أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - قصة البيت الملعون















المزيد.....

قصة البيت الملعون


فتحي مهذب

الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 13:02
المحور: الادب والفن
    


قصة البيت الملعون.

(لم يكن الليل في بيتنا يضارع ليالي البيوت التي تجاورنا.
كان يهبط بثقله المعتم كأنما يحمل نعشا لا يرى ويضعه في غرفة أمي التي تشبه إلى حد بعيد مركبا غارقا في قاع المحيط.
كانت أمي تطلق في نومها صوتا غريبا جدا لا يمت بسبب للأصوات التي نعرفها نحن أبناء العالم الفيزيقي.
صوت يثير الرعب والهلع كأن الريح تعوي داخل حنجرة منسية تحت الأرض أو كأن مدينة بأكملها تعول من بين ضلوعها.
تناهى إلى سمعي هذا الصوت أول مرة، لم يكن نومي أنذاك عميقا.
سمعته بكل حواسي دفعة واحدة كما لو أن الزمن توقف لينصت مثلي.
رأيت الهواء يرتجف والظلال تذوب مثل مكعبات الثلج.
سمعت أمي تهمس بشيء لا يترجم إلى لغة البشر.
في الصباح ،كنت أظن أن إعصار من الحمى أو الجنون ضرب قلعة رأسي.
لكن الصوت عاد في الليلة التالية..
ثم عاد مجددا..ثمثم تكرر حتى صار طقسا ليليا.
لم أعد وحدي في خضم هذا الجنون.
صار أخي يتحدث في نومه ويصرخ بنفس النغمة الملعونة ،نفس التنهد الذي ينتهي ببكاء حاد لا يصدر عن كائن بشري.
ثم تلبسني أنا.
صرت مثلهما أصدر نفس الصوت الغريب وأنا متموضع بين حدي اليقظة والنوم.
حاولنا أن نقف على حقيقة هذه الحقيقة الماورائية الغامضة لم نجد حلا مقنعا ولا تفسيرا منطقيا .
توالت الأيام وأروحنا متلفعة بالرعب والجنون يلوح بمنديله الأسود أمام أعيننا المنكسرة.
هكذا تسلل هذا الصوت الغريب إلى جدران البيت فشرعت تصدر طنينا خفيا كما لو أنها مهددة بالسقوط في قلب الهاوية.
ثم إنتقل هذا الصوت المفزع إلى جيراننا.إنها لعنة الصوت الغامض المخيف الذي انطلق من حنجرة أمي إلى سكان المدينة .
كلنا يصرخ في الليل بصوت لا ينتمي إلى عالمنا الفيزيقي.
كذلك حيواناتنا الأليفة أصابتها عدوى هذا الصوت المقزز.
لم أكن أتخيل أن المدينة التي نشأت فيها ستغدو بهذه السرعة قطعة من جحيم بارد.
كانت شوارعنا تعج بالحياة والحركة ونعومة العلاقات البشرية
وتبادل التحايا.
أما الآن فقد صار كل شيء مغرورقا بالصمت كأن أحدا قد خنق الحا بقفاز غير مرئي.
في تلك الليلة ،وهي الليلة السابعة بعد أن بدأ الصوت يستشري ويتكاثر كالأوبئة سنعت طرقات خفيفة على نافذتي.
نهضت مقتربا بحذر إذ رأيت طفلا غريبا بثياب مظلمة واقفا يتنظر إلي بعينين لا يشبهان أعين الأطفال.
كانت عيناه فارغتين لا بياض فيهما.عينان من الليل ذاته.
ثم فتح فمه وأصدر ذلك الصوت،
إنه الصوت التي تطلقه أمي في الليل لكن بصوت طفل.
أحسست بالأرض تميد بي.
ورأيت الغرفة تتنفس.
كل ما في البيت كان يرتجف معي:المصباح، الستائر، الكتب، سقف الغرفة،حتى المرآة اهتزت كأنها تبتلع انعكاسي.
صرخت ،لكن صوتي ظل حبيس ظلمات الروح.
كان الصوت وحده هو المسيطر.
صوت واحد يتكرر،بصيغ مختلفة،من أفواه كثيرة،بأعمار متفاوتة،لكنه يحتفظ بجوهره الرهيب: شيء ما يهمس من عالم آخر.
منذ تلك الليلة لم أعد أعرف من أنا.
هل أنا الوريث الشرعي لذلك الصوت؟
هل أنا من يسمعه..أم أنا الصوت نفسه وقد اكتسب جسدا بشريا؟
لم نعد أميز بين النوم واليقظة.
صرنا نستيقظ على همهمات تأتي من بين الشقوق.
الجدران لم تعد صماء كما عهدناها..
بل صارت تنبض مثل كائن حي.
تتنفس ببطء، وتصدر بين حين وآخر أنينا مبحوحا،كأن أحدا ينام داخل الحائط.
لم أعد أقترب من الجدار.
كنت أشعر بحرارته ترتفع كلما دنوت كما لو أن شيئا يطبخ خلف الطلاء.
في الليل ،كنت أسمع خربشة، ثم نقرة،فشهقة،ثم صوت خطوات متلعثمة تمشي فوق السقف.
وحين أصعد لهتك سجف المجهول
لا أجد أحدا.
كنت أقول لنفسي : إنه الوهم..حمى الصوت التي أصابت المدينة .
لكنني ذات مساء ،أمسكت بأمر لا يمكن إنكاره:
خرجت خصلة شعر من الجدار.
نعم خصلة شعر داكن،طويلة ،رطبة، تتدلى ببطء من موضع مرتفع من الحائط.
إقتربت مرتعدا..لم ألمسها..
لكنها كانت تنمو.ثم رأيت عينين نصف مفتوحتين تنظران من بين التشققات ،مطوقتين بسائل شفاف لا لون له، ولا رائحة.
حين تذوقته لاحقا، كان يشبه طعم الحنظل.
في تلك الليلة ،أدركت أن بيتنا لم يعد مسكنا بل صار كائنا غريبا.
وأنا داخله.
حين بلغ الرعب ذروته ولم نعد نملك تفسيرا لما يجري ،دلني أحدهم إلى رجل يعيش في أقصى المدينة،لا يسكن بيتا ،بل كوخا حجريا مائلا بين شجرات الزيتون المسنة.
قال الناس:إنه كاهن.
وقال آخرون :إنه مشعوذ.
بيد أن الجميع إتفقوا على أنه أعمى.
أممت كوخه وحدي في ظهيرة معتمة والشمس تلفظ جثتها في الأفق.
وجدته جالسا على حصير من جلد الماعز، واضعا يديه على ركبتيه،ووجهه إلى الجدار.
لم يلتفت،لم يسألني من أنا.
قال فقط:
"الصوت يسكنك وها أنت تسكنه"
إرتعدت مفاصلي.
لم أنبس ببنت شفة ولم أصف له شيئا.
_"أمك كانت المفتاح ...وكانت الضحية".
خطوت خطوة مقتضبة،فرفع يده فجأة كأنه يحذرني،ثم أخرج من جيبه قطعة مرآة مكسورة.
ناولني إياها قائلا: "سترى ما لا يرى حين تنظر بها إلى الجدار الذي لا يكف عن الأنين"
ثم همس بصوت يشبه اصطفاق جناحين منكسرين:
-"لا ترفع عينيك وتحدق فيه
فإن رأيت وجهك هلكت".
عدت في المساء قابضا على قطعة المرآة المكسورة كما لو أنها سلاح بيدي.
كان البيت ساكنا أكثر من المعتاد..
حتى الهمسات توقفت،والنبض داخل الجدران أرخى سدوله.
لم أجد بدا من رفع المرآة المكسورة باتجاه الحائط.
كان الضوء شاحبا، لم أكن أبحث عن إجابات شافية بل عن نهاية.
فجأة رأيت في المرآة ما لم أره من قبل.
الجدران تتلوى،السقف يقطر دما أسود،الأرضية تنشق عن ألسنة، والمرآة ذاتها ترتجف بين أصابعي كأنها تحترق من الداخل.
ثم رأيت وجوه الجيران،أخي وأمي،،كذلك وجهي أنا..
وجوه مشوهة تبتسم بأسنان لا تنتهي وتطلق أصواتا مزعجة مربكة.
صوت واحد يخرج من ألف فم،من الجدران، من السقف، من داخلي.
كنت أرتجف كمن وضع في قبر وهو مازال على قيد الحياة.
ثم سمعت الكاهن الأعمى يهمس في أذني.
"المرآة ليست نافذتك بل قبرك."
أفلت المرآة من يدي...لكنها لم تتوقف عن عكس صور مرعبة جدا.
وحتى اللحظة ،مازلت أراها مكسورة في الزاوية..
تعكس شيئا واحد فقط:
وجهي..لكنه متجمد لا حراك به.

.



#فتحي_مهذب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدغار آلان بو مطلوب للعدالة.
- كسار الحصى وشيخ البحر
- القط ذو السبعة أرواح
- الأرجوحة
- مجرم حرب
- الدمغة
- ذهبوا جميعا وبقيت وحدي كالحجر
- لم تفلت الخيط
- قراءة نقدية في كتابي الموسوم بطابقين من الفوبيا نقاتل الوراء
- الزمن كقاتل متسلسل
- الأم.
- لم يعد ثمة متسع من الوقت
- بظهور مقوسة نمشي إلى الوراء
- جاري الذي قتله المعتزلة في الكازينو
- لماذٲ لم ينتبه أحد
- قراءات
- الشمس
- إذا تمكنت من العيش مرة ثانية
- أنتظرتك طويلا يا سلمى
- النجم الطارق


المزيد.....




- زيارة العراق تحرم فناناً مغربياً شهيراً من دخول أميركا
- تحدّى المؤسسة الدينيّة وانتقد -خروج الثورة من المساجد-، ماذا ...
- تحقيق جديد لواشنطن بوست ينسف الرواية الإسرائيلية عن مذبحة مس ...
- -فيلم ماينكرافت- إيرادات قياسية وفانتازيا صاخبة وعمل مخيب لل ...
- هكذا قاد حلم الطفولة فاطمة الرميحي إلى نهضة السينما القطرية ...
- ستوكهولم: مشاركة حاشدة في فعاليات مهرجان الفيلم الفلسطيني لل ...
- بعد منعه من دور العرض في السينما .. ما هي حقيقة نزول فيلم اس ...
- هل تخاف السلطة من المسرح؟ كينيا على وقع احتجاجات طلابية
- تتويج أحمد حلمي بجائزة الإنجاز في مهرجان هوليود للفيلم العرب ...
- فيلم -إسكندر- لم يعوض غياب سلمان خان السينمائي


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي مهذب - قصة البيت الملعون