أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الإله بسكمار - قصبة مسون : معلمة تاريخية تندب حظها التعس















المزيد.....

قصبة مسون : معلمة تاريخية تندب حظها التعس


عبد الإله بسكمار

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 22:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حينما تتجاوز منطقة بولجراف والفحامة شرق تازة، يبدأ امتداد واسع من المساحات الزراعية الصغيرة وأراضي الرعي، فضلا عن المجالات الجرداء الممتدة عبر كل الاتجاهات، وعلى بعد 27 كيلومترا من تازة غربا و 33 في اتجاه جرسيف شرقا، تطالعك إلى اليسار إذا كنت مسافرا في القطار و بدرجة أقل بواسطة السيارة، من خلال الطريق الوطنية رقم 06 ( وليس الطريق السيار ) تطالعك أسوار وأبراج تاريخية بمبعدة بعض الكيلومترات، وسرعان ما تعرف أن الأمر يتعلق بصرح إسماعيلي ( أي يعود بناؤه إلى المولى إسماعيل ثاني سلاطين الدولة العلوية ) يعزز نفس الانطباع أنها تشبه كثيرا أسوار المدن العتيقة ومعها القلاع والحصون المشابهة، فهي تشتمل على الأبراج الدفاعية، وتتخللها الثقوب المعروفة المساعدة على البناء وتهوية تلك الأسوار حتى لا تنهار بفعل الرطوبة أو الأمطار .
الصرح الإسماعيلي يتمثل في " قصبة مسون " شرق تازة ووسط قبيلة هوارة والمحاذية لمطالسة وبني وراين وغياثة ثم البرانس إلى الشمال وهي تشرف على واد مسون الممتد عبر120 كلم، انطلاقا من منطقة أكنول بالريف ونحو مصبه بواد ملوية ومن حيث الإسم فكلمة " مسون " تعني المالح باللهجة المحلية، أي أن مذاق مياه الوادي المعني مالح، والموقع كان تابعأ لدائرة جرسيف / إقليم تازة ولكن لما أصبح إقليم جرسيف قائم الذات، بات نفس الموقع تابعا له، وضمن الجماعة القروية لتادارت والقصبة بالدلالات المغربية تدل على تجمع سكاني معين، يتوفر على كل مقومات الحياة من مجاري المياه ومرافق ومساكن وإقامات ومساجد ومعزز( في الماضي طبعا ) بحامية أو قوة عسكرية من العبيد أو غيرهم ، مثلما اعتاد على ذلك المغاربة طيلة حقب متعددة وذلك قبل الحماية الفرنسية .
الموقع إياه لا يعد في التصنيف العلمي قلعة حربية محضة، كما ذهب إلى ذلك الراحل عبد العزيز بن عبد الله وأيضا صاحب " الحلل البهية في ملوك الدولة العلوية " محمد بن مصطفى المشرفي والناصري نفسه عن خطإ، حينما اعتبروا الموقع قلعة وليس قصبة، لأن الفارق واضح تعبرعنه الوظيفة العسكرية الخاصة للأولى، في حين تمتزج الوظائف العسكرية ب " المدنية " في الثانية، علاوة على أن القصبة هي بالضرورة أكبر حجما وأوسع من القلعة .
بنيت قصبة مسون سنة 1091 هـ الموافق ل1680 م ( وليس سنة 1684 كما ذهب إلى ذلك بعضهم ومثلما هو مثبت في موسوعة ويكيبيديا عن خطإ ) وهي واحدة من 76 قصبة تضاف إلى القلاع التي شيدها المولى إسماعيل العلوي لتحقيق عدة أهداف أبرزها :
- ضبط قبائل الجبال وخاصة الأطلسين المتوسط والكبير والتي تميزت بالترحال ومهاجمة قبائل السهول المستقرة في إطار ما سمي تاريخيا بظاهرة " السيبة " .
- جمع الضرائب والزكوات والأعشار من طرف القبائل التي احتضنت تلك القصبات لأجل الإنفاق على نفس الحاميات المتجسدة في مؤونة العبيد وعلف الخيل من جهة، ثم دعم خزينة الدولة من جهة أخرى، وهذا الأمر كان رهينا دائما بمدى استقرار البلاد، حيث يتراجع كليا أو جزئيا، حين ينفرط عقد الأمن والاستقرار كما حدث بعد وفاة السلطان مولاي اسماعيل سنة 1727م .
- ضمان الأمن بالنسبة للطرق التجارية الرئيسة ومناطق التماس الاستراتيجية كممر تازة مثلا، لا سيما مع عبور القوافل التجارية والسفارية وكذا مواكب الحجيج ونتحدث هنا عن الركب الفاسي الذي كان يسلك " الطريق السلطاني " بين فاس ووجدة عبر تازة ومسون وجرسيف وتاوريرت وعيون سيدي ملوك .
- تكريس سلطة الدولة وضبط الدينامية الاجتماعية وتوحيد البلاد عبر القدرة على المراقبة والتدخل في جميع الظروف والأحوال .
ولابد في هذه المقاصد أو الأهداف استحضار الظرفية المتأزمة للبلاد، خلال الفترة الأولى من حكم المولى إسماعيل، حيث كثرت الفتن وتردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي، واستفحل نزول القبائل الجبلية نحو السهول واستعرت العديد من الثورات ومظاهر التمرد بمختلف أشكالها، كثورة أهل فاس ( من أسبابها محاولة المولى إسماعيل تجنيد الحراطين في جيش عبيد البخاري ) وثورة قبائل الغرب والخضر غيلان والدلائيين بالأطلس المتوسط وتمرد ابن أخ السلطان أحمد بن محرز، إلى درجة أن المولى إسماعيل استنفذ كل المرحلة الأولى من حكمه الممتدة إلى حوالي 1697 م في إخماد والقضاء على هذه الثورات، بالاعتماد على جيش عبيد البخاري أساسا المكون من قبائل تم إخضاعها أو تلك التي كانت في الأصل مؤيدة للمخزن .
وحسب رواية الناصري في الاستقصا، يفيد بأن السلطان إياه " لما نزل بوادي امسون أمر أن تبنى به قلعة أخرى ( وهو يقصد القصبة ) بجوار القديمة وأنزل بها مائة فارس من العبيد بعيالهم وأولادهم، ثم أنزل بتازا ألفين وخمسمائة من خيل العبيد بعيالهم " وكانت الحصون والقلاع والقصبات الممتدة من تازة إلى وادي زا / قرب تاوريرت تحت إشراف القائد منصور بن الرامي .
موقع قصبتنا تتوفر فيه كل الشروط المجالية والاستراتيجية، فهو أولا بني بالتراب أو الطوب المدكوك المسمى ب" اللوح " ثم الآجور ويبدو أنه رفع على أنقاض أو بجوار موقع حربي قروسطي يرجح أنه مريني زناتي، حسب العلامة محمد المنوني، ثم إن القصبة واقعة على سفح وادي مسون، فاختيار الموقع ومنذ القديم لم يك صدفة لأن القصبة تقع في ملتقى الطرق الرابطة بين شرق البلاد وغربها، مع الانفتاح أيضا على الشمال، حيث الريف الشرقي والجنوب حيث الأطلس المتوسط، الشيء الذي يؤهلها لمراقبة وضبط مساحات واسعة من هذه المنطقة وهي التي تعد في الحقيقة بداية مجالية مختلفة عن ممر تازة، ونهايته منطقة " رجم الزحازحة "، حين تنفتح التضاريس عبر واجهة أو منخفض امسون الواسع الممتد.
لقد ورد موقع مسون منذ القرن الرابع الهجري في الحوليات والمظان التاريخية، وإلى حدود فرض الحماية على المغرب، غير أن طبيعة البناء بالنظر لكونه يحضن القصبة الإسماعيلية وخصوصية ذات الموقع يفرض على الباحث تقديم وصف شامل له، فالقصبة عبارة عن مستطيل من الوجهة الهندسية تبعا لأهمية السور المحيط بها وتقدر أبعاده ب 23 مترا بالنسبة للسورين الغربي والشرقي و17 ,8 م بالنسبة للسورين الشمالي والجنوبي ويتراوح عرضه بين متر واحد ومتر ونصف وتخترقه ثمانية غرف، إما كانت مخصصة للإقامة والسكن أو لأغراض أخرى، وينتهي السور في أعلاه بأعمدة ترابية على شكل أسهم حادة تعرف باسم " اشراريب "وكان بالقصبة فيما مضى باب وحيد تحت الحراسة التي ما لبثت أن اختفت هي الأخرى، فبقيت القصبة في مواجهة مصيرها .
الحالة المتردية التي توجد عليها هذه المعلمة الإسماعيلية حاليا، لا يمكن أن تحجب بجميع المقاييس ما لعبته من أدوار تاريخية هامة، ليس فقط باعتبارها قصبة تنتمي إلى العصر العلوي الأول، بل أيضا تبعا لأهمية الموقع الاستراتيجي والاحتمال القوي لوجود قلعة قديمة بالمنطقة هي التي أشار إليها الناصري، لقد شكل موقع مسون نقطة ارتكاز قوية لقبائل زناتة منذ زحفها التدريجي نحو المغرب الأقصى، انطلاقا من المغرب الأوسط، ثم للأحلاف وبني معقل والمجموعات القبلية الحالية ( فيما بعد )، ولذا أشار المؤرخون وأصحاب الحوليات إلى هذا الدور منذ القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، حيث وقع التدخل الشيعي الفاطمي الذي مد نفوذه لمدة من الزمن على المنطقة، ثم انتقل نفس النفوذ إلى أمويي الأندلس وذلك عبر الإمارات المختلفة التي تعاقبت على المنطقة .
من أبرز فروع زناتة التي مدت نشاطها عبر كل هذه الناحية قبيلة وإمارة مكناسة بني العافية، حيث عرف نفس المجال الجغرافي مواجهات متعددة بين المكناسيين وزعماء الفاطميين، لما انقلب بنو العافية عليهم من جهة ومع بقايا الأدارسة من جهة أخرى، ونذكر هنا كما جاء في معلمة المغرب هزيمة موسى ابن أبي العافية سنة 321 هـ / 933 م بفحص مسون أمام حميد بن يصل أو يصليتن قائد القوة العسكرية الفاطمية الموفدة من طرف صاحب إفريقية، فكان أن لجأ موسى إلى عين إسحق من بلاد تسول كي يستجمع قواه ويعاود الكرة من جديد، وهي نفس المادة التاريخية التي أشار إليها عبد الوهاب بن منصور في كتابه " قبائل المغرب " أما موسى ابن أبي العافية فاستمر في صراعه مع العبيديين / الفاطميين إلى أن قتل ببعض بلاد ملوية سنة 341 هــ/ 952 م وهو التاريخ الراجح لدينا ليخلفه أبناؤه على رأس الإمارة المعنية إلى أن هزمهم زناتيو مغراوة وبنو يفرن، ثم غلبوا على أمرهم على يد يوسف بن تاشــــــــفين العاهل المرابطي .
شهد موقع مسون تحركات مكثفة طيلة التاريخ بسبب الاعتبارات السابقة، فهنا صارع يوسف بن تاشفين بقايا مكناسة ومعهم مغراوة وبني يفرن حوالي سنة 468 هـ/ 1074 م، بعد فتحه لفاس وتازة حين توجه لتلمسان عبر وجدة، وشكلت منطقة مسون جزءا أساسيا من الطريق التجاري فاس / تلمسان في عهد الموحدين كما عبرته جيوش هذه الدولة نحو تلمسان ومن ثمة باتجاه المغربين الأوسط والأدنى، وفي فحص مسون جرت مواجهات مستمرة بين بني مرين وأبناء عمومتهم من بني زيان أو بني عبد الواد/ يغمراسن بن زيان، فكانت الحرب سجالا بين الطرفين، بفعل سعي بني مرين لإعادة الامبراطورية الموحدية الآفلة من جهة وتطلع بني زيان للسيطرة على ملوية ومعها تازة معقل المرينيين وفاس عاصمتهم الرسمية، من جهة أخرى.
تمر مراحل التاريخ لتشهد المنطقة مواجهات بين السلطان المولى الرشيد العلوي ودلائيي الأطلس، ثم مع أخيه مولاي امحمد ( فتحا ) إلى حين سيطرته على فاس بمساعدة الزاوية الفاسية ودعم عرب شراكة وبني معقل وقبائل الشرق وأحواز تازة، ولما وصلت جيوش السلطان المولى إسماعيل إلى المنطقة بعد إقامة لمدة شهر بتازة وإثر حصار الثائر أحمد بن محرز هناك وهرب هذا الأخير إلى تارودانت، ثم القضاء على تمرد الخضر غيلان بالهبط، ارتأى السلطان بناء قصبة مسون سنة 1680م/ 1091هــ بجوار القلعة التي تعود على الأرجح إلى المرينيين، وفي كل الأحوال نسبت القصبة في نهاية المطاف إلى المولى إسماعيل، ولا نستطيع حاليا تحديد معالم هذه القلعة المرينية، بسبب نوازل الزمن وتدخل البشر عبر التاريخ ولأن الأسوار نفسها – مع ذلك - تبدو قديمة ولا تختلف كثيرا عن الأسوار المرينية كما نعرفها في المدن والحواضر التي ازدهرت خلال هذا العصر.
إضافة إلى التحركات العسكرية والقوافل التجارية والحجية والسفارية، فقد عرفت المنطقة عموما والقصبة على وجه الخصوص مرور قوافل المستكشفين وأيضا الجواسيس الذين وضعوا أنفسهم في خدمة التغلغل الاستعماري فيما بعد، فمن المستكشفين الذين خدموا أطماع بونابارت بالمغرب وعلى عهد السلطان مولاي سليمان نجد دومينغو فرانتسكو باديَّDomingo Francisco Badia والذي دخل المغرب الأقصى سنة 1805 متنكرا باسم تاجر حلبي سمى نفسه علي باي العباسي وقد عاش بين 1767 و1818 للميلاد .
خلفية الجاسوسية كانت دافعا أساسيا للرحلة، وإن صاحبنا رغم النقد القاسي الذي وجهه لحكم السلطان واستعراضه للأوضاع الاجتماعية المتردية، فقد استغرق من جهة أخرى في إبداء إعجابه بطبيعة المغرب وحضارته وديانته الإسلامية معا، مع ميل أحيانا لنوع من الوصف المشفق على بعض المناطق التي مر بها ومنها بقعة مسون بقصبتها يقول في كتابه " رحلات عبر المغرب " وهو على شكل يوميات والمترجم سنة 2010 من طرف الباحث مزوار الإدريسي في صباح يوم 05 يونيو 1805 " ... وعند الواحدة والربع عبرت نهرا وأمرت بنصب المخيم داخل قصبة عتيقة أو قصر يدعى قصبة مسون أو تَمَسْوين ".
وبعد أن يصف بإيجاز الوضع الطبوغرافي وحالة التربة بالمنطقة يتفاجأ بقافلة قادمة من الشرق، تضم فيما تضم إضافة إلى أصحابها الماعز والجواميس والأبقار وكذا البهائم والبغال وهي محملة بالأثقال وسرعان ما نعرف أنها قادمة من تلمسان في اتجاه فاس أو باقي المناطق بسبب فشل الثورة ضد الأتراك العثمانيين بالمنطقة، وكذا ملابسات بيعة أهل تلمسان للسلطان مولاي سليمان، ثم يعود لوصف قصبة مسون من حيث الأسوار والأبراج ويقيسها لا بالأمتار ولكن بالاقدام ويشير إلى وجود مسجد خرب وسط القصبة، فيما يحتمي السكان بأكواخ مقسمة إلى مجموعات من ثلاثة إلى أربعة، دون أن ينسى قائد المنطقة ( التابع للمخزن المركزي بالطبع ) الذي يقيم على مسافة فرسخ من المكان وإكرامه وفادة هذا الرحالة الإسباني الكتالاني، ليغادر المكان صوب الشرق صباح يوم 06 يونيو 1805 .
وقع تحصين القصبة مرة أخرى على عهد السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام، وفي سياق معركة إيسلي في غشت 1844 والتي كان سببها المباشر دعم المغرب لمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري، وبعيد الهزيمة تشتت العسكر المغربي، فمنه من قصد تازة ومنه من توقف في القصبات والمحطات الموجودة في الطريق كقصبتي العيون وتاوريرت ثم أيضا قصبة مسون حيث ظل دورها العسكري مستمرا حتى فترة الحماية الفرنسية، علاوة على طابعها كمدينة صغيرة متوفرة آنذاك على المرافق الضرورية .
في سياق الرحلات الاستكشافية الفرنسية عبر المغرب والتي دشنت المرحلة العلمية ذات الخلفية الجاسوسية الاستعمارية اعتبارا من رحلة شارل دوفوكو Charles De Foucauld سنة 1883 وتلاه الماركيز دوزيكونزاك Marquise De Segonzac ما بين سنتي 1899 و1901 فقد وصف منطقة مسون بالمنخفظ الكبير: تازة – مسون الذي يوجد في نظره شمال بني بوقيطون من غياثة "Au nord la grande dépression Taza – Msoune " وكان عائدا من تازة متوجها نحو الشرق .
أثناء فتنة الجيلالي الزرهوني المعروف في الاستوغرافية الرسمية باسم " بوحمارة " والتي استمرت من خريف 1902 إلى صيف 1909 وبعد انتصار جيشه في " كعدة الروانب " على الجيش المخزني ذاق الهزيمة لأول مرة في يناير 1903 وذلك بمنطقة " ثلاثاء النخيلة " على ضفة واد إيناون فلم يسع الروغي إلا الفرار باتجاه قصبة مسون التي لجأ إليها وأقام بها مدة معينة قبل أن ييمم شطر البرانس لمعالجة جرحه الغائرالذي لحقه أثناء المعركة .
باسم فتح الأسواق ونشر الأمن بالبلاد، شرع الجيش الفرنسي وقوات إفريقيا Armée de L’Afrique في الزحف انطلاقا من الضفة اليسرى لنهر ملوية وكانت مقاومة القبائل على أشدها خاصة هوارة وبني وراين وولاد الحاج ثم غياثة ومطالسة لاسيما في أواخر ماي 1911 ولم يتم احتلال مركز جرسيف إلا بعد قنبلة المنطقة بالمدافع وبشكل وحشي وتدمير مختلف القصبات كقصبة مرادة وهداجية وقصبة تادارت وقصبة جرسيف نفسها مما يقترب من جرائم الحروب وبعد سنة كاملة أي في ماي 1912 مباشرة بعد توقيع معاهدة فاس ( 30 مارس 1912 ) وذلك حسب اعتراف الطبيب جون فيال Jean Vial ، ولما احتل الجيش الأستعماري قصبة مسون سنة 1913 كان الأمر قد تمهد تماما باستسلام هوارة خاصة وأصبح الوضع العسكري سالكا نحو ممر تازة الاستراتيجي بقايدة الجنرال بومغارتن .
جاء في التقرير الشهري للحماية الفرنسية ( فبراير 1913 ) Rapport Mensuel d’Ensemble du Protectorat " وينبغي في الوقت الراهن الانتفاع من الفوائد المكتسبة بوصولنا، من جهة بامسون إلى حدود بلاد هوارة التي أصبحت مخلصة لنا " ويضيف " وهكذا فإن الاتصال بالقبائل المجاورة سيسمح لنا بتكوين" انطباع " Une Impression عن إقليم تازة " وتحولت القصبة إلى موقع عسكري هام للقوات الفرنسية بل وأقام به كبار ضباطهم على الأقل قبل احتلال تازة الرسمي في 17 ماي 1914 .
لما سيطرت القوات الفرنسية على مركز مسون حولت القصبة إلى موقع عسكري وإداري استعماري يشتمل على مساكن الجنود والضباط والأسلحة وبعض المرافق الإدارية كالبريد ومقر قيادة الوحدات وغيرها، بل وتفيد المصادر أنه لما مد الخط السككي من فئة 0.60 نحو مسون يوم 26 مارس 1914 اخترق ذات الخط القصبة وبات القطار يمر وسطها لأغراض عسكرية بالدرجة الأولى، وفقدت هذه الشبكة بعض أهميتها انطلاقا من سنة 1923 ولما شرع في استغلال الخط العادي ( 1.44 م ) بعد عشر سنوات أي في ماي 1933 تركز نفس الخط على بعد عدة كيلومترات جنوبا حيث بنيت محطة مسون، ولا زال هذا الخط مشغلا لحد الآن .
لم يخلف الفرنسيون في هذا الفضاء إذا استثنينا الخط السككي الذي تم بعمالة مغربية، سوى مقبرة للجنود والضباط الذين سقطوا في معارك مواجهة المقاومة أو ما سموه بحرب التهدئة "Guerre de Pacification خاصة في فترات 1915 و1916 .
بعد استقلال البلاد تراجع تماما الدور العسكري للقصبة وبقي الدور الاقتصادي والاجتماعي ومعهما الدور التجاري، وظائف باتت ترواح نفسها إلى ستينيات القرن الماضي، حيث اختفى سوقه الأسبوعي الذي كان ينعقد يوم الإثنين مع ظهور أسواق جديدة في المنطقة واستفحال الهجرة منها نحو المدن والمراكز المجاورة في سياق توالي سنين الجفاف رغم وجود المياه والكهرباء بالقصبة وإمكانيات خلق فرص الشغل عبر المواد الطبيعية النابتة فيها ويحيط بالقصبة قربا أو بعدا 11 دوارا في إطارتجمع يسمى الزركان امزارشة تصارع ساكنته مصاعب الحياة المتعددة من أجل البقاء، ولا تتجاوز حاليا 30 فردا بالقصبة .
مع أن إمكانيات كبيرة تتيحها القصبة خاصة على المستويين السياحي والثقافي، فلم تلتفت الجهات المعنية لحد الآن إليها، أما المجتمع المدني المحلي، فما لبث يطالب بإعادة تهيئتها على نحو شامل، وتأهيل ساكنتها بمشاريع مدرة للدخل، من جهة وتحويلها إلى موقع تاريخي/ سياحي مصنف حقيقة لا مجازامن جهة أخرى، على غرار قصبات بولعوان – المهدية – الوداية - أكادير وقصبات الجنوب أو البرج الشمالي بفاس وغيرها وإمكانية تهيئتها كفضاء عمومي متحفي أساسا يضم لقى ومنتوجات المنطقة الطبيعة والبشرية أو قاعة للعروض الفنية على غرار باب الرواح بالرباط أو باب الخميس بسلا أو رواق الفنان المرحوم قريفلة بتازة والسؤال موجه للجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثقافة ثم وزارة الصناعة التقليدية والتربية الوطنية فهل من مجيب ؟.



#عبد_الإله_بسكمار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروعية النقد المزدوج
- حروب المياه ...إلى أين ؟
- السياسة الجهوي بالمغرب : من أجل عدالة مجالية
- مشور تازة : دلالات عمرانية وتاريخية
- ....ويحدثونك عن تصنيف مدينة تازة تراثا وطنيا
- قبة السوق بتازة : قبس من ذاكرة ممتدة
- المدارس المرينية بتازة من الوظيفة الأيديولوجية إلى الدور الس ...
- تازة التي لم تخضع للاحتلال الروماني
- المنتزه الوطني لتازكة : مكونات متنوعة تحتاج إلى تنمية مندمجة
- أبواب تاريخية بتازة بين الإصلاح والإهمال
- كيف انتقل اسطرلاب تازة من المغرب إلى إيطاليا ؟
- متى تتم إعادة فتح مغارة فريواطو بتازة ؟
- العودات بتازة بين البعدين التدجيلي والتطبيبي
- عن أسرة التازيين بفاس
- تاريخ تازة : أسرارملتبسة وبالجملة
- عن زمن الانتهازية والانتهازيين
- حول زمن الانتهازية والانتهازيين
- إضاءات جديدة حول الرتاث التازي : نمذج العلامة علي بن بري
- بعض مظاهر الصراع من خلال الإشكالية المائية بتازة
- بيان إلى الرأي العام الوطني : الفساد قي قطاع الصحة بركة في ب ...


المزيد.....




- إسرائيل تشن غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت.. وتوضح السبب
- لبنان..غارة إسرائيلية تستهدف مبنى بضاحية بيروت الجنوبية والج ...
- غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت هي الثانية منذ وق ...
- غارة إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت
- إسرائيل تعلن استهداف عنصر لحزب الله في الضاحية الجنوبية
- بعد الإعلان الأميركي.. الغموض يحيط بمصير خبير صواريخ حوثي
- ترامب: إيلون ماسك سيعود إلى القطاع الخاص في وقت ما
- مصدر أمني إسرائيلي يكشف عن تطور جديد بشأن تركيا ويقول: الشرع ...
- ترامب: سأذهب إلى السعودية الشهر المقبل أو بعد ذلك بقليل ثم إ ...
- ترامب يتحدث عن علاقته -الرائعة- بكيم جونغ أون وإحتمال اتصال ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الإله بسكمار - قصبة مسون : معلمة تاريخية تندب حظها التعس