أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي حسين يوسف - أطلانتس القارة المفقودة: سفرٌ في الذاكرة الغارقة للكبرياء الإنساني














المزيد.....

أطلانتس القارة المفقودة: سفرٌ في الذاكرة الغارقة للكبرياء الإنساني


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8306 - 2025 / 4 / 8 - 01:40
المحور: قضايا ثقافية
    


أطلانتس فكرة أكثر من كونها أرض يابسة، خيالًا محفورًا في الذاكرة الجماعية، طيف منقوش على ألواح نجمة بعيدة. لم تكن جزيرة، بل تجسيدا لحلمٍ متعالٍ عن الأرض، حضارة تجرّأت أن تلامس الألوهة، ثم تهاوت في الصمت الأبدي. ليس في الحكاية ما يُطمأن إليه، فكل تفصيل فيها يهتزّ بين الأسطورة والنبؤة، بين الذاكرة والنسيان، بين ما قيل وما أُخفي عمداً.
لم تضِع أطلانتس لأن البحر ابتلعها، بل لأن الإنسان عجز عن حفظ التوازن بين القوة والحكمة. من يقرأ صمتها يدرك أنّ السقوط لا يأتي من الخارج، بل من الداخل. كل حضارة حين تتجاوز ذروتها تبدأ في التآكل من جوهرها، كأنّها تكتب نهايتها وهي تبتكر قمّتها. لم تكن أطلانتس إلا مرآة لما يمكن أن نصبحه حين ننسى أن الروح هي مركز كل شيء، وأن المعرفة بلا بصيرة هلاك مقنّع.
أولئك الذين بحثوا عنها في قاع المحيط كانوا يبحثون عن أنفسهم. كانوا يريدون أن يستعيدوا شيئًا فُقد، ليس في الجغرافيا، بل في المعنى. لم تكن حجارتها الثمينة، ولا معابدها اللامعة، ولا نُظمها الفلكية هي جوهرها، بل كان السر في النغمة التي عزفها وعيها الجمعي قبل أن يُبتلع في الغرور. كانت توقًا هاربًا إلى التوازن، إلى وحدةٍ ضاعت حين ساد الكيل المختلّ بين السلطة والرؤية.
الذين رأوها في أحلامهم لم يكونوا يحلمون، بل يستذكرون. فالذاكرة الأبدية لا تنسى المدن التي بُنيت من الحكمة والنور ثم فاضت عليها لعنة الاغترار. كل من يتأمّل مصيرها يدرك أن السقوط لا يصدر من فجوةٍ في الجدار، بل من شقٍّ في الروح. والخراب لا يبدأ حين تتهدم القصور، بل حين تتفسّخ القيم وتُستبدل الأسرار بالاستعراض.
لم تكن أطلانتس مفقودة، بل كانت تختبئ في عمقٍ لا يُقاس بالمكان. إنها تعيش فينا، كلما بنينا وهما جديدًا، وكلما أقنعنا أنفسنا بأننا نملك الحقيقة وحدنا. كلما ضحكنا على الماء الذي يحاصرنا، وكلما ظننا أن التقنية تعني التقدّم، وأن البذخ يغني عن المعنى، كانت تعود من تحت السطح، تهمس بصوت البحر: هكذا كنّا… وهكذا انتهينا.
أطلانتس ليست قصة، بل تحذيرا أزليا. ليست ماضياً، بل نبوءة تتكرّر بأقنعةٍ مختلفة. في كل لحظة نُغري فيها ذواتنا بأننا فوق الخطأ، وبأن العالم لنا وحدنا، تنشقّ أرض الغرور تحت أقدامنا، ويبدأ المحيط، ذلك الكائن الأقدم من الذاكرة، بالاقتراب. ليست الأمواج ما يُخيف، بل النسيان. نسيان التواضع، نسيان الإيقاع المقدّس الذي وحده يجعل المدن جديرة بالبقاء.
ولعلّها الآن، بعد أن اختفت منذ قرون لا تُحصى، تعيش فينا أكثر مما عاشت يوما هناك. صارت شبحا، يتردّد في ضمائر الأمم، يتقافز كلما ارتفعت الأبراج دون دعائم روحية، ويضحك في المدى حين نُعيد ذات الخطأ… بثوبٍ جديد.



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأويل الجدلي للتوحيد: قراءة فلسفية في أفق العلاقة بين الوا ...
- الشعر الجاهلي بين مطرقة العقل وسندان الوجدان: تأملات في شكوك ...
- الديستوبيا: تجليات الخراب في الوعي والمجتمع
- جدل الهوية والانتماء في الرواية العراقية بعد ٢٠& ...
- العرفان بين التجربة الروحية والفكر الفلسفي: نظرة في المفاهيم ...
- المرجعيات الفلسفية للبنيوية
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...
- فلسفة الخلق في النص القرآني


المزيد.....




- لأول مرة.. مصر تصدر ترخيصا لـ-شقق الإجازات- لإقامة السياح.. ...
- إيران تعلن عن محادثات رفيعة المستوى مع الولايات المتحدة
- كيف بنى الاتحاد السوفياتي أقوى قنبلة نووية في التاريخ؟
- أول تصريح لإيران بشأن المحادثات النووية بعد إعلان ترامب عن - ...
- عراقجي يعلن عن موعد لقاء وفدي إيران والولايات المتحدة في بلد ...
- الحرس الثوري الإيراني يعلن تفكيك خلية إرهابية تابعة لتنظيم - ...
- -تجريم التطبيع-.. نائب تونسي: أقول لعموم شعبنا لا تعولوا كثي ...
- السفارة الروسية في لندن تنفي صحة الأنباء حول التهديد الروسي ...
- السفير الصيني عن الولايات المتحدة: أكبر -إمبراطورية قراصنة- ...
- -صورة احتراقه هزت العالم-.. نهاية مأساوية لصحفي فلسطيني من غ ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي حسين يوسف - أطلانتس القارة المفقودة: سفرٌ في الذاكرة الغارقة للكبرياء الإنساني