نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 12:19
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
هي وريثة مجد بني العباس . بناها المستنصر بالله لتكون حاضرة علم وليست حاضرة لقذارة البارود والديناميت . وظلت على مد العصور واحدة من ريادات العلم بشتى مذاهبه ، وحتى القرن العشرين حين جُددت على مقاسات العصر وصارت مؤسسة تعليمية راقية .
غير إن أقدار الأماكن الجميلة لإن تبقى تسير بموازة أحلامها . ثمة متغير يفرض عليك مزاجه ، فلا نبقى في ذات الإعتقاد إن الأمكنة التي يتم فيها صناعة الشرف مصانة كما الجوامع والمدارس والجامعات والمؤسسات الصحية والخدمية . فالكل في فوضى مايحدث يأخذ نصيبه من الحزن ، لإن الاخر لايريد أن يفرقَ بين جسد المواطن البرئ وبين جسد دبابة المحتل ، وتلك رؤى وفلسفة ضبابية تفسيرها يخضع لعلامات تعجب كثيرة وإعتقادات لاحصر لها ، ولكن في النهاية .من يتعدى على أمكنة الشرف هذه . هو لايحب العراق ولاتراث العراق ولاحضارة العراق . وحتماً هو غريب عن كل وطنية ، ومسيس من أجندة بعيدة المعنى .
وهكذا نالت المستنصرية ، جامعة العلم والعشق البرئ نصيبها من ضريبة الشرف هذه وأخذت الى جسدها الحالم بلحظة مغادرة الطلبة الابرياء إنفجارين مزدوجين من مفخختين وليذهب جراء ذلك أكثر من ستين شهيدا واكثر من مئة وخمسين من الجرحى .
فطوبى للشهادة الجامعية وهي تستشهد دون ان تكون في حجاب حرب أو ساتر قتالي . طوبى لها وهي تدفع ثمن إنتمائها لبيوت العلم والأرث المجيد والطموح بتوحيد ذاكرة الوطن صوب فردوس كنا نتمناه منذ ايام سومر .ولكنه الآن ينحب معنا وهو يهيئ ملائكته الصالحين لاستقبال طوابير شهداء مساء المستنصرية في منظر حزين يتلون فيه الدم مع تنورات طالبات العراق ، ويطبع كفوف الحنة الحمراء على القمصان البيض لطلابه .
ستأتي المستنصرية الشهيدة الى فردوس سومر وبابل واشور بكامل خجلها ودمعتها وتساؤلها : لماذا يتحول كراس المحاضرة الى بحيرة صمت وموت ومفرقعة . لماذا يتم إختار مكان ليس فيه سوى الأنصات الى صوت السياب ونظرية فيثاغورس وضمادات الرازي ، وحين تأتي الاستراحة ليس هناك سوى قدح شاي وضحكة بريئة بين رفاق الصف ونادل نادي الطلبة .
غير إن هذا اليوم البرئ من أيام المستنصرية لن يتكرر مع من ذهبوا الى فردوس آخر يتعين فيه أن يختاروا صمتا وتأملا وأنهار لبن وتغريد طيور . رغم إنهم في حياتم ارادوا أن يُكملوا مسيرة العمر لخدمة عوائلهم ووطنهم .
المستنصرية الشهيدة . صورة لماسأة عراقية متكررة بصور وأحجام مختلفة . وربما هي مثلنا وقد دفعت بهذا النذر الغالي والكبير ان تكون هناك صحوة للمكون الذي يقود العراق ليفكر بجدية ورؤى بطرائق تجعل هذا الموت وبهذا الحجم المأساوي لايتكرر ثانية .
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟