أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الطريق إلى الوجه العزيز















المزيد.....

الطريق إلى الوجه العزيز


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 19:54
المحور: الادب والفن
    


قلم: إدريس الواغيش
............
لم تكن لي في يوم من الأيام نية الكتابة في جنس القصة بكل أنواعها، لولا أن قادتني إليها الصدفة. ارتميت مثل الكثيرين من أقراني مبكرا، وأنا في المرحلة الثانوية، بين أحضان الشعر بشكله العمودي وأوزانه وبحوره، لأن القصيدة كانت دائما عشقي الأول. قبل ذلك، كنت مهووسا بكتابة الرسائل والخواطر، وتفننت في تطريزها، حتى أن كثيرا من الأصدقاء كانوا يطلبون مني الإطالة فيها، لأنهم يجدون متعة كبيرة في قراءتها، وفق ما أسر لي به البعض منهم. كل هذا طبعا، حدث في مرحلة مررنا بها ذات مراهقة طائشة في الثانوي، وقبلها عشنا مراهقة أخرى أكثر طيشا في المرحلة الإعدادية.
كان طول بعض هذه الرسائل يصل إلى حدود الورقة المزدوجة أو يزيد قليلا، ثم بدأت أضيف إليها ملاحق بيضاء، كنت أنزع الورق نزعا من دفاتر ملخصات الدروس. ثم بعد ذلك، بدأت أضيف إليها صورا ملونة تحمل وجوها رياضية من عالم كرة القدم أو وجوها فنية من عالم السينما والتلفزيون تحمل صور فنانات جميلات من فرنسا، لبنان، سوريا ومصر تحديدا.
كنت أعمل على تقليعها قلعا من مجلات فرنسية ومصرية أقتنيها ضدا في قلة ذات اليد وخواء الجيب من خرداوات مكتبات فاس ومكناس، لأنها كانت رخيصة أولا بالمقارنة مع أثمنتها الحالية، وثانيا لأننا كنا نتقن الفرنسية، ونحن في الابتدائي والإعدادي، فما بالك بالمرحلة الثانوية وما بعدها.
وحدث في إحدى المرات، أن نبهني موظف البريد بتازة إلى أن رسائلي قد لا تصل إلى وجهتها المرغوبة، وهي تحمل الطابع البريدي نظرا لثقل وزنها، حينها توقفت عن عملية المراسلة وتبادل الرسائل، هي التي كانت هوايتي المفضلة في المرحلة الثانوية.
وحدث أن وصلتني قصة: "الغراب" للقاص أحمد بوزفور بطريقة أو بأخرى، وجدت فيها ما لم أجده في غيرها من قصص سبق لي أن قرأتها، ثم بدأت أعيد قراءتها بلهفة وعشق كبير، وكأنني أنا من كتبتها، لأنه لم يكن يفصل بيني وبين فضاءات بوزفور القصصية وأمكنته، وأبطال قصصه وشخوصه وفضاءاتهم في الواقع، أكثر من مرتفع صخري يغلب عليه الطابع الغابوي، هو الفاصل بين قريتنا وباديته التي ولد فيها، ومنها كان يستوحي قصصه الأولى.
هذا المرتفع الذي يفصل يين قريتنا "أيلة" والقرية التي ولد بها بوزفور مرتفع صخري يشبه جبلا ممتدا، قد لا يتجاوز علوه الألف متر ونيف في أحسن الأحوال، كما أحداث أخرى وقصص إنسانية متشابهة. أحسست، بعد ذلك، أن أغلب القصص التي تتضمنها مجموعته البكر "النظر في الوجه العزيز" تحكي بشكل فعلي عن شيء قريب من عوالم باديتي.
كنت أكاد أتحسس بوزفور وأصغي إليه بأذني، أدركه بعقلي وأتلمسه بيدي وهو يكتب، وكأنني شبيهه وهو لا يعرفني أو هو من كان يشبهني، لا أدري.
وعلى العموم، كنا نتشابه أنا والسي أحمد في فضاءاتنا والشخوص القصصية التي تحيط بعوالمنا، قبل أن نلتقي ونتعارف في مهرجانات وطنية للقصة القصيرة، واكتشفت أننا فعلا نتشابه في أمور كثيرة. ولم يكن هناك حينها قبل ذلك فرق كبير يذكر بيننا، لولا أنه يكتب القصة القصيرة، وأنا لم أكن أفعل. ومن هنا جاءت فكرة كتابة القصة القصيرة كجنس أدبي، وقلت مع نفسي: لمذا لا أجرب كتابة القصة القصيرة؟ وكانت هذه هي الانطلاقة الحقيقية في ممارستها كبلوى جميلة.
كانت بعض هذه الأقاصيص تلبسني أحيانا، وفي أخرى تعريني وتقربني من حقيقتي، ولكنها في النهاية كانت تعيدني بهدوء إلى أحضان طفولتي في دوار "أيلة". طفل صغير يعتني بالماعز، لم يكن لنا قطيع، ولكنني كنت أرعى بعض الغنمات والعنزات في العطل الصيفية بين الأحراش وعلى جنبات الوديان. وكان بعض نظرائي في القرية يسوقونها إلى الغابات القريبة والجبال المسننة التي تعلو قريتنا غير بعيد عن جبال الريف، وهي التي تحرس دوارنا "أيلة" من السيول الجارفة في فصل الشتاء من جهة الشمال.
كل شيء في قصص بوزفور يذكرني ببعض صباي، وقليل من جنون مراهقتي وبداوتي الأولى: رعي الماعز، طريقة تهييء الشاي، كريش الغابة، بيت الضيوف الخارجي الطيني، الفقيه، عرق الجباه والمناجل في حقول القمح صيفا، حنان الأب أو خشونته القروية، الطريق الموحل إلى "مسيد الجامع"، ثم إلى المدرسة فيما بعد ذلك.
هكذا بدأت بوصلتي تتجه تدريجيا إلى كتابة القصة القصيرة، لأننا لم نكن نعرف أجناسها ولا أحجامها، إن طويلة أو قصيرة أو قصيرة جدا. كنا نكتب حسب المزاج والطريقة التي نرتضيها لأنفسنا، قبل قصصنا شكلا ومضمونا.
وحدث أن كتبت مقالا اجتماعيا في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" التي كنت أعمل مراسلا متعاونا معها ذات زمن ثمانيني، ونال إعجاب الكثيرين في فاس وكل من قرأه. ولكن ما لم يكن منتظرا، هو أن أحد الأدباء جاء عندي ونبهني يومها، فيما يشبه الملامة، إلى أن ما كتبته أقرب إلى جنس القصة، وليس إلى جنس المقالة الصحفية، وعلي أن أستغل هذا الميول أكثر في المجال الأدبي، وليس في المجال الصحافي.
الصدفة الثانية ستكون مع العم أحمد بوزفور نفسه في إحدى المكتبات الشهيرة بمكناس. التقى نظري مرة أخرى مع اسم نفس القاص، ومجموعته القصصية: "النظر في الوجه العزيز"، اقتنيتها من دون تردد بعشرة دراهم سنة 1984م، قرأتها بشغف وحب كبيرين لها ولكاتبها الذي لم أكن أعرفه قبل ذلك. ولم أكن قد التقيت به، وهو نفس الحب الذي لازلت أكنه لشيخ قصاصينا السي أحمد بوزفور. اختليت بها ساعة ونيف في أحدى المقاهي المنعزلة، بعيدا عن ضوضاء الناس وفضولهم، ولم أرفع عيني عن صفحاتها ولو دقيقة واحدة إلا بعد انتهائي من قراءة كل صفحاتها.
أثارت فضولي أكبر في التعرف على هذا الجنس الجديد الذي اسمه "القصة"، نحن الذين كنا قد شبعنا من قراءة الشعر والرواية في المرحلة الثانوية والجامعية. وكان أغلب كتابها مشارقة، لو استثنينا روايات مغربية قليلة كان قد كتبها عبد الكريم غلاب وأشعار خطها محمد الحلوي أو روايات الطاهر بن جلون وإدريس الشرايبي والصفريوي باللغة الفرنسية.
وجدت أنه بإمكاني خوض المغامرة في هذه التجربة، وراقني كثيرا أن أقرأ له فيها على الخصوص قصة:"الرجل الذي وجد البرتقالة". ومن هنا كانت البداية، وجاءت الاستمرارية في كتابة القصة، أثمرت مجاميع قصصية خاصة.
شكرا للعم أحمد بوزفور الذي أنقذني من شرنقة الصحافة، وكان له الفضل في الاتجاه إلى كتابة القصة، لأعود مرة أخرى من حيث بدأت، بعد اللقاء بالشاعر محمد السرغيني، شاعرا يكتب القصيدة، ولكن دون أن أتخلى هذه المرة عن كتابة القصة بمختلف أجناسها...!!.



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأشيرة الوداع إلى العزلة
- الأدب المغيب في الأعمال التلفزيونيية
- صوفيا، حفيدتي يا أمي..!!
- مسرحية نكاز تنتهي قبل أن تبدأ في مراكش..!! بقلم: إدريس الواغ ...
- أوريد يحاضر في التغيّرات الجيوسياسية العالمية
- “يَلزَمُني خطيئَة أخرَى“ جديدُ الشّاعر إدريس الواغيش
- فاس، وأسرار لا تنتهي..!!
- لا أجد حرجا إن فضحتني طفولتي
- توقيع كتاب“قضَايا ونُصوص في الأنثروبولوجيا“ بصفرُو
- فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!
- الشّعر يُسابق الرّبيع في تاونات
- الزليج فرادة مغربية
-         الروائي كفيح ينتصر للغة العربية والهامش في الفقيه بن ...
- خنيفرَة تختتم مهرجانها الدولي القصصي العاشر
- في الحاجَة إلى الجَرّافة...!!
- سوريا تحررت يا يعقوب..!!
- قصة قصيرة : تَبَاريحُ الخُضَرِيّ
- توصيات المناظرة الرابعة للإعلام في بني ملال
- مناظرة في أبي الجعد وبني ملال تقارب العلاقة التكاملية بين ال ...
- في مديح ماكرون للملكة المغربية الشريفة...!!


المزيد.....




- زيارة العراق تحرم فناناً مغربياً شهيراً من دخول أميركا
- تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-، ماذا ...
- تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس ...
- -فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل ...
- هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية ...
- ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل ...
- بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس ...
- هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
- تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب ...
- فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الطريق إلى الوجه العزيز