أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة سُكرةعراقية .














المزيد.....

مقامة سُكرةعراقية .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


مقامة سُكرةعراقية :

أطل علينا المندلاوي الجميل برسالة تقول : (( الى احبتي في كل مكان , الروح مني عوسجة بر, ما وصل ليها الندى ولا جاسها بكطرة المطر)) , ذلك مايسمى بالتداعي الحر ((free association )) الذي يتهجس المندلاوي منه , فنراه يستشهد بحنين مظفر النواب في أغنيته عن النبع الذي يسهر , ربما يريد كما مظفر (( سُكرةعراقية عالمية في النباعي )) , تلك المنطقة التي يزرع فيها البطيخ , ماؤها مرّ , ولكنها تعطي أحلى البطيخ , وهي حقيقة جغرافية وحياتية يومية في غاية الغرابة , يعرفها العراقيون , ولم تتم معالجتها علميا حتى الآن بغرض تفسيرها , إذ كيف يتحول الماء المرّ إلى ثمرة حلوة , بل شديدة الحلاوة ؟ هذا ما يحوّله جهد الشاعر الجبّار الخالق إلى نبيذ عبر تخميره للمعنى , ليجعل الحزين سعيدا , والسعيد حزينا , ويحول ماء النباعي المرّ إلى عسل .

(( جفنك جنح فراشة غض و احجاره جفني و ما غمض يال التمشي بيا ويا النبض روحي على روحك تنسحن ... حن بويه حن , عيونك زرازير البراري بكل فرحها بكل نشاط جناحها بعالي السحر, و الروح مني عوسجة بر , ما وصل ليها الندى , و لا جاسها بقطرة المطر , وصفولي عنك يالنباعي تفيض و تعنيت ليلة ويا الكمر ,وصفولي عنك كل مسامة تفيض منك عطر يالحسنك نهر..تنزل بصدري ويا النفس و بدمي غصبن تنعجن , و أشهق و اصعدك للسما , بحسرات و بعنة حزن .... حن بوي حن )) .

لا ندخل دائرة البهجة الكونية الكبرى كاملة , في ديوان (( للريل وحمد )) , والتي ينطلق فيها مظفر من مركز همّه الفردي لعشقه أو لحزبه بعد ان انسحب وانشق عنه , إلّا بعد أن يمهّد الطريق عبر سلسة القصائد لنتقبل الجرعات الكبرى المدوّخة لحب الوطن او الحبيب , جرعات يقطع بها خطوة واسعة من الطريق في قصيدته (( زرازير البراري )) التي أعجبت أو أثرت بصاحبنا المندلاوي , والتي قدّم لها مظفر بجملة : (( أغنية عن النبع الذي يسهر)) , ولن ندرك أهمية هذه التغييرات التي يبدو بعضها بسيطا فعلا إلا إذا سرنا مع الشاعر من بداية حكايته حتى نهايتها ,حيث نمسك كل مفردة جديدة ونحاول ربطها بالمسار ألأصيل , وتحولاته , وبالأفكار الجديدة التي اعتنقها , ودخلت إلى ساحة القصيدة وبالمناخ النفسي العام , ليعود إلى بيتي الاستهلال , ويرتد من جديد إلى بيتي الختام ليشكل الصورة الكلّية لمأساة وطن , حزب , عشق .

(( سكتاتك تشكل خواطر بالكلب , مالي عرف بيهم كبل , مبروم برم الريزة يا ريان ومخوصر خصر لف العكل , كل كلمة منك ...نبعة الريحان .. بالدلال ...ما تحمل ثكل وصفولي عنك , وردة القداح , ريش جناح , زاهي بالسحر, وصفولي عنك شال منك غيظ بستان الورد , والنرجس الرايج سكر)) .

لقد عبّر بيتا الاستهلال والختام : ((حن وأنا حن , وانحبس ونة ونمتحن , مرخوص بس كت الدمع شرط الدمع حد الجفن )) , عن دعوة الشاعر لحبيبه ( شخص , حزب ) إلى أن يتقابلا ويلتحما حنينا ووفاء وامتحانا , هذا الإلتحام المصيري الساخن لا يمنع نوبات الحزن الآسرة التي تنمو تحت ظلال حالة الأنشقاق الجديدة , من أن تجد منفذا لها , والتي ستكون ضرورية , يلهبها الوضع الممتحن بالوفاء الجريح , لكنها ( حبسة ) الروح العاشقة , المطلوب تجاوزها , فتكون مجرد مشروع حلم , وهوام رغبة , ينتظر الشاعر تحقيقها رغم أنها جاءت مبتدئة بنداء آمر : ( حِن ) , لكن طبيعة فعل الأمر أصلا طلبية بانتظار التحقيق , وفعل الأمر في حقيقته فعل مؤجل رغم صرامته .

تدخلنا قصيدة المندلاوي , أقصد النواب ,في عيد كوني , بل في بؤرة سكرة كونية هائلة , التي سرعان ما يصحو منها العاشق الذي حلّق على أجنحة الحلم , على قساوة الفجوة بين واقعه الفعلي وآماله المتخيلة , فيعود من جديد إلى اشتراطاته المؤجلة في بيتين تتلاحق فيهما مفردات حرف( الحاء ) بصورة مدهشة : (( حنّي بفواريز ولحن ..حنّة حمامات السجن .. حنه إلي ..وحنّه إلك ..والّلي يعجبه خلّ يِحِن ..حِن .. بويه حِن ....... )) , والأمر نفسه ينطبق على الصيغة المضارعة في شقها المستقبلي لرد فعل المتكلم : )) وآنه احن (( المؤسس على استجابة الحبيب المُخاطَب , وعلى الفعل المضارع الجمعي )) وانحبس ونّه ... ونمتحن (( , كلها مجرد مشروع رجاء لتجنب العذاب الذي تسببه صدمة الواقع .

ينطلق الشاعر ليصوّر لنا حالة (( ما بعد الجمال )) التي يتمتع بها المحبوب , لكي نقتنع أن هذه المشقة المستميتة التي يتحملها الشاعر رغم أن أجرها بعيد , بعيد , مبرّرة , بل مستحقة , فيبدأ بوصف أجزاء جسد معشوقه واحدا واحدا , بريشة المصور الذي تتحرك حواسه في مشغل إلهي يصور فيه كل عضو لحظة خلقه ابتداءا من (جفن الحبيب) , فيستولد النوّاب صورة عن صورة وجملة من جملة ومفردة من مفردة , وهذه من المميزات الأصيلة للثورة النوابية , كي يحكم روابط أبياته وبالتالي رصّ حجارة هيكل قصيدته , فإنه لن يترك موضوعة العطش والندى المحرّم على روحه وسيقابلها بموضوعة الإرتواء وغمرة الماء والجمال في حبيبه , وسيقابل حالة الحرمان الشديدة التي يعاني منها , بنقيضها , حالة (( الفيضان )) الخانقة بالسحر والعطر والجمال التي يثمل بها المحبوب .

(( شفافك ولا كولن ورد , عنابه معكودة عكد , تمتلي بكد ما تنمرد ,لا هي دفو ولا هي برد, أنا بوصفها راح اجن .... حن بوي حن )) .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة ترانيم المواويل
- مقامة رفيق الحويجة .
- مقامة الأنبهار .
- مقامة السمراوتين .
- مقامة الدرويش .
- مقامة فرحة العيد ؟
- مقامة زئير المعري .
- مقامة كرسي العراق .
- مقامة العجمي و الأعجمي .
- مقامة جنود العسل .
- مقامة المرورة .
- مقامة الصلع .
- مقامة أحلام .
- مقامة الدبلوماسية .
- مقامة وقار العشق .
- مقامة الفطنة .
- مقامة النخالة .
- مقامة البروكرستيَّةُ .
- مقامة يوم تهكسسوا .
- مقامة غبش الوطن .


المزيد.....




- فنان يثني الملاعق والشوك لصنع تماثيل مبهرة في قطر.. شاهد كيف ...
- أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس ...
- أفلام رعب طول اليوم .. جهز فشارك واستنى الفيلم الجديد على تر ...
- متاحف الكرملين تقيم معرضا لتقاليد المطبخ الصيني
- بفضل الذكاء الاصطناعي.. ملحن يؤلف الموسيقى حتى بعد وفاته!
- مغن أمريكي شهير يتعرض لموقف محرج خلال أول أداء له في مهرجان ...
- لفتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...
- «خالي فؤاد التكرلي» في اتحاد الأدباء والكتاب
- بعد سنوات من الغياب.. عميد الأغنية المغربية يعود للمسرح (صور ...
- لقتة إنسانية لـ-ملكة الإحساس- تثير تفاعلا كبيرا على مواقع ال ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة سُكرةعراقية .