|
هل ورد اسم - مصر- في القرآن بدلاً من (إيجبت - Egypt) ؟
محمد مبروك محمد أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 20:59
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعدما تم تسكين قصة موسى وفرعون ويوسف ومصرايم التوراتية في بلادنا إيجبت وادي النيل خلال عملية الترجمة السبعونية في عهد بطليموس، وتم استبدال كلمة مصرايم بكلمة إيجبت لتكتمل الحبكة الفنية، وهذا دليل كافٍ على أن اسم "مصر" لم يكن معروفاً في هذا الزمان وإلا كان استخدمه الكهنة في الترجمة بدلاً من إيجبت الذي اعترض عليه المترجمون وكان أمر التزوير شبه مفضوح وقتها، ولكان من السهل وضع "مصر" مكان "مصرايم" أو مصرايم مكان مصر، لأن الكلمة واحدة في النهاية وكل ما في الأمر هو اختلاف اللهجة، الأولى عربي والثانية سرياني وكلا اللهجتين العربية والسريانية يعودان إلى لغة واحدة هي (الآرامية) التي يتحدث بها شعوب جزيرة العرب... بعد ذلك صار الجميع على قناعة تامة بأن أحداث قصة موسى وفرعون وقعت في إيجبت، ثم بعدما بدأت المسيحية في الانتشار، وحققت انتشاراً واسعاً في العالم خلال فترة قصيرة، لكنها نقلت معها قناعات اليهود التي دسها الكهنة السبعون في التوراة لأن المسيحيون يؤمنون بالعهدين معاً القديم (التوراة) والجديد (الإنجيل)، وبذلك استقرت قناعات الجبتيين وكثير من شعوب العالم بأن قصة موسى وفرعون حدثت في إيجبت، وأن تحرك يوسف النجار والسيدة مريم العذراء لم يكن في مصرايم وإنما في إيجبت أيضاً، خاصة بعدما اشتعلت حركة الترجمة... لأن من كتب سيرة النبي عيسى وأمه مريم والأحداث التي وقعت معهم هم اليهود أنفسهم لأن عيسى كان من بني إسرائيل جاء لتقويم عقيدتهم بعدما زاد معدل الانحراف.
لكن بعد مرور ألف عام من عملية الترجمة التي قام بها الكهنة اليهود في الإسكندرية، كان هناك حدث أضخم يقع في جزيرة العرب.. إذ بدأ نزول الوحي على النبي محمد ، وتتابعت سور وآيات القرآن الكريم، وجاءت كثير من آيات القرآن تذكر قصص وعبر من حياة بني إسرائيل، وقصص أنبيائهم خاصة يوسف وموسى مع فرعون، لكن هل ذكر القرآن اسم البلد التي وقعت فيها هذه الأحداث ؟ وهل كشف القرآن فضيحة تزوير الكهنة للتوراة؟ الكهنة اليهود قالوا أن قصة موسى وفرعون وقعت في إيجبت وانطلقت حركة الترجمة إلى كل لغات العالم على هذا الوضع، لكن القرآن لم يفضح اليهود ولم يقل أنهم زوروا واستبدلوا كلمة مصرايم بـ إيجبت، القرآن تحدث عن تزويرهم لكتاب الله بوجهٍ عام لأن التزوير لم يتوقف على هذه الكلمة وإنما شمل آلاف الكلمات وتأويل للكلم عن مواضعه وهم يعلمون، وهذا ما ذكره القرآن صراحة في أكثر من موضع، لكن مع ذلك لم يفته التأكيد على أن بلد موسى وفرعون ليست إيجبت وإنما مصرايم، فالقرآن تحدث في هذا الأمر بوضوح لكنه نطق الأسماء بلسان العرب، وليس بلسان سرياني لأنه يحدّث العرب والإسرائيليين منهم أيضاً خاصة أن اللغة السريانية قد ذابت في هذا الوقت وأصبح اليهود يتحدثون العربية. ولذلك القرآن لم ينطق "مصرايم " وإنما نطقها " مصر" كما ينطقها العرب، لأن القرآن طالما كان يتحدث عن بني إسرائيل يستخدم الكلمات والألفاظ باللهجة العربية. وهنا كاد أمر اليهود أن يفتضح نتيجة تزويرهم للتوراة ووضع إيجبت بدلاً من مصرايم. فكيف سيعالج اليهود هذه الكارثة إذا صدق الناس القرآن ؟ فقد حرفوا التوراة وقالوا للناس أن أحدث قصة موسى وفرعون وقعت في إيجبت، بينما القرآن يقول أنها وقعت في "مصر" !
في الواقع كما سبق البيان؛ أن شبه جزيرة العرب يسكنها الشعب الآرامي؛ وهم عبارة عن عشائر متعددة ولهجات متعددة، وإن كانت قريبة ومشتقة من اللغة الآرامية لكنها تميزت عن بعضها بمرور الوقت، فقد كانت هناك قرية اسمها يسميها العبرانيون "مصراييم" بينما ينطقها اللسان السرياني " متسرايم" وباللغة الأكادية "مُصري" و"مُصور أو موصور وباللغة الفارسية "مُصري" وأحياناً مُدراتو وباللسان الحميري "مصرن" وباللسان العربي "مصر" وهو الذي نطق به القرآن الكريم، ومعروف أن اللسان الحميري يستخدم حرف "النون) كأداة تعريف تضاف إلى آخر الكلمات، ولهذا إذا قال (مصرن) نفهم أن أصل الكلمة بالعربي "مصر" مع أداة التعريف، وبعدما تحول اللسان الحميري إلى اللسان العربي وجدنا اليمنيين ينطقونها "مصر" هكذا عربية صريحة بدون نون التعريف القديمة، ومعناها ؛ القلعة أو الحصن أي مدينة مُحصّنة... ونلاحظ أن الكلمة ذاتها جاءت مضمومة العين في النطق الأكادي والفارسي دائماً ومعهم اللسان اليوناني "مُصُري" بينما جاءت مفتوحة العين في اللسان العبري "مِصرايم" والسرياني"مِتسرايم" والعربي"مِصر" واللسان الحميري "مصرن". لأنها لهجات مشتقة من لغة واحدة .
كان من الضرورة القصوى أن يتحرك اليهود لإنقاذ التوراة من هذا الكذب المفضوح، فكان لابد من تسكين اسم مصر في هذا البلد الذي يحمل اسم إيجبت كي تظل التوراة اليونانية محتفظة بمصداقيتها مع الجمهور الأوروبي والمسيحي والقبطي، وتظل التوراة السريانية القديمة أيضاً صامدة ومحتفظة بمصداقيتها مع الجمهور العربي، وأيضاً تستعين بنصوص القرآن في تثبيت مسرح القصة في بلادنا وادي النيل، لأن الأهم عند اليهود هي المكتسبات التي حققوها باستخدام هذا النص الديني وليس الحفاظ على قدسية النص الديني، فهم قد أقنعوا الشعوب بقصة إيجبت وموسى وفرعون في إيجبت على مدار ألف عام كاملة.. فكيف تم حل هذا اللغز ! هل يمكن أن يصل اليهود إلى مرحلة تكون فيها التوراة صحيحة أمام الرأي العام، برغم أنها ذكرت أحداث موسى وفرعون في إيجبت بينما القرآن يذكرها في مصر" !
نعود إلى عصر نزول القرآن، حيث لم تكن هناك بلاد باسم " مصر" سوى بقايا قرية يمنية ما زالت خربة إلى يومنا هذا واسمها "مصر " و"مصرن" أي باللسان العربي والحميري القديم. ولم تكن أرض وادي النيل تعرف بين أهلها وجيرانها سوى باسمها "إيجبت" وكان الاسم الشعبي المتعارف في الداخل هو " كميت " وكان الأوربيين يسمونها في اللاتينية إيجبتوس Aegyptus المشتق بدوره من اليوناني أيجيبتوس Αίγυπτος، والعرب ينطقونه "بلاد القبط " وكذلك كل لهجات ولغات اللسان الآرامي. وما كان معروفاً في بلاد العرب هو هذا الاسم فقط خلال عصور ما قبل الإسلام وخلال عصر النبي محمد ص، فالنبي محمد لم يعرف أرض وشعب وادي النيل إلا باسم القبط، حتى أنه أرسل إلى المقوقس مخاطباً معه " عظيم القبط" ولما وفدت إليه السيدة مارية من الإسكندرية أطلق عليها العرب اسم "مارية القبطية " ولم يطلقوا مارية المصرية لأن كلمة مصر لم تكن موجودة في هذا الوقت وما كان موجوداً فقط هو القبط، وكذلك أخت السيدة مارية "سيرين أو شيرين " القبطية. والمقوقس هو صاحب الإسكندرية والتي كانت هي عاصمة البلاد، وعظيم القبط اشتقاقاً من الاسم الجبتي الذي كان معروفاً منذ عهد البطالمة "إيجبت".
وكان يقول:" استَوْصَوا بِالقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَكُم مِنْهُم صِهْرًا ". أما باقي المرويات التي وردت بذكر كلمة مصر فنحن نرى أنها جميعها موضوعة، بل مغروسة بأيادي صهيونية استعمارية، وهي دائماً تأتي قرينة بكلمة الفتح ومبررة لها، لأنه حتى بعد دخول العرب بلادنا وانتشارهم فيها لم يظهر مسمى مصر خلال الحقبة الأولى، حتى أننا نجد من تفقهوا في الدين الإسلامي حملوا لقب قبطي وليس مصري، مثال؛ ورش القبطي الذي كان نابغة في قراءة القرآن، وما زالت قراءة ورش مشهورة في السودان والجزائر إلى اليوم، وغير ذلك جميع الصحابة الذين عاصروا النبي محمد حملوا لقب قبطي ولا يوجد واحد فقط منهم حمل لقب مصري، فهناك نجد يعقوب القبطي الذي عاصر النبي وعاش إلى عهد الزبير ابن العوام. وجبر بن عبد الله، كان أحد رفقاء وفد مارية الذي اصطحبه حاطب بن أبي بلتعة إلى النبي وفقاً للرواية. عُرف بـ «القبطي»، ووهبه الرسول لأبي بصرة الغفاري، فبات مولى له وعاش في خدمته حتى مات سنة 36هـ، بينما باقي الصحابة المغتربين (من أصول غير عربية) كانوا يحملون أسماء بلادهم مباشرة كألقاب لهم مثل صُهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي...إلخ.
حتى في نص الرسالة التي أرسلها النبي ص إلى المُقوقس قيرس السَّكندري الحاكم من قبل الروم في هذا الوقت، يدعُوهم إلى الإسلام. وكان حامل الرسالة إلى المُقوقس هو حاطب بن أبي بلتعة، وقد ورد فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، مِن مُحَمَّد عَبْدُ اللهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى المُقَوْقَسِ عَظِيْمُ القِبْطِ، سَلَامٌ عَلَى مَن اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْد: فَإنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِم تَسْلَم، وَأَسْلِم يُؤتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِن تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمُ القِبْطِ.﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ .
ولو كانت بلادنا في هذا الوقت اسمها "مصر" لكان أولى بالنبي أن يخبر المقوقس بأن بلاده مذكورة في كتاب الله القرآن الكريم وأنها بلد أمن وأمان ومقدسة بذكرها في القرآن على أقل تقدير، ولكان ذكر له واحدة من الآيات الخمس العظيمة التي تحدثت عن مصر صراحة، أو كان على أقل تقدير خاطبه بلقب " عزيز مصر" كما ورد بالقرآن، إنما رسولنا الكريم كان يعلم يقيناً أن مصر يوسف الواردة في القرآن ليست هي بلاد القبط ولا علاقة لها بالقبط، وإنما هي مصرايم العبرانية التي كانت موجودة قبل ألف عام من نزول القرآن ولم يعد لها وجود، ولهذا لم يرد في رسالته أي إشارة لها... والمُلفت أنَّ ردَّ المُقوقس كان لطيفًا، بل أكثر الأجوبة مُجاملةً، وجاء باسمه واسم بلده فكتب يقول « بسم الله الرحمن الرحيم، لِمُحَمَّد بِن عَبْدُ اللهِ، مِنَ المُقَوْقَسِ عَظِيْمُ القِبْطِ، سَلَامٌ عَلَيْك، أمَّا بَعْد: فَقَد قَرَأتُ كَتَابَك، وَفَهِمْتُ مَا ذَكَرْتَ فِيْهِ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ، وَقَد عَلِمْتُ أنَّ نَبِيًّا بَقِيَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَد أَكْرَمْتُ رَسُولَكَ، وَبَعَثْتُ لَكَ بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ فِي القِبْطِ عَظِيْمٌ، وِبِكِسْوَةٍ وَهَدَيْتُ إَلَيْكَ بَغْلَةً لِتِرْكَبَهَا، وَالسَّلَامُ عَلَيْك». ... وقد اكتُشفت الرسالة التي بعثها النبي محمد محفوظة في كنيسة بالصعيد في القرن التاسع عشر وجدت في جلدة كتاب الإنجيل وبذات النص، وما زالت محفوظة إلى الآن بالمتحف الوطني باستانبول. فلماذا لم يذكر النبي اسم البلد الذي ذكره الله في القرآن مثلاً ؟، فهل ينحي القرآن جانباً ويستخدم كلمة قبط ؟! ونلاحظ أن الرسالة وردت ذهاباً وإياباً دون أن تلفظ كلمة "مصر" من الطرفين، فلو كان هذا الاسم معروفاً في هذا الوقت كاسم لأرض وادي النيل لكان من الأولى أن يرد في هذه المراسلات الرسمية. ففي عصر النبي كانت مصرايم التي نطقها القرآن "مصر" كانت مجرد بقايا قرية تحول اسمها إلى المصرمة جنوب غرب السعودية، لأن مصرايم الأم كان مصيرها مصير سدوم وإرم ذات العماد.
وهو ذات الوضع مع الصحابة الكبار، فالخليفة أبو بكر الصديق أرسل رسالة ثانية إلى المقوقس يغريه باعتناق الإسلام، ولم يذكر له في متنها كلمة " مصر" ولم يذكر أن اسم بلده ورد في القرآن وهو الكتاب المقدس الذي من شأنه ( إغراء) المقوقس وإثارة الفضول للتعرف على وصف بلاده في هذا الكتاب إن ورد اسمها، وكذلك الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أرسل إلى المقوقس أيضاً يغريه باعتناق الإسلام ولم يذكر له لا " مصر" ولا عزيز مصر" ولا أي شيء عن البلد التي اسمها مصر لأن بلادنا كان اسمها " إيجبت " والعرب ينطقونه إقبط، وبهذا الاسم خاطبوا حاكمها.
وهناك روايات أخرى وردت في هذا الشأن تذكر اسم القبط دون أن تقرنه باسم "مصر" الذي ورد في القرآن، ما يعني أن إيجبت كانت معروفة عند العرب باسمها هذا مجرداً، روى ابن عبد بن حجر " أخرج البزار بسند حسن عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: أهدى أمير القبط إلى رسول الله ص جاريتين وبغلة، فكان يركب البغلة بالمدينة..." وأخرج ابن كثير ذات الرواية بذات اللفظ. وكما نلاحظ بلسان العرب أنفسهم أن لديهم روايات وردت واضحة وصريحة بلفظ القبط دون "اقترانه بـ"مصر" ما يعني أنها معروفة عندهم وليست بحاجة إلى تعريف اسم آخر لبلاد القبط هذه، ففي هذه المرحلة لم يكن قد اقترن مسمى مصر ببلاد القبط بعد. وهو ذات الاسم الذي ورد في المعاهدة التي تم إبرامها بين (عمرو بن العاص والمقوقس) عند دخول العرب ورد بها اسم بلادنا " إيجبت " في النسختين العربية واليونانية.
وكان العرب يستوردون المنسوجات الكتانية من إيجبت وكذا يستوردون كسوة الكعبة كل عام جاهزة مطرزة بالذهب قبل الإسلام، وكانوا يستوردون نوع من الملابس الكتانية القبطية يسمونها " القباطي" أي نسبة إلى بلاد القبط.. وهو ذات الوضع عند الإغريق؛ إذ يقول هيرودوت أن الكتّان الذي يستورده الإغريق من قليقيزيا يسمونه سارديني، بينما الكتّان القبطي يسمونه " الكتان القبطي".
وبالوقوف على اسم المقوقس لفظياً نجد أن هذا الرجل ليس من جنسنا ولا من أبناء وادي النيل وإنما تم انتدابه من بلاد (قَوْقَس باللاتينية- القوقاز بالعربية) لتصفية المذهب المسيحي الذي كان سائداً بين الجبتيين لصالح مذهب الكنيسة الرومانية. وبالنسبة إلى اللغة العربية فهي تنسب الشخص للبلد التي نشأ فيها، فإذا جاء شخص من فارس يقولون "سلمان الفارسي" مثلاً، أو إذا جاء صُهيب من روما يقولون صهيب الرومي وإذا جاء من القبط يقولون القبطي، أي بإضافة ياء النسب إلى آخر اسم البلد التي ينتمي إليها، ولما كانت اللغة الجبتية القديمة، التي تطورت كثيراً حتى وصلت إلى المرحلة التاريخية التي سبقت، وتزامنت، مع دخول العرب بلادنا إيجبت بيد ابن العاص. وهى اللغة الجبتية).. فإن النسبة في هذه اللغة تأتى على نحوٍ خاص، هو إلحاق المقطع الصوتي «امْ» بأول الكلمة المنسوب إليها. ومن هنا، صار اسم هذا الرجل الذي وفد إلى إيجبت من الجهة المسماة «قَوْقس» صار اسمه في اللغة الدارجة في إيجبت آنذاك (امِّقوْقس) أي الرجل الذي ينتمي إلى بلد قوقس ونطقه العرب على وضعه بعد إضافة أداة التعريف (المقوقس) بإضافة ألف ولام التعريف العربية أي؛ القوقازي..( د. يوسف زيدان مقال بعنوان:" فتح مصر (٤/٧) بشاعةُ المقوقس" ، جريدة المصري اليوم العدد ٢٣٦٢ الأربعاء 1 ديسمبر ٢٠١٠).
ونفهم من ذلك أن العرب لم يكونوا يخترعون ألفاظ ومسميات، وإنما نطقوا "المقوقس و القبط" كما هي، فقط باللسان العربي أي درجة طفيفة من التحريف، ولم يكن بإمكانهم إطلاق اسم مستقل خاص بهم على هذه الإمبراطورية العظمى كي نقول أنها كانت معروفة في العالم باسمها "إيجبت" بينما عند العرب اخترعوا لها اسم "مصر" مستقلين عن غيرهم، هذا لم يحدث هم نطقوا اسمها "إقبط " كما هو، غير أن العرب هؤلاء كانوا عشيرة بدو عبارة عن شرذمة منتشرة في الصحارى لا ثقافة لهم ولا يوجد مكتبات ولا مقر لحكم مركزي ولا أي كيان سياسي يمثلهم، فهم أقل من أن يخترعوا اسم لهذه الإمبراطورية العظمى.
ولم يرد أي ذكر لكلمة مصر خلال هذه الفترة، (وإن وردت بعد ذلك في كتب التاريخ وقصص الفتوحات لأن هذه الكتب تم تدوينها بعد مئات السنين وبعدما التصق مسمى مصر بأرض وادي النيل واستقر وانتهى الأمر). لكن كيف ومتى بدأ هذا الاسم ينتشر في بلاد وادي النيل؟ ومن كان صاحب القرار؟ فخلال هذه الحقبة لم يكن معروفاً غير القبط. ولم يصدر أي قرار رسمي من ابن العاص أو خلفه أو من خليفة العرب بإطلاق لقب "مصر " على بلاد وادي النيل، ولم يكن العرب يغيرون أسماء المدن والبلاد التي يفتحونها إنما فقط ينطقون الأسماء بلكنة عربية، ولا يخترعون أسماء جديدة لأنهم لم يأتوا لغرض إنشاء تنظيم عمراني أو إداري جديد، إنما فقط السيطرة وجمع الجبايات والإتاوات كل موسم، إنما فكرة الإنشاء والتعمير ذاتها لم تكن من أبجديات العقلية العربية، فالإسكندر الأكبر عندما دخل مصر وطرد الفرس أنشأ مدينة الإسكندرية وجعل اسمها من اسمه تخليداً لذكرى إنشائها، وأمر مهندسيه بوضع تخطيط عمراني مربع ودقيق جداً وقسمها شوارع وحدائق وأحياء، بينما العرب كل ما فعلوه أنهم ألقوا خيامهم قرب حصن بابليون، في منطقة خرابة فحملت المنطقة اسم خيامهم "الفسطاط" وصارت اسماً على مسمى بحكم الواقع وليس نابعاً من فكرة إنشاء وتعمير. أي أنهم حتى لو أطلقوا اسماً جديداً فلا يكون بغرض تغيير الاسم أو إحلاله بغيره, إنما يطلقون المسميات حسب الظروف فقط.
وبالتالي فإن اسم "مصر" لم يلحق ببلاد وادي النيل خلال هذه الحقبة من جهة العرب وظل اسمها بلاد القبط، ونظراً لأن مسمى" مصر " ورد صراحة في القرآن الكريم، باعتبارها بلد فرعون وموسى، فكان ذلك يمثل كارثة على رأس اليهود، فكيف يكون التصرف؟!
وكان بعض العرب على علم أن هذه البلدة هي مملكة عربية بائدة من الممالك البائدة بالدمار الإلهي مثل قوم لوط وثمود وعاد ومدائن صالح وإرم ذات العماد وغيرهم من أجداد العرب التي كانت نفوسهم معجونة بالكفر والنفاق، خاصة أن العرب مهما طال بهم الزمن لا يدونون تاريخهم لكنهم يحفظونه شفوياً وينقلونه جيلاً بعد جيل، أي أن مصر الواردة في القرآن كانت مملكة عربية يعرفونها جيداً ويعرفون فرعون واسمه الخماسي ولقبه وقبيلته ونسبه بالتفصيل، ويعرفون اسم زوجته وأهله وعشيرته بالكامل.
ففي تفسير القرطبي لكلمة " فِرْعَوْن ؛ قِيلَ إِنَّهُ اِسْم ذَلِكَ الْمَلِك بِعَيْنِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْم كُلّ مَلِك مِنْ مُلُوك الْعَمَالِقَة مِثْل كِسْرَى لِلْفُرْسِ وَقَيْصَر لِلرُّومِ وَالنَّجَاشِيّ لِلْحَبَشَةِ وَإِنَّ اِسْم فِرْعَوْن مُوسَى قابوس فِي قَوْل أَهْل الْكِتَاب وَقَالَ وَهْب اِسْمه الْوَلِيد بْن مُصْعَب بْن الرَّيَّان وَيُكَنَّى أَبَا مُرَّة وَهُوَ مِنْ بَنِي عِمْلِيق بْن لاوذ بْن إِرَم بْن سَام بْن نُوح (ع)..." وهذا ما يعني أن فرعون الوارد ذكره في القرآن ينتمي بنسبه إلى قبيلة العماليق (وفقاً لكلام العرب الذي نقلوه عن اليهود والنصارى العرب) ووفقاً للقرآن أن فرعون كان حاكماً لبلدة اسمها "مصر" ولا يعلم النبي شيئاً عن وجودها لكن اليهود العرب يعلمون جيداً.
وفي سورة يوسف تفسير الطبري: الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: { وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْض وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث وَاَللَّه غَالِب عَلَى أَمْره وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَى يُوسُف مِنْ بَائِعه بِمِصْرَ، وَذُكِرَ أَنَّ اسْمه قِطْفِير . 14535 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ اسْم الَّذِي اشْتَرَاهُ قِطْفِير وَقِيلَ: إِنَّ اسْمه إِطْفِير بْن روحيب، وَهُوَ الْعَزِيز، وَكَانَ عَلَى خَزَائِن مِصْر، وَكَانَ الْمَلِك يَوْمَئِذٍ الرَّيَّان بْن الْوَلِيد، رَجُل مِنَ الْعَمَالِيق . كَذَلِكَ: 14536 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد، قَالَ: ثنا سَلَمَة، عَنِ ابْن إِسْحَاق . وَقِيلَ: إِنَّ الَّذِي بَاعَهُ بِمِصْرَ كَانَ مَالِك بْن ذُعْر بْن ثُوَيْب بْن عَنْقَاء بْن مِدْيَان بْن إِبْرَاهِيم "... ونلاحظ هنا أن المفسر لم يذكر كلمة "قبط" لا من بعيد ولا من قريب، وجميع الأسماء التي ذكرها (قطفير والريان والوليد والعماليق) هذه الأسماء غير موجودة في الهيروغليفية إطلاقاً، إنما جميعها عربية أصيلة.
ثم في عهد موسى (حفيد يوسف) وكان في ذات البلدة "مصرايم" وباللسان العربي "مصر" وذات القوم "العماليق" وذات الحكام، أي أن موسى وأخيه هارون وخصومهما فرعون وهامان جميعهما من ذات القوم، والله تعالى يقول: { وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم } 28غافر ... وهذا الرجل اسمه سمعان بن إسحاق ( تفسير الألوسي) وقال الثعلبي اسمه حزقيل بن صبورا . وأجمعت معظم التفاسير على هذا الرجل المؤمن ابن عم فرعون. ويقول ابن كثير: وقال بعض الناس إنه كان إسرائيلياً "... فنلاحظ أن جميع الأسماء الواردة في هذا الحدث عبرية (سمعان بن إسحاق أو حزقيل بن صبورا) أسماء عبرية من صلب بني إسرائيل يحملها رجل إسرائيلي من قوم موسى، وفي نفس الوقت ابن عم فرعون !
غير أن هذا الرجل عندما أراد أن يعظ قومه حذرهم من مصير أقوام معينين من أمم العرب البائدة تحديداً، فقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30 (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ �/غافر. ثم نجد موسى يستخدم نفس العبارة بنفس الكلمات وبنفس الترتيب بقوله: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ۚ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ/إبراهيم...كلاً منهما يعظ قومه بذات الخلفية الثقافية ويحدثهم عن قوم نوح وعاد وثمود وكلها أقوام العرب البائدة من العماليق الأعراب وهم يعرفون تاريخهم جيداً، وقوم عاد كانوا عرباً يسكنون الأحقاف قرب مكة، وقوم ثمود كانوا عرباً عاربة يسكنون الحجر بين الحجاز وتبوك والذين من بعدهم. إنما لو قلنا أن هذا الحوار دار في العاصمة منف أو طيبة، فكيف عرف القبط قصص وأخبار العرب البائدة هؤلاء ؟ ثم أنه يقول على لسان موسى ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ وهذا ما يؤكد أن مصر هذه واقعة في ذات النطاق الجغرافي بحيث يصل أهلها أخبار قوم عاد وثمود ولوط وغيرهم من العرب البائدة، وهذا ما تأكد في قول الرجل المؤمن من قبل حين قال لهم " يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ".
فالعرب كانوا يحفظون تاريخهم ويعرفون جيداً أن مصر الواردة في القرآن هذه كانت مملكة بائدة في جزيرة العرب كقوم صالح وثمود وقوم عاد وغيرهم. أي أن العرب لم يربطوا صراحة أو مواربة بين مصر و "إيجبت " أو القبط، ولم يدر في ذهنهم أي رابط بهذا الشأن، ولم يتهموا بلادنا بأنها بلد فراعنة كُفار وأن ملكها طارد سيدنا موسى وقومه حتى غرق وراءهم في البحر وغير ذلك..
ونؤكد مراراً أنه لا يمكن للعرب أن يخترعوا اسم لإمبراطورية وادي النيل ليكن هو "مصر" لأن اسم القرية هذا موجود قبل ميلاد العرب وقبل نشأة القبائل العربية، حيث أن إسماعيل هو أبو العرب وهو أول من نطق العربية الفصحى، بينما لو رجعنا للتوراة سنجدها تذكر أن إبراهيم ارتحل جنوباً إلى "مصرايم" أي كانت هناك بلدة بهذا الاسم قبل أن ينجب إبراهيم ابنه إسماعيل الذي هو أبو العرب واللغة العربية، والقرآن أعاد حكاية قصص بني إسرائيل الواردة في التوراة أي أن أصل الاسم هو السرياني التوراتي "مصرايم" والنطق العربي له "مصر"، أي أن "مصر" مشتقة من "مصرايم" وليس من أي جهة أخرى. فهل بقي منطق يقول أن العرب اخترعوا مسمى "مصر" لإطلاقه على إمبراطورية وادي النيل ؟! فقد كانت هناك بلدة اسمها مصرايم قبل أن يولد العرب والإسرائيليين أبناء إسحاق بن إبراهيم (ع) وقبل إبراهيم نفسه، وهذا ما يعني أن الإسرائيليين لم يختاروا اسماً محلياً لبلد ما لتصبح مصرايم في عرفهم، وأن العرب لم يختاروا اسماً محلياً لإمبراطورية القبط لتصبح في عرفهم المحلي "مصر" لأن البلدة المعنية كان اسمها مصرايم قبل ميلاد العرب والإسرائيليين على حد السواء، وإنما هذا الاسم من اختيار سكان البلد نفسها ولم تكن هي مملكة القبط العظمى وإلا لماذا وضع الكهنة "إيجبت " بديلاً عنه في التوراة وتم إخفائه ؟.
ولكي نكون واقعيين مع أنفسنا فلن نتهم العرب لأن العرب اعترفوا بتاريخ أجدادهم وذكروا تفصيلاً اسم فرعون ونسبه وقبيلته وأكدوا أنه من قبيلة العماليق التي كانت منتشرة في شبه جزيرة العرب. إذن كيف التصق مسمى "مصر" ببلاد القبط؟..
والحقيقة أننا نحن القبط الذين اعتنقنا هذه الكارثة وألصقناها ببلادنا (كارثة فرعون وغرقه وحكايات الوجود الإسرائيلي في بلادنا إيجبت)، لكن ليس من القرآن ولا من ثقافة العرب، إنما من الديانة المسيحية التي كانت منتشرة وغالبة في شعبنا كله، والديانة المسيحية تعتمد على التوراة، والتوراة تم تزويرها في عهد بطليموس؛ ولأن أجدادنا الجبتيين كانوا مسيحيين، وبما أنهم مسيحيين فهم يؤمنون بالعهدين معاً ( العهد القديم "التوراة " والعهد الجديد الذي هو شريعة عيسى(ع)، وهذا ما يعني أن أجدادنا الجبتيين رغم أنهم لم يكونوا يهود لكنهم كانوا مؤمنين بكل ما ورد في كتب ومدونات التوراة... والتوراة ربطت بين يوسف وموسى وفرعون وبلادنا إيجبت عند الترجمة.. ربطت بميثاق غليظ حين سعى الكهنة السبعون إلى استبدال كلمة مصرايم بكلمة إيجبت في الترجمة اليونانية... ومصرايم هذه هي التي أرسل الله موسى إلى فرعونها، وخرج منها موسى وغرق فرعونها الوليد بن الريان، لكن عندما دخلت الديانة اليهودية بلادنا أرض وادي النيل ربط اليهود بين أحداث قصة موسى وفرعون وبين بلادنا وادي النيل.. إذن في عهد بطليموس تم تسكين حكايات موسى وفرعون في بلاد وادي النيل لكن بمسمى إيجبت، واكتمل الأمر بظهور الإنجيل واعتماده القَصَصْ التوراتي مع إضافة قصة مريم ويوسف النجار وعيسى وهروبها إلى مصرايم التي أصبحت هي الأخرى إيجبت، وبما أن المسيحيين الجبتيين يؤمن بعضهم أن عيسى إله في ذاته وليس مجرد نبي وليس بشر، وهذا ما ساعد على اعتناق القصة بعشق أكثر، لأن معنى هذا أن الروايات تقول أن الإله عيسى جاء إلى بلادنا برفقة الأسرة المقدسة هرباً من اليهود.. فلا يمكن لأحد مقاومة فكرة زيارة الإله لبلده، وبذلك أصبح الأمر أكثر تعقيداً من ذي قبل.
وفي هذه النقطة لا بد أن نوضح بداية أن أرض وادي النيل إيجبت ليست بلد الأنبياء، لأن الأنبياء والرسل لا يُبعثون إلا إلى الشعوب المريضة عقائدياً وأخلاقياً وفكرياً وسلوكياً، فالله لا يبعث رسول إلى بلد لتشريفها وإنما لعلاج أهلها عقائدياً وأخلاقياً وسلوكياً عندما تفسد عقائدهم، فأي رسول هو على درجة طبيب استشاري متخصص في العلاج العقائدي والسلوكي والأخلاقي، ويحمل معه رسالة أو كتاب مقدس مثل نبي الله إبراهيم ونبيه موسى حمل التوراة ونبيه عيسى حمل الإنجيل وخاتم أنبيائه محمد حمل القرآن، أما الأنبياء فهم أدنى درجة من الرسل وهم بمثابة طبيب ممارس عام ولا يحمل رسالة، والله تعالى يرسل أنبياء أو رُسل حسب حالة المريض، فإذا كان الشعب المريض في حالة مستعصية يرسل الله طبيب استشاري وإذا كانت حالته متوسطه يرسل إليه نبي لتصويب المسار على مسار آخر الأنبياء قبله، ولذلك، ونظراً لأن بني إسرائيل هم أسوأ السلالات البشرية وأفسدها عقائدياً، فقد اختصهم الله بعدد مهول من الرسل والأنبياء وصل إلى أكثر من 52 نبي وأربع رسل، بينما هم كانوا من غبائهم يتفاخرون بكثرة عدد الأنبياء والرسل، وكانوا يتباهون بذلك ! حتى أنهم كانوا يعايرون بني عمومتهم (العرب) بأنهم ليس فيهم رسول ! ويصفونهم لذلك بأنهم أميين !.
فكلمة " الأميين " كانت تطلق على بني إسماعيل بن إبراهيم أطلقها عليهم بنو عمومتهم أبناء يعقوب (الإسرائيليين) ليعيروهم بأنه لم يظهر فيهم نبي، ولم ينزل الله لهم كتاباً يقرؤونه ويتعلمون منه كالتوراة، وهذا هو ما أكده القرآن في عدة مواضع، فقال ﴿الذين أوتوا الكتاب والأميين﴾ أي الإسرائيليين أبناء يعقوب والإسماعيليين أبناء إسماعيل، وكلا العشيرتين أبناء إبراهيم (ع)، وهم أفسد السلالات البشرية على وجه الأرض مثل العاص بن نوح (ع). ولما بُعث محمد ص من الأميين بني إسماعيل كذبه الإسرائيليون زاعمين أن النبي لا يكون إلا من فرع إسحاق وليس في الأميين، فنزلت الآية ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾/2الجمعة... لاحظوا أن النبي الأمي ليس معناها بصمجي، النبي محمد كان يجيد القراءة والكتابة جيداً وأما وصفه بأنه أمّي فهذا نسبة إلى العشيرة ليس أكثر... وقال أيضاً: ﴿ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ�/ آل عمران..
وما يهمنا استخلاصه من هذه الآية الكريمة هو وضعية الاقتران التي ربطناها في الفقرة السابقة حيث قلنا أن الأنبياء والرسل لا يبعثون إلا في الأمم الأكثر فساداً وليس لتشريفها، برغم ذلك وجدنا الإسرائيليين من غبائهم يتعالون ويتباهون على أبناء عمومتهم الإسماعيليين بأنهم لم يأت فيهم نبي ويصفونهم بأنهم أميين أي جهلاء وليس لديهم علم ولا حكمة ولا كتاب، فكان من المنتظر أن يرسل الله نبيه محمد لتشريف الإسماعيليين ورفع شأنهم نظير المعايرة الإسرائيلية ؟ لا بالطبع، الله ربط إرسال محمد بظاهرة الضلال أيضاً، فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ/ الجمعة.. وبوجهٍ عام لا يخف على أحد حجم الفساد العقائدي والضلال الذي كان منتشراً بين العرب قبل الإسلام وفي عصر الجاهلية، وأن رسالة النبي جاءت لتطهير الإنسانية من هذا الوباء فبدأت الرسالة في بؤرة الفساد، أي مركز المرض.
وبذلك ننتهي إلى نتيجة حتمية هي أن وصول الأنبياء لبلاد وادي النيل لا ينبغي أخذه بمنظور عاطفي للتشريف بهؤلاء الأنبياء لأنهم أطباء، وبالتالي علينا الاعتراف بكل الأمراض العقائدية التي واجهها هؤلاء الأطباء في بلاد العرب، لأنها موجودة هناك بالفعل وليس في بلاد القبط حيث كان أجدادنا عابدين بالفطرة، وضميرهم يقظ بالفطرة. لكن بعدما قام الكهنة اليهود باستبدال كلمة " مصرايم" بكلمة " إيجبت " في الترجمة السبعونية، وقاموا بشيطنة الجبتيين وفرعنتهم، أصبح من المسوغ بعد ذلك القول بأن الأنبياء أتوا إلى بلاد إيجبت وأنها مسرى الأنبياء..إلخ، وأصبح ممكناً القول بأن فرعون الوليد بن الريان العربي الآرامي هذا كان أعجمياً من بلاد إيجبت ! لكن تبقى الكارثة أن القرآن اكتسح كل هذه المجهودات الصهيونية في تسكين القصة على مدار ألف عام، وذكر صراحة خمس مرات أن موسى وفرعون كانوا في " مصر" وليس إيجبت، فكيف يخرج الكهنة من هذه الأزمة دون أن يتركوا الفرصة للقرآن يهدم التوراة ؟!
يُتبع ... ( قراءة في كتابنا : مصر الأخرى - التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ( (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ): https://archive.org/details/1-._20230602 https://archive.org/details/2-._20230604 https://archive.org/details/3-._20230605 #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرعون .. شخصية عربية وليست قبطية (3)
المزيد.....
-
مصر.. الداعية وليد إسماعيل يدخل بسجال بسبب -قط- مع الداعية ا
...
-
السعودية.. ضبط طبيب وافد في الرياض وما فعله مع المرضى يشعل ت
...
-
للموظفين.. احذروا قهوة ماكينات المكاتب!
-
لماذا نحب الأطعمة الدهنية؟
-
علماء روس يبتكرون محركا عاما للطائرات المسيرة
-
Honor تعلن عن مواصفات حاسبها اللوحي الجديد
-
روبوت صيني على هيئة إنسان ينفذ حركات قتالية مذهلة (فيديو)
-
مكتب التحقيقات الفيدرالي يشكل مجموعة للتحقيق في هجمات على تس
...
-
السعودية تستنكر القصف الإسرائيلي على بلدة كويا السورية وتطال
...
-
ميدان جديد بانتظار إطلاق النار
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|