أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حميد كشكولي - جريمة القتل -الوحشي- وجريمة القتل -المتحضّر- 1















المزيد.....


جريمة القتل -الوحشي- وجريمة القتل -المتحضّر- 1


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 18:41
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


عندما نقارن بين جريمتين: ذبح مروع يُنفذه "سليل سيف الله المسلول"، وبين زرع الخراب والموت من على ارتفاع آلاف الأقدام بواسطة "طيار متحضر وسيم" في سياق "اللبرالية الحديثة"، نجد أنفسنا أمام مشهد يستدعي إعادة النظر في مفهوم "الوحشية". إن التباين بين صورة قاتل يلوّح بسكينه وبين طيار يضغط زراً لإطلاق صاروخ مدمر يعكس المنظومة المتحيزة التي نستخدمها لتحديد من هو "الوحشي" ومن هو "المتحضر".

جريمة الذبح تُسلط عليها كل الأضواء، وتُرسم صورة الرجل الذي أنجبته صراعات وعقائد معقّدة توارثها جيلاً بعد جيل. يتم التركيز على خلفيته الثقافية والدينية، حتى يتم في النهاية وصمه كرمز لما يسمى "التخلف والهمجية". ولكن ماذا عن الطيار الذي يقتل بعقيدة مختلفة؟ طيار أنيق يجلس في قمرة تحكم متطورة، ينتمي إلى سلاح يعتبر "رمز القوة والنفوذ"، ومع ذلك، تُبرَّر أفعاله باسم "الأمن القومي" أو خدمة "السلام العالمي".

العنف ذاته ليس محصوراً بهوية الجاني أو أيديولوجيته، بل يتجاوز ذلك ليُظهر أنّ الإمبريالية والعولمة تلعبان دوراً مركزياً في خلق بيئة من الظلم الممنهج. إذا كانت جريمة السلفي تعبر عن تطرف أحمق وردود أفعال حمقاء، فإن قصف المدن والقضاء على أجيال بأسرها بواسطة الطائرات يمثل تطرفاً منظَّماً تقوده دول وسياسات بغلاف من الشرعية.

ما يثير التساؤل هنا هو المعايير المزدوجة التي تجعل البعض يبرر أفعال الغرب بدعوى "التقدم"، بينما تلاحق الأفعال الأخرى بحملات التشويه العالمي. أليس هذا التمييز نفسه أحد أشكال الظلم؟ ألسنا بذلك نساهم في تكريس تصوّرات تُغذي مزيداً من العنف والكراهية؟

العنف ليس امتيازاً لجماعة أو ثقافة بعينها، بل هو نتاج سياقات معقدة وتشابكات قوة تخدم مصالح أكبر. الإمبريالية والعولمة ليستا أدوات محايدة، بل هما بيئة خصبة لإعادة إنتاج العنف بصور جديدة وأكثر دماراً، تجعله مقبولاً فقط إذا خرج من الطرف الأقوى، ومرفوضاً بكل معانيه إذا جاء من الطرف الأضعف.

الرسالة التي يجب التأمل فيها هي أنّ الحكم على الأفعال العنيفة يتطلب معياراً أخلاقياً وإنسانياً متجاوزاً للتحيزات السياسية والثقافية. العنف، بصوره المختلفة وأسبابه المتشابكة، لا يمكن حصره في فئة أو سردية واحدة، كما أنّ رواية الضحية والجلاد تحتاج إلى إعادة بناء تُبرز الأصوات التي لطالما تم إسكاتها تحت ضجيج المدافع وصخب الطائرات.
هذه الرؤية النقدية تتناول فلسفة ما بعد الحداثة، حيث يشير البعض إلى أنها لم تقتصر على تعزيز التطورات العلمية والتقنية، بل أسهمت أيضًا في تأجيج الصراعات والعنف. يتم توجيه انتقاد واضح لهذه الفلسفة باعتبارها مسؤولة عن نشر الانقسامات الاجتماعية وتغذية الكراهية بين الأفراد. يرى النقاد أن ما بعد الحداثة أفسحت المجال لظهور النزعات المدمرة مثل العصبيات القومية والطائفية والدينية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات حادة.

كما تسلّط هذه الرؤية الضوء على كيفية توظيف التطورات العلمية والتقنيات الحديثة في عمليات العنف ضد البشر، مع محاولة تبرير هذه الأفعال أو تلطيفها من خلال مظاهر التكنولوجيا المتقدمة. هذه الظاهرة توصف بأنها شكل من أشكال الوحشية الحديثة، حيث يتم الجمع بين التقدم التقني وأساليب العنف المفرطة.

يُثار أيضًا تساؤل حول الجوانب السلبية للتطور التكنولوجي وآلية استغلاله في تعزيز الصراعات، مما يفتح الباب أمام مناقشة مسؤولية الفلسفات والأفكار في تشكيل الواقع الاجتماعي والسياسي. يركز النقد بشكل خاص على التناقض الظاهر بين التطور التقني والقيم الإنسانية، موضحًا كيف يمكن لهذا التناقض أن يؤدي إلى نتائج كارثية تهدد المجتمعات.
مع ذلك، قد لا يتفق الجميع مع هذا الطرح الناقد. هناك وجهات نظر ترى أن تحميل ما بعد الحداثة المسؤولية الكاملة عن هذه الإشكاليات يمثل نوعًا من المبالغة. من المهم الإشارة إلى أن هذا النقد ليس بالضرورة رؤية شاملة لكل أبعاد ما بعد الحداثة، وإنما يعكس تحليلًا أحادي الجانب يركز على سلبيات محددة. ويبقى تأثير ما بعد الحداثة موضوعًا جدليًا يحمل وجهات نظر متعددة، سواء في سياقاتها الإيجابية أو السلبية.
مشهدان متناقضان يعكسان منظورين مختلفين للعنف، ويهدفان إلى تحفيز التفكير حول طبيعة العنف وتأثيراته المتنوعة.

تحليل المشهدين:

المشهد الأول: العنف المرئي والمباشر
يتمثل هذا النوع من العنف في تصوير الأفعال الوحشية كالذبح، حيث يظهر بشكل صادم وعلني أمام ملايين المتابعين عبر وسائل الإعلام المختلفة. المشهد يأخذ طابعًا دراميًا مؤثرًا يستهدف التأثير العاطفي الفوري على المتلقين، مما يولد لديهم مشاعر الرعب والاشمئزاز الشديد. هذا النوع من العنف غالبًا ما يُنسب إلى أفراد أو مجموعات معينة، مما يخلق صورة مباشرة وواضحة عن المسؤولية وراء هذا السلوك العنيف.

في هذا المشهد، نجد مثالًا على العنف التقليدي. يتم تنفيذ الفعل العنيف في صورة واضحة ومباشرة باستخدام السيف لقطع رأس الضحية. يتم تبرير هذا الشكل من العنف بخلفيات دينية، حيث يُستشهد بنصوص دينية لتبرير الفعل. الجلادون يتم تصويرهم كأشخاص متدينين، يعكسون التزامهم بالرموز الدينية كلبس النقاب ورفع الرايات الإسلامية. كما يتم استخدام التكبير لإضفاء إطار ديني وتصوير الفعل على أنه جزء من معتقد أو طقوس.

المشهد الثاني: العنف الخفي وغير المباشر
على النقيض، يتمثل هذا النوع في القتل الجماعي الذي يُنفذ عبر تقنيات حديثة وعن بُعد، بعيدًا عن أعين العامة. هذا النوع ليس مرئيًا لعامة الناس، بل يقتصر على دائرة ضيقة من الأشخاص ذوي السلطة والتحكم. التركيز هنا ينصب على الكلفة البشرية الهائلة لهذا العنف، والتي تكون أكبر بكثير من الضحايا الناتجين عن العنف الفردي. كما يُصوّر هذا النوع من العنف على أنه نتيجة قرارات مؤسساتية معقدة، مما يجعل من الصعب إلقاء اللوم على جهة أو فرد واحد.

في هذا المشهد، يصور العنف بصورته الحديثة. هنا، يظهر القتل باستخدام التكنولوجيا المتطورة، حيث يتحكم الطيار بكفاءة عالية ويضغط على زر لتنفيذ العملية. يتم تقديم الفعل العنيف بصورة غير مباشرة، وهو ما يسهم في تلطيفه أو تقليله في عيون المشاهد. الضحايا يتم تقليلهم إلى مجرد أهداف تظهر على شاشة الكمبيوتر، ويفقدون بذلك عنصرهم الإنساني. هذا التركيز ينصب على مهارة الطيار التقنية بدلًا من تسليط الضوء على الخسائر البشرية الناجمة عن هذه الأفعال.

هذه المقاربة بين المشهدين تثير عدة تساؤلات: كيف يمكن أن يتخذ العنف أشكالًا متعددة وأن يتم تبريره بطرق مختلفة؟ هل للتكنولوجيا دور في تقليل الإحساس بالمسؤولية تجاه الفعل العنيف؟ وكيف تسهم التسهيلات التقنية في تجريد الفعل من قسوته وتجريد الضحايا من إنسانيتهم؟ يسلط هذا التحليل الضوء على كيفية إبعاد مرتكب العنف عن تأثير عمله بفضل الوسائل الحديثة، مما يجعل الفعل العنيف أكثر يسرًا وأقل إحساسًا وثقلًا على فاعليه.

التناقض الصارخ بين العنف المرئي الذي يُثير استجابات عاطفية قوية والعنف الخفي الذي يتميز بالبرود والأسلوب التقني، يطرح تساؤلات عميقة حول دور وسائل الإعلام ومسؤوليتها في تغطية مظاهر العنف المختلفة. العنف الحديث تحول إلى عملية بعيدة عن الأنظار، تُدار من قبل مؤسسات بارعة في استخدام تقنيات متطورة تجعله أكثر فتكًا وقدرةً على حصد أعداد كبيرة من الضحايا في وقت وجيز.
يتبع



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كابوس الأنوار
- الديمقراطية البرجوازية ووهم المشاركة
- تساؤلات حول تاريخ منشأ مكة
- لا شرقية ولا غربية، فللإنسان حقوق إنسانية
- الصمت حيال هذه الجرائم تواطؤ ضمني مع مرتكبيها
- انتهاء حقبة وابتداء أخرى جديدة في مسار الحركة القومية الكردي ...
- المهاجر من الشرق الأوسط وجاذبية الرأسمالية
- الاقتصاد السياسي لمكافحة الهجرة
- سرّ محبة الزعيم
- عهد القسوة في عهد ترامب
- كيان كردي صديق لتركيا في روج آوا
- تأملات في قصيدة فرات اسبر -كما يمرُّ الماءُ من فم ِالحَجر-
- حناجر الينابيع
- انقلاب 8 شباط وكلام مختلف
- اتحاد الجسد والروح في شعر فروغ فرخزاد
- قارب المغيب
- الأكاذيب التي أطلقها ترامب في بداية ولايته
- المسرح المتهالك
- سيمفونية الفوضى
- أثرياء مسالمون لا يؤمنون سوى بالحرب الطبقية


المزيد.....




- الولايات المتحدة: مستشار الأمن القومي يتحمل مسؤولية تسريب خط ...
- فرنسا: الادعاء يتهم ساركوزي بلعب دور مباشر في صفقة فساد مع ن ...
- ترامب: الولايات المتحدة تدرس كافة المقترحات والشروط الروسية ...
- لافروف يسخر من موقف القادة الأوروبيين تجاه وقف إطلاق النار ف ...
- خبير يكشف ما وراء استمرار قصف كييف للبنية التحتية للطاقة الر ...
- مستشار الأمن القومي الأمريكي: أتحمل المسؤولية كاملة فيما يتع ...
- جرعة من فيتامين D قد تغير حياة مرضى التصلب المتعدد
- لافروف يصف أمين عام الناتو بـ -السخيف والمثير للشفقة- بعد تص ...
- تركيا.. فرض غرامة مالية على بلدية أفيون قره حصار لانتهاكها ح ...
- ارتفاع حصيلة حرائق الغابات في كوريا الجنوبية إلى 16 ضحية (في ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حميد كشكولي - جريمة القتل -الوحشي- وجريمة القتل -المتحضّر- 1