|
تركيا، الإسلام السياسي يهدف للسيطرة الأبدية على جهاز الدولة
بن حلمي حاليم
الحوار المتمدن-العدد: 8304 - 2025 / 4 / 6 - 15:22
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الأنظمة الاستبدادية تترسخ بصورة متتالية باستعمال كل الوسائل في ذلك، وإذا وجدت الظروف المساعدة ستسهل عليها المأمورية مما يشجعها على التوسع ومحاولات وضع المنطقة الإقليمية تحت نفوذها، واعتبارها مجالها الحيوي. هذه الوظيفة للدولة الرأسمالية تتفاوض حولها مع القوى الامبريالية لمصالح البرجوازية المحلية والإقليمية والدولية، وكما هو معلوم فإن الأقلية الرأسمالية والبيروقراطية العسكرية والإدارية والنقابية والأحزاب الليبرالية واليمينية الرجعية تعمل على الاستفادة من هذه الأوضاع وتساهم في تأبيد أنظمة الاستغلال والاستبداد، وكل الخلافات السياسية بين من يخدم مصالح البرجوازية تتم إدارتها تحت سيطرة الرأسماليين الكبار والشركات العالمية متعدية القوميات والأوطان والمؤسسات المالية الدولية والقوى الامبريالية. ولذلك وجدت الأقلية الرأسمالية التركية في حزب العدالة والتنمية وسيلة لفائدتها في المنطقة وساعدتها الظروف التي حصلت بعد الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية من طرف تنظيم القاعدة المنتسب للحركات الإسلامية السنية الأكثر انغلاقا وتزمتا ورجعية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وقد استغلته الامبريالية الأمريكية لتنظم حملات دولية تحت قيادتها، ساهمت في تدمير العراق البلد المهم في المنطقة تاريخيا وحضاريا وبشريا وثقافيا وموقعا من طرف القوى الامبريالية بمساعدة الدول الإقليمية واحتلاله ثم قامت الامبريالية بتدمير أفغانستان واحتلاله في الفترة نفسها والسبب نفسه. هذه الظروف وأخرى وفرت الشروط للطبقة الرأسمالية التركية للقيام بأدوار كبرى لفائدة القوى الامبريالية العالمية الغربية والشرقية، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وانجلترا والصين وروسيا واليابان. من هذه الظروف المساعدة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني ودولة إسرائيل التي تعد من أقوى قاعدة عسكرية احتلالية واستيطانية في المنطقة مؤسسة على إيديولوجية دينية يهودية كتاب التوراة /أسفار موسى لفائدة الامبريالية ومحاولاتها المتكررة عبر تاريخ الصراع في إبادة الشعب الفلسطيني على مدى أزيد من ثمانين سنة بعلة إنشاء وطن يحمي كل اليهود من الشر. من هذه الظروف كذلك وجود النظام الإيراني الاستبدادي المؤسس على الإسلام السياسي الشيعي والحكم الفردي الديني الوراثي، الإمام المعصوم منذ 1979 عندما استولوا على جهاز الدولة وصفوا المعارضين/ات السياسيين وبالأخص الشيوعيين والديمقراطيين الجذريين والمفكرين والأدباء العلمانيين. وقد خاض نظام حزب البعث العراقي في عهد المجرم صدام حسين حروب طاحنة مع النظام الإيراني لمدة عقد مع بداية الثمانينيات إلى أواخرها من القرن الماضي دفاعا على الأنظمة الرجعية العربية في المنطقة من المد الديني الشيعي والقومية الفارسية. ومع وجود إسرائيل وإيران القوتين النوويتين في المنطقة والصراع على السيطرة وتشكيل الحلفاء وتطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي من طرف الدول العربية فتح المجال للأقلية الرأسمالية في تركيا للاستفادة من ذلك.
علمانية النظام التركي السياسي الحديث مستهدفة
شهدت الجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك على قاعدة دستورية تحترم فصل الدين عن الدولة واحترام مبدأ العلمانية نظرا لتاريخ الدولة في عهد الإمبراطورية العثمانية ومع نهاية الحرب الامبريالية العالمية الأولى 1914 و1918 ونهاية تلك الإمبراطورية كان من الضروري تأسيس الدولة على ذلك، لكنها ستدخل في معارك سياسية مع حركات الإسلام السياسي التي تحن إلى عهد ما قبل الحرب العالمية الامبريالية الأولى، وظلت علمانيته مستهدفة منذ بناء دولة تركيا الحديثة إلى أواخر 1998 عندما تم تأسيس "حزب الفضيلة" الذي يمثل الإسلام السياسي اليميني الرجعي، وقد أوصف بأنه يطمح إلى خلق نظام ديني في تركيا منتهكا دستور الجمهورية، وسبق أن تم حظر عدة أحزاب سياسية دينية من قبله التي تزعمها نجم الدين اربكان، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما يقضي بإغلاق "حزب الفضيلة" وحظر نشاطه، وسبق أن نجحت النائبة البرلمانية عن حزب الفضيلة مروة قاوقجي ان خلقت مشكل بالمشهد السياسي عندما دخلت إلى المؤسسة التشريعية مرتدية الرمز الديني/غطاء الرأس/الحجاب مما خلق نقاشا واسعا في بلد متعدد القوميات والملل، وقد رفضت خلعه، ولما تعمقت الأمور وتطورت تم إسقاط عضويتها من البرلمان ثم إسقاط جنسيتها التركية ونفيها خارج البلد، وقد زاد تعمق المشكل أكثر، ونظمت حركات الإسلام السياسي حملات واسعة ضد العلمانية في تركيا كما في عدة بلدان منها: فرنسا بالخصوص، وتتم هذه الحملات ضد العلمانية من طرف دول النفط بالخليج وكذلك إيران بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات الدينية الرسمية في الأزهر بمصر وجامعات في السعودية والفاتيكان في ايطاليا. بعد هذا الأسلوب للإسلام السياسي في حملاته الدعائية ضد النظام السياسي التركي العلماني والمشاكل التي نتجت عنه، فكر زعماءه مليا من خلال تشاور مع حلفائه الرأسماليين والامبرياليين، وقرر مجموعة من الأعضاء من حزب الفضيلة الذي تم حله من طرف الدولة في 22 يونيو/حزيران 2001 الانشقاق عنه وتغيير التعامل مع الوضع بتأسيس حزب أطلقوا عليه : العدالة والتنمية في منتصف أغسطس /آب 2001 بشعار" المجددين" في الحزب المنحل بقيادة عبد الله غول ورجب طيب اردوغان. استعملوا خطاب شعاره" النشاط السياسي والعمل من اجل كل تركيا واستقطاب مختلف شرائح المجتمع، واحترام الحريات الدينية والفكرية والانفتاح على العالم والانضباط للتسامح والحوار..." هذا ما تم التوصل إليه مع الأقلية الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد في البلد ومع القوى الامبريالية، ولذلك طبق هذه الخدمة بكل تفاني؛ وبدأ يلح على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف لدك العلمانية والنقابات والأحزاب الماركسية الثورية والحركات النسائية والمساواة بين الجنسين والحق في الإنجاب وفي عدمه والفئات المضطهدة جنسيا في أوروبا، وحق القوميات المضطهدة في تقرير المصير. الإلحاح على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ورفع شعار احترام التعدد و" الديمقراطية" إلا انه يدافع باستماتة قوية عن نظام الأسرة باعتبارها نواة اجتماعية أساسية، وهذه هي البنية الاجتماعية التي تعتمد عليها الحركات الدينية والدول التي تحكم باستعمال الدين بتأبيد نظام حكمها، ومنها الحركة الصهيونية التي توظفها لدى اليهود لأنها ترسخ تعاليمها للأطفال منذ أن يتعلموا النطق.
شجعت الظروف على خلق نظام رئاسي استبدادي
عمل رجب طيب اردوغان على تأبيد حكم الأقلية الرأسمالية وجعل تركيا تخدم مصالح الامبريالية في المنطقة بكل خشوع وإيمان ضد مصالح أغلبية الشعب التركي وضمان الاستغلال المفرط للبروليتاريا؛ بدأ اردوغان رئيسا لبلدية اسطنبول التي تضم نحو 16 مليون نسمة وهو عدد يفوق سكان عدة بلدان في العالم، فكم يبلغ عدد سكان كل من : السويد وتونس وبلجيكا؟ فكل بلد منهم لا يتجاوز 16 مليون نسمة، وفاز حزبه بالانتخابات لعدة مرات متتالية وأصبح رئيسا للجمهورية التركية عبر الاقتراع المباشر.
شخص يحن إلى عهد الإمبراطورية الإسلامية وتركيا مركز الخلافة
درس رجب طيب اردوغان في ثانوية اسطنبول للائمة والخطباء وحصل فيها على منحة الإقامة المجانية وتخرج فيها عام 1973 وكان من بين المتفوقين فيها، وبعد ذلك التحق بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية بجامعة مرمرة وتخرج فيها عام 1981، وكان يلقبه أقرانه ومحيطه بصفة رجل دين ويطلقون عليه " الإمام"؛ وفعلا هذه الصفة ساعدته أن يقوم بدور في نقابة الاتحاد الوطني للطلبة الأتراك ثم منظمات الشبيبة لحركات الإسلام السياسي، وبذلك انضم في سن مبكر لحزب" السلامة الوطنية" الذي أسسه نجم الدين اربكان عام 1972، ثم إلى الأحزاب التي أسسها هذا الاخير"حزب الرفاه" وبعد ذلك " حزب الفضيلة" وهي الفترة التي بدأ الإسلام السياسي اليميني الرجعي يطمح إلى اسلمة المجتمع والانغراس فيه وترسيخ الدين وربطه بالسياسة والدولة ونظام الحكم، وتم تنظيم حملات ضد العلمانية والأفكار الوضعية والمساواة بين الجنسين وحقوق القوميات المضطهدة منها الأكراد والأرمن وغيرهما، وضد العقائد والمذاهب الدينية المخالفة لتوجهاتهما. في هذه الفترة أصبح رجب طيب اردوغان رئيسا للمنظمة الشبابية لحزب" السلامة الوطنية"عام 1976، وتولى القسم الشبابي بمحافظة اسطنبول، ولما تأسس" حزب الرفاه"عام 1983 برز فيه رجب طيب اردوغان بهذا الوسط وتولى مهمة فرعه بإحدى المناطق باسطنبول عام 1984، ثم سيصبح فيما بعد عضوا في لجنته الإدارية عام 1985 التي تتمتع بالقرارات المركزية لحزب " الرفاه" ثم سيتولى رئاسة الحزب في اسطنبول في السنة نفسها، هذا المشوار لنشاط الإسلام السياسي اليميني الرجعي سيتوج بترشيح رجب طيب اردوغان في الانتخابات التشريعية عام 1987، لكنه لم يفلح في الفوز، ومع ذلك يظل الشخص الذي يعتمد عليه الحزب في اسطنبول ولذلك رشحه في عام 1991 بالمدينة نفسها لكنه لم يفوز للمرة الثانية، وظل الحزب متشبث به في الانتخابات ورشحه لرئاسة بلدية اسطنبول في أواخر مارس / آذار 1994 وفي هذه المرة استطاع أن يفوز بهذا المنصب، مما سمح له بالنشاط بعد توفير المال الكافي في المنطقة وتنفيذ سياسية اسلمة المجتمع مركزا على الشباب والنساء وفرض الدولة الدينية بأسلوب فني معاصر تحت مخططات الامبريالية ومطالب الأقلية الرأسمالية التركية؛ وقد تصادمت أفعاله مع وضع تركيا وتحولاتها السياسية عبر التاريخ مما جعله يتعرض لتهمة التحريض على الكراهية الدينية وخضوعه لمحكمة امن الدولة عام 1998 وإجراء محاكماته وسجنه ومنعه من الترشح والمنافسة في الانتخابات العامة، وحرمانه حتى من مناصب الوظائف الحكومية. ففي إحدى خطبه وهو كما وصفه أقرانه إمام خطيب قال: مساجدنا ثكانتنا قبابنا خوذاتنا مادننا حرابنا والمؤمنين جنودنا هذا هو الجيش المقدس الذي يحرس ديننا... وهي مقتبسة من قصيدة لشاعر تركي، وبهذا التصادم مع المجتمع والدولة، قام بتغير أسلوب النشاط السياسي وانشق مع مجموعة عن منهج نجم الدين اربكان عام 2001، لان المجتمع التركي مكون من ثقافات عريقة ومتنوعة وحضارة غنية ولذلك غير اردوغان طريقة تعامله وبالأخص بعد الحكم القضائي والمنع من الوظائف الحكومية وتابعاتها، فلم يتمكن من ترؤس الحكومة إلا بعد إسقاط الحكم عنه عام 2003 (1)
حزب العدالة والتنمية التركي الإسلام السياسي مخلص للنيوليبرالية
جرت الانتخابات التشريعية 2002في نونبر/ تشرين الثاني لما كان الحظر السياسي مطبق على رجب طيب اردوغان منذ 1998 وشارك فيها حزبه بقيادة عبدالله غول واستطاع أن يحقق فوزا غير منتظر بعدما حصل على 34.28 في المائة من الأصوات وبذلك حصل على 363 مقعدا برلمانيا من أصل 550 مما منحه تشكيل حكومة بمفرده. بهذه النتائج تمكن من العمل بدون ائتلاف حزبي سياسي، هذه العملية جعلت حزب العدالة والتنمية يخطط للسيطرة على أجهزة الدولة ومنها الإعلام بجل وسائله الأكثر جماهيرية وانتشار، والمساجد بكل تركيا ونظم حملات واسعة وقد نجح في خطته، وبدأ يخوض النشاط السياسي في منتصف صيف2001 بقيادة رجب طيب اردوغان، وقد سانده الإسلام السياسي السني والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين على أساس أن لديه الإمكانيات لتزعم هذا الاتجاه السياسي بدعم من دولة قطر الإمارة الغنية بالنفط والغاز وقليلة السكان. وكانت هذه العوامل جد مساعدة لحزب العدالة والتنمية وشخصية رجب طيب اردوغان مما وفر له ظروف خدمة الرأسمالية والامبريالية والرجعية في المنطقة طيلة هذه المدة، نحو أربعة وعشرون سنة، فقد انتخب رجب طيب اردوغان رئيسا للحزب في مجلس وطني بالإجماع تقريبا، وفي 8 مارس / آذار 2003 جرت انتخابات في ولاية سيرت وخاضها رجب طيب اردوغان بعد السماح له ورفع عنه الحظر السياسي وانتخب نائبا برلمانيا عن الولاية. أسندت مهمة تشكيل حكومة تركية لرجب طيب اردوغان بعد استقالة الحكومة وفي 15 مارس/ آذار 2003 تقلد منصب رئيس الوزراء، وفي انتخابات المجالس البلدية العام 2004 حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 41.7 في المائة من الأصوات وفاز بعدد كبير من البلديات الصغيرة والكبيرة، وفي الانتخابات التشريعية لسنة 2007 فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 46.58 في المائة من الأصوات وحصل بذلك على 341 مقعدا من أصل 550 وتمكن من تشكيل حكومة بدون ائتلاف، وقد انتخب عبد الله غول رئيسا للجمهورية التركية عبر تصويت مجلس النواب وشغل المنصب من 28 أغسطس/آب 2007، وفي السنة نفسها طرح حزب العدالة والتنمية بعض التعديلات الدستورية منها: منصب رئيس الجمهورية يتم عبر الانتخابات المباشرة من طرف الشعب؛ وطرحت التعديلات للاستفتاء الشعبي وكانت نتائجها 68.95 في المائة صوتت بنعم للتعديلات؛ هذه العملية السياسية تمت عندما تمكن الحزب من السيطرة على جهاز الدولة وأدواتها التنفيذية الرئيسية . وفي الانتخابات البلدية عام 2009 فاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 38.39 في المائة من الأصوات، وفي عام 2010 فاز الحزب في الاستفتاء حول التعديلات بنسبة 57.88 في المائة، في هذه الفترة بدأت عدة جهات تشجع الإسلام السياسي وحزب العدالة والتنمية ورجب طيب اردوغان وتمنحه الجوائز منها : الجمعية الثقافية الألمانية التركية عام 2009، جائزة ابن سينا مناصفة مع رئيس الوزراء اسبانيا خوسيه لويس ثاباتيرو والأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، على دوره في تأسيس منتدى تحالف حوار الحضارات وتقريب المسافات بين الدول الإسلامية والغربية، وجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 2010، وشهادة الدكتورة الفخرية من جامعة ام القرى بمدينة مكة بدوره في خدمة الإسلام، وجائزة معمر القذافي لحقوق الإنسان عام 2010.(2)
وقد التفت حوله البرجوازية الصغرى التجارية بالخصوص المتحالفة مع الأقلية الرأسمالية المسيطرة على الأوضاع وفي عام 2011 جرت الانتخابات التشريعية وفاز الحزب بنسبة 50 في المائة وحصل على 327 مقعدا من أصل 550؛ وهي السنة التي تزلزلت فيها المنطقة العربية التي تضم عدة قوميات مضطهدة بثورة شعبية أسقطت رؤساء ظلوا على رأس الدول عقود متتالية : زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمين، وكان على وشك السقوط آخرين، اقرب إلى ذلك حمد بن عيسى بن سلمان ال خليفة في البحرين الذي حمل صفة ملك للدولة في منتصف فبراير/ شباط 2002، وقد أنقدته دول الخليج بجيوشها من الإطاحة خوفا من نجاح ثورة شعبية في البلد بعد تدخل "درع الخليج" ومساعدة دول حليفة من خارج هذا التشكل الإقليمي. وفي 10 أغسطس/ آب 2014 انتخب رجب طيب اردوغان رئيسا للجمهورية التركية، بعد الانتخابات المباشرة بنسبة 51.79 في المائة من الأصوات، وفي 12 من الشهر والسنة نفسهما شغل المنصب، ويعد أول رئيس جمهورية في تركيا ينتخب بصورة مباشرة من الشعب، وفي يونيو/حزيران عام 2015 جرت الانتخابات التشريعية وفاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 40.87 في المائة من الأصوات، وقد فشل في تشكيل حكومة منفردا بسبب حصوله على 258 مقعد من أصل 550 مقعد في البرلمان التركي، ولم يستطيع إقناع الأحزاب السياسية لتشكل معه حكومة ائتلافية لان هذه الفترة كانت المنطقة ملتهبة خصوصا الحرب الأهلية في سوريا مما جعل الأقلية الرأسمالية تدرس الأوضاع وتبحث عن وسائل للضغط على الإسلام السياسي لان الأمور تغيرت في مصر بعد ما سيطر الجيش على جهاز الدولة بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي خنق الديمقراطية البرجوازية وقمع بصورة دموية الإسلام السياسي، وكذلك الأوضاع في ليبيا وتونس بعد تحالف حزب النهضة ممثل الإسلام السياسي مع حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي، إذن هنا بدا الإسلام السياسي يعيش مشاكل كبرى في المنطقة.
بعد الفشل في تشكيل حكومة ائتلافية تم خلق آلية سياسية لتدبير المرحلة وهي حكومة تصريف الأعمال مكونة من بعض الشخصيات الوطنية البرجوازية وأحزاب من البرلمان.وفي أواخر أغسطس/اب 2015 دفع رئيس الجمهورية رجب طب اردوغان بعد التشاور مع رئيس البرلمان إلى إصدار قرار بإجراء انتخابات تشريعية قبل الأوان، وحددت تاريخها الهيئة العليا للانتخابات في 1نونبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، وجرت في هذا التاريخ وفاز حزب العدالة والتنمية بنسبة 49.5 في المائة من الأصوات وحصل بذلك على 317 مقعدا.(3) هذا المنصب جعل احمد داود اوغلو يكون رئيسا لحزب العدالة والتنمية بدل منه، ففي هذه الفترة كانت تأثيرات الثورة العربية كبيرة على المشهد في تركيا خصوصا في سوريا تحت نظام بشار الأسد المجرم الذي ظل يقصف الشعب السوري منذ مارس/آذار 2011 بكل أصناف الأسلحة، وقد شرد الشعب ودمر البلد، وقد استطاع هذا المجرم الكبير وزمرته رغم الجرائم التي ارتكبوها أن يستقطبوا الكثيرين إلى مساندتهم مستعملين دعاية واسعة حملت شعار" جبهة الممانعة" ضد الامبريالية والصهيونية، وشعار " مقاومة التنظيمات والجماعات الإرهابية الإسلامية" وكانت هذه عملية سياسية ذكية نجحوا فيها مع البعض للأسف.
ففي عهد احمد داود اوغلو حقق حزب العدالة والتنمية فوز في الانتخابات التشريعية في 7 يونيو/ حزيران 2015 وفوز في الانتخابات المبكرة في 1 نونبر/ تشرين الثاني 2015 وبذلك شكل حكومته بدون تحالفات مما سمح له بان ينفرد بها. وفي 22 مايو / أيار 2016 تم انتخاب بن علي يلدريم رئيسا لحزب العدالة والتنمية بدل من احمد داود اوغلو مما سمح لبن علي يلدريم بان يتقلد منصب رئيس الوزراء بعد تشكيل الحكومة. هنا لا بد من الاطلاع على احمد داود اوغلو لمعرفة هذا التغيير في حزب العدالة والتنمية بهذه الفترة التي أصبح فيها رئيسه السابق رجب طيب اردوغان رئيسا للجمهورية التركية، ولماذا جعل بن علي يلدريم رئيسا للحزب بدل منه بوقت وجيز؟ يعد احمد داود اوغلو المساعد الأول لرجب طيب اردوغان والقريب إليه في العمل السياسي طيلة اثنا عشر سنة تقريبا، حصل هذا منذ تأسيس حزب العدالة والتنمية، لكن الأقلية الرأسمالية المسيطرة على الوضع في تركيا تتفاعل مع الأحداث والمستجدات على ارض الواقع وليست جامدة، فكل التطورات التي تشهدها الساحة الإقليمية والدولية تنعكس على حزب يميني رجعي يقوم بوظيفة لفائدة البرجوازية والأقلية الرأسمالية التركية. فرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة يتطلبان توافق وتوازن يسمح لهما بإدارة الدولة الرأسمالية في منطقة شهدت زلزال ثوري وصراع على منابع الثروات، خصوصا النفط والماء والمعابر الأساسية والمواني...الخ، وهذا كله تحت مخططات وبرامج ومصالح الامبريالية، وشهدت وتشهد المنطقة هزات شعبية من حين إلى أخر في عدة بلدان وقد حصل ذلك فيما بعد، ففي عام 2019 اهتزت كل من: العراق ولبنان والجزائر والسودان، هذه الأخيرة التي تزعزع فيها نظام الإسلام السياسي وحكم المجرم عمر البشير وتم إسقاطه في 11 ابريل /نيسان 2019 بعد ثلاثة عقود من الاستبداد، وإبعاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي شكل حالة غريبة في أواخر حكمه، ودخلت السودان في حرب أهلية مدمرة ولازالت نيرانها مشتعلة، إذن لما تقلد رجب طيب اردوغان منصب رئاسة الجمهورية في ظروف كانت بوادرها جلية منذ 2015، تم الاتفاق على خلفه على رأس الحزب لأحمد داود اوغلو، ولكن المشكل يكمن في من سيتقلد رئاسة الحكومة؟ وهذه الهيمنة على الأجهزة التنفيذية بالدولة التركية بالكامل إضافة إلى مجلس الشعب المؤسسة التشريعية والمجالس المحلية والبلديات بالضرورة ستخلق مشاكل سياسية للأقلية الرأسمالية والبيروقراطية العسكرية والإدارية وفعلا خلقتها وهذا ما حصل.
سيرورة الثورة العربية والهزات الشعبية بالمنطقة وتأثيرها على تركيا
لقد اهتزت المنطقة منذ أواخر 2010 وأوائل 2011 وشهدت تركيا احتجاجات شعبية ضد النظام وتم الالتفاف عليها وخنقها، ولهذا لا يمكن أن تمر الظروف التي تليها وتأثيراتها على رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة ومجلس الشعب والمجالس البلدية التي يسيطر عليهم حزب العدالة والتنمية بدون ترتيبات محلية وإقليمية ودولية يتطلب منه أن يدير أدواته التنظيمية والإيديولوجية حسب مصالح الرأسمالية والامبريالية. إن اكبر مهمة يقوم بها الاستبداد في كل مكان هو تأبيد الاستغلال وخدمة مصالح الرأسمالية والامبريالية، وهذا الأمر مطلوب في العالم ومسموح به من طرف الدول الكبرى الصناعية التي تبحث عن مصادر الثروات بتكاليف زهيدة، ويحصل المستبد على كل التشجيع والدعم شرط أن يقمع كل تطلعات الجماهير الشعبية والقوميات المضطهدة في تقرير المصير والسيادة على ثروات البلد، و ان يعمل بكل تفاني لخدمة مصالح الرأسمالية والامبريالية في المنطقة، ويستعمل كل المؤسسات وأسلحتها بداية بالإدارة الداخلية ووسائلها وإذا عجزت يتم استعمال الجيش وأسلحته لحسم أمر الصراع وقتل الأبرياء المدنيين؛ فمن يقف بجانب إسرائيل في إبادة الفلسطينيين نساء وأطفال وذوي الحاجات الخاصة؟ الجواب واضح ولا يتطلب ادلة. ولهذا فان الدعم جعل رجب طيب اردوغان يريد أن يكون هو الحاكم القوي على التركيين/ات وشعوب المنطقة متكئا على شرعية انتخابه بالاقتراع المباشر لأول مرة في تركيا من طرف الشعب، ومعلوم أن حتى أدولف هتلر انتخبه الشعب هو الأخر عبر صناديق الاقتراع رئيس في ألمانيا، لكنه قاد البلد والشعب وأوروبا والقوميات والملل للهلاك الشامل، والمؤرخين/ات اطلعوا على أفعال قاسية على السرد أما من شاهدها أصابه الجنون وفقدان التوازن. فالسيطرة على رئاسة الجمهورية خلقت خلافات داخل حزب العدالة والتنمية وهذا كان متوقع، فاحمد داود اوغلو له مؤيدين كثر داخل حزب العدالة والتنمية مستفيد من مساره الأكاديمي والسياسي في كسب هذا التأيد، فالجهد الذي بدل من اجل إيصال رئيس حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الجمهورية يجب أن يفيده أكثر، ولذلك تم نقل رئاسته إلى احمد داود اوغلو لحماية الحزب من المشاكل المحتملة بداخله. لكن الرئيس الجديد للحزب يعد منظر الإسلام السياسي المتكيف مع النيوليبرالية بصورة محافظة بالمنطقة وله طموح في مناصب مهمة بجهاز الدولة التركية ولم يقبل أن يكون تحت تعليمات رجب طيب اردوغان فهو كذلك بإمكانه أن يخدم الأقلية الرأسمالية التركية والامبريالية بصورة أفضل. (4) فاحمد داود اوغلو له طموح سياسي نظرا لما قدمه للإسلام السياسي في تركيا والمنطقة والعالم، والمناصب التي شغلها طيلة مساره الأكاديمي والسياسي، ولذلك دعا إلى عقد مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية في 5مايو/أيار 2016؛ لان خلافات مع الرئيس رجب طيب اردوغان تطورت ووصلت باب مسدود رغم الجهد الذي قام به البعض بينهما، وصرح بأنه لم يكن يريد ترك الحكومة، وفي 22 مايو/ايار بالسنة نفسها صرح رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان في مؤتمر صحفي بان رئيس الوزراء ومجلس الوزراء تقدموا استقالتهم. ومرت سنوات حتى أواخر 2019 قام احمد داود اوغلو ومجموعة من أعضاء حزب العدالة والتنمية بتأسيس حزب جديد أطلقوا عليه " حزب المستقبل" ومن مهامه معارضة تحويل نظام الحكم في تركيا من نظام سياسي برلماني إلى نظام رئاسي؛ وقام احمد داود اوغلو بدور لجمع عدة أحزاب حول الموضوع ومعارضة حزب العدالة والتنمية منها : حزب الشعب الجمهوري. ففي منتصف يوليو/تموز2016 نظمت محاولة انقلابية حسب ما روج له النظام التركي، واتهم فيها فتح الله غولن، وبالمناسبة دعا الرئيس رجب طيب اردوغان الشعب التركي وأنصاره إلى التظاهر بالساحات، وعلى إثرها حصل تحالف بين حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية. ففي أوائل 2017 طرح على رئيس البرلمان مقترح تعديلات على الدستور للاستفتاء وقعه 316 نائبا من حزب العدالة والتنمية بالإضافة لرئيس الوزراء بن علي يلدريم، وافق رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان على قانون تعديل الدستور بعد التصويت وبعثه لرئيس الوزراء لنشره وعرضه للاستفتاء الشعبي؛ وبعد النتائج التي كانت نسبتها 51.41 في المائة موافقة على التعديلات و48.59 رافضة لتلك التعديلات وبذلك تم إلغاء النص الذي يتعلق برئيس الجمهورية الذي كان يشير إلى : المنتخب لرئاسة الجمهورية التركية يجب أن يكون منفصلا عن حزبه السياسي. وبعد هذا الإلغاء سمح لرجب طيب اردوغان ان يكون عضو في حزب العدالة والتنمية. هكذا مرت السياسات إلى النظام الرئاسي باستعمال أصوات التركيين المتعاطفين مع الحزب اليميني الرجعي قبل أن يفهموا كيف يترسخ الحكم الاستبدادي شيئا فشيئا حتى يتمكن وينطلق السحق بلا رحمة ولا شفقة.. فمنذ 2014 بعد الانتخابات الرئاسية وحزب العدالة والتنمية يسعى إلى إلغاء فصل في الدستور ليكون رجب طيب اردوغان يجمع بين عضوية الحزب ورئاسة الجمهورية التركية واستطاع تحقيق غايته، وفي أواخر مايو/أيار 2017 عقد الحزب مؤتمر استثنائي عمل أعضاءه أن يكون واسعا ونظموا حملات بكل مكان، وقرر فيه إعادة رجب طيب اردوغان لرئاسة حزب العدالة والتنمية ؛ تطور تحالف حزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية وأطلق عليه [ تحالف الشعب] بعدما صدر قانون متعلق بهذه العملية السياسية وخاض انتخابات أواخر يونيو/ حزيران 2018، وفاز رجب طيب اردوغان برئاسة الجمهورية بنسبة 52.59 في المائة، وفي 18 أغسطس /آب 2018 أعيد انتخاب رجب طيب اردوغان رئيسا لحزب العدالة والتنمية. هذه النتائج بعد تحالف الشعب الذي وجدت فيه الأقلية الرأسمالية والبرجوازية الصغرى ما تطمح له في المنطقة وهو ضمان السيطرة على الوضع محليا والتوسع إقليما وفتح أسواق لمنتجاتها الصناعية وتأبيد استغلال البروليتاريا التركية . جرت الانتخابات البلدية أواخر مارس/ آذار 2019 وحصل التحالف الشعبي لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية على أغلبية المحافظات لكنه خسرأهم البلديات في تركيا منها: العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول الكبرى وأزمير التي فازت فيهما المعارضة، هذه الخسارة لأهم المدن لم يستسيغها رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية، شهد هذا التحالف عدة مشاكل منها: اختيار المرشحين/ات بينما حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير نجحوا بصورة غير متوقعة لدى الملتصقين بنتائج حزب العدالة والتنمية طيلة عقدين، أي منذ بداية خوضه منافسات الانتخابات التركية، وحتى المنافسات في بعض المدن الكبرى التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية خسرتها المعارضة بنسبة ضئيلة في الأصوات، وفي محافظات أخرى نجح فيها الحزب الشيوعي التركي ضد مرشحي حزبي تحالف الشعب/ الجمهور. تأسس تحالف الشعب/ الجمهور في سياق وظروف حصلت بعد فشل انقلاب سنة 2016 ومنذ ذلك والترتيبات جارية بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية الذي كان معارضا للحكم وبعد تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني الذي ظل مستمرا من زمن طويل إلى رئاسي سنة 2017 وفي أواخر فبراير/ شباط 2018 أعلن عن هذا التحالف رسميا، ودعمته بعض الأحزاب السياسية اليمينية القريبة منه إيديولوجيا وتوجها اقتصاديا رغم عدم انضمامها إليه. اجتمعت مكونات تحالف الشعب/الجمهور ومن يساندهما على محاربة حزب العمال الكردستاني بالأساس ثم مواجهة حركة فتح الله غولن وكل مبادئ الديمقراطية البرجوازية منها الليبرالية والعلمانية/اللائكية. ففي مايو/ايار2017 عقد حزب العدالة والتنمية مؤتمر استثنائي ثالث وحضره رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان ورشحه المندوبين المختارين بعناية فائقة لرئاسة الحزب بدون منافسة، وحسب رئيس المؤتمر يازجي فان رجب طيب اردوغان حصل على صوت 1370 مندوبا، وهكذا نجح في مخططه وتعديلاته الدستورية الجديدة التي اعتمد عليها لترسيخ البيروقراطية والاستبداد وضمان الاستغلال لمصلحة الأقلية الرأسمالية وسحق البروليتاريا التركية. وبعد فوز رئيس الجمهورية برئاسة الحزب عبر رئيسه الاسبق قبل هذا المؤتمر الاستثنائي الثالث علي بن يلدريم الذي حضر للمؤتمر رفقة وزراء حكومته عن ترحيبه بتسليم رئاسة الحزب لمؤسسه، وفي 2018 شارك رجب طيب اردوغان في الانتخابات الرئاسية مرشحا عن تحالف الشعب وفاز فيها بنسبة 52 في المائة من الاصوات.
انقلاب عسكري فاشل وتصفيات الإسلام السياسي لمعارضيه شاملة وناجحة
فقد نظم مجموعة من ضباط الجيش وعدد من الجنود في 15 يوليو/ تموز 2016 انقلابا على السلطة في البلد واستطاعوا الاستيلاء على القناة الفضائية الرسمية للدولة، وبثوا بيان سياسي عبروا من خلاله عن إسقاط نظام حكم الرئيس رجب طيب اردوغان، وتشكيل هيئة استلام السلطة، ووعدوا بإعداد دستور جديد لتركيا. فلم يمر إلا وقت قليل عن ذلك حتى ظهر رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان على عدة قنوات فضائية في البلد متعهدا بإفشال الانقلاب ومحاكمة المسؤولين عنه والمنفذين له، ودعا الشعب التركي للنزول إلى الشوارع والميادين لحماية الديمقراطية وإفشال الانقلاب. هذه الدعوة التي دافع عنها حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان وحلفائهما ظلوا رافضيها لغيرهم، ولم يقبلوا بها لمن يعارض سياسة حزب العدالة والتنمية، وقد استعملت الدولة وأجهزة الداخلية جل أصناف الأسلحة والوسائل لقمع الاحتجاجات والتظاهرات والوقفات والمسيرات الجماهيرية والشعبية، ولهذا يظل شعار" تحالف الجمهور/الشعب " بلا معنى بل خدعة ديماغوجية . هذه المحاولة الانقلابية على نظام الحكم فشلت؛ وبذلك خلقت منعطفا، واستغلها حزب العدالة والتنمية ليصفي كل الحسابات السياسية مع خصومه ومنافسيه ومعارضيه الجذريين من جميع التوجهات، وقام رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان بالاتصالات مع الأحزاب السياسية والقوى اليمينية بدعم من الأقلية الرأسمالية المسيطرة على الاقتصاد التي فرضت على الأحزاب القومية واليمينية بناء تحالف ضد التحولات السياسية مستقبلا، وبذلك سهلت الممر لحزب العدالة والتنمية لتقرب من حزب الشعب الجمهوري ورئيسه كمال قلجدار أوغلي، وحزب الحركة القومية ورئيسه دولت بهجلي، ثم بدأت عملية النسف والاجتثاث؛ ولما انتهت هذه الأزمة السياسية في وقت قصير،انطلقت عملية تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي بقيادة رجب طيب اردوغان في السنة نفسها.
استغلال فتح الله غولن في اسلمة المجتمع ثم الانقلاب عليه فيما بعد
اتهم فتح الله غولن بعلاقاته بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، وقد نظم حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب اردوغان حملات واسعة ضده وضد حركته ومدارسه وكل من يرتبط به مباشرة أو غيرها؛ فجل المتتبعين لنشاطه يعلمون انه فعلا قام منذ عقود بادوار كبيرة في نشر الأفكار الدينية في تركيا، أولا بكل أرجاءها ثم في عدة بلدان غير عربية في أسيا وافريقيا، وأسس مدارس لتعاليم الدين والتوجهات "الصوفية" ونظم شبكات واسعة جدا، وكان يعمل من اجل اسلمة المجتمع التركي، وخلق حلف مقدس بين الأديان، والتقى في الفاتيكان مع البابا للغاية نفسها، وهي محاربة الشيوعيين والإلحاد والعلمانية والمساواة بين الجنسين وحقوق القوميات المضطهدة وكافة الفئات المضطهدة سياسيا وجنسيا. هذه المهمة استفاد منها حزب العدالة والتنمية بصورة كبيرة ومن خلالها وصل رجب طيب اردوغان إلى رئاسة الجمهورية بأصوات أنصار فتح الله غولن، وبعدما حقق حزب العدالة والتنمية مبتغاة وأهدافه انقلبوا على فتح الله غولن واتهموه بالمشاركة في الانقلاب، لكن التاريخ هو من سيكشف عن ذلك مستقبلا بعدما تفتح الأرشيفات للصحافة والإعلام.
في أوائل يونيو/ حزيران 2022 أعلن رجب طيب اردوغان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية رسميا عن تحالف الشعب/ الجمهور؛ هل هذا متفق عليه مسبقا في التحالف؟ الجواب لدى حزب الحركة القومية.
الاسلام السياسي قام ويقوم بمهام مركزية للرأسمالية والامبريالية
ان طمس الحقائق وخداع الناس لا يمكن ان يستمروا إلى ما لانهاية، ولهذا سيظل الصراع الطبقي يحتد في ظروف ويخفت وينطفئ في أخرى وهكذا، والأزمات المركبة للنظام الرأسمالي مستمرة على جميع القطاعات، وقد تفاقمت في تركيا وظلت الحكومات المتتالية لحزب العدالة والتنمية تدير هذه الأزمات أما إيجاد حلول لها فغير ممكن، ويستحيل بدون ثورة شعبية تقوم بها شرائح اجتماعية واسعة بمطالب جذرية، وتقطع مع الرأسمالية والامبريالية، وكانت إدارة حزب العدالة والتنمية لهذه الأزمة البنيوية مفيدة للأقلية الرأسمالية والبرجوازية الصغرى التي وظفت أموالها بجل القطاعات والأنشطة الاقتصادية. الأقلية الرأسمالية والبرجوازية غايتها المزيد من الأرباح على قوة الطبقة العاملة وكدحها، ولن يتحقق لها ذلك إلا إذا توفرت شروطه ومنه ضمان الاستغلال ضمن الاستقرار، أي "السلم الاجتماعي" وهذا الأمر سهر عليه حزب العدالة والتنمية مع حلفائه. فأرباب الشركات الكبرى والمصارف والتأمينات والفنادق السياحية والتجار المسيطرين على التصدير والاستيراد وجدوا في حزب العدالة والتنمية اليميني الرجعي أفضل خادم، وقد نجح في ذلك مما وفر له ظروف الاستمرارية في الحكم، وقد أصبح للعملة التركية تقدير ومصداقية في الأسواق المالية الدولية وقد قدمت خدمات جليلة للمؤسسات المالية الدولية على حساب الجماهير الشعبية بتسديد نحو 23.5 مليار دولار من الديون لصندوق النقد الدولي سنة 2013، وهل هذه الديون شرعية؟ هل تم فحصها وتدقيقها؟ ومن المستفيد منها وكيف تراكمت؟؟ فحزب العدالة والتنمية ورجب طيب اردوغان يسعيان لتكريس الاستبداد مادام يخدم مصالح الامبريالية ومؤسساتها، ولهذا فلن يزعجه إلا الكادحين/ات والديمقراطيين/ات الجذريين والعلمانيين والقوميات المضطهدة والنساء والشباب، ولذلك ظلت وسيلته هي القمع والاعتقال وتلفيق التهم بالإرهاب والفساد واللائحة طويلة. لقد ساعدت عدة عوامل الدولة الرأسمالية التركية على نمو اقتصادي في الفترة من 2000 إلى 2008 من بينها: الأوضاع في المنطقة المحيطة بها، في العراق تحت حكم حزب البعث والمجرم صدام حسين الاستبدادي، وإيران تحت نظام الاستبداد والفقهاء الدينيين المجرمين الذين يصفون كل من يعارض حكمهم بالاغتيالات السياسية والأحكام القاسية والسجون؛ وكذلك استفاد حزب العدالة والتنمية من الحصار والمشاكل للنظام الإيراني مع بعض القوى الامبريالية، واستفاد كذلك من الصراع العربي مع إسرائيل التي تحتل بلد فلسطين وتعمل على إبعاد شعبها وإبادته وإنشاء مستوطنات لليهود الصهيونيين/ات، واستفاد من مناخ سيرورة بناء الاتحاد الأوروبي والأزمات الاقتصادية المتتالية. لقد استفادت الأقلية الرأسمالية والبيروقراطية العسكرية والإدارية وأرباب المصارف والتجار الكبار من ظروف صعبة جدا بما فيها خدمة الإيديولوجية للإسلام السياسي السني الذي تقوده الدولة العربية السعودية بنشرها إسلام سني سلفي عتيق في مواجهة انتشار الإسلام السياسي الشيعي الذي تعمل دولة إيران من اجل نشره في المنطقة العربية، ففي هذا الصراع الإيديولوجي والمادي على المجالات الحيوية وخلق الحلفاء وجد التنظيم الدولي للإسلام السياسي السني للإخوان المسلمين أنفسهم مستفيدين من خدمات دولة قطر بقيادة تركيا.
تشكلت تحالفات سياسية وعسكرية ضد البروليتاريا وأحزابها منذ عقود
ان استفادة حزب العدالة والتنمية من الظروف التي تمر منها المنطقة جعلته في خدمة تحالف عسكري وسياسي تأسس بعد الحرب الامبريالية العالمية الثانية سنة 1949 من طرف اثنا عشر دولة ثم انطلق توسعه إلى أزيد من ثلاثين دولة اليوم بغاية تطويق طموح الاتحاد السوفياتي قبل سنة 1990 وما حصل في أفغانستان بداية 1980 يوضح العلاقة الوطيدة بين الإسلام السياسي الرجعي والامبريالية الغربية بصورة كبيرة وواضحة. وإذا تفككت الجمهوريات التي شكلت الاتحاد السوفيتي وإزالة حائط برلين فمحاربة الماركسيين الثوريين وحتى الديمقراطيين الجذريين الوطنيين ازدادت وتشبكت وأصبحت مهمة للرأسمالية والشركات الكبرى والمؤسسات المالية الدولية الامبريالية، وهذا ساعد حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان على بسط سيطرته على تركيا بدعم من حلفاءه الامبرياليين. فقد انضمت تركيا في فبراير/شباط 1952 لحلف شمال الأطلسي مما وفر أرشيف وخبرة وعلاقات متينة لحزب العدالة والتنمية وقد زاد عززها بمناسبة الظروف التي توفرت في المنطقة، وهذا ما جعلها تطوير الصناعات الدفاعية/الحربية وبذلك تشكل قوى إقليمية، وقد بلغت ميزانية هذه الصناعات نحو 75 مليار دولار عام 2023، بعدما كانت سنة 2002 نحو 5.5 مليار دولار، وقد تطورت صناعاتها الحربية إلى الطائرات المقاتلة والصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة متعددة المهام، وقد ازدادت صادرات تركيا في مجال الدفاع والصناعات الحربية من 248 مليون دولار عام 2002 إلى 4.4 مليار دولار في عام 2023. (5) وفي مايو/ايار 2023 جرت الانتخابات الرئاسية وترشح لها رجب طيب اردوغان، اعلن حزب " المساواة وديمقراطية الشعوب" المناصر لحقوق الأكراد في تركيا عن حياده لما يحصل في البلد بعد اعتقال رئيس بلدية اسطنبول اكرم امام اوغلو الذي أرادت الدولة إزاحته من المشهد السياسي موجهة له تهم الفساد المالي مما أجج غضب أنصاره والجماهير الشعبية، واندلاع موجة التظاهرات العارمة بالساحات والميادين دفاعا على رئيس بلدية اسطنبول ورفضا لسياسات حزب العدالة والتنمية وحكومته وضد رئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان الذي يعده الجمهور/الشعب بالديكتاتور. ووضع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب نفسه بعيد عما يجري في البلد متخذا موقفا حسب رائيه " غير منحاز" لكن الحكومة منحازة جدا فقد ألغت زيارة كانت مقررة له لزعيم " حزب العمال الكردستاني" عبد الله اوجلان في سجنه ومنعته من الاتصال بالجماهير عبر الخطابات المباشرة والمهرجانات الخطابية بالمناسبات للتواصل مع الجماهير الشعبية. حدث كل هذا بعد أسابيع قليلة على دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان موجهة لحزبه بنزع سلاحه وحله بصورة رسمية وعلنية. لكل من ينشط بالمشهد السياسي التركي حساباته في رأسه، فحزب الحركة القومية يعد من المدافعين على القومية التركية ولذلك يحسب على أقصى اليمين تستعمله الأقلية الرأسمالية حسب الظروف والأحداث وظل مناهض لفكرة الانضمام للاتحاد الأوروبي وينتمي لبعض الجماعات شبه العسكرية تنظيميا والتي توظف العنف الشديد ضد خصومها ومنافسيها، ويمثله في الجمعية الوطنية الكبرى[البرلمان] 48 نائبا؛ وشكل مع حزب العدالة والتنمية تحالف الشعب/ الجمهور بعد المحاولة الانقلابية عام 2016 ويقوده حاليا دولت بهجلي، حزبا تأسس في أواخر الستينيات من القرن الماضي من طرف الب ارسلان توركش وقام بكل جهده ضد اليسار بصفة عامة والشيوعيين خاصة ويصنفه عدد من المهتمين بالحركة الفاشية الجديدة. وفي اواخر اكتوبر /تشرين الأول 2024 بدأ الحزب يعمل مع جهاز الدولة الفعلي والأقلية الرأسمالية التركية والبيروقراطية العسكرية والإدارية والنقابية والمجموعات والأحزاب المدافعة على حقوق الأكراد بإيجاد حل نهائي مع" حزب العمال الكردستاني" وفتح حوار بين حزب العدالة والتنمية وقيادة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله اوجلان الموجود في السجن. فرئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان لن يفوت هذه العملية السياسية التاريخية في عهده نظر لما يجري بالمنطقة حاليا التي تعمقت وتعقدت نتيجة الحروب والاقتتال وأفظعها الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من طرف الاحتلال الصهيوني العنصري بقيادة المجرم بنيامين نتنياهو أمام أنظار الامبريالية الغربية والشرقية، والوضع في سوريا بعد هروب بشار الأسد من البلد. إذن خشية من لهيب الصراع الطبقي والحرب الأهلية تتخذ هذه المبادرات من طرف الأقلية الرأسمالية المسيطرة على الأوضاع مثل ما يصفونه " بحكومة الوحدة الوطنية" ،وهي عملية سياسية سينتهزها المستبد رجب طيب اردوغان ويعدها فرصة ثمينة ويطرح تغيير على الدستور التركي لفتح المجال لضمان استمراره في رئاسة الجمهورية التركية مستقبلا. القضية الكردية التي تعد من أهم قضايا القوميات المضطهدة بالمنطقة منذ عقود والحركات السياسية التي مثلتها بالبلدان الأربع الرئيسية تركيا والعراق وإيران وسوريا مختلفة إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا، ففي تركيا يعد حزب العمال الكردستاني وزعيمه ومنظره عبد الله اوجلان المسجون حاليا من أهمهم نظرا لاختياره النشاط السياسي والكفاح المسلح ضد النظام التركي، وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب الجناح السياسي والبرلماني والجماهيري والتنظيمي، والجناح العسكري والكفاحي المسلح لحزب العمال الذي يسيطر على جزء كبير من سلسلة الجبال الحدودية بين العراق وتركيا، سلسلة جبال في البلد تركيا.(6)
رئيس بلدية اسطنبول امام اوغلو يصعب إقصاءه من المشهد السياسي التركي
فعوامل الانفجار الشعبي موجودة والأسباب متعددة ومحاولة إزاحة منافس سياسي مثل رئيس بلدية اسطنبول اكرم امام اوغلو صعبة فقد تطور مع الوقت، درس في ثانوية طرابزون باسطنبول ثم التحق بكلية إدارة الأعمال في جامعة اسطنبول، وسبق له أن درس بإحدى الجامعات بقبرص ثم عاد لاسطنبول لاستكمال دراسته، وبعد تخرجه اتخذ مسار رأسمالي نشيط في قطاع البناء والتعمير والمقاولات؛ وفي عام 2008 انضم رسميا إلى حزب الشعب الجمهوري وتولى رئاسة فرعه ببلدية بيليكدوزو التي تضم نحو 415 نسمة، وهي بلدية صغيرة تقع بالقسم الحدودي لأوروبا تابعة لبلدية اسطنبول الكبرى، ورشحه الحزب الجمهوري في الانتخابات البلدية في اسطنبول، وينتمي لأسرة سياسية والده من نشطاء حزب " الوطن الام" محسوب على اليمين تأسس في الثمانينيات من القرن الماضي، شكل توجه مدني منافس للحزب الحاكم المساند من المؤسسة العسكرية للدولة التركية في تلك الفترة، لكن اكرم امام اوغلو سيتخذ مسار مختلف عن والده فقد تبنى أفكار ديمقراطية برجوازية.
وفي عام 2014 ستجري الانتخابات البلدية ويترشح لها ويفوز بنسبة 50.82 في المائة ويحصل على منصب رئيس بيليكدوزو وهو الأمر الذي لم يهضمه حزب العدالة والتنمية ورجب طيب اردوغان، لأنها منطقة مهمة من اسطنبول أصبحت خارج سلطتهما؛ وقد قام امام اوغلو بخدمات جليلة لسكان بلدية بيليكدوزو منها مشروع " وادي الحياة" الذي يضم مساحة خضراء على نحو 1.2 مليون متر مربع، وممشى للراجلين بطول 7 كيلومترات وممر خاص بالدراجات بطول 16.5 كيلومترا، وخلق عدة فضاءات ومراكز ثقافية في البلدية وهي أشياء لم تنجزها البلديات السابقة له؛ هذه الخدمات الاجتماعية للسكان ساهمت في انتشار سمعته وتوطدت شعبيته في الأوساط بكل المنطقة، وفي عام 2019 كان من بين أهم المتنافسين على رئاسة بلدية اسطنبول الكبرى و رشحه الحزب الجمهوري للمنصب وحقق نتائج مهمة تكمن بفوزه على بن علي يلدريم؛ هذه المحطة الانتخابية والفوز بنسبة جد ضئيلة لحزب الشعب الجمهوري ومرشحه اكرم امام اوغلو لم تستسيغها الأقلية الرأسمالية الكبرى التركية وحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان. ولذلك تقدم حزب العدالة والتنمية الحاكم باعتراضات على النتائج، وبما انه رسخ سلطته في البلد منذ عام 2002 جعلت الهيئة العليا للانتخابات تلغي النتائج وتدعو لإعادة الاقتراع مرة ثانية، ورغم وثوق حزب العدالة والتنمية ممثل الإسلام السياسي في تركيا وحلفائه في الأجهزة التنفيذية والوسائل الإيديولوجية والمنابر بجميع أصنافها في القدرة على تغيير الوجهة للرأي العام في اسطنبول فإنها خابت، ففي 23 يونيو/حزيران2019 توجه نحو عشرة ملايين ناخب من سكان اسطنبول صوب صناديق الاقتراع تحت إشراف الهيئة العليا للانتخابات والمراقبين/ات، وصوتوا لفائدة اكرم امام اوغلو، وكان حقيقة تصويتا وفوز ساحقا، فقد ارتفعت نسبة الأصوات بصورة عالية جدا من 13 الف صوت في المرة الأولى التي اعترض عليها حزب العدالة والتنمية وشكك فيها، إلى 806 الف صوت في المرة الثانية التي بددت كل طموح الإسلام السياسي في السيطرة على بلدية اسطنبول الكبرى التي تضم 16 مليون نسمة؛ وفاز بنسبة 54.21 في المائة من الأصوات، فهذه الهزيمة القاسية تسببت لحزب العدالة والتنمية وحلفائه ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان في وجع الرأس وآلمته كثيرا، ومن يومها وهما يبحثون عن أسلوب لإزاحة المنتصر عليهم؛ وكانت لاكرم امام اوغلو كلمة معبرة بعد الإعلان عن النتائج فقد قال: "... لم تخرج الأصوات من صناديق الاقتراع فقط بل خرجت إرادة الشعب..." وظل السكان أوفياء له منذ بدأ يظهر على المشهد السياسي، ففي الانتخابات البلدية لعام 2024 حقق نسبة 51.21 في المائة من الأصوات بينما منافسه من حزب العدالة والتنمية حصل على نسبة 39.59 في المائة وبذلك يفوز اكرم امام اوغلو للمرة الثانية بولاية اسطنبول وعزز نشاطه السياسي من خلال بلدية من بين البلديات الكبرى في البلد، هذا المسار السياسي والتدبير الجيد للشأن المحلي والعمومي المرتبط بالخدمات الاجتماعية للسكان جعل سمعته تنتشر في كل أرجاء تركيا، وبذلك انتخب في 5 يونيو/حزيران 2024 رئيسا لاتحاد البلديات في تركيا رغم معارضة انجازات مجلس بلدية اسطنبول برئاسته إلا أن لها أنصار كثر نظر لفائدتها للسكان باعتبارها خدمات اجتماعية منها: خطوط المترو، وترام جديد، وسكن طلابي ورياض اطفال عمومية... هذا ما دفع حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية اردوغان يقومان بعدة أعمال للحد من شعبيته وتعاطف السكان معه ومناصرته، فقد حاولوا بكل الوسائل منها : تقليص الموارد المالية الحكومية، لكن رئيس بلدية اسطنبول وحزب الشعب استطاعوا البحث عن موارد إضافية.
الرئيس اردوغان يخشى منافسته ويعمل لإزاحة المؤهلين لها
لقد تبين لحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان أن حزب الشعب الجمهوري يتقدم في المعارضة ورئيس بلدية اسطنبول التي تضم نحو 16 مليون نسمة اكرم امام اوغلو يستطيع أن يحقق انجازات مهمة مستقبلا في مساره السياسي ومنها : الترشح لرئاسة الجمهورية التركية ومن المحتمل أن يفوز بها وينتصر على رجب طيب اردوغان وتسقط قلعة الإسلام السياسي السني والإخوان المسلمين وتكون نتائجها كبرى خصوصا بعد تصدر حركات الإسلام السياسي للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد انحطاط أقسام واسعة من الليبراليين والحداثيين واستسلامهم للسياسات الاستعمارية والاستيطانية للاحتلال الصهيوني، إضافة إلى دور حركات الإسلام السياسي في الاحتجاجات أثناء الثورة العربية عام2011 والوصول إلى رأس السلطة في البلدان التي تزلزلت أخرها ما حصل في سوريا. ولذلك بدأت العراقيل وخلق المشاكل مع محيطه ومع العدالة لتشويه سمعته وإزعاجه وشغله بهذه المشاكل وتشتيت اهتمامه، وفي 19 مارس/آذار 2025 اعتقلته السلطة بتهم " الفساد المالي" ومعه أزيد من 100 موظف من مدينة اسطنبول، ثم التهمة التي توجهها حكومة الإسلام السياسي لكل من يتضامن ويناصر الأكراد وهي تهمة الإرهاب، إضافة إلى تهم أخرى كالاحتيال والابتزاز والرشوة وخرق القانون في جمع المعطيات والتلاعب في المناقصات...الخ؛ وطلب مكتب المدعي العام في اسطنبول مصادرة عدد من الشركات تابعة لبلدية اسطنبول منها: شركة لعائلة اكرم امام اوغلو. وقد وصل بحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان الاشتغال على إزاحة هذا المنافس إلى إلغاء شهادته الأكاديمية من الجامعة التي مر على حصوله عليها نحو ثلاثة عقود، هذا القرار الذي صدر عن جامعة اسطنبول يعد في الحقيقة أمر عجيب فامام اوغلو اظهر كفاءته ومؤهلاته ومستواه على ارض الواقع، لكن غاية الإسلام السياسي هو حرمانه من استكمال مشواره السياسي إلى رأس السلطة ورئاسة بلده جمهورية تركيا. هذه الخطوات السياسية لإقصاء احد ابرز المنافسين واعتقاله دفعت أقسام كبرى من الشعب التركي إلى الاحتجاج عليها والتظاهر ضدها في جل المناطق في تركيا وليس بلدية اسطنبول وحدها؛ وقد نظم حزب الشعب الجمهوري عدة أنشطة توضح مستوى شعبية اكرم امام اوغلو في أواخر مارس /آذار 2025، وأعلن الحزب عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات القادمة وهي خطوة حقوقية وقانونية وسياسيا تطعن في التهم الموجهة له. فالتهم الموجه له هي : مساعدة منظمة إرهابية وتعاونه سياسيا وماليا بصفته رئيس بلدية اسطنبول مع شركة [سبيكتروم هاوس] لصاحبها الرأسمالي الكردي ازاد باريش، بمشاركة مع رئيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، فاكرم امام اوغلو استطاع بنشاطه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والرياضي والفني والثقافي أن يوطد علاقات مع الكثيرين بهذه المجالات باسطنبول الكبرى وبذلك ضمن الفوز في انتخابات 2019 وانتخابات 2024، وظل يمثل حزب الشعب الجمهوري الذي يعد على اتجاه اليسار الديمقراطي الإصلاحي ويدافع على الأفكار العلمانية، وهذه أمور مساعدة في هذه الظروف لكي يكون منافس قوي للرئيس رجب طيب اردوغان. وقد أراد حزب العدالة والتنمية وحكومته ورئيس الجمهورية قطع المسالك عليه قبل أن يرشحه حزبه للانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها في عام 2028، معتمد على ترويج دعاية إعلامية لبعض الإعلاميين والصحفيين المنتسبين للإسلام السياسي والقوى اليمينية الرجعية تريد جعل هذه الأزمة واقعة بسبب منافسة داخل حزب الشعب الجمهوري على الترشح للانتخابات الرئاسية وبلدية اسطنبول، اي مشكل حزبي بين أعضاءه، لكن لا احد له عقل يصدق هذه الدعاية. يعد حزب الشعب الجمهوري من بين الأحزاب الأولى التي تأسست في البلد يتبنى أفكار كمال أتاتورك ويدافع على العلمانية ويحسب على التوجهات الإصلاحية ضمن النظام الرأسمالي، حزب يتحدر من الحركة الوطنية البرجوازية التركية ومن الجبهات الموحدة ضد الاستعمار، تأسس عن تلك الحركات عام 1919، ويقوم بدور معارضة برلمانية ويصف نشاطه بأنه ديمقراطي اجتماعي؛ لكن تاريخه ارتبط بالنظام الرأسمالي ومحاربة الشيوعية. فالجمعية الوطنية الكبرى[ مجلس نواب الشعب] البرلمان يتكون من 550 نائب عن 85 دائرة يتم انتخابهم لأربع سنوات ينتخبون بالتمثيل النسبي باستثناء مدن : ازمير واسطنبول وأنقرة العاصمة، يتم الفوز فيهم بحصول حزب المرشح على نسبة 10 في المائة وطنيا
إسقاط الاستبداد يستوجب تشجيع تظاهرات الجماهير لا الخوف منها
الخطوات التي اتخذها حزب الشعب الجمهوري من اجل الدفع بالاحتجاجات الشعبية العارمة إلى الإمام والضغط على جهاز الدولة والحكومة ورئاسة الجمهورية لم تكن قوية في بدايتها وغير كافية، وظلت في حدود مشروعه السياسي الإصلاحي بينما الجماهير الشعبية والطبقة العاملة تعاني كثيرا من السياسات التي تنفذها حكومة الإسلام السياسي وحلفاءه، وهي فرصة ثمينة لكل أطياف المعارضة والحركة النسوية والشباب والتيارات الماركسية الثورية والمضطهدين دينيا وقوميا وجنسيا وثقافيا للنزول إلى الشوارع وتنظيم التجمعات والاعتصام بالساحات العمومية والتظاهر، والضغط الشعبي على النقابات القطاعية لتنظيم الإضراب العام السياسي والعصيان المدني حتى تسقط السياسات الاستبدادية وفرض الديمقراطية الفعلية والسيادة الشعبية على الثروات والاستفادة منها لكل التركيين والتركيات. يجب وضع حد للقمع والاستبداد والاستغلال، أن تركيا تحت سيطرة الإسلام السياسي عاشت وتعيش أغلبية سكانها الفقر وشبابها البطالة واسعة النطاق ونساءها مضطهدات وحتى الشهادات الأكاديمية لم تعد تحقق الأماني ومهددة في مصداقيتها من طرف الحكومة. استبداد الإسلام السياسي لحزب العدالة والتنمية وحكومته ورئيس الجمهورية رجب طيب اردوغان يهدف إلى الضغط بالقوة والمناورات السياسية لاحتواء المعارضة الديمقراطية البرجوازية العلمانية والإصلاحية البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري والأحزاب التقدمية وكسب قضية القومية الكردية، وإفراغ الميدان والسيطرة على المشهد السياسي لضمان حكمه الفردي ويصبح قويا بدون معارضة، يستوجب من المعارضة فهم العملية السياسية ونسفها وتجذير الاحتجاج بشعار : الفصل بين الديمقراطية والاستبداد ينطلق من الميادين، وتضمنه وحدة الصف.
(1)https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2014/9/2/%D8%B1%D8%AC%D8%A8-%D8%B7%D9%8A%D8%A8-%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86 (2)https://www.turkpress.co/node/1552 (3) https://www.turkpress.co/node/12544 (4) https://www.turkpress.co/node/1552 (5)https://www.trtarabi.com/explainers/%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-23-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B7%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-18195516 (6)https://www.majalla.com/node/324954/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AF
#بن_حلمي_حاليم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا صوب تغيير عميق بالمنطقة العربية
-
انتخابات المجالس النيابية والديمقراطية البرجوازية وديكتاتوري
...
-
الإسلام السياسي والعمل من اجل الديمقراطية وانتخاب الجمعية ال
...
-
المجالس النيابية في الدول الرأسمالية وسائل لديمومة سلطة الأغ
...
-
المغرب، رتب لنقل الحكم صوب ترسيخ الاستبداد والعبودية الجديدة
-
تونس، من أين؟ والى أين؟
-
جوليان اسانج كشف عن حقيقة الديمقراطية البرجوازية وحدود حرية
...
-
فرنسا، مناضلي/ات الشعب الفرنسي يتصدون للقوى اليمينية الرجعية
...
-
إيران بلد شاسع وغني والطبقة العاملة فيه مسحوقة
-
إيران دولة دينية تطحن شعبها وتساند على قهر شعوب المنطقة العر
...
-
التضامن الاممي واجب ضد التيارات الرجعية والعنصرية
-
الأمم المتحدة اسما مضللا عن دول غير متحدة ولن تتحد لمصلحة ال
...
-
الرأسمالية والامبريالية قادتا البشر للهلاك وتهدد الكوكب بالد
...
-
فلسطين لن تحل قضيتها إلا الثورة
-
المغرب تطبيعا علنيا مع العدو وبعث معونات إلى الفلسطينيين
-
فلسطين تقاوم أفظع احتلال في التاريخ ببسالة وصمود
-
فلسطين بدون سلاح متطور تقاوم الحصار والقصف الصهيوني المساند
...
-
فلسطين كافحت وتكافح ضد الامبريالية
-
يحتضن المغرب قمة صندوق النقد العالمي والبنك العالمي، مفتخر ب
...
-
صممت الامبريالية الجديدة خريطة سياسية وفعلتها لسحق البشر
المزيد.....
-
فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يدعو لجنة المالية والتن
...
-
الجبهة الشعبية تدعو إلى أوسع المشاركة يوم الغضب العارم والعص
...
-
أي مستقبل لحزب التجمع الوطني في حال إقصاء مارين لوبين من الر
...
-
صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 07 أبريل 2025
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تجدد التأكيد على الرف
...
-
تركيا: أوزغور أوزيل يواصل زعامته لحزب الشعب الجمهوري ويطالب
...
-
حزب الشعب الجمهوري التركي يعيد انتخاب زعيمه
-
حزب الشعب الجمهوري التركي يعيد انتخاب زعيمه
-
م.م.ن.ص// محاكمة الطلاء الأحمر
-
الشيوعي العراقي: ندعم تشريع القوانين التي تنصف الكرد الفيليي
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|