وحيد محمود محمد
كاتب و باحث
(Waheed Eyada)
الحوار المتمدن-العدد: 8309 - 2025 / 4 / 11 - 14:18
المحور:
كتابات ساخرة
في بلدة حالمة ملأتها الألوان والأضواء، كان الكذب يعيش حياته مغرورًا باحتلاله مشاعر الناس بأكاذيبه الساحرة. كان أنيقًا، معروفًا بجاذبيته ودعاباته التي تلامس قلوب الآخرين. وفي جعبته خطة خبيثة: أن يقنع الحقيقة بجمال ماء البئر الذي يرقص على ضفافه الدهاء!
أعاد الكذب صياغة القصص، وحكى للحقيقة عن صفاء هذا الماء وروعته؛ وكيف أنه سيجعلها تشعر بالحياة من جديد. فتأثرت الحقيقة، العروس النقية التي كانت دائمًا تمشي على شواطئ الضمير، وغرقت في سحر وعوده الكاذبة المضللة! وبدلاً من أن تقاوم، تركت نفسها تنجرف خلف طيف الكذب. وبينما كانت تتقدم نحو البئر، قام بسرقة ملابسها وتركها عارية، مكشوفة بلا ساتر ، وتركها أمام العالم في حالة من الارتباك والفوضى.
**الفصل الأول: الزفاف الأسطوري!**
لم تستطع الحقيقة إلا أن توافق علي زواجها من الكذب ، و تمت مراسم الزواج في جو غريب، حيث تراقصت الأكاذيب بين الحضور، بينما ساهمت الحقيقة بحضورها المصطنع بسبب انها تشعر دائما أنها عارية و لذلك كانت تتظاهر بالسعادة لإرضاء الجميع !
القاعة كانت مليئة بالأصدقاء الذين أحاطتهم هالة من الخرافات، في غفلة من الجميع، ظنوا أن الحفل سيكون محاطًا بالسعادة والفرح. بينما كانت الحقيقة تشعر بثقل انتزاع عذريتها، وغربة هذا الزواج القائم على الخداع.
عندما انطلقت زغاريد الحفل، بدأت الموسيقى تتراقص مع الكذبات التي نسجها الكذب حول زواجه منه، بينما كانت الحقيقة تقاوم الفكرة التي زرعها في عقلها. وكانت كل كلمة تُقال تمزق روحها، وتعيدها إلى زمنها الضائع.
**الفصل الثاني: الأطفال الأسطوريون!**
ومع مرور الوقت، أنجب هذا الثنائي الغريب أطفالًا تمتزج صفاتهم بين الوهم والواقع. كان أكبرهم طفلة اسمها "كذبة البيضاء"، التي دائمًا ما تحول الأمور لصالحها بتلك الأكاذيب اللامتناهية. تروى قصصًا مثيرة عن تجاربها الوحيدة، بينما كانت الأم "الحقيقة" تحاول جاهدة تعليمهما القيم الحقيقية، لكن كذبة البيضاء كانت تسرق الأضواء دائمًا.
ثم جاء الطفل "صدق الصغير"، الذي كان أطول ضحية لهذا الزواج الغريب. كان يقف أمام الضغوط، يحاول جاهدا أن يوازن بين تعليمات والدته ووساوس والده. وعند محاولة التعبير عن مشاعره في المدرسة، انتهى به الأمر في مواقف محرجة جدًّا، فلا هو استطاع أن يكون صادقًا كما أراد، ولا هو نجح في تقليد أخته الأكبر "كذبة البيضاء"!
**الفصل الثالث: العلاقة الأسرية!**
كانت العلاقة في هذا البيت مليئة بالقطيعة والصراعات. في كل مرة تلمس "كذبة البيضاء "أكاذيب جديدة ، كانت الأم "الحقيقة" تلقي نظرات مملوءة بالقلق والحيرة. كانت الكذبة تدور كالدوامة، تتصاعد فيها الأصوات، بينما كانت الحقيقة تحاول إعادة الأمور إلى نصابها.
ومع ذلك، كان الأطفال يستمتعون بتفاعلهم مع هذا العالم الغريب، حيث يجد الصدق نفسه يحاول التمسك بموطئ قدم بين غابة من الأكاذيب. وكما هو الحال في معظم العائلات، تعيش الحقيقة منعزلة بينما عدد الأكاذيب يتراكم مع مرور الأيام.
وفي خضم هذه الأحداث، لا يمكننا تجاهل واحدة من أكبر الأكاذيب في تاريخ البشرية، تلك التي تُمارس تحت غطاء الفوضى، حيث تجري الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. هذه الحدث المذهل الصاعق اصلح في عيون الناس كانه غير موجود بل هو الكذبة الكبيرة التي أصبحت حدثًا عالميًا فريدًا.
هذه الحقيقة الواقعة " الإبادة الجماعية " تسنده حكومات وحكام العالم، في حين تتمسمر الشعوب في العالم وكأنهم مقاعد خالية بلا روح أو إنسانية.
تحوَّلت دماء وأجساد أطفال فلسطين إلى سجادة حمراء تفترشها الأقدام القاسية للحكام في مراسم الاحتفالات الرسمية والاستقبالات. أصبح دم شيوخ ونساء فلسطين كعصير الرمان، يحتسيه القادة والشعوب دون أن يشعروا بالخجل أو الندم. وكل شفاه في العالم تحمل بقايا دم فلسطيني، كل ضحكة وكل ابتسامة مستمدة من واقع لا يرحم. هذه الفترة هي بلا شك أوج رواج الأكاذيب في التاريخ البشري، حيث تنتشر الكذبات والأساطير من داخل الكيان الصهيوني بينما يتقاعس العالم عن النداء للحق والإنصاف.
وفي هذا السياق، أود أن أوجه بعض الأسئلة الصادقة لنا جميعا . كم من الأكاذيب عشناها في حياتنا؟ هل كانت تلك الأكاذيب هي بمثابة طوق النجاة في أوقات المتاعب، أم كانت مجرد سلاسل قيدتنا وأسرتنا ؟ هل شعرنا بالراحة بعد أن تخلصنا من أكاذيبنا ، أم أننا ننام ليلًا مضطرب الضمير، نتساءل إذا كانت الحقيقة يومًا ستظهر؟
هل هناك نهاية للكذب، أم أن الدائرة ستستمر تدور إلى الأبد؟ وماذا سنقول عندما تقف أمام الله يوم الحساب، و نحاول أن نبرر كل كذبة ارتكبناها؟ هل حان الوقت لنلقي بالكذبة في المحيط، ونبدأ نرتوي من أنهار الصدق؟
**الواقع: كيف نتعامل مع الكذبين؟**
تمامًا مثل عائلة الكذب والحقيقة، يعكس واقعنا تحديات كبيرة. كيف نتعامل مع الكذبة في عالم العمل أو الحياة اليومية؟ الدروس المستفادة من هذه القصة تحمل عمقًا كبيرًا:
1. **لا تصدق كل ما تراه:** في عالمنا اليومي، كما في زواج الكذب والحقيقة، يمكن أن تُحاط بالكثير من المعلومات المُزيفة. تجنب أن تصبح "كذبة البيضاء" التي تنخدع بالكلمات البراقة. تحقق من الحقائق.
2. **كن عادلًا ولكن حذرًا:** تعامل مع الكاذبين بذكاء. لا تجعلهم يشعرون بالراحة في أكاذيبهم، ولكن ساعدهم على التعلم من الأخطاء دون توجيه اللوم.
3. **استخدم الفكاهة:** مثلما كانت المفارقات بين الكذب والحقيقة، استخدم الكوميديا لتخفيف حدة المواقف الصعبة.
أحيانًا، أفضل دواء لقلوبنا هو أن نضحك على كذبات لا تستحق الغضب.
4. **كن صادقًا:** ابحث عن العلاقات التي تتسم بالصدق. ولا تُحاول محاكاة "كذبة البيضاء"، بل كن صادقًا كالنقاء.
وفي ختام هذه القصة الخارجة عن المألوف، نتذكر جميعًا أن زواج الكذب والحقيقة قد أفضى إلى جيل يرتبك وفي كثير من الأحيان يثير الفوضى، ولكن في النهاية يكمن جمال الحياة في التناقضات. فلندع الكذب يأخذ مكانه كجزء من الرحلة، ونبني عالمًا مليئًا بالحقائق، حيث نبقى مخلصين لما نبنيه من قِيَم، مهما كانت التحديات. لأن ما يجمع بيننا هو ليس ما يقوله الكذب، بل ما ننقشه في الحقيقة!
و في النهاية هيا بنا نتذكر و نستذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الصدق و الكذب :
عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار ..
#وحيد_محمود_محمد (هاشتاغ)
Waheed__Eyada#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟