سارعوا الي صحوة فكرية

منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بعلوم ما وراء الطبيعة و العلوم الروحية الحديثة
(Manal Hamesh)

الحوار المتمدن-العدد: 8305 - 2025 / 4 / 7 - 00:51
المحور: قضايا ثقافية
    

سارعوا إلى صحوة فكرية

في زمنٍ أصبحت فيه المعلومة أرخص من الرغيف، وأسرع من الضوء، وأقل صدقًا من السراب، باتت الحاجة إلى صحوة فكرية ملحة كحاجة القلب للنبض، والروح للنور. لسنا أمام أزمة جهلٍ تقليدية، بل أمام نوعٍ جديد من التجهيل المُنظم، تلبس ثوب الحرية، وتتزين بألوان التقنية، وتحمل في يدها جهازًا يُدعى الهاتف الذكي، بينما تزرع في العقول بذور الغفلة والانقياد الأعمى.

1. منصات التواصل: المعرفة المغلوطة والوعي المستورد

مواقع التواصل الاجتماعي لم تعد منصات للتواصل كما سُميت، بل تحولت إلى ساحات إسقاط جماعي للجهل، حيث يرتقي غير المؤهلين منصات التأثير، وينشرون آراءً مشوشة، وتجاربَ ذاتية يُلبسونها لباس الحقيقة المطلقة. تيك توك، فيسبوك، وإنستغرام أصبحت مدارس جديدة، لكن بلا معلمين، بلا مناهج، وبلا مسؤولية.

معظم من يتصدرون هذه المنصات ليسوا من ذوي العلم أو التجربة أو الوعي، بل هم - في الغالب - من أصحاب المستوى المعرفي المنخفض، ممن ينشرون أفكارًا سطحية، محاطة بمؤثرات سمعية وبصرية، تجعل العقل يتقبلها لا لوجاهتها، بل لمجرد تكرارها. وكما قال جورج أورويل: "الجهل هو القوة"؛ لكن أي قوة؟ قوة السيطرة على العقول النائمة.

2. التفاف الجماهير: حين تُقاد الجموع إلى السطحية

إن التفاف الآلاف، بل الملايين، حول هؤلاء المؤثرين ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو عرض خطير لحالة الفراغ الداخلي الذي يعاني منه الإنسان المعاصر. لقد تحققت نبوءة نيتشه حين قال: "إن الإنسان المعاصر فقد البوصلة... فأصبح يبحث عن ذاته في الآخرين".

هذا الحشد الجماهيري حول شخصيات لا تمتلك أي رؤية معرفية يُظهر انهيار المعايير الفكرية، ويطرح سؤالًا فلسفيًا مؤلمًا: هل أصبحنا نخاف من العمق؟ هل أصبح السطح هو الملجأ الوحيد في عصر الضجيج الرقمي؟

3. الصحوة الفكرية والروحية: طريق التنوير في زمن التزييف

لا خلاص لنا من هذا التيه إلا بصحوتين: فكرية وروحية. الصحوة الفكرية تعني القدرة على التفكير النقدي، على الشك المنهجي، على فحص المعلومات قبل ابتلاعها، تمامًا كما يفعل العلماء في المختبرات. أما الصحوة الروحية فهي تلك اللحظة النورانية التي يدرك فيها الإنسان أن وجوده أعمق من أن يُختزل في شاشة وهاتف و"لايك".

كارل يونغ تحدث كثيرًا عن "الذات العليا" التي لا تُدرك إلا بعد رحلة طويلة من التفكر والتأمل والانفصال عن الضجيج الخارجي. وابن عربي، في حكمته الخالدة، أشار إلى أن "الوجود مرآة، ولكن لا يراه إلا من طهّرهُ الفكر وصفّاهُ الذوق".

نحن في زمن "القولبة الفكرية"، حيث تُفرض علينا نماذج تفكير مبرمجة، دون أن نشعر. من هنا، فالصحوة ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية.

4. كيف نبدأ هذه الصحوة؟

إعادة الاتصال بالذات: عبر التأمل، الصمت، والعودة إلى الداخل.

تعلم التفكير النقدي: كما دعا إليه سقراط حين قال: "الحياة غير المفحوصة لا تستحق أن تُعاش".

القراءة النوعية: العودة إلى الكتب العميقة لا التغذية السريعة من فيديوهات تافهة.

الصحبة الواعية: اختر من حولك ممن يرفعونك نحو النور لا من يسحبونك نحو القاع.

فصل المؤثرات: بين المعلومة والمتعة، بين الترفيه والتعلم.

الشك المنهجي: لا تصدق كل ما تراه أو تسمعه، بل اجعل عقلك هو الحكم.



---

في الختام:
الصحوة الفكرية والروحية ليست ترفًا للنخبة، بل هي نداء للبشرية كلها. وكل دقيقة نقضيها في الغفلة، هي خطوة نحو الهاوية. "سارعوا إلى صحوة فكرية"، فالعالم لا يحتاج إلى مزيد من المتابعين، بل إلى قادة وعي يعيدون للعقل قدسيته، وللروح بوصلة سيرها.
فهل تكون أنت من هؤلاء؟

#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات