علاء موفق رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 16:48
المحور:
الادب والفن
تعكس الأعمال الفنية العربية في "بينالي الشارقة 16، رحالنا"، الموضوعات الأساسية التي تشغل الفناني/ات العرب في الفترة الراهنة من القضايا السياسية، القضايا الاجتماعية، والفكرية والثقافية. تركز الأعمال الفنية على قضايا مثل غزة وأوكرانيا، وقضايا الإختفاء القسري، إحياء الثقافات التراثية ما قبل الإستعمارية، وقضايا المرأة، وقضايا البيئة. وتنحدر الأعمال الفنية من لبنان، فلسطين، السعودية، الإمارات. تكتب "حور القاسمي، مديرة مؤسسة الشارقة للفنون": "يعيد رحالنا بناء النموذج التقييمي لبينالي الشارقة ويوسع من آفاقه الإبداعية، مستنداً إلى تفكيك مركزية المعرفة والفكر، يمتد هذا النهج متعدد الأصوات واللامركزي ليشمل الأعمال الفنية وأساليب عرضها، والمشاركين سواء الفنانين، أو الممارسين والناشطين، وصولاً إلى تجمعات فنية ومبادرات تحريرية وأرشيفات، ومشاربع صوتية وموسيقية، ومساهمات تزيد من أواصر علاقة الفنانين بشبكات اجتماعية أوسع، بما يجعل من التنوع سمة المعرض، والسبيل إلى تأسيس فضاء تعايش إبداعي بين مواضيع مكتملة وأخرى متداولة".
حياة المطربة أسمهان بين الوثائق الفنية والمخابراتية:
من الجدير بالذكر، العمل الفني "ليلة صافية" للفنانة التركية "هيلاني قازان" وهو يتعلق بالحياة الشخصية، الفنية، والسياسية للمطربة السورية "أسمهان". تقدم الفنانة "هيلاني قازان" في عملها الفني رحلة بحث شاعرية لتسليط الضوء على التاريخ المعقد للعنف الاستعماري الذي أحاط بحياة "أمل الأطرش، أسمهان". ويتألف العمل الفني من وثائق أرشيفية فنية: مثل النوتات الأساسية لكتابة وتلحين أغنية "ليالي الأنس في فيينا" بخط فريد الأطرش، وثائق عسكرية يتضمن نصوصاً وصور أرشيفية، من أرشيف سبيروز – جامعة أكسفورد. وتتضمن الوثائق مراسلات حكومية بريطانية بشأن المطربة أسمهان تعود إلى عام 1941. وتلخص هذه الوثائق المحفوظة في الأرشيف العسكري في جامعة أكسفورد أهمية الدور الذي لعبته المطربة أسمهان في ما ظنته لحظة مقاومة ضد قوى المحور في سورية ولبنان وتهديداً لمجتمعها الدرزي العام 1941. وتوضح المراسلات السرية للحكومة البريطانية عنف الاستعمار الجديد الذي مارسه خلال هذه الأحداث، وأهمية ما تعرفه أسمهان عنها والحاجة الملحة لبريطانيا لمنعها من نشرها مهما كلف الأمر. تشرح الوثائق اتساع العمليات العسكرية والاستخباراتية وتأثيرها على الشرق الأوسط في أوائل الأربعينيات من القرن العشرين. تكشف الوثائق تعمد البريطانيين إتلاف الأدلة التي تثبت هذه العمليات. مما يشكل دليلاً على احتمالية أن تكون المطربة السورية فقدت حياتها بسبب رغبة المخابرات البريطانية بإخفاء معلومات تملكها.
الطوفان الليبي بين الآلات الحديثة وحكايات التراث:
الفنانة الإيطالية الليبية "أديلتا حسني باي" في أعمالها على دمج المسرح السياسي في ممارسات التعليم الراديكالي، لتقدم أعمالاً بصرية تركز على التفاعل والعملية الإبداعية، يستعرض الفيديو التركيبي "مثل طوفان، 2025"، المنجز بتعاون بحثي مع المهندسة المعامرية "شهرزاد محاسني"، اضطرابات إمدادت المياه في ليبيا نتيجة أنشطة الإستخراج والإستيطان القسري إبان الإستعمار الإيطالي (1911-1943). كما يتناول تصوير الآبار والسدود في الشعر الشعبي الليبي في منطقة الجبل الأخضر. يعرض الفيديو التركيبي لقطات عمليات إنقاذ، مضخات مياه، الشوارع غارقة في أنوار الأبنية الغارقة في المياه. السيارات السابحة، المارة يحاولون العبور في بحر من مياه غارقة باللون الأحمر لانعكاس إشارة لونية على سطحه. ويستعرض الفيديو التركيبي صور ولوحات من التراث الليبي للمنطقة في التعامل مع الطوفان، فنون الطوفان في التراث ورسوماته تجسد بحارة يلتقطون السمك السابح، تجسد المنازل المصنوعة من أوراق النهر والقش، يتضمن الفيديو أيضاَ عرضاً كريوغرافياً بين راقصين وراقصات يجسدون تعابير تجربة عيش الطوفان، وكذلك يتضمن شهادات واقعية ولقاءات فيديو مع أهالي المنطقة مثل شيخ وباحثة تاريخية، يدلون بشهاداتهم حول تاريخ المنطقة والطوفان، وما عايشوه في التجربة المعاصرة.
أطفال الأهواز العراقية ورقصة الجواميس:
تستكشف أعمال علياء فريد الأخيرة، تأثير الصناعات الإستخراجية على النسيجين البيئي والإجتماعي في جنوب العراق والكويت، من خلال أشكال فنية متنوعة. ويوثق عملها التركيبي الفيلمي "جبايش"، العلاقة البيئية المتشابكة بين سكان أهوار جنوب العراق وجواميس الماء، يستكشف العمل التجارب المعاصرة لهذه المجتمعات العريقة، ويكشف هشاشة ترابطاتها البيئية، ليقدم رؤى بديلة ومبتكرة. فيلم الفيديو يصور مجموعة من الأطفال يكررون أداءات تحريك الجواميس وقيادتها، يرقصون الفعل الزراعي كأنه رقصة، ويكررون الكلمات بضحك ومتعة. تثبت الكاميرا ملامح الوجوه والمشاعر، وتوثق الطقس الزراعي برقصة ليلية في خيمة.
الفطر النادر يسخر من التدمير لاستكشافه:
يصور أيمن زيداني من خلال ممارساته الفنية، العلاقة بين الإنسان والطبيعة كعملية متواصلة من إعادة التفاوض، تتناول أفلامه وأعماله التركيبية البيئية والعضوية مثل النباتات والبكتريا والإشجار، ليقدم منطوراً بديلاً للعالم غير البشري. يروي زيداني في فيلمه التجريبي "عودة القدماء، 2020" قصة النفط من خلال فطر عملاق غابر، يعد العثور على أحافير هذا الفطر أمرأ نادراً، وينسج الفيلم خيوط الواقع والخيال العلمي حول حياة هذا الفطر، وموته وعودته، يتحدث الفطر بصيغة الجمع في الفيلم متسائلاً: "كيف أشرح لكم ما أصبحنا عليه الآن؟ تقطعون كوكبكم بالحرق والنهب، مُبيدين كل شيء للوصول إلينا". تتحدث شخصية الفطر التخييلية إلى البشر، أحد أنواع الفطر الأكثر ندرة والتي تُستهلك البيئة لاستكشافه الكثير للوصول إليه، هذا الفطر سخر من الحضارة الإنسانية التي تدمر البيئة بغاية الحصول على نوعه الثمين. يلعب الفكر- الرواي هنا دوراً تخييلياً، يروي حكاية تدين سلو كيات الحضارة الإنسانية بخصوص البيئة. ويركز الفيلم على الطبقات العميقة للحياة التي تجسدت في النفط منذ عصور ما قبل التاريخ، متناولاً أيضاً العنف الكامن في عملية استخراجه.
لوحات من شعرية الطبيعة إلى تكريم الأرواح:
يستكشف الفنان الإماراتي هاشل الملكي العلاقة بين الإنسان وبيئته، سواء كانت طبيعة او مصطنعة، على شواطئ اللملكي الوردي تتمدد البجعات المنحنيات فوق تفاحة ذهبية، لون الشمس الأبيض يتخلل وردي اللوحة، والإصفرار يمتد على عالم يتكئ على جمال من كثافة ألوان. صمت يتمدد في لوحات الفنان، يعبر كيوبيد يحمل سهامه في لوحة، يطير من فوق أزهار اللوتس الصفراء والوردية. عالم الفنان رومانسي، وفي لوحات أخرى انطباعي، في سلسلة لوحات بقياس مربع صغير، تتراصف رسومات لغيوم، لأمواج، تشكيلات من الضباب أو من الرياح التي تعبر فوق السهول. ويأتي عمله التركيبي "ماعت، 2025" بمثابة تكريم للأرواح التي باركت طلاب مدرسة القاسمية في الشارقة كل صباح. واستلهم الفنان في عمله من مفاهيم احتوى عليها "كتاب الموتى المصري"، مركزاً على موضوعات إرشادية عمادها الإعتراف والتأمل الذاتي، مازجاً بين ممارسات ثقافية وجغرافية متنوعة. وفي عمل آخر بعنوان "عشاق بدوام جزئي، 2025" تتقارب الغيوم مع الجبال، وفي لحظات معينة، يتلاشى الخط الفاصل بين السماء والأرض، ليخلق مشهداً تتوحد فيه العناصر على نحو شعري.
الواحات والثقافة التراثية، الواحات والفنون المستقبلية:
يجسد العمل الفني "بركة وجهات النظر 2030، 2025" بركة معاكسة، على مبدأ فنون الإنعكاس بين كتلة فوق الأرض، وكتلة تحت الأرض. الصورة داخل الإنعكاس هي بركة ماء يُلحظ فيها أعمدة ضخمة . ينظر المتلقي من أعلى إلى بركة ماء مرسومة بالمقلوب في أسفل حقل الرؤية. تتناول ممارسة محمود خالد الطريق التي تتشكل بها الهوية عبر الهياكل المجتمعية، والعلاقة المبتادلة بين الرغبة والحميمية داخل هذه الهياكل ومؤسساتها. اتخذت أعمال خالد في السنوات الأخيرة شكل تدخلات معمارية كبيرة وبيئات ممسرحة. وانطلاقاً من موجة بناء المشاريع الوطنية الضخمة السائدة في المنطقة، ينطلق "بركة وجهات النظر 2030، 2025" كموقع معماري بعبر عن الخلل والفشل، محولاً إياها إلى مسرح لمستقبل حي متخيل.
يعيد محمد كيليطو تشكيل التصوير الوثائقي عبر استكشافات متعددة البؤر للمجتمعات والأنظمة البيئية في العالم العربي. توثق أعماله العلاقة بين المناظر الطبيعية وسكانها، وتعقب عمليات التهديد والخراب والصمود الممتد والتواصل على أزمن جيولوجية وأجيال متعاقبة. يتناول مشروع "قافلة، 2024" المستقبل الهش للواحات، فجيج-المغرب، وهي أنظمة زراعية بيئية صممت بعناية واستدامة عبر جهود الإنسان. يقدم كيليطو للمشاهدين عالم الواحات متعدد الأصوات في واجة فجيج بالمغرب، إلى جانب مشهد صوتي يتضمن تسجيلات ميدانية، بالتوازي مع توثيق الصور للطابع الاجتماعي للمياه في الواحات. إرث الواحات الثقافي، من الرسومات إلى البيئة المعارية، إلى فنون النقش والنسيج، الأعمال الفنية التي تجسد عالم الماء والشاطئ، ورسومات المهن الخاصة بالعيش حول برك الماء وبين أشجار النخيل، وصور توثق القنوات المائية المجاري الطينية، وكذلك الأعمال الموسيقية لثقافة الماء واليابسة المتجاورة.
التحول الجنسي للفطر، وحبة المطر في الذكاء الإصطناعي:
تتبع ممارسة الفنانية الكويتية "منيرة القديري" الطبيعة العابرة للبيئات المعاصرة حول العالم، لا سيما استكشاف ممارسات استخراج الموارد المستمر لقطاع النفط. تعلق الفنانة في عملها "مس باطني، 2023"، صدفتين بحريتين حمراوين من الألياف الزجاجية بجانب الداخلية، والذي يروي تحولهما غير المقصود من الأنوثة إلى الذكورة بسبب عوامل صناعية خارجية، وتعرف من خلال هذه المحادثة أن تحولهما البيولوجي غير المقصود ناتج عن التبدل المناخي/ عندما تتحول أنثى الرخويات الأرجوانية إلى ذكر، تفقد قدرتها على الإنجاب، مما يؤثر مباشرة على مستقبل النوع، وهذا ما يتأمله العمل الفني. هي حكاية كائن من الفكر النادي يتحول من الأنوثة إلى الذكورة بسبب التغير المناخي، وهو يروي بصيغة مباشرة حكايته للمتلقي، والتي يسمعها حين الإقتراب من مكبرات الصوت الموضوعة في صالة العرض، والتي تظهر صوت السارد خارجاً من قالب الشكل الصدفي الفطري، والقريب الشبه من عضر الأذن البشرية.
بمعالجة ديجتالية، تتحول كتلة المطر إلى غيمة، ولكن أيضاً إلى عناصر سائلة مسمومة، هي نفسها تتابع التحور عبر صورة الفيدية، وهي ما فيه خير الإنسان أو السوء له، من الخلاص إلى الموت، من الماء إلى Toxic، تتحول من الماضي البيئي إلى المستقبل الديجتالي. يتشارك العمل الفني "أهذا مطر، 2025"، كل من الفنانة "ناديا كريستيدي، ساري موسى، وجوزيف قاعي"، وهو مستوحى من كتاب كريستيدي "أحلام سائلة"، مع رسوم توضيحية لجوزيف قاعي. يجمع العمل الفني بين الصوت والهولوغرام ثلاثي الأبعاد لسرد حلقات من تاريخ تقنية استمطار السحب منذ تطويرها في الأربعينيات، يستشكف العمل الوعود والمخاطر المحيطة بهذه التقنية، مسلطاً الضوء على أحلام السيطرة على الطقس التي استمرت على مر الزمن، رغم تذبذب الاستثمار وفي عمليات الاستمطار.
وتتشكل لوحات الفنان البحريني "ناصر اليوسف" من العالم الثقافي المحيط بالمساحات المائية، في لوحة "زغرودة لعودة الغواصين"، نساء تقف في انتظار قارب قادم إلى الشاطئ، تقفن في حالة من الطقس الإجتماعي لاستقبال الغواصين الرجال العائدين من البحر، وكأن العمل الفني يتلقط أصوات الزغاريد، فنقرأ مكتوباً داخل اللوحة: "زغردي يا خااالي". كشتة تحت ظل الشجر، طقس نسائي في الطبخ، في دق القهوة، طقس نسائي برداء الأبيض والأسود، النساء في أعمالهن التراثية الفنية في النسج، الحضانة. لوحة عن "التعويذة" برسومات ونقوش وأحرف، أشكال نصف هلالية بيضاء فوق قماشة سوداء. لوحة "الزمن"، لوحات "في العاصفة، أثناء العاصفة، بعد العاصفة" تجسد سلوك البحارة في أثناء العاصفة، والعمل الجماعي التفاعلي للتعامل مع الحدث الطبيعي. كان "ناصر اليوسف 1940-2006"، من رواد الفن الحديث في البحرين، وبرز خلال الستينيات كشخصية رائدة في المشهد الفني للبلاد. وعرف بلوحاته الشعرية المشبعة بالألوان الجريئة، رسم موتيفات يومية، تشمل المناظر الطبيعية والقرى والمدن والطقوس والمقاهي الشعبية وكذلك قوارب الصيد ومشاهد صيد اللؤلؤ قبالة السواحل البحرينية.
علاء رشيدي
#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟