرية:
ترتكز السيكودراما على فلسفة مورينو، التي تتمحور حول مفاهيم: العفوية، الإبداع، الدور، العلاقات الاجتماعية، الكاثارسيس (التطهير العاطفي)، والتفاعل الجماعي. ورغم ذلك، يستعين بعض الممارسين بنظريات أخرى كالنظرية الديناميكية، السلوكية، أو الإنسانية.
في المقابل، يفتقر العلاج بالدراما إلى نسق نظري موحد، ويعتمد على تأملات من المسرح، الأنثروبولوجيا، علم النفس البنائي، ومدارس الفن التعبيري. ويتسم المعالجون بالدراما بميل إلى التقليل من التنظير لصالح العمل التجريبي.
رابعًا: الممارسة العملية:
1. الخيال والواقع:
في العلاج بالدراما، يُستبقى المشاركون في فضاء خيالي رمزي. أما في السيكودراما، فيُستهل العمل بالخيال، ثم يُعاد تمثيل أحداث واقعية من حياة الفرد، مما يُفضي إلى انكشافات عاطفية أعمق.
2. المعالجة المعرفية:
تركز السيكودراما على استبصار المشاركين بأفعالهم وانفعالاتهم عبر التحليل بعد التمثيل. أما العلاج بالدراما، فيميل إلى ترك التجربة مفتوحة دون تدخل تفسيري مباشر.
3. التركيز الفردي والجماعي:
السيكودراما تقوم على "البطل" الفردي الذي يُعاد تمثيل مشكلته بمشاركة الجماعة. أما العلاج بالدراما فيبني مسرحيات جماعية رمزية تمثل قضايا مشتركة.
4. التقنية:
تُستخدم في السيكودراما أدوات مثل "الكرسي الفارغ" ضمن سلسلة من الإجراءات التدرجية العميقة. بينما يكتفي العلاج بالدراما غالبًا بالتعبير الرمزي الأولي.
خامسًا: الفئة المستهدفة:
تناسب السيكودراما الأفراد ذوي القدرة على الانخراط العاطفي والمعرفي العالي، وقدرتها على إثارة التحوّل لدى مدمني المخدرات، والمصابين باضطرابات العلاقات.
بينما يُعدّ العلاج بالدراما ملائمًا أكثر للأطفال، وذوي الإعاقات الذهنية أو الحركية، والذين يعانون من صعوبات في التعبير اللفظي، لما يتسم به من طابع غير مباشر ومرن.
سادسًا: دور المعالج:
في السيكودراما، يقوم المعالج بأدوار: المحلل، المخرج المسرحي، المعالج، وقائد الجماعة.
أما في العلاج بالدراما، فهو مخرج، معلّم، فنان، وشخصية شبيهة بالشامان (المُرشد الطقسي). ويعتمد على خلفية مسرحية وجمالية قوية، أكثر من اعتماده على المفاهيم الإكلينيكية.
ومن ثم، فالسيكودراما والعلاج بالدراما كلاهما ينبعان من الدراما باعتبارها أداة فنية وعلاجية. ومع أنهما يبدوان متقاربَين، إلا أن لكل منهما منطقًا مختلفًا: أحدهما يستهدف النفس من خلال التمثيل، والآخر يستهدف التمثيل باعتباره مسارًا لتفريغ النفس.
ويوفّر العلاج بالدراما مساحة آمنة، رمزية، وجماعية، في حين أن السيكودراما تغوص في العمق الشخصي العاطفي. ومن هنا، تتكامل الطريقتان، ويمكن للمعالجين المتمكنين أن يطوّروا منهجًا انتقائيًا يجمع بينهما، بشرط الوعي بالفروقات الدقيقة بينهما.
وإذا تصورنا مسرحا نفسيا فلا شك أننا نسعى نحو مسرحٍ للروح ، إذ إن السيكودراما والعلاج بالدراما ليسا مجرد تقنيات علاجية، بل هما انعكاسان لمأساة الإنسان الباحث عن ذاته بين أروقة الألم، وجمال التعبير، وشهوة التحرر. ففي جوهر كل فعل درامي ينبض سؤال وجودي: من أنا حين أمثّل؟ ومن أنا حين أُشاهَد؟ وهل أنا أكثر صدقًا حين أرتدي القناع، أم حين أخلعه؟، إن المسرح النفسي لا يُعنى بالشفاء فحسب، بل يحرّض الإنسان على أن يواجه ذاته كما لو كانت نصًا مفتوحًا، قابلًا لإعادة الكتابة كلما تجرأ على الصمت، وكلما صعد إلى الخشبة الداخلية حيث يتقاطع الحلم مع الذاكرة، والخيال مع الجرح، هكذا، يصبح كل مشهدٍ علاجي بمثابة صلاة غير منطوقة، يتلوها الجسد بلغة الإيماء، ويترجمها القلب بانفعالٍ خالص، لا يُعبَّر عنه بالكلمات بل بالفعل. ذلك لأنّ الإنسان لا يُشفى بالكلام وحده، بل بالفعل الذي يُعيد إليه الحق في أن يكون شخصًا كاملاً، ممثلًا في مسرح الحياة، ولعلّ أعظم ما تمنحه الدراما النفسية هو هذا الاعتراف العميق: أن وجودنا ذاته مسرح، وأننا جميعًا، بشكل أو بآخر، نعيش في دورٍ نؤديه، نطلب فيه الغفران، ونرتّب فيه الفوضى، ونحلم فيه بلحظة صدقٍ واحدة أمام الذات.
الهوامش:
1. Kedem-Tahar, E., & Kellermann, P. F. (1996). Psychodrama and drama therapy: A comparison. The Arts in Psychotherapy, 23(1), 27–36

2. Moreno, J. L. (1972). Psychodrama. New York: Beacon House.

3. Emunah, R. (1994). Acting for Real. Brunner/Mazel.

4. Jennings, S. (1990). Dramatherapy with Families, Groups and Individuals. Jessica Kingsley.

5. Landy, R. (1994). Dramatherapy: Concepts, Theories and Practices. Charles C Thomas.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره


المزيد.....




- تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-، ماذا ...
- تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس ...
- -فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل ...
- هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية ...
- ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل ...
- بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس ...
- هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
- تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب ...
- فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي
- خسر ابنه مجد مرتين.. مشهد تمثيلي يكشف -ألم- فنان سوري


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما