النفاق كظاهرة أزلية (الجزء الأول)

كمال الدين الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 15:42
المحور: قضايا ثقافية
    

يمثل النفاق والتنمية جزء لا يتجزأ من طبيعة المجتمعات البشرية ، ورغم المضار التي تنتجها هذه الصفات إلا أننا لا ننكر أنها ساهمت بشكل أو بآخر برقي المجتمع البشري من خلال هذه الحالة السيئة ، وفي مقالنا هذا سنبحث عن أهمية ووجد هذه الظاهرة على مر العصور وفي مختلف المجالات :
١ - الأهمية التاريخية
تعد النميمة والنفاق من أكثر الافعال البشرية كرها بين الناس ولكن الواقع يثبت أن النفاق شيء طبيعي بين البشر ، فمذ بدء الخليقة ستجد أن هذا الفعل موجود بغض النظر عن دوافعه ؛ يذكر يوهان نوح هراري صاحب كتاب العاقل بأن المجتمع البشري المتمثل بالإنسان العاقل قد تطور وحافظ على وجوده من خلال النميمة كفعل بشري أصيل إذ لولا النميمة لما عرف الإنسان أن هنالك أسد يتربص به في الأنحاء ، وما عرف ان هنالك أشجار فاكهة في المناطق المختلفة ، وهكذا يذهب البعض الى ان للنميمة والنفاق فضل في اكتشاف اللغة أيضا .
ولو عدنا إلى موضوع النميمة لوجدنا انه الفعل الذي سيُكون في التالي العقل الجمعي ؛ فلو تم طرح فكرة ما على شخص معين أمام أشخاص عدة فإن هؤلاء الأشخاص بدون التأكد سيدركون ان الشخص المعني بالكلام هو سيء أو جيد بحسب الخبر الذي وصل لهم وبالتالي سيُكونون صورة انطباعية عنه .
ولا تكتفي النميمة بكونها فعل يضر فردا فقط بل أنها تتجاوز ذلك وتقدر على تدمير دول بمجرد أن تجد ماكنة إعلامية تمكنها من نشر الخبر ، ومن الأمثلة التاريخية على ذلك هو احتلال ابن سعود للقطيف والاحساء إذ أن ابن سعود كما ذكر المؤرخون قد انتزع الأحساء والقطيف من السلطة العثمانية الحاكمة بمئة رجل فقط ، ذلك أن ابن سعود زرع في داخل هذه المناطق مجموعة من الفئات التي ألقت الرعب في قلوب السكان بوصف جرائم الجيش السعودي وانه جيش مكون من مئات الآلاف بتجهيز عسكرية قوية ومتطورة مما جعلهم يخافون المقاومة فما كان منهم إلا الاستسلام أمام ابن سعود وان يهرب الوالي العثماني فارا من بطش هذا الجيش الذي اكتشف لاحقا أنه يتكون من ١٠٠ رجل .
************
٢ - البعد الجنسي
تختلف الكائنات الحية في إيجاد وسيلة للتعبير عن غرائزها الجنسية ومشاعرها العاطفية اتجاه الشريك من صنف لأخر ، فالعنكبوت على سبيل المثال يبدأ بصنع منزله بحرفية عالية من أجل التزاوج مع الأنثى التي بدورها ما ان تنتهي العملية الجنسية حتى تقوم بقتل الزوج المسكين واكله والتغذية عليه .
قد يبدو الأمر متفردا في الحيوانات إلا أن الواقع في البشر يختلف إذ تستمتع النساء بالنميمة والنفاق فيما بينهن اما لوجود شعور بالكراهية أو لمجرد عادة الحديث فقط (وان كان بعض الرجال في يومنا هذا يفوقون النساء نفاقا ونميمة) إلا أن بعض أحاديث النفاق قد تنجر لااراديا نحو المواضيع الجنسية ، يحكى أن أحد زوجات متولين الدولة العثمانية اشتكت لخادمتها ضعف القدرة الجنسية لزوجها وعدم معاشرته أيها بالحسنى فما كان من الخادمة إلا أن تخبرها بأن زوجها المتولي بليد عكس زوج الخادمة النشط والذي يلبي رغباتها كاملة فاغتاضت زوجة المتولي وذهبت وعيرت زوجها وقارنته بزوج الخادمة حينها أمر المتولي بان يتم قطع رأس الزوج و الخادمة .
ومن الحكايات التي رواها القران الكريم هو قيام زوجة النبي لوط بالتجسس على ضيوف زوجها وقيامها بإشعال النيران لتخبر قومها بوجود الضيوف فيمكن أن نعتبر هذه الحالة نميمة من نوع آخر .
وقد يحدث أن يقوم بعض الذكور بلفت انتباه النساء عن طريق النميمة والنفاق بغية الحصول على مصالح غرائزية كان يخبرها بأن تبتعد عن أحد ما كونه يسيء لها فيكون بتصرف ضحيته جنتلمان وفي الواقع ما هو إلا صياد .
٣ - النفاق في الأدب : مسرح شكسبير أنموذجاً
أنتج وليم شكسبير العديد من الشخصيات العظيمة التي يمكن أن يخلدها التاريخ الأدبي كأعظم الشخصيات المسرحية ، ولكن مثلما أنتج شكسبير شخصيات عظيمة كذلك ابتكر شخصيات حقيرة تمثل أنموذجا عن المرضى النفسيين وتعبر عن شخصيات تمتلئ قلوبهم بالحقد والغيرة والنفاق والنميمة .
فشكسبير في مسرحية عطيل يرسم لنا الغيرة التي أصابت عطيل بالوحش الأخضر الذي استطاع أن يفتك بحب عطيل ويجعله كائن آخر ، قد كان هذا الوحش ناتجا عن سلسلة من الصراعات الطويلة التي عايشها عطيل بسبب نميمة الحاشية المقربة إليه .
إلا أن أعظم ما يمكن أن تمثله الغيرة والحقد في كتابات شكسبير تتمثل بمسرحية يوليوس قيصر وما فعله بروتس وطعنته ليولوس تلك الطعنة التي أصبحت مضربا للامثال ، إلا أن الجميع لا يعرف أن تلك الطعنة ناتجة عن نفاق الجميع ومحاولاتهم لإقناع بروتس بان يوليوس هو طاغية الطعنة التي ندم عليها بروتس لاحقا ما هي إلا ضريبة دفعت بسبب النفاق .

#كمال_الدين_الزبيدي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات