أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العوائق البنيوية والاستثناء الخليجي















المزيد.....

التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العوائق البنيوية والاستثناء الخليجي


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 18:44
المحور: قضايا ثقافية
    


تمهيد: أزمة النهضة في السياق العربي

إن السؤال النهضوي الذي شغل الفكر العربي منذ لحظة الاصطدام بالحداثة الغربية لا يزال قائمًا: كيف يمكن تحقيق تحديث حقيقي دون فقدان السيادة والاستقلال؟ لطالما كانت مسألة التحديث مشروطة بإرادة سياسية تمتلك القدرة على بلورة مشروع تنموي مستقل، لكن هذه الإرادة اصطدمت دائمًا بعوائق بنيوية داخلية وخارجية جعلت النهضة العربية مؤجلة أو مشروطة بتوازنات غير ذاتية.

في هذا السياق، يُطرح النموذج الخليجي—وتحديدًا الإمارات، قطر، وعُمان—كمثال يُعتقد أنه استطاع تحقيق تحديث ناجح رغم أن السيادة السياسية لهذه الدول ليست مطلقة، بل مشروطة بمعادلات إقليمية ودولية معقدة. فهل تمثل هذه التجربة اختراقًا للعائق التاريخي الذي منع النهضة العربية، أم أنها نموذج خاص غير قابل للتعميم؟ وهل يمكن لدول الخليج أن تؤسس لنهضة عربية شاملة، أم أن تحديثها يظل تحديثًا في ظل الهيمنة لا تحديثًا كاسرًا لها؟



أولًا: التحديث والسيادة المنقوصة—الإشكالية المركزية

1. السيادة كشرط للتحديث: هل التبعية تعيق النهضة؟

في الفلسفة السياسية، تمثل السيادة شرطًا جوهريًا لأي مشروع تحديثي مستقل، حيث لا يمكن تحقيق نهضة حقيقية في ظل خضوع القرار الوطني لمعادلات خارجية. لكن العالم العربي، ومنذ سقوط الخلافة العثمانية، لم يستطع بناء أنظمة سياسية تمتلك سيادة كاملة، بل بقي في أغلبه خاضعًا لمنظومات تبعية سياسية واقتصادية تجعل استقلاله مشروطًا.

هذه السيادة المنقوصة تجلت في عدة أشكال:
• التبعية العسكرية: وجود قواعد أجنبية، اتفاقيات أمنية تجعل القرار العسكري مرهونًا بموازنات دولية.
• التبعية الاقتصادية: الاعتماد على الاقتصاد الريعي، هشاشة القطاعات الإنتاجية، الاندماج في نظام مالي عالمي يفرض شروطه.
• التبعية التكنولوجية: عدم امتلاك نواة صناعية مستقلة، الحاجة الدائمة إلى الاستيراد التكنولوجي من القوى الكبرى.

في ظل هذه المعطيات، تبدو المعضلة المركزية كالتالي: هل يمكن تحقيق تحديث في ظل غياب سيادة مطلقة، أم أن التحديث ممكن حتى في ظل شروط التبعية؟



ثانيًا: دول الخليج والتحديث المشروط—نموذج ناجح أم استثناء خاص؟

1. الإمارات: التحديث كإدارة للهيمنة لا كتحرر منها

الإمارات تمثل أكثر النماذج نجاحًا في التحديث العربي، حيث استطاعت بناء اقتصاد متنوع، بنية تحتية متقدمة، ومشاريع استشرافية في الذكاء الاصطناعي والفضاء. لكنها في ذات الوقت تُدير التحديث ضمن منظومة الهيمنة الدولية بدلًا من السعي إلى كسرها.
• اقتصادها متكامل مع الرأسمالية العالمية، لكنه غير مستقل عنها.
• تستضيف قواعد عسكرية أمريكية، ما يعكس نوعًا من الارتهان الأمني.
• تعتمد على العمالة الأجنبية والتكنولوجيا المستوردة، ما يجعلها جزءًا من السوق المعولم وليس كيانًا إنتاجيًا مستقلًا.

الإمارات إذًا تُحقق تحديثًا وظيفيًا داخل المنظومة الدولية، لكنه ليس مشروعًا تحرريًا يعيد تعريف السيادة العربية.

2. قطر: تحديث القوة الناعمة والاستقلال النسبي

قطر اتبعت نموذجًا مختلفًا، حيث استخدمت القوة الناعمة (الإعلام، الرياضة، الدبلوماسية) لبناء نفوذها، وحافظت على استقلالية نسبية مقارنة بجيرانها. لكن في المقابل:
• تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الخليج (العديد)، ما يضع حدودًا لاستقلال قرارها.
• تعتمد على الغاز المسال كركيزة أساسية لاقتصادها، ما يجعلها خاضعة لتقلبات السوق العالمية.
• تلعب دور الوسيط في النزاعات، لكنها لا تزال مرتبطة بتوازنات إقليمية معقدة.

قطر إذًا تحقق تحديثًا بأدوات القوة الناعمة، لكنه لا يخرج عن إطار الهيمنة الدولية، بل يُعيد توزيع الأدوار داخلها.

3. عُمان: نموذج الحياد التحديثي

عُمان تمثل حالة خاصة من حيث قدرتها على تحقيق تحديث هادئ دون الدخول في صراعات جيوسياسية كبرى. لكن رغم استقلاليتها النسبية، تواجه تحديات:
• اقتصادها لا يزال هشًا مقارنة بجيرانها، ويعتمد بشكل كبير على النفط.
• لا تمتلك القوة الناعمة للإمارات وقطر، ما يجعل نفوذها الدولي محدودًا.
• تعتمد على التوازنات الإقليمية لتأمين استقرارها الداخلي.

عُمان إذًا تقدم نموذجًا للتحديث غير الصدامي، لكنه يظل تحديثًا مقيدًا بشروط اقتصادية صارمة.



ثالثًا: هل يمكن تعميم النموذج الخليجي عربيًا؟

إذا كان الخليج قد نجح في تحقيق مستويات من التحديث، فإن السؤال الأهم هو: هل يمكن استنساخ هذا النموذج في بقية الدول العربية؟

1. الاختلاف البنيوي بين الخليج وبقية العالم العربي
• معظم الدول العربية تفتقر إلى الوفرة المالية التي سمحت للخليج ببناء اقتصادات حديثة بسرعة.
• المجتمعات الخليجية ذات كثافة سكانية منخفضة، مما يسهل إدارة التنمية مقارنة بدول ذات كثافة سكانية عالية كالعراق ومصر.
• الخليج تحرك في فضاء جيوسياسي لم يشهد ثورات عنيفة أو انهيارات كما حدث في دول أخرى.

2. هل يمكن تحقيق تحديث بدون موارد ضخمة؟

التجربة الخليجية تطرح إشكالية: هل التحديث ممكن دون ثروة نفطية ضخمة؟ أم أن ما حدث في الخليج ليس تحديثًا بقدر ما هو إدارة ذكية للثروة؟

دول مثل مصر، الجزائر، والعراق لديها إمكانيات هائلة لكنها لم تستطع تحقيق تحديث مماثل، لأن التحديث يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، مؤسسات مرنة، وبيئة اقتصادية مفتوحة، وهي عوامل لم تتوفر بنفس القوة خارج الخليج.



الخاتمة: تحديث ممكن لكن بشروط

التجربة الخليجية تُظهر أن التحديث ليس بالضرورة مشروطًا بالسيادة المطلقة، لكنه يتطلب قدرة على إدارة التوازنات الدولية لصالح المشروع الوطني. الفرق بين الخليج وبقية العالم العربي ليس في الموارد فقط، بل في القدرة على تحويل الموارد إلى استراتيجيات تنموية بدلًا من استنزافها في أنظمة ريعية أو سلطوية مغلقة.

لكن يبقى السؤال: هل يمكن لهذا النموذج أن يتحول إلى نهضة عربية شاملة، أم أنه سيظل تحديثًا داخل منظومة الهيمنة لا تحديثًا كاسرًا لها؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي سيحدد مستقبل العالم العربي في العقود القادمة



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبوءة الضوء
- لغة الغيم
- تداعيات الحرب على غزة وعودة اليمن إلى الساحة الإقليمية: قراء ...
- لغة السحر
- سَاتِيرَا فِي زَمَنِ العَجَائِبِ
- العم سام في رقصة السقوط الحر
- رقصة في حدائق الصمت
- مزامير الضوء العاشر
- التهجين الكمومي في المجال البيولوجي: استحداث تقنية علاجية جد ...
- أسطورة النور والظل
- محنة الأدب العالمي تحت هيمنة التوحش الرأسمالي
- اسرار النور
- العلاج الصوتي عبر الحقول الكمومية: ابتكار د. خالد خليل لنهج ...
- الذكاء الاصطناعي العام (AGI): نقطة الصفر بين الفرصة والتهديد
- نقطة الصفر: هل يمكن أن يصبح العلم ذاتي التشغيل؟
- ملوك الطحالب
- عبور في التيه
- غوغاء القدر وسيمفونية العبث
- الرؤية الشاملة لنظام التقنيات الروحية العميقة (Deep Techno-S ...
- التكنوروحانية: التقاء العقل مع الروح في عصر التكنولوجيا


المزيد.....




- انتشال جثامين 15 مسعفاً بعد أيام من مقتلهم بنيران إسرائيلية، ...
- إعلام: طهران تجهز منصات صواريخها في أنحاء البلاد للرد على أي ...
- -مهر- عن الخارجية الإيرانية: الحفاظ على سرية المفاوضات والمر ...
- صحيفة -لوفيغارو-: العسكريون في فرنسا ودول أوروبية أخرى يستعد ...
- الخارجية الروسية: لن ننسى ولن نغفر كل شيء بسرعة للشركات الأو ...
- -حماس-: ما يشجع نتنياهو على مواصلة جرائمه هو غياب المحاسبة ...
- ترامب يعلن عن قرار بقطع شجرة تاريخية في البيت الأبيض بسبب مخ ...
- -أكسيوس- يكشف موعد زيارة ترامب للسعودية
- حادث إطلاق نار في مورمانسك بشمال روسيا.. والأمن يلقي القبض ع ...
- ترامب: زيلينسكي يحاول التراجع عن صفقة المعادن وستكون لديه مش ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - التحديث في العالم العربي وإشكالية السيادة المنقوصة: بين العوائق البنيوية والاستثناء الخليجي