أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية














المزيد.....

أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول: نقش على جناح غيمة

في البدء، لم تكن هناك لغة،
بل رعشة في الضوء،
وخوف قديم يسير على قدمين من دخان.

رأيتُ إلهاً نائمًا في بيضة،
تحلم به أفعى،
والموت يزرع بنفسه ورودًا سوداء على جبين الوقت.

الحروف؟
سكاكين في حلق الريح،
كل جملةٍ سقطت من فم المجرة
صارت نبيًّا مكسورًا أو قمرًا ضائعًا في جيب صبيٍّ فقير.

تعثّرتُ بصوتي
فسقط العالم من فمي،
كأنني قلتُ “أنا”،
فانقسمتْ العصورُ إلى دم، وأغنية، وخيانة.

الشمس؟
ليست سوى عين أمٍ تنظر إلينا
ولا تعرف من نحن.

أنا من شرب البحر ولم يرتوِ،
كتبتُ على جلدي اسمكِ
فأزهرتْ عليه غابات من الغياب.

كلّ شيءٍ يهرب،
حتى ظلّي باتَ يركض منّي
كأنني أصيرُ شيئًا لا يمكن تفسيره:
سؤالًا ضائعًا في كتابٍ محذوف.

أحببتُكِ دون أن ألمسك،
لأن الجسد مرآة مكسورة،
أما الروح، فهي حديقة لا يراها العابرون.

وأنا؟
مجرّد قصيدة تهمس بها شجرة في حلم الريح،
لا بداية لي،
ولا نهاية تُشبهني.



الفصل الثاني: مزامير الرمل الذي يتذكّر

في ساعةٍ ما،
حين تنام الآلهة على ركبة طفلٍ أعمى،
يُولد الزمان على هيئة أنفاسٍ تتردّد في صدع جبلٍ نسيَ اسمه.

الذاكرة؟
ثوبٌ مبلّل على حبل ريح،
كلّما حاولتُ ارتداءه،
انسكب منّي وجهي، وانفلت من فمي ضحكٌ لا أعرف من صاحبه.

المدن القديمة…
لا تزال تبكي تحت جلودنا،
كلّ حجر فيها يحمل نَفَس عصفور انقرض من شدّة الحنين.

أنا لم أُخلق لأُرى،
بل لأكون الفكرة التي يخافها الضوء،
والظل الذي يحفر في جسد القمر أسرار من رحلوا.

حين أحببتك،
تحوّلت الأرض إلى كفّ،
والسماوات إلى نبض،
والقلب إلى شجرةٍ لا أوراق لها،
لكن كلّ من عبر تحتها،
سمع اسمي يُنادى من الجهة الخفية من الهواء.

كلّ شيءٍ مكتوب بلغة لم نعرفها بعد،
حتى دمعنا،
هو قصيدةٌ ضاعت من كتابٍ لم يُطبع.

والصمت؟
عرشٌ يتوّج كلّ من خسر الحرب
ولم يرفع يديه.

أنا لا أنتمي إلا للفجوة التي بين الحرف والحرف،
حيث يولد الشعر خلسة،
مثل طائرٍ مبلّل بالعدم،
يحاول أن يطير فوق سماءٍ لا تعترف بوجودها.



الفصل الثالث: الذي عبر من بين المجرّتين

أنا هو الذي سقط من عين فكرة،
قبل أن تُخلق المرايا،
وقبل أن تتعلّم النار كيف تحترق.

كنتُ سطرًا في كتابٍ مغمور بالظلام،
كتابٌ لا عنوان له،
ولا ورق،
مجرد نَفَسٍ مائلٍ، يكتبه إله متردّد بين النفي والخلق.

أنا هو —
الصرخة التي لم تُولد،
لكنها جعلت جدارًا من الضوء يرتعش في قلب مجرّة.

حين مشيتُ،
انفصلت الأرواح عن أوزانها،
وصارت تسبح في فضاءٍ يشبه الحلم،
لكنّه لا يحلم.

في صدري،
تسكن مدينة لا يستطيع أحد دخولها،
لأن بواباتها مصنوعة من لحظاتٍ ندمتْ على نفسها.

والزمن؟
جسدٌ ناحل،
يحمله طفلٌ لا يعرف اسمه،
يمشي به فوق سطرٍ وحيدٍ في قصيدة لم تُكتب بعد.

سأقول لكِ شيئًا:
الحقيقة ليست نورًا،
بل كائن رملي،
يتنفس عندما لا نراه،
ويذوب إذا اقتربنا أكثر.

أنا لا أبحث عن معنى،
المعنى يبحث عني في الأحلام الغارقة،
يطرق بابي كل مساء،
ثم يهرب إذا فتحته.

كلّ ما أعرفه:
أنني وُجدتُ كي أختبر هشاشة الحضور،
وأعيد ترتيب هذا الفوضى
بأن أُحبّكِ دون شكل، دون زمن، دون وجود.



الفصل الرابع: في معبدٍ لا يراه سوى الغائب

أنا كنتُ هناك،
حين سقط أول ظلٍّ من عين أول شجرة،
حين كتب الغياب اسمه بالماء على جبين السرّ،
وحين قررت النجمة أن تنسى نفسها وتصير حجرًا صغيرًا في حذاء نبيٍّ عابر.

لم أكن صوتًا،
ولا فكرة،
بل مجرّد انتظارٍ في قلب انتظار،
نزفَ ذاته كي يصير شيئًا يُحكى.

في المعبد،
لم يكن هناك سقف،
بل ذاكرة تهطلُ من الأعلى كالمطر،
كل قطرةٍ كانت وجها،
وكل وجهٍ حكاية تمشي على ركبتيها.

سألتُ نفسي:
هل أنا أنا؟
أم أنني الصدى الذي صدّق نفسه؟

فأجابني جسدي:
“أنا مجرّد قميصٍ يرتديه الزمان حين يبرد،
ثم يرميه على كرسيّ مكسور في بيتٍ مهجور.”

أنتِ، يا التي في عينيكِ خرائط لم تُرسم،
أنتِ وحدكِ تعرفين أنّ اللغة خائنة،
وأن القصيدة لا تُكتب،
بل تُستحضر،
كشبحٍ حنون،
لا يُخيف، لكنّه لا يرحل.

كلّ شيءٍ نراه،
مرّ من خلالنا أولًا،
كنّا نافذةً نُطلّ بها على أنفسنا
ونخاف.

أنا الآن أتحرّك بلا قلب،
لأنني زرعت قلبي في صدر الصمت،
لأسمع نبضه حين تتكلم الأحجار،
وحين يُغمض الليل عينيه أخيرًا.



الفصل الخامس: ختام ليس له شكل

وفي النهاية —
لم تكن هناك نهاية.
كانت الأرض تدور حول فكرة،
والفكرة نائمةٌ في كفّ طفلٍ لم يولد بعد.

سقطتُ من القصيدة،
كما يسقط طائرٌ من حلمه،
ولم أعد أعرف إن كنت أنا
أم مجرد صدى لرغبةٍ قديمة نطقت بي.

أعادني الله إلى فمه،
وتذوّقني كنقطة ملح في ليل الخلق،
ثم قال لي دون صوت:
“كُن نسياً،
كي تُصبح كلّ شيء.”

رأيت العالم يُطوى كوشاح،
وكل من مرّ من حياتي
كان أنا…
لكن بثيابٍ مختلفة، وأسماء من زجاج.

الزمن توقّف.
ثم بدأ يمشي إلى الخلف،
حتى صرتُ الطفل الذي لم يُولد،
ثم الندبة على جبين الحلم،
ثم اللاشيء…
لكن بلا فراغ.

كنتُ القصيدة،
ثم أصبحتُ الصفحة،
ثم الهواء بين الكلمات.

وفي لحظة أخيرة،
رأيتُ وجهي في عين الموت،
فابتسم،
وقال لي:
“كلّ ما كتبته…
هو أنت،
فهل غفرتَ لنفسك؟”

لم أجب،
كان في قلبي شجرة،
وفي جذورها
نمت آخر كلمة:
“صمت.”



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجهاد بين فرض العينية ورؤية الدولة: قراءة فقهية في ضوء الفت ...
- حين يصير القلب وطنًا
- التعريفات الجمركية في عهد ترامب: بين سيادة الاقتصاد الأمريكي ...
- قيامة الطين والنور
- ضعي قلبي بين يديكِ
- تجلِّيات العابر الأخير
- إمكانية التحديث والنهضة في اليمن بقيادة أنصار الله: بين السي ...
- التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العو ...
- نبوءة الضوء
- لغة الغيم
- تداعيات الحرب على غزة وعودة اليمن إلى الساحة الإقليمية: قراء ...
- لغة السحر
- سَاتِيرَا فِي زَمَنِ العَجَائِبِ
- العم سام في رقصة السقوط الحر
- رقصة في حدائق الصمت
- مزامير الضوء العاشر
- التهجين الكمومي في المجال البيولوجي: استحداث تقنية علاجية جد ...
- أسطورة النور والظل
- محنة الأدب العالمي تحت هيمنة التوحش الرأسمالي
- اسرار النور


المزيد.....




- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب
- بعد سنوات من الغياب.. عميد الأغنية المغربية يعود للمسرح (صور ...
- لقتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد خليل - أنا الذي حلم بي القدر ثم نسيني قصيدة من خمسة فصول نثرية