لؤي الخليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8308 - 2025 / 4 / 10 - 02:02
المحور:
الادب والفن
أنا هنا... أتكئ على أطلالي، أضمّد جراح شوارعي بما تبقى من ظلّ نخلة، أو طيف ضحكة كانت تملأ زوايا الدار.
أنا مدينتكم، من وهبتكم عبق الخبز أول الصباح، ومن علّمتكم معنى السمر تحت ضوء القمر، ومن حفظت أسماءكم وأسماء آبائكم وجدودكم.
أتذكّر ضجيجكم... لعبكم، نزقكم، أعراسكم التي كانت تُغنّي لي وتُنعش روحي. واليوم... لا صوت يُسمع سوى أنين الجدران وهي تتهاوى، سوى الصمت حين يفقد معنى الحياة.
لماذا تركتموني؟
لماذا رحلتم حين اشتدت الحرب وارتفعت النيران في خاصرتي...
انهدّت أحيائي حيًّا تلو الآخر، كأن أحدًا ما كان ينتزع أضلعي ببطء، بلا رحمة. تهاوت بيوتي، وغرقت أزقتي في الغبار، وانكفأت أسواقي التي كانت تضج بالحياة إلى ركام وسكون. نزفت كثيرًا، لم يعد فيّ جدار لم يُثقب، ولا نافذة لم يُكسر زجاجها، ولا زاوية لم تئن تحت وطأة القصف. تحوّلت بساتيني إلى رماد، وخبت عيون الماء التي كانت تروي الحقول والناس. وما كان أقسى من كل ذلك، هو غيابكم... غياب أرواحكم التي كانت تزرع فيّ الفرح رغم التعب.
أعلم أنكم لم تُرِدوا الفراق، أعلم أنكم أُجبرتم على الهروب، لكنني... بقيت وحيدة، أواجه القصف وأعدّ الغياب يومًا بيوم. كنت أصرخ، ولا أحد يسمعني.
أنا لا أطلب شيئًا، فقط عودوا. املأوا حاراتي من جديد، اغرسوا فيّ أطفالكم كما غرسني آباؤكم.
أعيدوا لي بساتيني، أعيدوا لي روحي، ضحكاتكم دوائي، وشغبكم هو الحياة.
لقد أعطيتكم الكثير، ولم أندم. وها أنا، على ما بي من وجع، مستعدة لأن أعطي أكثر... فقط لا تتركوني.
إنني عطشى لكم.
لقد أتعبني الفراق.
وأنا هنا، منذ آلاف السنين، وسأبقى...
#لؤي_الخليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟