أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة














المزيد.....

تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 22:52
المحور: قضايا ثقافية
    


في مجتمعاتنا، ثمة نمط متكرّر من الأشخاص لا يُبدي أي إعجاب بأي إنجاز، ولا يُحرّكه الإبداع مهما بلغ من الإتقان والفرادة. تذكر أمامه اسم مخترع، أديب، أو عالم، فيكتفي بردٍّ بارد أو ساخر: "وشنو يعني؟"، "خلي يولي", "ومنو هذا؟". لا يحتفي ولا يعارض، بل يمارس نوعًا من الاحتقار الصامت لكل قيمة معرفية أو جمالية، وكأن الجمال لا يعنيه، أو أن النجاح مدعاة للإحتقار، لا للثناء.

في الحقيقة، إنّ هؤلاء النماذج البشرية ليسوا ناقدين، بل منكفئين. لا يملكون أدوات الفهم، ولا ذائقة التقدير، ولذلك يتخذون من اللامبالاة درعًا ضد الإحساس بالنقص؛ فحين يعجز الإنسان عن بلوغ المعنى، يحتقره؛ وحين لا يستطيع أن يكون من صنّاع القيمة؛ يبدأ بتشويهها في عيون الآخرين.
إن الشعوب التي تُطيل النظر في عيوبها وتغضّ الطرف عن منجزاتها، لا تتقدم. لأن التقدير أول خطوة نحو النهوض. أما إذا أصبح الوعي الجمعي مشبعًا بالتقليل، فلن ينجو أحد من الحطّ، حتى من يستحقّ جزيل الشكر والتقدير.

1. الأسباب النفسية: العجز عن التقدير الذاتي
في كثير من الأحيان، يكون احتقار الإبداع نتيجة عجز داخلي في الشخص نفسه. هؤلاء الذين لا يرون القيمة في الإنجازات يُحتمل أن يكونوا محرومين من التقدير الذاتي أو مكبوتين داخليًا. يفتقرون إلى الثقة بالنفس، ويشعرون أنهم لا يستطيعون تحقيق شيء ذي قيمة. وعندما يرون شخصًا آخر يحقق إنجازًا، يبدأون في إنكار هذا الإنجاز لأنه يذكرهم بنقصهم الداخلي.

العقل البشري يميل إلى الدفاع عن ذاته عبر تقليل أهمية ما يراه الآخرون يحققونه. هكذا، تكون "اللامبالاة" أو "التقليل" آلية دفاعية ضد شعور بالضعف أو الفشل الشخصي.

2. الأسباب الاجتماعية: ثقافة القطيع والضغط الاجتماعي
إن المجتمعات التي لا تبالي بالإنجازات الفردية و تتجاهلها، غالبًا ما يكون السبب في ذلك هو الضغط الاجتماعي الجماعي؛ فالمجتمعات التي تفضل "الاستمرارية" على "التغيير" تخلق مناخًا يشجع على التماثل، حيث يُنظر إلى المبدعين على أنهم خارجون عن المألوف أو حتى مهددون لوضعية الجماعة.

إنّ التقاليد المجتمعية التي تفرض معايير "مقبولة" للنجاح لا تترك مجالًا للإبداع. وعندما يصبح الجميع مطالبًا بأن يسير على نفس المسار، فإن الفرد الذي يخرج عن ذلك يصبح هدفًا للاستهزاء بدلًا من الإشادة.


3. الأسباب الفكرية: ضيق الأفق الثقافي
إنّ أحد الأسباب العميقة التي تؤدي إلى احتقار الإبداع تكمن في ضيق الأفق الثقافي. في الكثير من الأحيان، يكون الأفراد الذين يعارضون أو يستهزئون بالإبداع غير قادرين على فهم أو تقدير التنوع الفكري. غالبًا ما تكون تلك العقول التي تقبع في الأنماط الفكرية التقليدية غير قادرة على احتواء الأفكار الجديدة أو قبولها.

إن غياب الفكر النقدي و الانغلاق الثقافي يجعل الكثيرين ينظرون إلى الإبداع من زاوية ضيقة، حيث يُعتبر الخروج عن المألوف تهديدًا للقيم القائمة، وبالتالي يسعى المجتمع لردع هذه "التهديدات" بأي وسيلة، بما فيها التقليل من شأنها.


4. الأسباب الاقتصادية: نقص الموارد والتحفيز
من الأسباب التي قد تؤدي إلى هذه الحالة، هي العوامل الاقتصادية. في المجتمعات التي تعاني من الضغوط الاقتصادية، يصبح التفكير في الإبداع أمرًا ثانويًا. قد لا يرون الناس هنا الفائدة الحقيقية من الإنجازات الإبداعية لأنهم يعيشون في بيئة اقتصادية قاسية حيث كل شيء يُقاس بالمنفعة الملموسة.

التحديات الاقتصادية تفرض على الأفراد أن يكونوا عمليين جدًا، ما يساهم في تهميش مجالات الإبداع كالفن، الأدب، والاختراع، حيث يُنظر إليها أحيانًا على أنها رفاهية لا تتماشى مع الواقع القاسي.


5. الأسباب الثقافية: التقليل من قيمة الفردية والإبداع
من الجوانب الثقافية المهمة التي تساهم في هذه الظاهرة هو التقليد الثقافي الذي يعزز من قيمة الجماعة على حساب الفردية. في بعض الثقافات، يُنظر إلى الشخص الذي يتفوق أو يبرز في مجاله كـ "متمرد" أو "مغالي". لذلك، يواجه الفرد المبدع صعوبة في الحصول على الاعتراف، خاصة إذا كان هذا المبدع يسير في مسار غير تقليدي.

إجمالاً، التقدير الاجتماعي لا يُمنح لمن يخالف القيم الاجتماعية، لذلك يصبح الإبداع في هذه المجتمعات بمثابة "شذوذ" وليس شيء يستحق التقدير.

الخلاصة:
في النهاية، إذا أردنا أن نتقدم كأفراد ومجتمعات، يجب أن نعيد النظر في مفهوم التقدير والإبداع. علينا أن ندرك أن التقدير هو أول خطوة نحو التقدم، وأن احتقار الإبداع ليس مجرد رد فعل سلبي بل هو عائق حقيقي في طريق تقدم المجتمعات. هذا التغيير يحتاج إلى الوعي الفكري، الاجتماعي، والنفسي، ليبني ثقافة من التشجيع والاحتفاء بالإنجازات، مهما كانت صغيرة أو كبيرة.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنتاج الغباء
- حين يشكر الكاتبُ الناشرَ: أزمة التقدير في عالم الكتب – تفكيك ...
- فساد بالتقسيط... حتى إشعار آخر!
- الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية


المزيد.....




- أقدم غوريلا في العالم تحتفل بعيد ميلادها الـ68 عامًا.. شاهد ...
- السعودية تكشف 5 إجراءات قبل موسم الحج 2025 حفاظا على سلامة ا ...
- ترامب يتجاهل مصافحة زوجة وزير الصحة.. مشهد محرج خلال حدث ريا ...
- -تنذكر ما تنعاد-، صور من حرب لبنان الأهلية في الذكرى الـ50 ل ...
- قوة تدميرية غير مسبوقة.. واشنطن في طريقها لتطوير قنبلة ذرية ...
- الجزائر تعرب عن -احتجاجها الشديد- على حبس أحد موظفيها القنصل ...
- حماس: قصف الاحتلال مستشفى المعمداني جريمة حرب بغطاء أميركي
- الجزائر تحتج على توقيف فرنسا أحد موظفي قنصليتها
- طهران تعلن عن جولة جديدة وترامب يشيد بالمحادثات معها
- عاجل | مصادر طبية: 7 شهداء وعدد من الجرحى في قصف استهدف سيار ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - تغريد الإبداع أمام تهريج الجهلة