أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منال حاميش - ما الموت ؟؟














المزيد.....

ما الموت ؟؟


منال حاميش
مهندسة مدني.. باحثة بعلوم ما وراء الطبيعة و العلوم الروحية الحديثة

(Manal Hamesh)


الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 06:11
المحور: قضايا ثقافية
    


الموت هو اللغز الأكبر الذي رافق الإنسان منذ فجر الوعي، وهو الحاجز الذي يفصل بين ما نعرفه وما لا نعرفه، بين الوجود والعدم، بين التجربة الحسية والاحتمال المحض. لقد شغل هذا السؤال الفلاسفة والمتصوفة والعلماء، فتعددت الرؤى بين من يراه نهاية مطلقة ومن يؤمن بأنه مجرد عبور إلى حالة أرقى من الوجود.

يرى الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر أن الموت ليس حدثًا عرضيًا، بل هو جزء جوهري من تجربة الوجود، حيث يشكل القلق الوجودي حول الموت أساسًا لإدراك الذات ومعنى الحياة. فالإنسان، بحسبه، هو "الكائن نحو الموت"، أي أن حياته ليست إلا سيرورة وعي مستمرة بحتميته، مما يفرض عليه البحث عن معنى لما هو موجود قبل الفناء. هذا التصور يلتقي مع رؤية التصوف الإسلامي، خاصة عند ابن عربي، الذي يرى أن الموت ليس إلا انتقالًا بين العوالم، حيث تتجلى الحقيقة وفق استعداد النفس وتطهرها.

أما الدكتور رؤوف عبيد، فقد قدم قراءة مختلفة لهذا المفهوم من خلال دراسته لحالات الموت السريري وظواهر الانتقال، حيث يرى أن الموت ليس فناءً بل عبور إلى مستوى آخر من الإدراك، حيث تلتقي النفس بحقيقة جديدة غير مقيدة بالزمن والمكان. إنه يرى أن الوعي لا يُطمر بالموت، بل يتحرر منه، متحولًا إلى شكل أسمى من التجربة. ويتفق في هذا مع الباحث الروحي أرثر فندلاي، الذي اهتم بدراسة الظواهر الروحية والتواصل مع العوالم غير المرئية، معتبرًا أن الموت مجرد انتقال من مستوى فيزيائي كثيف إلى مستوى أثيري أدق، حيث تستمر الشخصية الواعية وتتفاعل ضمن قوانين مختلفة.

عند الغنوصيين والمتصوفة، الموت هو لحظة الانكشاف، حيث يتجلى الحق في صورة تناسب استعداد الروح. ابن عربي يرى أن للموت درجات، فهو ليس واحدًا، بل يتنوع بحسب درجة معرفة الإنسان ووعيه في الحياة. فمن عاش في وهم الانفصال عن الحق، وجد نفسه في ظلمة العدم، ومن عاش مستبصرًا بوحدة الوجود، وجد نفسه في رحابة النور الإلهي. هذه الرؤية تتلاقى مع فلسفة بوذية الزن، التي ترى أن الموت والحياة ليسا إلا تجليات للحظة الحاضرة، وأن الوعي غير مقيد بهما، بل هو تيار مستمر لا يعرف الانقطاع.

أما الفيلسوف أفلاطون، فقد طرح في محاورته "فيدون" فكرة خلود النفس، معتبرًا أن الموت ليس سوى تحرر للنفس من قيد الجسد، حيث تعود إلى عالم المثل، موطنها الأصلي. وهذا يقودنا إلى رؤية الهندوسية للسامسارا، حيث الموت ليس نهاية بل استمرار في دورة التجسد حتى تتحرر النفس من قيود الأنا الفردية وتذوب في الوعي الكلي.

إن فهم الموت بهذه الطريقة لا يحوله إلى لحظة خوف، بل إلى انفتاح على أفق غير معروف، حيث لا يكون العدم نقيضًا للوجود، بل امتدادًا له بشكل آخر. إذا كان الوعي مرتبطًا بالمادة في حياتنا اليومية، فإن احتمال تحرره بعد الموت يفتح المجال لرؤية جديدة للكينونة، حيث لا يكون الزمن خطيًا بل دائريًا، ولا يكون الفناء نهاية بل تحولًا. هذه الرؤى، رغم اختلاف مصادرها، تتفق على أن الموت ليس سوى انتقال من شكل إلى آخر، من وعي محدود إلى إدراك أكثر رحابة، ومن انحصار في المادة إلى انفتاح على المطلق.
يطرح البعض رؤية أكثر مادية للموت، حيث يعتبرونه نهاية نهائية للوعي، رؤية يعبر عنها الفيلسوف ديفيد هيوم الذي أنكر فكرة الحياة بعد الموت، معتبرًا أن الوعي مرتبط بالجسد، وبفناء الجسد ينتهي كل شيء. هذه النظرة تجد صدى في أفكار بعض العلماء المعاصرين الذين يرون أن الوعي ليس سوى نتاج النشاط العصبي، وبالتالي لا يمكن أن يستمر بعد توقف الدماغ عن العمل.

في المقابل، هناك من ينظر إلى الموت من زاوية الكمومية، حيث يرى بعض الفيزيائيين أن الموت قد لا يكون كما نفهمه، بل مجرد انتقال بين احتمالات مختلفة للوجود، وفقًا لتفسيرات ميكانيكا الكم مثل تفسير العوالم المتعددة لهيو إيفريت. إذا كان الوعي يمتد عبر تراكب الكم، فقد يكون الموت مجرد تبدل في إدراكنا للواقع، حيث تستمر التجربة في مستوى آخر من الوجود الموازي.

كما أن بعض التجارب الحديثة في أبحاث الاقتراب من الموت (NDE) أظهرت أن هناك أنماطًا متكررة من الرؤى التي يمر بها بعض الأفراد عند اقترابهم من الموت السريري، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الوعي وما إذا كان قادرًا على الانفصال عن الجسد ولو لفترة وجيزة. هذه الظواهر دفعت بعض الباحثين مثل ريموند مودي إلى اقتراح أن هناك أبعادًا أخرى للوعي لم يتم استكشافها بعد، وربما يكون الموت مجرد انتقال إلى حالة أخرى لم نتمكن بعد من قياسها علميًا.

إن هذا التنوع في الآراء يكشف عن حقيقة أساسية، وهي أن الموت ليس مجرد مفهوم بيولوجي، بل هو معضلة فلسفية وروحية وعلمية تتقاطع فيها الرؤى المادية والروحانية، مما يجعلنا نعيد النظر في طبيعة الوجود نفسه، ونتساءل: هل نحن كائنات مادية بحتة محكومة بالفناء، أم أن هناك ما هو أبعد من ذلك، حيث يكون الموت مجرد بوابة نحو واقع آخر لم ندركه بعد؟



#منال_حاميش (هاشتاغ)       Manal_Hamesh#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغز الذي لم يفك بعد
- الجنة و النار بين الواقع و الوعي
- حوار بين الوعي و الذات
- منال حاميش و الابعاد الغيبية
- منال حاميش والواقع المألوف
- هل الزمان مكان سائل و كيف يكون المكان زمان متجمد
- أين يقع عالم الروح و ما هي صفاته
- كيف نستخدم عقلنا اللاواعي (الباطن) في تغيير حياتنا للأفضل
- الطريق إلى الروحية


المزيد.....




- سفير السودان لقناة RT.. العلاقات السودانية الروسية قوية ومتق ...
- من هو إيلي شارفيت رئيس الشاباك الجديد؟
- 15 مؤسسة إعلامية ألمانية تطالب بالسماح لها بدخول قطاع غزة
- التغطية الإعلامية في غزة.. مهمة قاتلة للصحفيين
- لقطات مرعبة ومخيفة.. اليوتيوبر الشهير -سبيد- يصعد -سلم الحب- ...
- إعلام عبري: الجيوش النظامية لمصر وإيران وتركيا تهدد وجود إسر ...
- -القسام- تعلن تفجير عبوة ناسفة في دبابة إسرائيلي شرقي خان يو ...
- -توصلت إلى خيوط متعددة-.. تطورات تحقيقات الأمن اللبناني في إ ...
- وزارة الطوارئ الروسية ترسل 95 متخصصا إضافيا للمساعدة في عملي ...
- RT ترصد عمل مجموعات المسعفين على الجبهة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - منال حاميش - ما الموت ؟؟