حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 15:52
المحور:
الادب والفن
السيارة الرباعية الدفع تقف في زاوية هادئة على يمين مدخل الدرب. اللون الأسود اللامع يكسوها كبحيرة ساكنة تحت ضوء القمر، بخطوطها الأنيقة التي تجمع بين الحدة والنعومة، تعكس فخامة مترفة وقوة خفية ظاهرة للعين. بينما كان الطفل يقف حافياً، ترتجف قدماه على الحصى البارد، بدا كشبح صغير وسط هذا المشهد المتألق. شعره المتشابك مثل عش طائر هجرته الحياة، وملابسه البالية تحكي حكاية العوز المتجذّر. اقترب بحذر، ثم مد يده الصغيرة الملطخة بالتراب ليختبر ملمس السيارة. كانت برودة المعدن وملمس الجلد الناعم شيئاً جديداً على بشرته الخشنة، وكأنها نافذة صغيرة إلى عالم لا يُشبه عالمه.
اقترب بوجهه أكثر نحو المرآة الجانبية التي عكست صورته الشاحبة والمغطاة بالغبار. كانت ابتسامته المنكسرة تتردد في عينيه البريئتين، ولكن مخيلته انطلقت بعيداً عن صدى الواقع. رأى والده، المكافح الذي يدفع عربة خشبية متهالكة كل يوم تحت وطأة الشمس، يجلس خلف مقود هذه السيارة الباهرة، مبتسماً له من نافذتها الداكنة، يدعوه ليركب بجواره. تخيل نفسه بداخلها، يتجول بين أزقة الحي الفقير وأعين الجيران ملأى بالدهشة والإعجاب.
انسحب الطفل بعدها بخطى مترددة لكن مفعمة ببذور حلم يتشكل. غادر المكان وتحت جفونه الصغيرة تزاحمت الصور: طوابير من السيارات الفارهة بأنواعها وألوانها تتبارى في مخيلته، حيث أخذت الاحتمالات تمتد وتكبر مثل شجرة تتفرع جذورها عميقاً في وجدان طفل يحلم بعالم مختلف.
في لقطة قريبة، ظهرت التفاصيل الحميمة: يد صغيرة متسخة تنزلق ببطء على شعار السيارة اللامع. انعكس جزء من وجه الطفل الشاحب في الشعار، بينما لمع بريق الترقب في عينيه. كان التباين واضحاً بين خشونة اليد ولمعان المعدن، كأنما يترجم المسافة الهائلة بين عالمه المليء بالحرمان والصورة اللامعة التي تسكن أحلامه. كل لمسة ناعمة للشعار بدت وكأنها رمز للأمل والدهشة في قلب صغير يلهث نحو مستقبله المجهول.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟