|
أي مستقبل لقوى الفوضى الخلاقة في الوطن العربي
حبيب الزموري
الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 20:57
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
سبق وأن تطرقنا في مقالات سابقة إلى نشأة مفهوم الفوضى الخلاقة بوصفه أحد المنتوجات الإيديولوجية لدبابات الفكر اليميني المحافظ المتطرف في العالم الرأسمالي و ما يمكن إضافته في هذا السياق هي إسهامات المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية اليهودي الديانة برنار لويس سنة 1983 نظرية "الفوضى الخلاقة Creative Chaos" بوصفه من كبار المستشارين الذين تلجأ إليهم الإدارة الأمريكية منذ سبعينات القرن الماضي بل إنه يعتبر من المقربين هنري كيسنجر كبير مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية وواضع توجهاتها الاستراتيجية الكبرى و قد جاءت هذه النظرية حافلة بالإيحاءات الأيديولوجية الأسطورية المرتكزة على أسطورتَي العماليق والأغيار (الغوييم) والتي لا تؤمن بوحدة الأصل الإنساني وتكافؤ البشر في العالم، وهي التي تحصر الطبيعة والصفات الإنسانية فقط في شريحة "شعب الله المختار" بصفة خاصة، و"المليار الذهبي" بشكل عام. فوفقاً للأساطير الصهيونية، فإنّ الصهيوني هو وحده من تنطبق عليه الشروط المؤهلة لحمل صفة الإنسان، فيما غيره من البشر ليس إلا صورة حية من صور الشر توصف بالأغيار تارة، وبالعماليق تارة أخرى. هذه الهالة الدينية الأسطورية المقدسة التي لطالما دبجت الخطاب السياسي الأمريكي اليميني المتطرف منذ عهد الرئيس رونالد ريغن كلما قرعت الامبريالية طبول الحرب وليس أدل على ذلك من تصريح الرئيس جورج بوش الابن "بأن الله كلفه بأنهاء الطغيان في العراق" من أبرز تصريحات برنار لويس تصريحه لوكالة الاعلام الأمريكية يوم 20 ماي 2005 "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم وإذا تركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية. وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان. إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم، أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال لديهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا.. ولا مانع من أن تكون مهمتنا المعلنة هي: تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية.. ويجب أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية (دون مجاملة ولا لين ولا هوادة) ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة.. ولذلك، يجب تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية، والعصبيات القبلية والطائفية فيها، قبل أن تغزو أمريكا وأوروبا وتدمر الحضارة فيهما."وقد اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية "الفوضى الخلاقة" استراتيجيةً لعملها بديلاً من العمل العسكري المباشر لا سيما بعد تجربتها المريرة في فيتنام لفاعلية الفوضى ولقلة كلفتها. لم يكن من باب الصدفة بالمرة أن تطرح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس مصطلح الفوضى الخلاقة في مؤتمر منظمة إيباك السنوي في 02 نوفمبر 2005 بعد اكتمال أسسه النظرية والإيديولوجية في مخابر الفكر اليميني المتطرف الذي يعتبر برنارد لويس أحد رموزه، بالنظر للارتباط العضوي والإيديولوجي بين المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية والشرق الأوسط بصفة عامة. اعتمدت الإمبريالية الأمريكية على تكتيك الفوضى الخلاقة كآلية للسيطرة على مناطق النفوذ ذات الأهمية الإستراتيجية الاقتصادية والسياسية بالنسبة لها وكبديل عن التدخل العسكري المباشر الذي يبقى قابلا للاستعمال في حالات الضرورة القصوى تجنبا للخسائر البشرية والمالية التي أصبحت تشكل ضغطا على الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ هزيمة فيتنام.
2 – النظام الرسمي العربي العميل في طليعة أدوات الفوضى الخلاقة • يأتي في المقام الأول النظام الرسمي العربي بوصفه المسؤول الأول عن هشاشة الجبهة الداخلية العربية و قابليتها للاختراق فالأنظمة الرجعية العميلة التي سخرت كافة الإمكانيات و الموارد لتحصين نفسها و حراسة مصالحها عوض توجيهها لبناء الدولة الديموقراطية الشعبية العادلة و أبرز مثال على ذلك الأنظمة العربية الاستبدادية المعارضة للإمبريالية التي لم تشفع لها مواقفها المعلنة من المصالح الامبريالية و من التطبيع مع الكيان الصهيوني حين أصبحت عرضة للاستهداف المباشر ( العراق , ليبيا , سوريا ) و الانهيار رغم ما تحيط به نفسها من شعارات رنانة سرعان ما تتهاوى عند أول تحدي جدي لتقف معزولة عن شعبها في مواجهة مصيرها المحتوم , و حتى الأنظمة التي تفتقر لهذه الموارد فإنها اعتمدت على الدعم الخارجي و حولت نفسها إلى مجرد قائم بأعمال الإمبريالية في بلدانها أما الأنظمة الملكية الرجعية المطلقة فإن وجودها ارتبط منذ نشأتها بمظلة الحماية الإمبريالية , لم تكن الدولة العربية الحديثة منذ نشأتها في خدمة شعبها بقدر ما كانت دولة في خدمة العائلة و القبيلة و العشيرة و في أفضل الحالات دولة طبقية في خدمة طبقة الكمبرادور , هذه القطيعة بين الدولة و أغلبية الشعب هي التي فتحت أبواب الوطن العربي على مصراعيها أمام التدخلات الخارجية و نهب خيراته و مقدراته و انتهاك سيادته و كرامته الوطنية جاعلة من النظام الرسمي العربي أوهن من بيت العنكبوت . ومن أبرز ارتهان النظام الرسمي العربي للإمبريالية الأمريكية حجم المساعدات التي تتلقاها هذه الأنظمة العميلة وفيما يلي قائمة ست دول عربية منضوية في الجامعة العربية الأكثر استفادة من المساعدات المالية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلال الــ 15 سنة الفارطة. - العراق: يأتي العراق في صدارة الدول العربية التي تتلقى معونات أمريكية، فقد حصل على 5.28 مليار دولار، 89 % منها للمجال العسكري. وفي التفاصيل، فقد تلقى العراق 4.8 مليار دولار في الدعم الأمني والعسكري، و369 مليون دولار للمساعدات الإنسانية الإغاثية منها 86 مليون دولار للمساعدات الغذائية العاجلة، بينما حصلت النفقات الإدارية على دعم 10 ملايين دولار ولم يتجاوز الدعم الأمريكي للعراق عام 2001، عندما كان صدام حسين لا يزال في الحكم، 181 ألف دولار، ثم قفز عام 2006، ثلاث سنوات بعد دخول القوات الأمريكية للعراق، إلى 9.7 مليار دولار، في أعلى نسبة على الإطلاق بين كل الدول العربية خلال السنوات الماضية. - مصر: حصلت مصر على 1.23 ملياراً، 89 % منها في المجال العسكري، و11 % المتبقية اتجهت إلى المجال التنموي. ووفق التفاصيل، فحوالي 1.1 ملياراً خُصصت للدعم العسكري والأمني، فيما لم تتجاوز المساعدات الخاصة بالتعليم الـ 37 مليونا دولار، والإنسانية 26 مليون دولا، بينما بلغ الدعم المخصص للنمو الاقتصادي 45 مليون دولار وحصلت مصر عام 2002 على 2.3 مليار دولار في أكبر رقم خلال السنوات الماضية، بينما شكّل عام 2014 الأقل من ناحية الدعم الأمريكي لمصر؛ إذ لم يتجاوز 180 مليون دولار. - الأردن: حصل الأردن على 1.21 مليار دولار، مالت نسبياً لصالح الدعم التنموي على الدعم العسكري. ومن أهم ما تلقاه الأردن خلال هذه السنة، 510 مليون دولار لما هو أمني وعسكري، و213 مليون دولار الموازنة العامة، و188 مليوناً للخدمات الإنسانية الإغاثية، و82 مليون دولار للتعليم، و60 مليوناً للمجال الصحي. ويبقى الأردن عموماً من الدول العربية الأكثر تلقياً للدعم المالي الأمريكي خلال السنوات الماضية. وقد وصل الرقم عام 2003 إلى 1.7 مليار دولار، بينما شكّل عام 2001 الأقل بـ 259 ألف دولار. - سوريا: حصلت سوريا على 916,4 مليون دولار. ورغم أن واشنطن قدمت 94 مليون دولار في المجال الأمني، إلّا أنها قالت إن كل دعمها لسوريا كان مخصصاً للمجالات التنموية. وتُقدر المساعدات الإنسانية الإغاثية بـ 471 مليون دولار، و320 مليون دولار للمعونات الغذائية العاجلة، و20 مليون دولار لبرامج غوثية متعددة. بينما كان نصيب "المشاركة الديمقراطية والمجتمع المدني" 1.8 مليوناً. وارتفعت المعونات الأمريكية في اتجاه سوريا منذ بدء الحرب بهذا البلد عام 2011، فبعدما كانت لا تتجاوز عام 2010 حوالي 22 مليوناً، أضحت في ارتفاع مستمر، إذ يتوقع أن يكون عام 2017 أكبر من سابقيه في تلقي الدعم الأمريكي. - السلطة الفلسطينية: تلقت الضفة الغربية وقطاع غزة 416.7 مليون دولار، موجهة بالكامل للدعم التنموي رغم وجود 18 مليوناً للدعم الأمني قالت واشنطن إنه مخصص لبناء السلم المدني. 133 مليون خُصصت للحاجيات الإغاثية العاجلة، و86 مليوناً للخدمات الاجتماعية، و11 مليوناً للحكومة والمجتمع المدني. وكان الدعم الأمريكي للضفة والقطاع متفاوتاً خلال السنوات الأخيرة، إذ وصل عام 2013 إلى مليار دولار، بينما سجل 2006 أقل دعم، إذ لم يتجاوز 85 مليوناً. - لبنان: تلّقى لبنان 416,5 مليون دولار، 81 % منها في المجال التنموي. وحصل لبنان تحديداً على 249 مليون قيمةً للخدمات الإنسانية الإغاثية، و75 مليوناً للإصلاحات الأمنية، و12 مليوناً لمكافحة المخدرات، و9.2 مليوناً للحكومة والمجتمع المدني في قطاعات كالمشاركة الديمقراطية والتنمية القانونية. وتلقى لبنان في عام 2014 أكبر مبلغ مادي من الولايات المتحدة بقيمة 508 مليوناً، بينما يعدّ 2012 الأقل بـ 16 مليوناً. وتأتي تونس في المرتبة العاشرة من جملة عشرين دولة عربية تتلقى مساعدات مالية أمريكية حيث حصلت تونس على 117.4 مليون دولار، 79 % منها توجهت للدعم العسكري، والمتبقي للمجال التنموي. حصل الدعم الأمني تحديداً على 69 مليوناً، وقطاع الحوكمة والمجتمع المدني على 10 ملايين، كما خُصصت 25 مليوناً لدعم قطاع الطاقة، و5.9 مليوناً للنمو الاقتصادي، و3.7 مليوناً للتعليم. أما في منطقة الخليج العربي فتعتبر البحرين الدولة الخليجية الأكثر تلقياً للمساعدات الأمريكية في عام 2016، بحوالي 6.5 مليوناً. 91 بالمئة منها للمجال العسكري. وقد بلغت قيمة الدعم الأمني والعسكري 5.4 مليوناً، بينما خُصصت 806 ألفاً لمكافحة المخدرات، و351 ألفاً للحكومة والمجتمع المدني. وأمام اهتراء النظام الرسمي العربي وفشله في تمرير المشاريع الامبريالية بالمنطقة رغم مليارات الدولارات التي تضخ له سنويا ومع صعود دونالد ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية مؤخرا يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة بصدد مراجعة سياسة المساعدات المالية الخارجية للأنظمة الموالية لها، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قرار بوقف جميع المساعدات الخارجية الحالية تقريباً وإيقاف المساعدات الجديدة، وفقاً لمذكرة داخلية أرسلت إلى المسؤولين والسفارات الأمريكية في الخارج. ويأتي هذا القرار المسرب في أعقاب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوقف مؤقت لمدة 90 يوماً، للمساعدات الإنمائية الخارجية في انتظار مراجعة الكفاءة والاتساق مع سياسته الخارجية ويستثنى من ذلك المساعدات الغذائية الطارئة والتمويل العسكري لإسرائيل ومصر. إن فقدان النظام الرسمي العربي لغطاء الحماية والدعم الإمبريالي ليس سوى اعلانا غير رسمي لانتهاء صلاحيته كنظام وظيفي مكلف بتنفيذ مخططات حماته وداعميه الإمبرياليين و في تقديرنا فإن امتحان العمالة الأكبر الذي سقط فيه هذا النظام المتعفن هو فشله في تمرير مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني و القضاء على شرارة المقاومة في الوطن العربي. لم تراجع الإمبريالية الأمريكية سياسة الدعم المالي للأنظمة العربية العميلة بعد فشلها في تمرير المخططات الإمبريالية والصهيونية في المنطقة إلا بعد أن اكتمل وضع السياسات والبرامج البديلة لتنفيذ تلك المخططات بخلق مراكز قوى ونفوذ موازية للنظام الرسمي العربي قادرة على التأثير في الرأي العام وقلب موازين القوى إن لزم الأمر وتتنوع هذه القوى والمراكز من القوى الأكثر نعومة إلى القوى الأكثر عنفا وتطرفا.
2 - قوى الفوضى المدججة "بالنوايا الطيبة"
تتكون أساسا من القوى المدنية و السياسية الناشطة تحت مظلة الدعم و الرعاية الأمريكية تحت مراقبة و متابعة وزارة الخارجية الأمريكية أو وكالة الاستخبارات المركزية أو المخترقة من قبلهما و قد عبر زبغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عن هذا مفهوم الاختراق حين دعا منذ السبعينيات في أحد نصوصه إلى وجوب اهتمام الولايات المتحدة "باختراق الحركات القومية والأيدولوجية والمثقفين، وحتى المزيّفين منهم في بلدان الأطراف غير الرأسمالية، بهدف انتزاع المثقفين من حركات التحرر الوطني، وبالتالي تفريغها من هؤلاء المثقفين، لتصبح حركة جماهيرية بلا رؤية". و يحدد الكاتب الأمريكي فيليب آجي ثلاث طرق لهذا الاختراق في كتابه "داخل الشركة inside the company " : • التجنيد الاستخباراتي لعدد من رموز النخبة السياسية في البلد المستهدفة وتمويلهم لاصطناع منظمات مدنية من الصفر تقوم بالتسويق للرؤى والسياسات الأمريكية في البلد. • تمويل المنظمات القائمة بالفعل مادياً لاتخاذ مواقف سياسية محددة سلفاً تفيد سياسات ومصالح الولايات المتحدة في البلد المستهدف. • الدعم السياسي والمعنوي لمنظمات حقوق الإنسان (وهي أحد أكثر منظمات المجتمع المدني فاعلية) عن طريق دعوة القائمين عليها لمؤتمرات دولية، وتوظيفهم كمستشارين وأكاديميين في هيئات أمريكية ودولية بهدف ترقيتهم سياسياً وإعلامياً في البلد المستهدف حتى يصبحوا مؤثرين في الرأي العام بشكل أو بآخر. وفي الشكل الأخير من أشكال الاختراق الاستخباراتي لمنظمات المجتمع المدني لا تعرف المنظمة المخترقة أنها توجه لصالح سياسات الولايات المتحدة على وجه الحقيقة، بل تستغل الاستخبارات الأمريكية القناعات الشخصية لدي القائمين على تلك المنظمة بالسياسات الأمريكية لكي تدفعهم دفعاً لدعم سياساتها المستقبلية والنظر إلى خطط التنمية والتطوير في بلادهم من خلال عدسات أمريكية. وقد كشف فيليب أجي بوصفه عميلا سابقا لوكالة المخابرات المركزية، ان الوكالة طبقت في نيكاراجوا برنامجًا لإشاعة عدم الاستقرار سبق ان اختبرته في شيلي والبرتغال وجامايكا من قبل، ولكي تمول «العمليات المعادية للساندينيين»؛ خصصت الإدارة الأمريكية 19 مليون دولار لوكالة المخابرات المركزية وحدها ,وبناء على تعليمات الرئيس الأمريكي رونالد ريجان صرفت تلك الأموال على المنظمات المعادية للثورة، وتحديداً تدريب مجموعات التخريب التابعة لسوموزا، وإلى جانب ذلك نشطت وكالة المخابرات المركزية في تنفيذ مخطط للعمليات السرية، ففي يناير 1982 اكتشفت دوائر الأمن في نيكاراجوا مؤامرة للإطاحة بحكومة الساندينيين، وهو ما حدث عندما خسرت الجبهة الساندينية بزعامة دانييل اورتيغا الانتخابات عام 1990 وقد تم ذلك بدعم واشنطن لقوى المعارضة، أي تمويل منظمة كونترا المناهضة لحكومة الساندينيستا بشكل غير شرعي من قبل الولايات المتحدة . ولا تختلف سياسة الامبريالية الأمريكية في الوطن العربي إلا في بعض التفاصيل أملتها المتغيرات الدولية في تسعينات القرن الماضي ومن أبرز الأمثلة الدالة على هذه السياسة "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" التي أطلقتها الخارجية الأمريكية في ديسمبر 2002 والمعروفة اختصاراً بـ «ميبي" الموجهة لمساعدة منظمات المجتمع المدني في المنطقة، وقد أعلن مكتبها ومقره في تونس في شهر فيفري 2008، عن فتح باب الترشيحات للحصول على مساعدات موجهة للمنظمات المهنية والجامعات والهيئات غير الحكومية والمنظمات النسوية. ووصلت المبالغ المخصصة لعام 2008 إلى 3 ملايين دولار، أما حجم التمويل الممنوح للمشاريع الفردية فيتراوح بين 15 ألفاً و25 ألف دولار للمشروع الواحد، وأفاد المكتب بأن "المبادرة" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية في ديسمبر 2002 منحت مساعدات زادت قيمتها عن 430 مليون دولار لتمويل 350 مشروعا في 17 بلداَ من "منطقة الشرق الأوسط" وشمال أفريقيا , هذه الشبكة العنكبوتية من الجمعيات المرتبطة بالمركز الإمبريالي توفر للإدارة الأمريكية بنكا من المعلومات عن أدق تفاصيل الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية بل و حتى النفسية و الذهنية للمجتمعات المخترقة لا تتوفر حتى للأنظمة الحاكمة فيها . مما يتيح لها القدرة على التخطيط والتأثير علما أن هذه المبادرة خصصت مبلغ 20 مليون دولار لدعم ما سمي "بالتحول الديموقراطي" في تونس عبر إقامة شراكات مع منظمات محلية ودولية بهدف دعم مجهود التحول الحاصل وتحقيق جملة من الأهداف حددها المشرفون على البرنامج كالتالي: • تأسيس قطاع إعلامي مستقل ومهني وتعددي يقدم المعلومات بصورة شفافة وبناءة • تشكيل مجتمع أهلي مستقل قادر على أن يلعب دورا محوريا في دعم التربية المدنية والدفاع الفعال عن القضايا • تعزيز وتطوير أحزاب سياسية • تطوير إطار سليم للانتخابات • تشجيع الإصلاحات الاقتصادية وتدل هذه الأهداف المرسومة على حجم الاختراق الإمبريالي الأمريكي لمختلف القطاعات الحيوية للمجتمع التونسي وهو نفس الاختراق للمجتمعات العربية ذات القابلية للعمل المدني والجمعياتي، أما بالنسبة للمجتمعات العربية الأشد انغلاقا فإن الاختراق يكون أشد عنفا ودموية. 3 – قوى الفوضى المدججة بالسلاح ولم تختلف تكتيكات الإمبريالية الأمريكية في الوطن العربي كثيرا عن تكتيكها في أمريكا اللاتينية حيث عملت على ممارسة شتى أصناف الاختراقات لتطبيق مخططاتها بما في ذلك خلق الظروف لنشأة أكثر التنظيمات رجعية ووحشية وقد صرح دومينيك دوفلبان أن ما تقترفه الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاؤها في المنطقة العربية بعد اجتياح العراق سنة 2003 “عبثيٌّ و خطير”، مؤكدا بالمناسبة أن داعش ليست سوى " الوليد الغول لسياسة الغرب المتقلبة المستكبرة إزاء شعوب الشرق ودوله " وقد تبنى هذا الاستنتاج مؤسس ويكي ليكس الأسترالي جوليان أسانج الذي اعتبر داعش صناعة أمريكية تتحدر من سياسة خلق العدو للإمبريالية . و في الحقيقة فإن علاقة الإمبريالية الأمريكية بالتنظيمات الإرهابية في المنطقة لا تحتاج إلى شهادة دو فيلبان أو أسانج أو إلى الانتظار لمفتتح القرن الــ 21 فهي تعود إلى ثمانينات القرن الماضي عندما ضخت الامبريالية الأمريكية السلاح و المال للتنظيمات الجهادية الأفغانية في إطار الحرب الباردة بما فيها تنظيم القاعدة الذي تناسلت منه أغلب التنظيمات الإرهابية في الوطن العربي و كانت هذه التنظيمات تصنف في الدعاية الامبريالية حينئذ كحركات تحرر ضمن محور الإمبريالية العالمية في مواجهة "الشر الشيوعي الأحمر" قبل أن تتحول بعد انتهاء دورها الوظيفي إلى قوى للشر بدورها و تكتوي الولايات المتحدة الأمريكية بالنار التي سلحت بها هذه التنظيمات , و لم تكن الميليشيات الأفغانية و تنظيم القاعدة المثال الوحيد عن انقلاب المفاهيم و التصنيفات الإمبريالية بطرق بلغت أقصى درجات الانتهازية و التضليل و التلاعب بالقيم و المفاهيم التي تأسس عليها الفكر الليبيرالي الذي تدعي الدفاع عنه حيث اعتمدت الامبريالية الأمريكية نفس السياسة في علاقة بالوضع في سوريا فبعد سنوات من تصنيف هيئة تحرير الشام كتنظيم إرهابي ها هي تجمع الذرائع و التبريرات لشطبها من قائمة الإرهاب و تسويقها "كقوة تحرر أنقذت الشعب السوري من جحيم الديكتاتورية البعثية" بعد أداء فروض الولاء و الطاعة للمشروع الامبريالي – الصهيوني في الوطن العربي بطبيعة الحال و التي لم يتأخر قائد هذا التنظيم في التصريح بها بمناسبة و بدونها.
إن مصير قوى الفوضى التي زرعتها الامبريالية الأمريكية في الوطن العربي مرهون في مدى نجاعتها في تطبيق الاملاءات الإمبريالية و تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبشر به و لن يختلف مصيرها في تقديرنا عن مصير كافة القوى العميلة المرتبطة بالقوى الامبريالية المنفصلة عن حقوق شعوبها في الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الوطنية و لكن سقوطها يبقى مسألة خاضعة لموازين القوى و مدى قدرة القوى الثورية و التقدمية العربية على التحرر من ربقة النظام الرسمي العربي الرجعي و العميل الذي يشكل أكبر عائق موضوعي على تشكل مشروع وطني ديموقراطي شعبي عربي يقود معركة التحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي و الاقتصادي , إن التناقض الرئيسي الذي يشق الوطن العربي بالأمس كما اليوم هو بين قوى التحرر الوطني السياسي و الاقتصادي و الثقافي و قوى الهيمنة الامبريالية و الصهيونية و وكلاؤها من التنظيمات و أجهزة الحكم الرجعية العميلة و أي قراءة للصراع الطبقي في منطقتنا خارج هذا التناقض لن يكون سوى خدمة للمشروع الامبريالي الصهيوني و انعاشا للنظام العربي الرسمي المتهالك و إعادة انتاج لواقع اٌنقسام و التشتت الذي تعيشه الحركة التحريرية العربية.
#حبيب_الزموري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعليم لا يكون محايدا , فإما أن يكون تعليما للحرية أو تعليم
...
-
حزب العمال يتوجه بنداء إلى الشعب التونسي وقواه المدافعة عن ا
...
-
بيانات وتجمّعات عمّالية وهيئات قطاعية… هل تحرّكت “ماكينة” ال
...
-
14 جانفي 2011 / 14 جانفي 2023، من الثورة قادمون وإلى الثورة
...
-
الشعبوية في تونس تختلق التاريخ في توطئة دستورها
-
سراب الاستفتاء في صحراء الانتقال الديمقراطي
-
المتاجرة بالقضية الفلسطينية جزء لا يتجزّأ من المتاجرة بمطالب
...
-
الشعبوية في تونس : موجة عابرة في المسار الثوري أم طور جديد م
...
-
من الصخيرة إلى واشنطن: حكومة معادية لشعبها، عميلة للدوائر ال
...
-
الدّيمقراطيّة الشّعبيّة، البديل الممكن والضّروري لاستكمال ال
...
-
الائتلاف الطبقي الحاكم الرجعي في تونس وتجديد الوكلاء منذ 201
...
المزيد.....
-
صوفيا ملك// -لن أَدفع! لنْ أَدفع!-
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم الشعب الفلسطيني ومناهضة
-
غزة: مئات المتظاهرين الفلسطينيين في بيت لاهيا يرددون شعارات
...
-
مسيرة إحياء لذكرى يوم الأرض في رام الله
-
الاحتجاجات المنددة بسجن رئيس بلدية إسطنبول لا تهدأ وأردوغان
...
-
مصر.. ضخ 2.7 مليار جنيه لإحياء شركة محلية كبرى من زمن عبد ال
...
-
عالِمة نفس تتحدى الطريقة التي ننظر بها إلى المرض النفسي
-
غدًا تجديد حبس القيادي العمالي “شادي محمد” وخمسة شباب في قضي
...
-
تجديد حبس القيادي العمالي شادي محمد وخمسة شباب 45 يومًا في ق
...
-
أمين عام -حزب العمال- في تونس: البلاد تعيش أزمة سياسية خطيرة
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|