|
الحرب ونذر تفكك السودان
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 21:04
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
اشرنا سابقا إلى خطر اطالة أمد الحرب، وتحويلها إلى عرقية وعنصرية دينية تهدد بالمزيد من تفكيك السودان بعد انفصال الجنوب، مع استمرار السياسات نفسها الاقتصادية والاجتماعية والقمعية التي قادت للانفصال، اضافة التفريط في السيادة الوطنية، وفتح الباب أمام المحاور الاقليمية والدولية التي ضغطت لفصل الجنوب، وحاليا التي تسلح طرفي الحرب، بهدف تصفية الثورة ونهب ثروات البلاد، وتحويلها الى دويلات ضعيفة لا حول لها ولاقوة بحيث يسهل التحكم فيها، وقد حذرنا من ذلك قبل ١٤ عاما، والبلاد على وشك الاستفتاء حول تقرير مصير جنوب السودان، وكانت النتيجة الانفصال، والآن سوف يعيد التاريخ نفسه، ما لم يتم تدارك الوضع بوقف الحرب، وقيام الحكم المدني الديمقراطي الذي يضمن التنمية المتوازنة والحقوق والحريات الأساسية، ووحدة البلاد ويسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي والفلسفي. بهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال مع بعض التعديلات الذي نشر بتاريخ : ١ /١/ ٢٠١١ بعنوان :" ذكرى الاستقلال ونذر تفكك السودان". ١ تمر الذكري ال55 لاستقلال السودان بعد مرور ست سنوات لتوقيع اتفاقية نيفاشا، ومع اقتراب الاستفتاء علي تقرير المصير لجنوب السودان الذي تبقت له أيام معدودات، وبعدها يتقرر مصير السودان هل يظل موحدا أم يتشظى لدولتين، وفي ظروف وأوضاع متوترة، اصبح فيها صوت الانفصال طاغيا في الجنوب. ولاشك أن انفصال الجنوب له تداعياته، والذي سيكون سابقة ومقدمة لانفصال أقاليم أخرى في البلاد مثل: دارفور وخاصة بعد تصاعد الحرب فيها وانسحاب وفد الحكومة الأخير من منبر مفاوضات الدوحة، واعلان البشير الأخير بأنه سوف يعد لدستور جديد باسم الشريعة يتم فيه إلغاء التعدد الثقافي والديني، بهدف المزيد من القمع ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ، مما يفتح الطريق لانفصال أقاليم أخرى مثل: جبال النوبا والنيل الأزرق..الخ، إضافة لمخاطر عودة نار الحرب التي لاتبقي ولاتذر. وبالتالي تكون النتيجة تفكك السودان وتقسيمه لدويلات والتي قطعا ستكون لقمة سائغة للمخطط الأمريكي والاستعمار الجديد في عصر العولمة لنهب مواردها المعدنية والزراعية. ٢ لقد ظل السودان موحدا حوالي قرنين من الزمان، وكان الميل للوحدة قويا منذ مملكة مروي وممالك النوبة المسيحية والممالك الاسلامية( الفونج، والفور، وتقلي..) وحتي بروز السودان بشكله الحالي تقريبا في فترة الحكم التركي( 1821- 1885م)، وحافظ السودان علي وحدته رغم الهزات العنيفة التي مرّ بها في فترة الحكم التركي والمهدية وفترة الاستعمار الإنجليزي الذي عمل بدأب ومثابرة لفصل جنوب السودان، ولاسيما بعد ثورة 1924م والتي أسهم فيها قادة من جنوب السودان، ولم يطالب ثوار 1924م بوحدة السودان فقط، بل طالبوا بوحدة وادي النيل. وبعد ثورة 1924م ثابر الاستعمار الانجليزي من أجل فصل الجنوب من خلال سن قانون المناطق المقفولة ومؤتمر الرجاف للغة، وأسهم في تهميش مناطق الجنوب ودارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، ولكن الحركة الوطنية التي توحدت في ثورة 1924م والحركات الثقافية والرياضية والأدبية والاصلاحية بعد هزيمة الثورة وحتي تكوين مؤتمر الخريجين 1938م وتكوين الأحزاب السياسية والاتحادات والنقابات، وقفت ترياقا في وجه مخطط الاستعمار لفصل الجنوب وكان مؤتمر جوبا عام 1947م والذي اكد علي وحدة السودان، وتم تكوين أوسع جبهة من اجل استقلال السودان وبقاءه موحدا، حتى تم توقيع اتفاقية الحكم الذاتي لعام 1953م وما نتج عنها من ترتيبات دستورية انتقالية وانتخابات حرة نزيهة وتحت رقابة داخلية ودولية ودستور انتقالي كفل الحقوق والحريات الأساسية، وتم إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان، وكان استقلالا حقيقيا بعيدا عن أي احلاف عسكرية وتكتلات دولية. ٣ وبعد الاستقلال كانت القضية الأساسية استكمال الاستقلال السياسي بالاستقلال الاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية وانجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أوالعقيدة أو الفكر السياسي والفلسفي، ولكن ذلك لم يتم ودخلت البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت ٥٧ عاما من عمر الاستقلال البالغ ٦٩ عاما، وأسهمت تلك الانظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتي بلغت ديون السودان حاليا حوالي أكثر من ٦٠ مليار دولار. ووصل التدهور الي ذروته بعد انقلاب 30 يونيو 1989م الذي قطع الطريق أمام الحل السلمي الديمقراطي بعد مبادرة الميرغني – قرنق، واشعلها حربا دينية بين أبناء الوطن الواحد والتي امتدت من الجنوب لتشمل دارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبا، وتركت جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، كما دمر نظام الانقاذ كل المؤسسات القومية التي كانت ترمز لوحدة السودان مثل: الخدمة المدنية والقوات النظامية ونظام التعليم الذي كان قوميا في مناهجه ونظمه. كما تم خصخصة وتدمير المؤسسات العريقة التي بناها الشعب السوداني بعرقه مثل: السكة الحديد ومشروع الجزيرة والخطوط الجوية السودانية والنقل الميكانيكي والنقل النهري، والمؤسسات الانتاجية الصناعية وبقية المشاريع الزراعية، اضافة لخصخصة الخدمات الصحية ، والثراء علي حساب الدولة وممتلكاتها التي تم بيعها بأثمان بخسة، وخلق فئة رأسمالية طفيلية اسلاموية دمرت كل المؤسسات الانتاجية الصناعية والزراعية، وباعت أراضي السودان الزراعية، اضافة لتشريد الالاف من الكفاءات من أعمالهم لأسباب سياسية ونقابية، وعمقت التهميش الديني واللغوي والثقافي وفتت النسيج الاجتماعي والحزبي ودمجت النقابات والمؤسسات النيابية في جهاز الدولة، اضافة لمعاداة الديمقراطية والحقوق والحريات الأساسية حتي النخاع. ٤ ونتيجة لمقاومة الحركة الجماهيرية وضغط المجتمع الدولي تم توقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات (القاهرة، ابوجا، الشرق،...)، وكان من المفترض لنجاح الفترة الانتقالية :تنفيذ الاتفاقية بإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وتحقيق التحول الديمقراطي الذي يكفل الديمقراطية واستقلال القضاء ومبدأ سيادة حكم القانون وتحقيق قومية الخدمة المدنية والعسكرية، وإصدار قرار سياسي لتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا ، ورد المظالم ومحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم في حق الوطن، وقيام انتخابات حرة نزيهة تفتح الطريق لقيام استفتاء حر نزيه يعزز خيار وحدة السودان كما جاء في الاتفاقية ودستور 2005م. وكان مطلوبا لنجاح فترة الانتقال أن يحس الناس بأن الاتفاقية غيرت في حياتهم وأسهمت في تحسين أحوالهم المعيشية في الشمال والجنوب وتوفير احتياجاتهم الأساسية في التعليم والعلاج والخدمات والسكن..الخ، ولكن حدث العكس فقد تدهورت أوضاع المواطنين والكادحين في الشمال والجنوب ولم يذهب جزء من عائدات البترول التي بلغت أكثر من 52 مليار دولار إلى دعم الزراعة والصناعة وخدمات التعليم والصحة وبقية البنيات الأساسية في الشمال والجنوب، بل لم يتم حتي صرف استحقاقات ومتأخرات مرتبات العاملين كما يتضح من موجة الإضرابات الكثيرة للعاملين في التعليم والصحة وقطاع المياه والسكة الحديد وقطاع البترول، والتي بلغت مليارات الجنيهات، فأين نظام الانقاذ من الحديث الشريف ( اعطوا الأجير حقه قبل ان يجف عرقه)، والواقع أنه نظام نهب عرق العاملين والشعب السوداني ويعصره حتي بلغت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر95 %، و ذهبت مليارات الدولارات الي جيوب الفئات الحاكمة. ٥ لقد أيد شعب السودان الاتفاقية التي اوقفت نزيف الدم، رغم ثنائيتها، وعدم اشراك شعب السودان ممثلا في قواه السياسية ومنظماته المدنية، وخاصة ان الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته، اضافة للثغرات الأخرى في الاتفاقية التي عمقت النزعة الانفصالية مثل: تقسيم البلاد على أساس ديني ووجود نظامين مصرفيين واقتسام الثروة( عائد البترول 50% للشمال و50% للجنوب)، والصراع حول عائدات النفط وعدم الشفافية حولها، فبينما يقول المؤتمر الوطني ان الحركة الشعبية استلمت 8 مليارات دولارات لم تذهب للتنمية تقول الحركة انها لم تستلم نصيبها كاملا، وهذا من نتائج الخلل في توزيع عائدات البترول، اضافة للخلل في اقتسام السلطة في الشمال والجنوب وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والذي كان على أساس ثنائي تم فيه تهميش القوي السياسية الأخري وكرّس الصراع بين الشريكين، وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية وإعادة إنتاج الشمولية عن طريق تلك المؤسسات، مما كان له الأثر في تكريس الوضع الحالي بعد تزوير الانتخابات والذي يهدد بانفصال الجنوب وعودة الحرب. كان من المفترض معالجة قضايا الفترة الانتقالية بخطط مدروسة حول الخدمة المدنية والعسكرية والأمن والتعليم والصحة والقطاعين الزراعي والصناعي وقطاع الخدمات والمواصلات، واعادة النظر في المؤسسات التي تمت خصخصتها، والاهتمام بالمناطق المهمشة وضرورة التنمية فيها وتطبيق نموذج نيفاشا علي أقاليم السودان الأخري، حتى تقف نيفاشا علي أعمدتها السبعة، اضافة لمتابعة المتغيرات في الأوضاع الدولية في ظل الصراع الاقليمي والدولي حول اقتسام موارد المنطقة الافريقية ومنها السودان مثل النفط والمعادن..الخ ، وكيف نستفيد من هذه التناقضات في تحقيق شروط أفضل للتنمية والسيادة الوطنية على مواردنا التي تم اهدارها بدون شفافية، ولكن ذلك لم يتحقق، وتم تكريس الصراع بين الشريكين، حتي اصبح انفصال الجنوب علي قاب قوسين أو أدني. ٦ وتصبح قضية الساعة هي مقاومة مصادرة الحريات والإرهاب باسم الشريعة والدين وسد الطريق أمام عودة الحرب: بحل قضايا ما بعد الاستفتاء (ترسيم الحدود، المواطنة والجنسية، البترول، مياه السودان، ديون السودان، تقسيم أصول الدولة،حقوق قبائل التماس في الرعي....الخ).وأسقاط النظام الذي فرّط في وحدة السودان عن طريق النضال الجماهيري وقيام حكومة قومية انتقالية تفتح الطريق لقيام مؤتمر قومي دستوري يحقق التحول الديمقراطي، والحل الشامل والعادل لقضية دارفور، وتحسين الأحوال المعيشية، وقيام دولة المواطنة ، والعمل علي استعادة وحدة الوطن علي اسس طوعية وديمقراطية.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصاعد نيران الحرب وضرورة وقفها
-
كيف تقود سياسات ترامب الي الانفجار؟
-
٦ أبريل ما زالت جذوة الثورة متقدة
-
أوقفوا القتل خارج إطار القانون
-
محاولات فاشله للإسلامويين للعودة وطمس الهوية والتاريخ
-
مرور عشر سنوات على زراعة الكلية
-
كيف تم التآمر على ثورة ديسمبر بعد موكب ٦ ابريل؟
-
تضافر كل الجهود لاستعادة آثار السودان المنهوبة
-
٢٩ رمضان الذكرى السادسة لمجزرة فض الاعتصام
-
مهام الحركة الجماهيرية بعد انسحاب الدعم السريع من العاصمة
-
التقصي في جرائم الحرب وعدم الإفلات من العقاب
-
كيف يتم التوجه للتنمية المستقلة بعد الحرب؟
-
مجزرة قرية طرة البشعة امتداد لجرائم الحرب
-
حديث العطا وخطر إشعال المنطقة
-
الخروج من الحلقة الجهنمية من أهم دروس الانتفاضة
-
في ذكراها الأربعين ما هي دروس انتفاضة مارس أبريل ١¤
...
-
كيف كانت طبيعة ووظائف الدولة في فترة الحكم التركي؟
-
مع اقتراب عامها الثالث وقف الحرب واستعادة مسار الثورة
-
لماذا لا زال منهج ماركس حيا؟
-
في ذكرى رحيله : مازال منهج ماركس حيا
المزيد.....
-
الدفاع الروسية: قوات كييف استهدفت بنى الطاقة 8 مرات في 24 سا
...
-
نواف سلام يبحث مع أبو الغيط الوضع في لبنان والمنطقة
-
ليبيا.. حرائق غامضة تلتهم 40 منزلا في مدينة الأصابعة خلال 3
...
-
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام يصل إلى دمشق حيث سيلتقي بال
...
-
-يجب علينا تخيُّل العالم ما بعد الولايات المتحدة- - الغارديا
...
-
الجزائر تمهل 12 موظفا في سفارة فرنسا 48 ساعة لمغادرة أراضيها
...
-
-ديب سيك - ذكيّ ولكن بحدود... روبوت الدردشة الصيني مقيّد بضو
...
-
انخفاض تعداد سكان اليابان إلى أدنى مستوى منذ عام 1950
-
جدل في الكنيست حول مصر.. وخبير يعلق: كوهين أحد أدوات الهجوم
...
-
وزير خارجية فرنسا يدعو لفرض -أشد العقوبات- على روسيا
المزيد.....
-
حين مشينا للحرب
/ ملهم الملائكة
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
المزيد.....
|