العار الأزرق

منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بعلوم ما وراء الطبيعة و العلوم الروحية الحديثة
(Manal Hamesh)

الحوار المتمدن-العدد: 8307 - 2025 / 4 / 9 - 00:28
المحور: قضايا ثقافية
    

العار الأزرق: كيف تحوّلت المنصات الاجتماعية إلى مصانع لتفكيك الإنسان؟

منذ متى أصبح العالم يُدار بأصابع مراهقين يرقصون على "تكتوك"، أو رجال لا يفرّقون بين الجهل والكاريزما، يصرخون في "لايف" مفتوح وكأنهم أنبياء شاشة؟
منذ متى أصبحت الحقيقة تُقاس بعدد المتابعين، لا بوزن الفكرة؟
لقد اخترنا، أو بالأحرى سُحبنا، إلى عالمٍ لم تُصمَّم معاييره للارتقاء، بل للتكرار، لا للتفكير، بل للانفعال اللحظي.

من الذي يدير المنصات؟ تجار، لا فلاسفة

لا يخفى على العاقل أن القائمين على هذه المنصات الكبرى ليسوا حراسًا على الفكر، بل تجارًا في سوق مفتوح. هدفهم؟ بسيط: "ابقَ أطول وقت ممكن"، لا لوجه المعرفة، بل لوجه الإعلان.
وهكذا، كلّما زادت تفاعلات منشورك، ولو كان تافهًا، زادت أرباحهم.
وهنا تُصبح القاعدة بسيطة:
السخيف ينتشر، والعميق يُدفن.
الراقص يُحتفى به، والمفكّر يُقصى.
الضجيج يُرفع، والحكمة تُحظر.

الإنسان الجديد: كائن رقمي مشوّه

نحن لا نواجه مجرد محتوى سطحي، بل نواجه هندسة عقول كاملة.
جيل كامل أصبح لا يفهم الحياة إلا عبر "ريلز" قصيرة.
جيل لم يعد يقوى على القراءة، لأن الخوارزمية درّبته على القفز لا الغوص، على الابتلاع لا المضغ، على التفاعل لا التأمل.

أطفال اليوم يحلمون أن يكونوا "مؤثرين"، لا علماء.
يريدون كاميرا لا كتابًا، شاشة لا مرآة داخلية.
جيلٌ ضاعت فيه الحدود بين القيمة والشهرة، حتى باتت التفاهة مقياسًا للنجاح.

حلول؟ نعم. ولكن بلغة الفلاسفة لا المبرمجين

1. فلنفرض ضريبة على السطحية

كل منشور لا يحمل معنى، يُخصم منه نقاط فكرية. من يصل إلى الصفر، يُمنع من النشر حتى يقرأ كتابًا واحدًا على الأقل.

2. فلنربِّ الخوارزمية

ما دامت الخوارزميات اليوم تتحكم في الذوق العام، فلنُعِد برمجتها. يجب أن تُكافئ من يُغذِّي العقل، لا من يُسلِّي اللاوعي.

3. فلنحرّض على العار الفكري

لا تجعلوا الجهل "كاجوال".
لا تسمحوا للسطحية أن تكون "ستايل حياة".
العار الحقيقي هو أن نتداول السخافة كأنها فنّ، ونُقصي العمق لأنه لا يجذب القلوب الفارغة.

4. فلنكتب على أبواب كل منصة: "احذر، هذه آلة قد تعيد تشكيل عقلك"

نحتاج إلى وسم تحذيري.
كما نحذّر من السجائر، يجب أن نحذّر من المحتوى الرديء.
فالعقول تُحرق أيضًا، لا بالنيكوتين، بل بالمحتوى الفارغ.


---

في الختام: هل الإنسان سيد شاشته، أم عبد خوارزمياتها؟

أيها السادة، ليست القضية ترفًا ثقافيًا.
إنها حرب ناعمة، بلا دماء، لكن بجثث فكرية تتراكم خلف الشاشات

#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات