بيان صالح
(Bayan Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8299 - 2025 / 4 / 1 - 11:59
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
Nina Bang
1866 - 1928
المقدمة
على مرّ التاريخ، لعبت النساء أدوارًا حاسمة على الصعيدين العالمي والمحلي. ناضلن من أجل الحقوق، شاركن في الحكومات، قدن دولًا، أبدعن في مجالات الفنون والعلوم، وألهمن أجيالًا متعاقبة. ورغم ذلك، كثيرًا ما جرى تهميش قصصهن أو تقليص أثرهن في السرديات التاريخية التي هيمن عليها المنظور الذكوري.
تأتي سلسلة "نساء غيّرن التاريخ" لتسلّط الضوء على نساء بارزات من مختلف السياقات: عالميًا، محليًا، وإقليميًا – من قائدات سياسيات وناشطات، إلى باحثات رائدات وشخصيات ثقافية مؤثرة، تركن بصمات لا تُمحى في مجتمعاتهن والعالم.
(1)
الاولى من بين هؤلاء النساء هي نينا بانغ، الناشطة والكاتبة الماركسية، وأول وزيرة في تاريخ الدنمارك، والتي شكّلت علامة فارقة في سياسة التعليم في بلادها، وكرّست حياتها لقضايا التحرر الطبقي وتمكين النساء من خلال التعليم. تهدف هذه السلسلة إلى الاعتراف بمساهماتهن، وإلهام الأجيال القادمة للسير على خُطاهن، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن التاريخ لا يُكتب فقط من قبل الرجال، بل يُصنع على أيدي النساء أيضًا، خاصة أولئك اللواتي خضن معارك فكرية وسياسية في وجه أنظمة الهيمنة الذكورية والطبقية.
الحياة المبكرة والتعليم لنينا بانغ
وُلدت نينا هنرييت ويندلين بانغ في 6 أكتوبر 1866 في كوبنهاغن، لأسرة برجوازية. والدها لوريتز نيكولاي هانسن، ووالدتها ماريان هانسن. نشأت في مجتمع يُقصي النساء عن فرص التعليم ويكرّس القوالب النمطية الجندرية، لكن نينا اختارت التمرّد على هذا الواقع منذ الصغر. حصلت على الشهادة الثانوية عام 1884، وهو أمر غير مألوف لفتاة من طبقتها في ذلك الحين، ثم التحقت بجامعة كوبنهاغن لدراسة التاريخ، في وقت كانت فيه الجامعة بالكاد تستقبل طالبات.
نالت درجة الماجستير عام 1894، متخصصة في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، وهو تخصّص يعكس ميولها لتحليل البُنى الطبقية والاقتصادية من منظور نقدي. تأثرت مبكرًا بكتابات ماركس وإنجلز، وقد مزجت في أطروحتها الجامعية بين البحث الأكاديمي والنقد الاجتماعي. كانت من أوائل النساء اللواتي حصلن على تعليم جامعي في الدنمارك، وبرزت بنظرة ماركسية نقدية لفهم التاريخ، ما جعلها صوتًا فكريًا مغايرًا في عصرها، يجمع بين التمرّد على الهيمنة الذكورية والدعوة إلى النظام الاشتراكي.
الزواج والشراكة الفكرية مع غوستاف بانغ
في عام 1895، تزوجت من غوستاف بانغ، المؤرخ والسياسي البارز في الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لم يكن الزواج بالنسبة إلى نينا إطارًا تقليديًا يخضع لمنطق السلطة الذكورية، بل كان شراكة قائمة على المساواة الفكرية والمشروع السياسي المشترك. كوّنا معًا ثنائيًا اشتراكيًا ماركسيًا نادرًا، تقاسما من خلاله تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي، وساهما في تطوير رؤية نقدية راديكالية لمستقبل الدنمارك والعالم.
لم يُرزقا بأطفال، لكن علاقتهما لم تُختصر في الحياة الخاصة، بل امتدت إلى النقاشات العلنية، حيث كان منزلهما صالونًا فكريًا ومركزًا للنشاط السياسي. وفاته عام 1915 شكّلت صدمة شخصية لها، لكنها تحوّلت في حياتها إلى دافع لمزيد من الالتزام، وكأنها وجدت في الحزن حافزًا للتحدي والاستمرار في الدفاع عن الطبقة العاملة والفئات المهمشة.
شخصيتها وأسلوب حياتها
تميّزت بانغ بالصرامة الفكرية والبساطة في العيش. لم تسعَ إلى الظهور أو التباهي، بل كرّست حياتها للعلم والنضال. اختارت أن تكون نموذجًا للمرأة المفكّرة والمناضلة في آنٍ واحد. اخترقت الفضاء السياسي الذكوري دون أن تتنازل عن مبادئها، ورفضت الامتثال لصورة "المرأة السياسية المقبولة" اجتماعيًا. لم تكن أنوثتها في تماثلها مع الرجال، بل في رفضها الخضوع لأدوار نمطية، وإعادة تعريف السلطة بصوت نسائي واضح وصلب. عاشت حياة متقشفة، بعيدًا عن مظاهر الامتياز، وركّزت على جوهر القضية: العدالة، والتحر و الصراع الطبقي.
عرفت نينا بانغ بجرأتها ووضوحها الفكري، ورفضها للمجاملات السياسية. لم تُخفِ مواقفها، ولم تتراجع عن الدفاع عن قضاياها، ما جعلها تحظى بالإعجاب والانتقاد في آنٍ معًا. كانت تُلقب أحيانًا بـ"المرأة الحديدية" قبل أن يُستخدم هذا اللقب في السياسة الأوروبية، إذ مثّلت نموذجًا مغايرًا للأنوثة السياسية، لا يخضع للصور النمطية، بل يعيد تعريف القوة النسائية في الفضاء العام. في زمن كانت النساء فيه مُهمَّشات سياسيًا، كانت بانغ استثناءً، تواجه الذكورية والطبقية بقوة. وبعد خسارة حزبها في انتخابات 1926، تركت منصبها الوزاري لكنها واصلت العمل السياسي، وأكملت مسيرتها البحثية والنقدية، لتؤكد أن النضال ليس محصورًا بالمنصب بل بالالتزام المبدئي.
دورها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي
لم تكن نينا بانغ مجرد أكاديمية، بل كانت فاعلة سياسية مؤثرة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي. انضمت إلى اللجنة المركزية للحزب عام 1913، في وقت كانت فيه قلة قليلة من النساء تملكن صوتًا داخل الأحزاب السياسية. عملت من موقعها على صياغة سياسات ترتكز على العدالة الاجتماعية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية للنساء والعمال.
عام 1918، انتُخبت عضوة في البرلمان، وكانت من أولى النساء في تاريخ البلاد اللواتي دخلن البرلمان من بوابة العمل السياسي الجاد، لا التمثيل الرمزي. دافعت بشراسة عن حقوق الطبقة العاملة، وواجهت التيارات الليبرالية والبرجوازية داخل البرلمان. رغم اهتمامها بقضايا النساء، لم تضع نفسها ضمن الخطاب النسوي الليبرالي، بل اعتبرت أن تحرر المرأة لا ينفصل عن تحرير المجتمع ككل من القيود الاقتصادية والسياسية، ورفضت الانخراط في حركة نسوية تعزل النضال الجندري عن النضال الطبقي، معتبرة أن ذلك يُفرغ النضال من مضمونه الثوري.
أول وزيرة ماركسية في الغرب و ثاني وزيرة في العالم
في عام 1924، وعندما شكّل تورفالد ستاونينغ أول حكومة اشتراكية ديمقراطية في الدنمارك، عُيّنت نينا بانغ وزيرةً للتعليم، لتصبح بذلك ثاني امرأة في العالم تتولى منصبًا وزاريًا في حكومة، بعد ألكسندرا كولُنتاي في روسيا السوفييتية عام 1917، وأول وزيرة في الغرب. يعكس هذا التعيين التقاء الماركسية بالنسوية، إذ كانت كلٌّ من بانغ وكولُنتاي ماركسيّتين ثوريتيين. وقد شكّلت لحظة تعيين بانغ ذروة لمسيرة نضالية طويلة في أوروبا عمومًا، وفي الدنمارك على وجه الخصوص. ولم تكن هذه اللحظة مجرد إنجاز رمزي، بل مثّلت تحولًا فعليًا في تمثيل النساء داخل السلطة التنفيذية، وكسرًا لحاجز تاريخي ظل قائمًا لقرون.
عملت بانغ على إصلاح المدارس، وتوسيع فرص التعليم للفقراء، والارتقاء بمهنة التعليم لتكون شاملة للجنسين. آمنت بأن التعليم ليس مجرد خدمة، بل أداة تحرير اجتماعي. دافعت عن دمج القيم الاشتراكية في المناهج، وتوسيع البنية التحتية للمدارس في الأرياف والمناطق الصناعية. واجهت هجومًا من النخب البرجوازية التي رأت في مشاريعها تهديدًا لمنظومة الامتيازات. لكنها ظلت وفية لقناعاتها، ووقفت بشجاعة في وجه الحملات الإعلامية والسياسية التي حاولت تقويض عملها فقط لكونها "امرأة راديكالية".
إرثها وأهميتها
أثّرت نينا بانغ في المشهد السياسي الدنماركي والدولي، لا كامرأة كسرت الحواجز فحسب، بل كفاعلة غيّرت السياسات التعليمية والنقاشات الفكرية حول الطبقة والجندر.
يُنظر إليها اليوم كرمز للتحرر من البُنى الأبوية، وكقدوة في ربط النضال النسوي بالعدالة الاجتماعية. إرثها يتجاوز فترتها الوزارية القصيرة، ليصبح جزءًا من تاريخ طويل للنساء اللواتي قدن النضال من مواقع غير تقليدية.
تركت بصمة في الفكر التاريخي الماركسي، وأسهمت في إعادة قراءة التاريخ من منظور طبقي وجندري معًا، وتعدّ من أولى المؤرخات اللواتي كسّرن احتكار الرجال لكتابة التاريخ الأكاديمي. يُعد إرثها مصدر إلهام لكل من يسعى لعدالة شاملة تتجاوز الحدود الطبقية والجندرية، وتُعتبر إحدى الرائدات في دمج قضايا المرأة ضمن مشروع تغييري أوسع.
أبرز مؤلفاتها
كارل ماركس: حياته وأعماله (1918)
في هذا الكتاب، قدّمت نينا بانغ قراءة تحليلية معمّقة لحياة وأفكار كارل ماركس، مبرزةً بمهارة تأثيره العميق في الحركات العمالية على مستوى العالم، وبوجه خاص في أوروبا والدنمارك، مع التركيز على إسهامه في تمهيد الطريق للثورة الروسية عام 1917. وقد جمعت في عملها بين الدقة التاريخية والنفَس الاجتماعي الثاقب، ما جعل من هذا الكتاب مرجعًا مهمًا في الفكر الاشتراكي، وأسهم في ترسيخ هذا الفكر ضمن الوعي الدنماركي. ويُعد هذا العمل إنجازًا فريدًا، لا لمحتواه المعرفي فحسب، بل لأنه مثّل أول مساهمة رائدة لامرأة في نشر الفكر الماركسي، وهو ما مهّد الطريق أمام أكاديميات أخريات لكسر هيمنة الذكور على مجال إنتاج المعرفة اليسارية.
****************************************************************
المصادر
- Nina Bang, 1866-1928
https://danmarkshistorien.lex.dk/Nina_Bang,_1866-1928
- Wikipedia
https://da.wikipedia.org/wiki/Nina_Bang
- Encyclopedia.com: En biografisk artikel, der fremhæver hendes historiske betydning som verdens første kvindelige minister
- Nina Bang på Encyclopedia.com (engelsk)
- Kvinfo.dk – Danish Centre for Information on Gender, Equality and Ethnicity
- Dansk Kvindebiografisk Leksikon – "Nina Bang" af Birgitte Possing
- Aarhus Universitet – “Kvinder i dansk politik: pionerer og normbrydere”
#بيان_صالح (هاشتاغ)
Bayan_Salih#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟