علي عمرون
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 22:50
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
" في عالم يتنامى فيه التوحش علينا ان ندرك انه لا معنى
للحرية والحياة والسعادة إذا لم يكن الاخرون يتقاسمون معنا هذه القيم "
عمرون علي
الجزائر
هناك صراع دائم وأبدي بين الحقيقة والعنف فالحقيقة لا يمكنها ان تقاوم او تقضي على العنف ولكن لنتذكر قول بسكال :" ان العنف لا يمكنه ان يحجب أنوار الحقيقة " وفي الوقت الذي يرافع فيه بعض العرب من اجل السلام مع إسرائيل " يموت أطفال وشيوخ وتسيل دماء" هناك في غزة وخان يونس ورفح... فلماذا غزة التي كان يحلم شارون بأن تغرق في البحر؟ وهل المشكلة تتعلق حقا بسلاح المقاومة الذي تملكه حماس؟ وما تفسير السلوك الممنهج للعنف الذي لاحدود له الذي تمارسه إسرائيل؟ وما دلالة البؤس الذي لا مسمى له الذي يعيشه إخواننا في غزة؟ ان هذه التساؤلات يمكن ان نجد له إجابات يمكنها ان تضيء لنا الطريق الى الحقيقة في ظلام ليل آذن بالبلج.
تكفي العودة الى كتاب نورمان فنكلستين (غزة: بحث في استشهادها) لنفهم حقيقة ما ارتُكب بحق غزة. كتاب استمد مرجعيته من عدد هائل من تقارير حقوق الإنسان تكفي كما قيل لملء مكتبة متوسطة الحجم؛ تقارير التزمت بمعايير الدقة، سجلت سيرة البؤس والمعاناة الفظيعة من ناحية، والقسوة والتعسف الإجرامي من ناحية أخرى. ولكنه ظلت عرضة للتجاهل.
المفكر نعوم تشومسكي في الدورية الصادرة عن مجلس سياسات الشرق الأوسط بتاريخ 19 سبتمبر 2018، دافع عن هذا الكتاب وقال :" إن سبر أغوار الوحشية الإنسانية مهمة شاقة، وحتمًا ليست مهمة ممتعة. وقد تصدّى الباحث نورمان فنكلستين لهذه المهمة بحجج مُحكمة وعاطفة جليّة وعمل بحثيٍّ مستفيض" مؤكدا إن ما حل بغزة هو كارثة إنسانية من صنع الإنسان. تتكشف جهارًا نهارًا، وبتواطؤ من عديدين، ليس فقط من خلال ما يقومون به، بل أيضًا، وخصوصًا، من خلال ما يمتنعون عن القيام به، وهذا يجعل ما يجري جريمة أكثر قبحًا وفداحة.
العدوان على غزة الخلفية التاريخية
يشير نورمان فنكلستين الى ان مسألة غزة تتعلق بكذبة إسرائيلية /امريكية كبيرة مؤلفة من آلاف الأكاذيب الصغيرة التي عادة ما تكون مبهمة ومحجوبة. ومهمة هذا الكتاب هو تفنيد للكذبة الكبيرة من خلال الكشف عن كل واحدة من الأكاذيب الصغيرة. و يسرد القديس أغسطينوس في كتابه ضد الأكاذيب ثمانية أنواع من الأكاذيب خمسة منها نجدها مجسدة في العدوان على غزة منها الكذب في تعاليم الدين والكذب بغرض إيذاء الآخر ونفيه ؛ وممارسة لذة الكذب من اجل الخداع والشعور الوهمي بالرغبة في الرضا والكذب .لأجل الاستيلاء على مقدرات وثروات الانسان الفلسطيني المغدور واستغباء الشعوب العربية . ولتحقيق هذه الغاية جاء متن الكتاب وفق بناء من الاستدلالات لدحض هذه الأكاذيب ودفاعا عن الحقيقة
جاء القسم الأول للكتاب : تحت عنوان عملية الرصاص المصبوب حاول كاتبه في الفصل الأول تفنيد أكذوبة الدفاع عن النفس الذي تحاول من خلاله إسرائيل تبرير عدوانها مؤكدا بالحجة والبرهان ان جوهر السياسة الإسرائيلية يتغذى على عقيدة ردع العرب وتخويفهم ، وسياسة التلفيق والمراوغة ليصل في الفصل الرابع الى بيان تهافت أكذوبة الدروع البشرية التي تستخدمها حماس مرتكزا على تقرير غولدستون فجاء الفصل الخامس بعنوان صهيوني يقول الحقيقة على الرغم من ان الشاهد الرئيسي تراجع عن موقفه لاحقا وفي القسم الثالث واصل تفنيد هذه الأكاذيب من خلال سرد الحقائق المتعلقة بما حدث لسفينة مافي مرمرة فجاء الفصل السابع بعنوان جريمة قتل في عرض البحر ورغم محاولات تبييض صفحة إسرائيل من خلال تقرير توركيل وتقرير فريق الأمم المتحدة فان عملية الجرف الصامد كشفت عن اكذوبة انه من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها!
ولفهم حقيقة ما يحدث في غزة يقول إن الطريق الذي أوصل غزة الحالية إلى هذا الوبال المستطير زاخرٌ بفظائع عديدة، معظمها طواها النسيان أو إنها غير معروفة خارج فلسطين. فبعد توقف المعارك في عام 1949، فرضت مصر سيطرة محكمة على أنشطة الفدائيين في غزة. ولكن في بدايات عام 1955، خطط القادة الإسرائيليون لاستدراج مصر إلى حرب بغية إطاحة الرئيس جمال عبد الناصر، وشنوا غارة دموية عبر الحدود في غزة ذهب ضحيتها 40 جنديًا مصريًا. وتبيّن أن هذه الغارة كانت استفزازًا متقنًا تمامًا، إذ تصاعدت المصادمات الحدودية المسلحة. وفي أكتوبر 1956، اجتاحت إسرائيل (بالتواطؤ مع بريطانيا العظمى وفرنسا) شبه جزيرة سيناء المصرية واحتلت غزة، والتي طالما طمعت بها. ووصف المؤرخ الإسرائيلي البارز بيني موريس الأحداث التي تلت، كما يلي: «علِق العديد من الفدائيين وما يُقدر بـ 4,000 جندي نظامي من المصريين والفلسطينيين في القطاع، وتم تحديد هوياتهم واعتقالهم من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي وجهاز الأمن العام والشرطة. ويبدو أن عشرات الفدائيين أُعدموا بإجراءات موجزة، ودون محاكمة. وربما لقي بعضهم حتفهم أثناء مذبحتين ارتكبهما جنود جيش الدفاع الإسرائيلي بعد احتلال القطاع بفترة وجيزة. وفي يوم 3 نوفمبر، وهو اليوم الذي أُخضعت فيه خان يونس، قتل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي بالرصاص مئات اللاجئين الفلسطينيين والسكان المحليين في البلدة. ويشير أحد تقارير الأمم المتحدة إلى مقتل «نحو 135 من السكان المحليين» و«140 لاجئًا»
وفي مارس 1957، أُجبرت إسرائيل على الانسحاب من غزة بعدما مارس الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور ضغطًا دبلوماسيًا كبيرًا وهدد بفرض عقوبات اقتصادية. وبحلول نهاية العملية، كان أكثر من 1000 غزّي قد لقوا حتفهم. وعلّق أحد المؤرخين مؤخرًا بالقول، «كانت الكلفة الإنسانية للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة الذي امتد أربعة أشهر كلفة باهظة إلى درجة تثير القلق. وإذا أضيفت أعداد الجرحى والسجناء والذين عانوا التعذيب إلى عدد الخسائر في الأرواح، سيتضح أن واحدًا من كل 100 من السكان قد تعرض لأذى بدني من جراء العنف الذي أوقعه الغزاة»
تعود أسباب المحن التي تعاني منها غزة حاليًا إلى الغزو الإسرائيلي. فأثناء حرب عام 1967، أعادت إسرائيل احتلال قطاع غزة (إلى جانب الضفة الغربية) وظلت القوة المحتلة منذ ذلك الوقت. «مثل جميع الاحتلالات، تأسس الاحتلال الإسرائيلي على القوة الغاشمة، والقمع والخوف، وغرْس المتعاونين والخونة، وغرف الضرب والتعذيب، والترهيب اليومي، والإذلال، والمخاتلة»؛ وكان الاحتلال «تجربة وحشية ومرعبة للناس الواقعين تحت الاحتلال»
ومنذ البداية، قاتلَ الفلسطينيون لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي. وأظهر الغزيون بصفة خاصة مقاومة شديدة، مسلحة وغير مسلحة. وفي عام 1969، أصبح شارون قائدًا للقيادة الجنوبية لجيش الدفاع الإسرائيلي، وشرع بعد فترة وجيزة في حملة لسحق المقاومة في غزة.
حيث قام شارون: «بوضع مخيمات اللاجئين تحت عمليات حظر تجول تستمر أربعًا وعشرين ساعة، ويقوم خلالها الجنود بعمليات تفتيش للبيوت ويجمعون الرجال في ساحة عامة لاستجوابهم. وأُجبر العديد من الرجال على الوقوف في مياه البحر المتوسط حتى خصورهم ولعدة ساعات أثناء عمليات التفتيش. إضافة إلى ذلك، أُبعد ما يقارب اثني عشر ألفًا من أفراد عائلات الأشخاص المشتبه بانخراطهم في القتال، إلى مخيمات احتجاز … في سيناء. وفي شهر جويلية 1971، أضاف شارون أسلوب «تقليص» مخيمات اللاجئين، وبحلول نهاية شهر أوت كان الجيش قد اجتث أكثر من ثلاثة عشر ألف من سكانها.
وفي ديسمبر 1987، وقع حادث سير على الحدود بين غزة وإسرائيل أدى إلى مقتل أربعة فلسطينيين، وكان شرارةً أطلقت ثورة جماهيرية، أو ما يسمى الانتفاضة الفلسطينية
وفي بدايات التسعينيات، كانت إسرائيل قد نجحت في قمع الانتفاضة الأولى، ودخلت لاحقًا في اتفاق تم التفاوض في شأنه سرًا في العاصمة النرويجية، أوسلو، مع منظمة التحرير الفلسطينية، وجرت المصادقة عليها في سبتمبر 1993 في حديقة البيت الأبيض. وسَعت إسرائيل من خلال اتفاق أوسلو إلى تيسير فرض الاحتلال من خلال سحب جنودها من الاتصال المباشر مع الفلسطينيين على أن يحل مكانهم وكلاء فرعيون فلسطينيون. وعلّق وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي بالقول، «يتمثل أحد معاني أوسلو في أن منظمة التحرير الفلسطينية باتت … [كيانًا] متعاونًا مع إسرائيل في مهمة خنق الانتفاضة وإجهاض … كفاح ديمقراطي أصيل لتحقيق الاستقلال الفلسطيني»
على الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، واصلت غزة ثورتها. وفي الوقت الذي أُبرم فيه اتفاق أوسلو، باتت إسرائيل متطيرة من الوضع المستعصي في غزة. وأعرب رابين عن يأسه بالقول «آهٍ لو أنها فقط تغرق في البحر»
تشكل المقاومة الاسلامية حماس
في عام 2006، وبعد أن سئم الفلسطينيون من ممارسات الفساد الرسمي والمفاوضات العبثية التي استمرت لسنوات، صوتوا لصالح حركة حماس الإسلامية، وذلك في انتخابات اعتُبرت على نطاق واسع بأنها «نزيهة ومنصفة تمامًا» (جيمي كارتر) (34). وأعربت عضو مجلس الشيوخ الأمريكي هيلاري كلينتون في حديث شخصي عن سخطها من أن الولايات المتحدة لم تزوّر نتيجة الانتخابات، وقالت: «كان يجب علينا أن نتأكد من القيام بأمر ما لتحديد الجهة التي ستفوز». وكانت حماس منذ تأسيسها في عام 1988 قد رفضت رسميًا الشروط المقبولة دوليًا لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ومع ذلك، دلّت مشاركتها في المنافسة الانتخابية على احتمالية أن الحركة الإسلامية «تتطور ويمكن أن تتطور أكثر». إلا أن إسرائيل شددت حصارها فورًا، «وتوقفت الأنشطة الاقتصادية في غزة، وتحولت إلى سعي من أجل البقاء». وحذت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حذو إسرائيل، إذ فرضا عقوبات مالية «مدمرة». وكان سبب إحكام هذه الأنشوطة حول عنق حماس وأعناق الناس في غزة، هو أنهم نفذوا ما طُلب منهم: المشاركة في انتخابات ديمقراطية. أما الافتراض غير المعلن لهذه الانتخابات، والذي تكبدت غزة ثمنًا فادحًا لجهلها به، فكان أنه يتعين على حماس أن تخسر. وأشار المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى جوانب الشذوذ العديدة في هذا الرد العقابي: «والواقع أن الشعب الفلسطيني قد أُخضع لعقوبات اقتصادية – وهي المرة الأولى التي يُعامل بها شعب محتل هذه المعاملة. وهذا أمر يصعب فهمه، فإسرائيل تنتهك قرارات رئيسية صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة في ما يتعلق بما أحدثته من تغييرات إقليمية غير مشروعة وما ارتكبته من انتهاكات لحقوق الإنسان. كما أنها لم تنفذ الفتوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية في عام 2004، ورغم ذلك فإنها تُفلت من العقوبات. وبدلًا من ذلك، أُخضع الشعب الفلسطيني … لوجه من وجوه العقوبات الدولية لعله الأشد قسوة في التاريخ الحديث»
في عام 2007، عززت حماس سيطرتها على غزة بعد أن أحبطت محاولة انقلابية دبرتها واشنطن بالتواطؤ مع إسرائيل وعناصر من الحرس القديم الفلسطيني
في سبتمبر 2008، أطلقت إسرائيل «عملية الرصاص المصبوب». ومصطلح «الرصاص المصبوب» يشير إلى سطر من أغنية خاصة بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا).
بدأت العملية بحملة جوية تبعها هجوم جوي وبري. وشنَّ سلاح الجو الإسرائيلي الذي يستخدم أحدث الطائرات المقاتلة في العالم نحو ثلاثة آلاف طلعة جوية فوق غزة وأسقط ألف طن من المتفجرات، في حين نشر الجيش الإسرائيلي عدة ألوية عسكرية مجهزة بأنظمة متطورة لجمع المعلومات، وأسلحة من قبيل بنادق روبوتية يتم التحكم بها عن بعد ومزودة ببث تلفزيوني. وفي الجانب الآخر، أطلقت حماس عدة مئات من الصواريخ وقذائف الهاون نحو إسرائيل. وفي 18 كانون الثاني/ يناير 2009
بررت إسرائيل رسميًا عملية الرصاص المصبوب على أساس الدفاع عن النفس أمام الهجمات الصاروخية من حماس (55). بيد أن هذا التبرير لا يصمد أمام التمحيص البسيط؛ فلو كانت إسرائيل تريد تجنب هجمات حماس الصاروخية، لما كانت قد استثارت هذه الهجمات من خلال انتهاكها وقف إطلاق النار المبرم عام 2008. وكان بوسعها أيضًا تجديد اتفاق وقف إطلاق النار – والالتزام به على خلاف سلوكها المعتاد. وفي الواقع، وحسبما أفاد ضابط استخبارات إسرائيلي سابق لمجموعة الأزمات الدولية، فإن «خيارات وقف إطلاق النار المطروحة على الطاولة بعد الحرب كانت قائمة أصلًا قبلها». وإذا كان هدف عملية الرصاص المصبوب هو تدمير «البنية التحتية للإرهاب»، فقد بدت ذريعة إسرائيل بالدفاع عن النفس أقل صدقية بعد الاجتياح، ففي الأغلبية العظمى من الحالات لم تستهدف إسرائيل معاقل حماس، وإنما استهدفت مواقع هي «بلا جدال، ‘غير إرهابية’ وغير تابعة لحماس»
ردع العرب، ردع السلام
إذا لم تكن إسرائيل مدفوعة بمسوغات الدفاع عن النفس، فما الذي حثّها على تنفيذ حملة عسكرية ضد سكان مدنيين لا بد أن تجلب لها توبيخًا مريرًا في الخارج؟
لاشك ان الدوافع الرئيسية الكامنة وراء اجتياح غزة ترتكز على مبدأين يشكلان العقيدة التي يؤمن بها الكيان الصهيوني الأول غرس فكرة «قدرة الردع» الإسرائيلية وتضخيمها، و ثانيا إحباط فكرة «السلام» ووهم فكرة الدولتين. وأورد مراسل صحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط، إيثان برونر، مقتبسًا من مصادر إسرائيلية، أن «الشاغل الأكبر» لإسرائيل في عملية الرصاص المصبوب كان «إعادة تأسيس قوة الردع الإسرائيلية»، لأن «أعداءها باتوا أقل خوفًا منها مما كانوا عليه سابقًا، أو مما يجدر أن يكونوا عليه»
لذلك شارون، كان يردد دائما « إن سلاحنا الرئيسي – هو الخوف منا». ومثّل طرد جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 على يد قوات حزب الله تحديًا جديدًا لقدرة الردع الإسرائيلية. فنظرًا إلى الهزيمة النكراء التي لحقت بإسرائيل، والاحتفالات التي تفجّرت في جميع أنحاء العالم العربي بنصر حزب الله، بات اندلاع حرب أخرى أمرًا شبه محتوم. ومثّل طرد جيش الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 على يد قوات حزب الله تحديًا جديدًا لقدرة الردع الإسرائيلية. فنظرًا إلى الهزيمة النكراء التي لحقت بإسرائيل، والاحتفالات التي تفجّرت في جميع أنحاء العالم العربي بنصر حزب الله، بات اندلاع حرب أخرى أمرًا شبه محتوم.
ووفق نبوءة (رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، غيورا إيلاند آنذاك ) الحرب المقبلة … ستقود إلى محو الجيش اللبناني، وتدمير البنية التحتية الوطنية، ومعاناة شديدة بين السكان. إن التسبب بأضرار شديدة للجمهورية اللبنانية، وتدمير البيوت والبنية التحتية، ومعاناة مئات الألوف من الناس، هي التبعات التي يمكن أن تؤثر في سلوك حزب الله أكثر من أي أمر آخر.
ومن دون شك، فقد تحققت هذه المهمة، ففي حين قتلت إسرائيل 55 لبنانيًا في أول يومين لحرب عام 2006، فإنها قتلت ما يصل إلى 300 غزّي في الدقائق الأربع الأولى فقط من اليوم الأول لعملية الرصاص المصبوب. وكانت معظم أهداف القصف تقع في «مناطق سكنية مكتظة»
التلفيق والمراوغة
وجدت إسرائيل ومؤيدوها أنفسهم في مأزق من جراء صور الفظائع التي توالت من غزة وطفحت بها التغطية الإعلامية الدولية فقد قُتل 1,400 فلسطيني تقريبًا أثناء عملية الرصاص المصبوب، وكان أربعة أخماسهم من المدنيين، ومن بينهم 350 طفلًا ،وبعد فترة وجيزة من انتهاء عملية الرصاص المصبوب في 18 جانفي 2009
تبين الكذب الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا بخصوص عدة مسائل أثناء عملية الرصاص المصبوب، بما في ذلك استخدامها للفوسفور الأبيض. فبينما كان الاجتياح جاريًا، أفاد الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي لقناة سي أن أن: «بوسعي أن أقول لكم وبكل تأكيد بأن الفوسفور الأبيض لا يُستخدم بتاتًا»، في حين قال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكينازي، للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإسرائيلي، «الجيش الإسرائيلي يتصرف فقط وفقًا لما يسمح به القانون الدولي ولا يستخدم الفوسفور الأبيض». حتى بعد أن وثقت منظمات حقوق إنسان عديدة بالبرهان القاطع الاستخدام الإسرائيلي غير القانوني للفوسفور الأبيض، أصر «تحقيق عسكري» إسرائيلي على هذه التلفيقات. وتأمّل محلل سابق في وزارة الدفاع الأمريكية يعمل محللًا عسكريًا مع منظمة هيومان رايتس ووتش في سلسلة الأكاذيب الإسرائيلية أثناء حرب لبنان في عام 2006 وأثناء عملية الرصاص المصبوب، وقال: «كيف يمكن لأي شخص أن يصدق الجيش الإسرائيلي؟»
لم تكتفِ إسرائيل بمهاجمة سكان غزة المدنيين ومنظومة الدعم الإنسانية فيها، بل استهدفت أيضًا، وعلى نحو منهجي، البنية التحتية المدنية لغزة. فخلال عملية الرصاص المصبوب، تعرض 58,000 منزل للدمار أو لأضرار من جراء الهجوم الإسرائيلي (دُمر 6,300 منزل تمامًا أو لحقت بها أضرار جسيمة)، إضافة إلى تدمير 280 مدرسة وروضة أطفال (دُمرت 18 مدرسة تمامًا، كما سُوّيت بالأرض ستة مبانٍ جامعية)، ودُمّر 1,500 مصنع وورشة (بما في ذلك 22 من معامل الأسمنت الجاهز من مجموع 29 معملًا في غزة)، وعدة مبانٍ تؤوي وسائل إعلام فلسطينية وأجنبية (قُتل صحافيان أثناء قيامهما بعملهما؛ إضافة إلى مقتل 4 صحافيين آخرين في ظروف أخرى)، ومرافق شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي (انقطع التيار الكهربائي عن أكثر من مليون غزّي أثناء الاجتياح، في حين انقطع إمداد مياه الشرب عن نصف مليون شخص)، و190 مجمعًا للبيوت البلاستيكية، و80 في المئة من المحاصيل الزراعية، ونحو خُمس الأراضي المزروعة.
أكذوبة الدروع البشرية
سعت إسرائيل إلى التملّص من مسؤوليتها عن الخسائر في الأرواح، لذا زعمت أن العديد من المدنيين الغزيين قُتلوا لأن حماس استخدمتهم «دروعًا بشرية». وزعم إيجاز إسرائيلي «للجوانب الواقعية والقانونية» أن حماس «اختارت قاعدة عملياتها في مناطق مدنية، ولم يكن ذلك على الرغم من احتمالية حدوث ضرر كبير للمدنيين، وإنما سعيًا للتسبب بهذا الضرر»، وأن «مقاتلي حماس افتخروا بتعريض حياة المدنيين للخطر». وبما ان حبل الكذب قصير سرعان ما أصدرت منظمة العفو الدولية حكمًا يبرئ حماس تمامًا: «على العكس من المزاعم المتكررة على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين بشأن استخدام ‘الدروع البشرية’، فإن منظمة العفو الدولية لم تجد دليلًا على أن مقاتلي حماس أو غيرهم من المقاتلين الفلسطينيين قد وجهوا حركة المدنيين لحماية الأهداف العسكرية من الهجمات. كما لم تجد دليلًا على أن حركة حماس أو غيرها من الجماعات المسلحة قد أرغمت السكان على البقاء في المباني التي استخدمها مقاتلوها أو حولها، ولا على منع المقاتلين للسكان من مغادرة المباني أو المناطق التي كان يستخدمها المقاتلون…
وإذ لم تجد منظمة العفو الدولية أي دليل على أن حماس استخدمت المدنيين دروعًا بشرية، فإنها وجدت أدلة عديدة على قيام إسرائيل بذلك. وقد أعلن الإيجاز الإسرائيلي بأن قواعد الاشتباك المعتمدة لدى قوات الدفاع الإسرائيلية تحظر بحزم «استخدام المدنيين كدروع بشرية»، وأن «جيش الدفاع الإسرائيلي اتخذ إجراءات متنوعة لتدريس قواعد الاشتباك وغرس الوعي بها في صفوف القادة والجنود». ولكن في الواقع، «استخدم الجنود الإسرائيليون المدنيين، وبينهم أطفال، ‘كدروع بشرية‘، الأمر الذي عرّض حياتهم للخطر، حيث أرغموهم على البقاء بالقرب من المنازل التي استولوا عليها واستخدموها كمواقع عسكرية. وأُرغم بعضهم على تنفيذ مهام خطرة من قبيل تفتيش الممتلكات أو الأشياء التي اشتبهوا في أنها مفخخة. كما اتخذ الجنود مواقع في منازل مأهولة وشنوا هجمات من داخلها أو من حولها، مما عرّض السكان المحليين لخطر الهجمات أو لأن يعلقوا في مناطق تبادل إطلاق النار».
كما وجدت منظمة العفو الدولية أن النيران أُطلقت على المدنيين الفلسطينيين «بمن فيهم النساء والأطفال من مسافة قريبة من دون أن يمثلوا أدنى تهديد لحياة الجنود الإسرائيليين»، وأنه «لم تدُرْ أيّ معارك بالقرب منهم عندما قُتلوا». ووثقت دراسة أصدرتها منظمة هيومان رايتس ووتش قيام إسرائيل بقتل المدنيين الفلسطينيين الذين «كانوا يحاولون أن يوضحوا أنهم غير مقاتلين، عبر التلويح بأعلام بيضاء»؛ وأن «القوات الإسرائيلية الموجودة كانت تسيطر على المناطق المعنية، وأنه لم يكن ثمة قتال دائر وقت وقوع هذه الحوادث، وأن المقاتلين الفلسطينيين لم يكونوا مختبئين بين المدنيين الذين تم إطلاق النار عليهم وقُتلوا». وفي حادثة نموذجية، «كانت امرأتان وثلاثة أطفال من عائلة عبد ربه واقفين لدقائق معدودة أمام منزلهم – وكان ثلاثة منهم على الأقل يحملون قطعًا من القماش الأبيض – حين فتح الجنود الإسرائيليون النار، فقتلوا الفتاتين – 7 أعوام وعامين – وألحقوا الإصابات بالجدة والفتاة الثالثة»
وأبرزت دراسة أصدرتها منظمة هيومان رايتس ووتش حول الاستخدام الإسرائيلي «غير القانوني» للفوسفور الأبيض الاستعارة المجازية لحرق النمل بعدسة مكبرة. فالفوسفور الأبيض يتسبب «بحروق جسيمة» تصل أحيانًا إلى العظم، وتصل حرارته إلى 816 درجة مئوية (1,500 درجة فهرنهايت)
ماذا كان غاندي سيقول؟
على الرغم من ان غزة في ازمة الا ان هناك بعض الأصوات التي تهرف بما لا تعرف تنادي بضرورة مقابلة الاحتلال الإسرائيلي بالتسامح بوصفه فضيلة أخلاقية انطلاقا من قول غاندي:" التسامح قانون الانسان" وكثيرًا ما يُلام الفلسطينيون لعدم اعتناق استراتيجية غاندي التي تخلت عن المقاومة العنفية. وقال نائب وزير الدفاع الأمريكي، بوول ولفويتس، لجمهور في جامعة جورجتاون في عام 2003 «لو تبنى الفلسطينيون أساليب غاندي، فأعتقد أن بوسعهم تحقيق تغيير هائل بسرعة كبيرة» (أ). قد يكون محقًا في ذلك، ولكن «أساليب غاندي» لا تُلزم الفلسطينيين بإلقاء أسلحتهم المرتجلة. فقد صنّف غاندي المقاومة القائمة على القوة في مواجهة آفاق مستحيلة (مثلًا، امرأة تقاوم شخصًا يسعى لاغتصابها بأن تصفعه وتخدشه، أو رجل أعزل يقاوم بيديه التعذيب الذي توقعه به عصابة، أو الدفاع المسلح عن النفس من جانب البولنديين في مواجهة الاعتداء النازي) بأنها «لا عنفية تقريبًا». فهي في جوهرها مقاومة رمزية، وأقل عنفًا من دفعة خفيفة، لتمكين النفس من التغلب على الخوف لإتاحة إمكانية الموت بكرامة؛ وهي تشير إلى «رفض الانحناء أمام القوة الطاغية مع الإدراك المسبق أنه سيؤدي إلى موت محتوم» (ب). ففي مواجهة الذبح الإسرائيلي الجهنمي وعالي التقنية في غزة، ألا تُعتبر المقذوفات الركيكة لحماس بأنها من صنف العنف الرمزي الذي كره غاندي أن يشجبه؟ وحتى لو شكلت الهجمات بالمقذوفات عنفًا مكتمل الأركان، فليس من المؤكد أن غاندي كان سيعارضها. فقد حث الناس قائلًا: «كافحوا العنف باللاعنف إن استطعتم، ولكن إذا لم تستطيعوا فكافحوا العنف بأي وسيلة، حتى لو أدى ذلك لإبادتكم تمامًا. ولكن لا يجوز بأي حال ترك بيوتكم وأسلوب عيشكم عرضة للسلب والحرق».
#علي_عمرون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟