|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير29
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 14:19
المحور:
الادب والفن
الأربعاء 11. 8 . 1999 بقيت اليوم في البيت بسبب العطلة التي قررتها السلطة الفلسطينية بمناسبة كسوف الشمس الذي وقع بعد ظهر هذا اليوم. تعطلت كل مظاهر الحياة في هذا الشرق المتخلف خوفاً من الكسوف. أتممت قراءة ما تبقى من رواية " حارث المياه " لهدى بركات. هذه الكاتبة مثقفة تظهر ثقافتها في كتابتها الروائية. ربما ظهرت بعض شخصيات روايتها في بعض المشاهد كأنها مجرد أبواق تردد أفكار المؤلفة، لكن هذا الحفر العميق في تاريخ بيروت وفي تاريخ القماش يجعل نصها في غاية الجمال، وهو يثير لدى القارىء متعة عقلية مؤكدة. الساعة الآن تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل. المزاج عادي. الطقس حار. الصحة مقبولة. شعرت بشيء من الخيبة لأن بريدي الأليكتروني لم يحمل لي رسائل منذ الثالث عشر من حزيران الماضي! هذا المساء غضبت من الحفيد محمود أثناء تعليمي له كتابة الأرقام. كان يمعن في الضحك وفي العبث. زجرته بحدة وجعلت الدموع تطفر من عينيه، ما جعلني أتألم لذلك، لكن الدرس استمر على نحو أفضل. الخميس 19 . 8 . 1999 زرت محمود درويش في مكتبه في مركز خليل السكاكيني. استعرضنا معاً أسماء الكتاب والفنانين المتقدمين لجوائز فلسطين في الآداب والفنون والعلوم، توقفنا عند بعض الأسماء التي لها حظوظ في الفوز. كان محمود يعلق دون تحفظ على بعض الأسماء التي تفتقر إلى العمق. سألته عن أخبار كتابته، قال إنه انتهى من الكتابة الأولى لعمل شعري جديد، فغبطته على ذلك. قلت له إنني منذ أشهر لم أكتب شيئاً. شرعت هذا المساء بقراءة رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، لم تشدني الرواية كثيراً بسبب رغبة الكاتبة المتكلفة في تشويق القارئ، وإصرار على إخفاء الأسرار عنه أطول وقت ممكن. كم أشعر بالتعب وأنا أعمل على الكمبيوتر. سأنتهي من الكتابة الآن. الساعة تقترب من الواحدة ليلاً. الطقس حار والمزاج عادي.
الجمعة 27 . 8 . 1999 انتهيت اليوم من قراءة رواية "فوضى الحواس" لأحلام مستغانمي، وقد وجدتها أفضل من روايتها السابقة. في "ذاكرة الجسد" ثمة إصرار من الكاتبة على تحويل شخصيات روايتها إلى مجازات أدبية مكشوفة، بحيث تكون "حياة" هي الجزائر، وزوجها هو الطبقة التي تحاول سرقة الثورة لخدمة مصالحها الطبقية. في الرواية الثانية، تمارس الكاتبة اللعبة نفسها، ولكن على نحو أكثر إقناعاً، ثم إنها تحاول ترسم خطى ميلان كونديرا في خلق شخصية وهمية ثم متابعتها في النص كما لو كانت شخصية مفعمة بالحياة، لقد فعل ذلك في رواية "خلود" وهي تفعل الشيء نفسه. ذهبت بعد الظهرصحبة الوالد إلى قاعة القدس لحضور خطبة تانيا، ابنة أخي محمد، على موسى، ابن أختي آمنة. بقيت هناك ثلاث ساعات ثم عدت إلى البيت أترقب مشاهدة مباراة كرة القدم بين المنتخب الفلسطيني والمنتخب السوري، كانت المباراة ممتعة في الشوط الثاني، خصوصاً حينما أحرز المنتخب الفلسطيني هدف التعادل، مخرجاً بذلك المنتخب السوري من اللعب، رغم أن هذا الأخير يعتبر أكثر مراساً وبراعة في اللعب. شعرت بالمتعة لأن ثمة فريقاً فلسطينياً يحرز نتائج طيبة، ويرفع اسم فلسطين عالياً بين المنتخبات الرياضية العربية، لكنني حزنت لحال الرياضة في بلادنا التي ما زالت متخلفة شأنها في ذلك شأن جوانب أخرى مختلفة في حياتنا. ابتداء من هذه الليلة سأتوقف عن القراءة المكثفة، وسأبدأ في كتابة مجموعة من قصص الأطفال، ولن أقرأ إلا ما هو ضروري أثناء ذلك. الطقس حار نسبياً. في مثل هذه الليلة قبل عام كنت في مدينة أيوا الأمريكية، كنت وصلتها في الرابع والعشرين من آب لأمكث هناك ثلاثة أشهر. الساعة الآن تتجاوز الثانية عشرة ليلاً.
الثلاثاء 31 . 8 . 1999 حاولت يوم أمس الكتابة للأطفال، ولكنني لم أوفق في كتابة شيء له قيمة. لن أيأس وسأحاول من جديد. كم تتأبى علي الكلمات! وكم أشعر بالخوف من النضوب! ثم انني لا أتعامل مع الكتابة بالحزم المطلوب! ما إن أبدأ في التفكير بمشروع جديد، حتى أبدأ في وضع العراقيل أمام نفسي، وفي التهرب من واجب الكتابة! الساعة الآن تقترب من الواحدة والنصف ليلا. لم أقرأ شيئا هذا اليوم. راقبت مباراة كرة القدم بين المنتخب الأردني والمنتخب العراقي. كانت المباراة حارقة للأعصاب، ثم انتهت بفوز المنتخب الأردني بركلات الجزاء. أعطيت الحفيد محمود درسا في الكتابة والرسم. إنه يتقدم ببطء شديد. غداً لن أذهب الى العمل، سأصطحب ابنتي أمينة الى مستشفى هداسا لإجراء فحوصات. المزاج عادي، والصحة مقبولة، والطقس غير حار، والوضع العام بالغ السوء.
الجمعة 3 . 9 . 1999 بقيت اليوم في البيت. ابني خالد في مستشفى شعاري تصيدق منذ ثلاثة أيام، ذهبت مساء أمس صحبة أفراد العائلة لزيارته، إنه يعاني من التهاب في الحنجرة. بقينا عنده عدة ساعات، ضاع أثناءها الحفيد محمود في ردهات المستشفى الكبير. كنت أتمشى في ردهات الطابق السابع حيث يرقد خالد، وكان محمود يقلدني في التمشي، فجأة غاب عن نظري، رحنا نبحث عنه في كل مكان، ولم نعثر عليه إلا بعد أكثر من نصف ساعة. كان قد هبط الدرج نحو الطابق السادس، وحينما افتقدنا ولم يعرف كيف يعود إلينا راح يبكي فاستوقفه مواطن فلسطيني جاء لزيارة قريب له، وبقي واقفا معه قرب كاونتر الاستقبال الى أن عثرنا عليه. قرأت اليوم مقتطفات من كتاب "مسخ الكائنات" للشاعر الروماني القديم أوفيد، وسوف أستفيد من بعض الأساطير الموجودة في الكتاب، لكتابة نص قصصي طويل للفتيات والفتيان. وضعت بعض الأفكار لكتابة قصة للأطفال بطلها حمار. الساعة الآن التاسعة والربع مساء. أفراد الأسرة ذهبوا لزيارة خالد في المستشفى. أمينة في غرفتها تدرس كما يبدو أحد كتب التوجيهي، وأنا أكتب هذه اليوميات، وسأحاول الآن أن أكتب نصاً أدبياً.
السبت 4 . 9 . 1999 زارني الرفيق سليمان النجاب في مكتبي، وكان عندي في المكتب الكاتب حسن خضر. تحدثنا في السياسة، كانت الصورة قاتمة. الليلة سيتم التوقيع في مدينة شرم الشيخ المصرية على خطة لتنفيذ اتفاق واي ريفر بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت. ذهبت مساء صحبة الوالد لزيارة خالد في المستشفى. ذهبت معنا ابنتي باسمة وزوجها حسام وولداهما شروق وشريف، وذهب معنا الحفيد محمود الذي لم يتوقف عن الثرثرة طوال الوقت. تمشيت في ردهات المستشفى كالعادة، وتفرجت على لوحات فنية مثبتة على الجدران لرسامين مختلفين من بينهم الرسام الاسباني خوان ميرو. أعتقد أن الوقت قد حان للشروع في كتابة رواية تصف وضعنا الصعب في ظل أسوأ احتلال في تاريخ البشرية. ينبغي علي أن أكتب عن هذا الصلف الاسرائيلي الذي لم يشهد التاريخ ما يماثله من صلف. الساعة الآن تقترب من الثانية عشرة ليلا، يبدو أن ثمة مشكلة في الإيميل الخاص بي، ويبدو أن انقطاع الرسائل منذ شهرين عائد الى هذه المشكلة التي لا أعرف عنها شيئا حتى الآن. المزاج ليس على ما يرام.
الثلاثاء 7 . 9 . 1999 لم تكن هناك مشكلة في الإيميل. كل ما في الأمر أن خبرتي في التكنولوجيا ما زالت محدودة، كما أنني نزق لا أطيق التوقف قليلا عند التعليمات الكثيرة الموجودة على الانترنت، والتي يمكن الاسترشاد بها لتكوين المعرفة. المهم وجدت أن ثمة صفحة ثانية في الإيميل لم أكن أعلم بوجودها، كنت أكتفي بفتح الصفحة الأولى التي امتلأت، ثم أغادر الإيميل معتقداً أن ليس ثمة جديد عليه. وجدت على الصفحة الثانية 61 رسالة من أشخاص ومؤسسات. المزاج هذا المساء ليس على ما يرام. أشعر بالقرف من هذا المحيط الذي أعيش فيه، ثمة تخلف وعادات بائسة وأحقاد صغيرة. لا أدري بعد كم من عشرات السنين سوف يتحرر هذا المجتمع من العشائرية، ومن كل ما يرتبط بها من سلوكيات مزعجة. منذ أيام لا أقرأ على نحو مناسب، كما أنني لم أنجز حتى الآن قصة الأطفال التي سوف أرسلها الى الكاتب محمد علي طه الذي سيصدر عما قريب مجلة جديدة للأطفال. الساعة الآن الثامنة والنصف مساء. غادر خالد المستشفى يوم أمس. أخبره الأطباء بضرورة اجراء عملية لاستئصال اللوزتين بعد شهر. حالته ما زالت غير مرضية. بعد نصف ساعة سأشاهد برنامج الاتجاه المعاكس الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية حول منظمات الكفاح المسلح الفلسطيني، وذلك بعد أن قامت الحكومة الأردنية بإغلاق مكاتب حماس في الأردن. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
-
الأدب في زمن الحروب والأزمات
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير19
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير18
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير17
-
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
-
زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
-
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
المزيد.....
-
زيارة العراق تحرم فناناً مغربياً شهيراً من دخول أميركا
-
تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-، ماذا
...
-
تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس
...
-
-فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل
...
-
هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية
...
-
ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل
...
-
بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس
...
-
هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
-
تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب
...
-
فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي
المزيد.....
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
المزيد.....
|