حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 1800 - 2007 / 1 / 19 - 11:12
المحور:
الادب والفن
منتصب كعامود كهرباء، صوته يملأ السماء، خروب عسل اشرب.. توقف أمامه شاب وسيم في مقتبل العمر، انقده قطعة معدنية ومضى دون أن يتناول كوب الخروب البارد.
نظر البائع إلى القطعة ثم إلى الكوب وهو يلاحق الشاب بعيونه.. أسقطها في الكيس متوقعاً عودته كل لحظة..
وفي زحمة الناس والسوق نسي الأمر.. وتكرر المشهد في اليوم التالي أنقده القطعة، أدخلها في الكيس، ملأ الكوب وقدمه إليه فلم يجده. كان قد مضى دون أن ينظر خلفه، صرخ البائع: خروب عسل يا أستاذ.. تقدم شخص وتناول الكوب المملوء ثم أنقده ثمنها، وثانٍ ، وثالث، ولم يفكر بالأمر.
وعلى أرصفة المشاة تواصلت المسألة يومياً بين البائع والشاب، وكل يوم بطريقة مختلفة. وكانت الزوجة تتسلم إيرادات البيع كل يوم، بعد إجراء العمليات الحسابية الموثقة: عدد الأكواب المتبقية مطروحة من العدد الإجمالي لسعة الإبريق يساوي ما تم بيعه بالسعر الدارج. وخشية القيام بأي عملية تزوير واظبت على تذوق طعم الخروب قبل الإحصاء حتى لا يكون مضافاً إليه الماء بعد البيع، مع أن الزوج لا يخفي عنها شيئاً مستجداً عند عودته إلى البيت، بما في ذلك الأمور الغريبة التي تصادفه، لدرجة أصبح محفوراً في ذاكرتها قصة الشاب، لكثرة ما رواها، وبات اليوم الأول بعد أن تكرر تاريخاً يحتكمون إليه عند اختلاف الأزمنة.
وعندما تغيب مرة، أمضيا الجزء الأكبر من الليل وهم يتحدثان عن سبب غيابه، بوضع الفرضيات، ثم نفيها وطرح البدائل المحتملة، لقد بات جزءاً مهماً في حياتهم، حتى إذا ما صدف أن تحاشى الزوج الحديث عنه لسبب من الأسباب، ذكرته متسائلة: ألم يحضر الشاب هذا اليوم؟ وير د عليها باقتضاب: بلى، جاء ومضى مثل كل يوم!
وذات يوم، جاء الشاب وفي صحبته حشد كبير من الأصدقاء.. ابتهج البائع عندما رأى كل هذه الجموع مندفعة تتناول أكواب الخروب البارد، حدث نفسه وهو يقدم لهم الأكواب: اليوم أنهى عملي باكراً. تضاءل العدد حتى اقترب على النفاذ غير أن الإبريق كان سباقاً فنفذ قبلهم، عندها قال الشاب، بعد أن تقاطعت نظراته مع البائع للمرة الأولى: لقد أنقدتك ثمن هذه الأكواب على مدار الأيام الماضية.
فغر البائع فاه.. عاد إلى البيت.. حدث زوجه بما تعرض له على يد الشاب.. لم تصدق الرواية اعتقاداً منها بأنها محاولة مبتكرة للسرقة بعد أن حاصرته في التدقيق والمحاسبة.. قالت: غداً سأكون معك في نفس موعد قدوم الشاب كي أرى ماذا أنا فاعلة معه؟
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟