أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من القراءة الكتابة!















المزيد.....

لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من القراءة الكتابة!


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء!
في رثاء نصف قرن من القراءة الكتابة!


إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة
إبراهيم اليوسف


ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه أنَّى التقينا، في الطريق، في المقهى، في الزوايا المتاحة لنا في هوامش الحياة الضيقة.
أتذكّر جيداً، كنت أحرص على المضيّ، يومياً، إلى مركز مدينة قامشلي على امتداد أيام الأسبوع، في توقيت محدد يتزامن مع وصول شاحنة- الصحافة- القادمة من دمشق، قاصداً مكتبة اللواء، المتعاقدة مع المؤسسة العامة للمطبوعات" بموجب وكالة حصرية" لتوزيع الصحف في المدينة وما حولها من مدن، بالإضافة إلى مروري غير المنتظم إلى مكتبة الحرية، المجاورة، أو مكتبة جوان أو الرازي أو سومر، بحثاً عن صحافة اليوم وبعض المجلات والكتب. وفي الأحياء، كانت مكتبة الأنوار، ونوشين وآواز ودار الثقافة وتشرين ودار العلم ودار القلم، ملاذاً آخر لعطشنا للمعرفة، فيما إذا كانت النسخ قد نفدت قبل أن أتعاقد مع مكتبة: الأنوار- نوشين-*
كما كنا ننتظر صحافة الشيوعي السوري التي تصلني كملتزم بها منذ أول الثمانينيات، وكنت مراسل جريدته، على نحو نصف شهري أو أسبوعي، بالإضافة إلى بعض ما يصدر من الصحافة الكردية الممنوعة، غير المنتظمة، في أكثرها، والمتداولة سراً، وكان بعض قياديي كل منها يوصلها إلي. كنا نقرأ تلك السطور بشغف الجائع، بشغف مَن يرى الكلمات نوافذ إلى العالم، وأسلحة من نور.
كنت أنشر في عدد من تلك الصحف السورية، والكردية، والعربية، قبل أن تصلنا صحف ومجلات كردستان العراق وكنت مراسلاً لجريدة خبات- وكاتباً معتمداً في" كولان العربي" إلى جانب مجلة"متين" و لي صفحتي الخاصة في كل عدد، إضافة إلى صحف عربية اعتمدتني، من دون أن أنشر في الصحافة الخليجية، لموقف معروف، حتى العام 1993 عندما نشرت لأول مرة في مجلة العربي الكويتية!
كما عملت في هيئات تحرير أكثرمن مجلة كهيئة تحرير أو مستشار: مواسم التي أسستها- كراس- إلخ!
الكتابات التي كنت أنشرها- محلياً- في نقد مؤسسات الدولة كانت تفعل فعلها إلى جانب هاجسي الأدبي والإبداعي كانت من عداد الكتابة عن:
متنفذ سلطوي كبير في دائرة مرتشٍ هنا يهدّد هذا الصحفي أو ذاك، مظلوم يلجأ إلينا فنكتب عنه، كلمة تضيء ظلمة، ومقالة تزلزل جدراناً سميكة من الفساد. وكنت أشعر بمتعة كبرى عندما أقف إلى جانب أي مظلوم في وجه أي ظالم، وإن كانت ضريبة ذلك: التهديد- التضييق على اللقمة- إعلان الحرب من قبل صبيان أجهزة النظام المجرم. كانت تلك الكتابات مغامرة مني ومن أمثالي، كمن يصعد أعلى شجرة ويقص ما يقف عليه من غصن بالمنشار!
كنا نقرأ ما يُنشر في الصحافة خارج البلاد، نتابع الرؤى والقضايا، نحمل المقالات الجريئة إلى المجالس، نتناقشها، نختلف، نؤيد، نغضب، نصرخ، نحلم. كانت للكتابة هيبتها.
ثم جاء الإنترنت.
هذا الساحر الكوني بفوانيسه!
جاءت المواقع الإلكترونية، وكانت معدودة نوعاً ما، فقد كسرت شوكة الرقابة على الصحف والمجلات، تجاوزت الحدود، وأرعبت الطغاة.
فقد أصبح الآن لكل فرد إمكان أن يكون له منبره، ولم نعد نحتاج إلى استهلاك الوقت في الكتابة على الورق، أو إرسال المقالات بريدياً، والتي كثيراً ما كانت تتعرض للحجز، وكان- كشهادة - موظف البريد الكردي الصديق، آنذاك، يمرّر- أحياناً- رسالة ما من يد الرقيب، أو يدسها في كيس الرسائل التي تعرضت للتفتيش.
كم من رسالة حُجزت من قبل الرقابة، واردة كانت أم صادرة، كم من جملة فُتش فيها، كم من كلمة صودرت، وكأنها قنبلة...!
أما اليوم، فوسائل القراءة متوافرة.
بإمكان المرء أن يقرأ عبر جهاز هاتف بحجم الكف، أو آيباد، أو لابتوب، أو ديسكتوب. مكتبة عالمية ذات فروع تكاد لاتنتهي تتقافز بين الأصابع، يتوافر له من خلال هذه الوسيلة أو تلك الوصول إلى ما يشاء من مقالات لملايين الكتّاب، مؤلفات بالملايين، شبكات تواصل للمليارات، كلٌّ يكتب، ينشر، أو حتى: يصوّر، يبثّ، يصرخ، يضحك، يرقص.
صار لكل شخص أن يكون كاتباً، وينشر ما يريد خلال ثوانٍ، دون أن ينتظر رسالته حتى تصل إلى المنبر أو الوعاء المطبوع، أياماً أو أسابيع، أو حتى شهوراً.
يمكن لأي مبحر في الفضاء الأزرق أن يكون كاتباً، محرّراً، مدير تحرير، صاحب موقع، جريدة، أو حتى كتاب، أو مئات وألوف الكتب، ولكن أية مقالات؟ أية صحف؟ أية كتب؟، بعد أن جاء جيل جديد من المستعينين بالذكاء الاصطناعي، يدبّجون مقالات في ثوانٍ، ولربما كتباً في دقائق أو ساعة. وهناك مدققه، وناشره، ومديره العام، في تطبيق واحد.
لكن،
لا أحد يقرأ أحداً
ما عدا قلة كما يشير عداد القراءة في كل موقع إلكتروني!
كتّاب كبار، لا يقرأ منشوراتهم إلا بضعة أشخاص. بينما تجد مهرّجاً، أو مدعي ثقافة وسياسة وموقف... أو بهلواناً... يقرؤهم الآلاف، عشرات الآلاف، مئات الآلاف، بل ثمة من يتحدث عن ملايين المتابعين لبث ديجيتالي يقدمه وهو أمي أو نصف أمي جاهل، لا شيء يمكنه ماعدا انضوائه ضمن- الظاهرة الصوتية- التي أشار إليها د. عبدالله القصيمي، رحمه الله!
ثمة يأس مطبق.
يدفع الكاتب الحريص على رسالته إلى أن يسأل، بكل وجع:
لماذا أكتب؟
لطالما لا أحد يقرأ،
لطالما ثمّة من يكتب نصّاً مشابهاً لما أكتبه، بعد جهد طويل، خلال ثوانٍ،
لطالما لا تأثير لما أكتب، في زمن الصورة الإلكترونية، والمشهدية السطحية، والمحتوى السريع، والردود الآنية.
لماذا أكتب؟
وهل ما أكتبه، حقاً، يعني شيئاً في هذا الضجيج؟
لكنني، رغم كل هذا، أكتب.
أكتب، لأنني لا أستطيع ألا أكتب.
لأن في داخلي ناراً، لا تخمد إلا إذا تحوّلت إلى كلمات.
لأن الكتابة ليست وسيلتي للوجود فحسب، بل هي صمتي الأعلى، وصراخي الأعمق.
أكتب، ولو لم يقرأ أحد.
أكتب، لأنني كنت من الجيل الذي لم يكن فيه القلم وسيلة، بل كان موقفاً.
ولن أتخلى عنه الآن، ولو كنت آخر من يحمل قلماً في زمن الشاشات.

*كانت في مدينة قامشلي الصغيرة حوالي ثلاثين مكتبة، معذرة عن عدم تذكر أسماء جميعها!



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد مئة يوم ويوم على سقوط الأسد: خطوط في خريطة طريق أمام الس ...
- بعد مئة يوم على سقوط الأسد: من منهما أعاد سوريا إلى الآخر؟
- مائة يوم من السقوط: محطات هائلة من التحولات كأنها قرن
- من يستلم يقرّر جور ووجوه تتكرر!
- الشمس تشرق من وراء الجبل: عفرين تسقط الرهان والأقنعة
- السنية السياسية كإطار جامع جدلية القيادة والشراكة في سوريا ا ...
- من يرفع علم إسرائيل - 2-
- وصايات وتوصيات النذر بالقيم وتناسي الذات!
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟ .
- من يرفع العلم الإسرائيلي؟
- حكومة دمشق الانتقالية: في امتحان الاعتراف بحقوق الكرد
- بعد سقوط البعث العنصري ونظام أسده: قمم جيايي كورمينج تتوهج ب ...
- الأسد والبعث وثنائية الأكثرية والأقلية
- السيد الشرع في دوامته لا خريطة طريق للخلاص إلا عبر رفع آلة ا ...
- دولة المماطلة: بين الحلم بالمواطنة وواقع الإقصاء
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- نقد قانوني للإعلان الدستوري المقر لسوريا في المرحلة الانتقال ...
- حصار الساحل السوري موت بطيء تحت الحصار لمن نجوا من القتل الج ...
- قراءة نقدية قانونية للدستور الجديد: إشكاليات التمييز والهوية ...
- السيد الرئيس الشرع: لا أوافق على دستورك ورئاستك بهذه الصيغة!


المزيد.....




- زيارة العراق تحرم فناناً مغربياً شهيراً من دخول أميركا
- تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-، ماذا ...
- تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس ...
- -فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل ...
- هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية ...
- ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل ...
- بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس ...
- هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
- تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب ...
- فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - لماذا أكتب؟ حين تصبح الكتابة بلا قرّاء! في رثاء نصف قرن من القراءة الكتابة!