أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عصام بن الشيخ - العودة إلى عام 1991.. من تونس إلى اليمن: الحنين إلى عصر -السلام دون تكنولوجيا-!















المزيد.....

العودة إلى عام 1991.. من تونس إلى اليمن: الحنين إلى عصر -السلام دون تكنولوجيا-!


عصام بن الشيخ
كاتب وباحث سياسي. ناشط حقوقي حر

(Issam Bencheikh)


الحوار المتمدن-العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 11:58
المحور: قضايا ثقافية
    


أ د/ عصام بن الشيخ
أنتج وأخرج الممثل التونسي البارع باسم الحمراوي (مواليد عام 1988)، المسلسل التونسي الدرامي الجميل "آريار القدام"، والذي يستخدم فكرة (السفر عبر الزمن) لحبك عقدة تراجيدية مدهشة تروي معضلة حياة شاب عالق في مجال زمني ماضوي!، فقد أمه عام 2019 بسبب الموت، وعاد إلى عام 1991 قادما من عام 2025، عبر" ثقب دودي" للسفر إلى الماضي، وينتقل خلال 15 حلقة تتضمن كل واحدة منها عتبتين على الأقل من انتقالات السخرية إلى البكاء والألم والحنين إلى الماضي. والمدهش في هذا المسلسل التونسي الغريب أنه حقق مشاهدة مليونية على منصة يوتيوب خلال النصف الثاني من شهر رمضان الفضيل، رغم أنه لم يعرض على شاشة التلفزيون، وهو ما يعكس عجز الفن التونسي عن الوصول إلى منصات أوسع انتشارا، وكأن دراسة الجدوى قد خصصته فقط إلى الجمهور التونسي في الداخل والجالية. ومن الواضح أن استخدام غناء فن الراي الجزائري كان لمسة من المخرج بسام الحمراوي لضمان مشاهدة 50 مليون مشاهد جزائري لهذا العمل الجميل، بسبب سهولة استيعاب الجزائريين للهجة التونسية.
في مشهد رمزي يرسل الممثل المبدع بسام الحمراوي بطل المسلسل، رسالة صريحة ضد التكنولوجيا المفرطة، التي تعتبر خطرا وتهديدا للوحدة الأسرية، وأن سنوات التسعينيات لا تزال أجمل بالنسبة للجيل X مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، والجيل Y مواليد ما بعد عام 1980، وأفضل بالنسبة لهما من عام 2025 بسبب التكنولوجيا التي حطمت قيم الشمل العائلي التي بدأت تختفي بالفعل. هذه النوستالجيا الفنية والحنين إلى الماضي القريب دون تكنولوجيا لم يشكلا مانعا أمام بسام الحمراوي ليذكر التونسيين بالخوف الأمني الذي فرضه نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ففي أولى الحلقات كان نصيبه من الاحتجاز الشرطي تذكيرا لسياق سلطوي لا يتمنى التونسيون العودة إليه مجددا.
من الواضح أن "الأمومة" مأزق مركزي في هذا العمل الفني، حيث يفقد بسام والدته في أزمة كوفيد-١٩ فجأة ويفقد قدرته على استرجاع حياته الطبيعية. كما أن تجهيز مسلسل بأكمله لديكور منزلي وشوارع ومقتنيات وألبسة تعود إلى عام 1991 لم يكن مهمة سهلة، وكانت كل التفاصيل التي تغطيها كاميرا بسام الحمراوي تركز على ضرورة عدم وقوع العمل الفني في تناقض أو استعجال فاضح. من الواضح أن "البركة" قيمة غير متطرق إليها في نص السيناريو، لكن المخرج المنتج يلاحقها في كل مشهد، وقد كان بث المسلسل عبر يوتيوب فقط، دليلا على عدم رغبة صاحب العمل في عرضه على المنافسة الرسمية، ورهانه الوحيد على دخول قلوب المشاهدين.
في الجهة المقابلة، تأخذك شارة مسلسل يمني بارز بعنوان: "طريق إجباري"، يبدأ عبر كورال مدهش بصوت نسائي مزلزل، ينتقل بعده إلى صوت رجالي ضخم يرفع الإيقاع عبر التراث الموسيقي اليمني القديم، ثم استخدام مقاطع بكائية إلى تحضير المشاهد لتصدي صدمات متوقعة، فلقد أدى الاستخدام المتعدد لرموز التراث اليمني من اللباس التقليدي إلى البيوت اليمنية القديمة، إلى تقديم صورة يمن صامد لم تدمره الحرب، يقدم حياة اليمنيين في أضخم عمل درامي غير مسبوق، يذكر اليمنيين بأن "الأم" تظل الملجأ الوحيد للأمان كما وضح في قصة غانم، يقول أحد المعلقين: "رغم جرائم غانم إلا أنني رحمته، لأن أباه هو من صنعه".
كتب اليمنيون تعليقاتهم على تتر المسلسل بأنه داعب أحلام طفولتهم في يمن سابق لم ينجح علي عبد الله صالح في المحافظة عليه، ويحلمون بالعودة إلى أيام اليمن السعيد في أقرب الفرص. هذا المسلسل الذي عرض على قناة بلقيس اليمنية، استخدم الدراما لاستدراج اليمنيين إلى مربع العودة إلى الوطن، وبناء اليمن الذي تصوره بعض وسائل الإعلام كبلد فقير يمزقه الجوع والعطش. تأخذ صولات ونقلات موسيقى شارة المسلسل المشاهدين اليمنيين إلى يمن مشتاق لعودة أبنائه ذوي الفكر الوحدوي، فلقد اتفق مشاهدو المسلسل أن الممثلين نبيل الإنسي ونبيل حزام قد أكملا مهمتهما في ادخال يمنني الخارج إلى قلب الوطن. أبدع الطاقم التمثيلي في دفع ممثلين من الجيل Z مواليد ما بعد التسعينيات، إلى تمثيل قصة هذا المسلسل باستخدام رموز حداثية لا تتصادم مع التراث والأصالة اليمنية، إضافة إلى تقديمه للمرأة اليمنية القوية من كل الأجيال، أما وإبنة، طبيبة أو ماكثة بالبيت، قاسية أو مكلومة، في تمثيل فخم يفوق التوقعات، تم تقديمه بلهجة يمنية مفتخرة بالأصول اليمنية. ورغم أن المسلسل لا يحتاج إلى "سترجة" إلى اللغة العربية في مجمله، غير أنه ربما قد يكون ضروريا أحيانا شرح مصطلحات اللهجة اليمنية الجميلة إلى شعب دول المغرب العربي، فنحن في الجزائر نجد الكثير من المصطلحات اليمنية موجودة في لهجتنا، لكنها معانيها عكسية أحيانا!..، مشكلة هذا المسلسل هو شارة بدايته التي تجعل متابعيه ينتظرون دون ملل مرور تتر المسلسل بهدوء لفهم محاولات أسطرة القيم في هذا العمل الفني، فلقد قدم هذا المسلسل طبيعة اليمن وجنانه وحقوله وكهوفه وبيوته من خلال كاميرا تصويرية رقمية ذات جودة عالية، سهلت نقل تفاصيل حياة اليمنيين التي نجهلها بسبب بعد المسافات.
لا يمكننا انتقاد إظهار الأسلحة وإطلاق النار او البكاء كنقاط سوداء في نقد هذا العمل الفني، لأن اليمنيين يقتنون الأسلحة ضمن تراثهم التقليدي الاعتيادي، وهم من الشعوب النادرة التي تعيش في الطبيعة اليمنية الغناء، ولا يحتاجون إلى أن يذكرهم الآخرون أن حكومة دولة اليمن عاجزة عن الانفاق الحكومي وتعزيز التجهيز، بسبب الظروف الداخلية والاقليمية للبلد. لقد ركز منتجوا هذا العمل على تذكير الآباء والأمهات أن ظلمهم للأبناء عموما، والبنات خاصة، هو سبب آلام مكبوتة تدمر الشباب اليمني التواق إلى السلم في كل الفضاءات من العام إلى الخاص.
لن أمر مرور الكرام، دون أن أذكر أن المسلسلين اليمني والتونسي العائدين إلى أمان وسلم حقبتي ما قبل ثورات التخريب الملونة، قد قدما مشاهد الحشمة والشرف في تمثلات واضحة، يمكنك أن تشاهد غياب مشاهد العري الفاضحة والمجاهرة بالفساد، التي تلفظك خارج العديد من الأعمال الفنية العربية، لدول صرف منتجوها ميزانيات أضخم بالمليارات تصور مشاهد صادمة تساهم في تشتت الأسر العربية الممزقة أساسا، وكأنها تقبل ما حدث في بعض حفلات موسم الرياض!، وتريد نشر عدواه في كل قطر عربي!.
من الواضح أن الأعمال الفنية التي عرضت في الجزائر ومصر على سبيل المثال، قد ركزت على إظهار انعكاس ظهور الذكاء الاصطناعي على حياتنا عموما، وعلى إنتاج الأعمال الدرامية المخصصة لشهر رمضان المعظم خاصة، فلقد كانت معظم أعمال السنة الماضية تنتقد انتشار المخدرات كمشكلة أخلاقية تدمر المجتمعين الجزائري والمصري، لكن ما ننتقده هذا العام، هو تكريس الأعمال الفنية للطبقية من خلال نوعية الإنتاج وضخامة المصروفات والطابع الشللي لبعض المجموعات الفنية!. المجتمع المتعطش لمشاهدة أعمال تعكس واقعه المعيش حوصر هذا العام بخرافات الذكاء الاصطناعي التي تبرر اختطاف قيمة "الحرية"، وتبرر الإذعان للتسلط والشمولية، بدأ بالفعل يقارن مأساة حاضرنا بجمالية الماضي والحنين إلى الاستقرار والتنمية دون حرية!. لا يمكن للمشاهد أن يربط فشل اليوم بفشل الأمس، لكنه سيميل بكل عفوية إلى تفضيل العودة إلى الماضي بدل التفكير في أهوال المستقبل، ومن الواضح أن ما حدث ويحدث في غزة له أثر عميق على المواطن العربي المهزوم الذي يهوله كشف شعارية السلطة العربية العاجزة عن حماية غزة، لأن كلفة ترتيب أوضاع كل بلد عربي، كانت ولا تزال، باهظة!.
يحاول المسلسل اليمني والتونسي المعروضين في هذا المقال، أعادة بناء التضامن العربي مع غزة، إنطلاقا من لملمة العوائل العربية المشتتة، وأظنه رهان صحيح سببه يقضة صاحب الفكرة في هذين العملين.
علامة كاملة لتونس واليمن فنيا، في رمضان 2025.



#عصام_بن_الشيخ (هاشتاغ)       Issam_Bencheikh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزائر وسوريا الجديدة: نحو طي الخلافات، وتأسيس علاقة مختلفة
- الجزائر وسوريا الجديدة.. نحو طي الخلافات، وتجنب المطبات
- المسوّرون.. رؤية متقاطعة لمعاناة الإنسان: دراسة مقارنة بين م ...
- قذارة الحملة المغرائيلية الفرنسية.. هاشتاغ انقلابي مثير للشف ...
- تمزيق شبكة النفوذ الإقليميّ الروسيّ: كيف نقل الغرب الجماعيّ ...
- برق الشرق العظيم... مأساة كبرى للأمة الفارسية
- حوار دانيال استولين مع دولة الرئيس اليمني عبد العزيز بن حبتو ...
- رجل اقتصاد لا يقرأ الفنجان.. ويقرأ اليمن صفحة بصفحة: حول سيا ...
- تقديم موعد الرئاسيات الجزائرية.. خطوة استباقية لحسم الجدل
- الضمير اليساري ليهود الجزائر: قصبة العاصمة من بيبي لوموكو إل ...
- الذين يرفضون التعامل مع هنيّة، سيتعاملون مع السنوار وأبو عبي ...
- ثورة المزارعين واحتجاج سائقي الجرارات: المجتمع الأوروبي مجتم ...
- مشكلة أنصار قاضي إحسان مع الرئيس هواري بومدين.. تفاصيل الحيا ...
- موقف إيمانويل تود Emmanuel Todd حول هزيمة الغرب LA Défaite d ...
- اختلال الميغا-إمبريالية في عصر الذكاء الاصطناعيّ AI: قراءة ل ...
- النكبة 2.0 في (نرد) حرب غزة: دراسة لآراء الشيربا بيب إسكوبار ...
- -أنفاق غزة-.. حرب المساحات الجوفية: هل تنجح حماس في كسر الجم ...
- فرحين لمنظر الدبابة: الحجج الذرائعية لتقبل الجماهير الإنقلاب ...
- خطة جاك أتالي لاستخدام فناني الRap والPop والHiphop ضد أوليا ...
- استخدام جاك أتالي لمغني الRap ضد أولياء مراهقي الضواحي..


المزيد.....




- نجوم مسلسل -شارع الأعشى- يلتقون الجمهور في العيد
- كورى بوكر يحطم الرقم القياسي في مجلس الشيوخ بخطاب استمر 25 س ...
- قتلى وجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي طال عيادة تابعة للأون ...
- مقتل عشرات الغزيين بقصف مكثف بعد إعلان إسرائيل توسيع عملياته ...
- عبر الخريطة التفاعلية.. الجيش الإسرائيلي يوسع عمليته العسكري ...
- استمرار عمليات البحث عن ناجين وسط الدمار الذي خلفه زلزال ميا ...
- مظاهرات تمتد من الولايات المتحدة إلى أوروبا لإسقاط تسلا
- تداعيات حرمان لوبان من الترشح على المشهد السياسي الفرنسي
- أميركا تدرس مقترح التفاوض الإيراني وتعزز قواتها بالمنطقة
- غارات أميركية على اليمن والحوثيون يستهدفون ترومان مجددا


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عصام بن الشيخ - العودة إلى عام 1991.. من تونس إلى اليمن: الحنين إلى عصر -السلام دون تكنولوجيا-!