أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - النفي والإثبات وما بينهما














المزيد.....


النفي والإثبات وما بينهما


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 16:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


275- أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
23 - العدمية، بين النفي والإثبات وما بينهما

ربما يمكن إعتبار جاكوبي أول من حاول صياغة المعنى الفلسفي لمفهوم "العدمية"، وحاول إبعاد هذا المفهوم عن دلالاته الدينية والأخلاقية، وإن لم تنجح هذه المحاولة، لأنه ظل، مع ذلك مرتبطا بفكرة الإلحاد ورفض الدين. حيث العدمية، في نظره، هي النتيجة الضرورية لكل فلسفة بعد أرسطو، ورغم أنه لم يعتبر نفسه أبدًا غير عقلاني an irrationalist، فقد اتُهم بمهاجمة العقل وإعادة إدخال القيم المثالية المحافظة. والحقيقة أنه انتقد الاستخدام الأداتي للعقل والشكل الخطابي للمنطق، وروّج لمجموعة مختلفة من المفاهيم التي من شأنها أن تكشف في النهاية عن إمكانية تصور الواقع من منظور مثالي جديد. وجاكوبي يعتبر هو أول من ربط بين مصطلح "العدمية" وبين التيار العقلي الذي يرفض الله المسيحي والديانة المسيحية وإن كان هذا التيار لا يرفض بالضرورة فكرة الخالق أو الكينونة الأولى أو الطبيعة السبينوزية كروح لامتناهية. فبينما كان أناكارسيس كلوتز يأمل بأن يكون التقدم السياسي والإجتماعي للعقل، الناتج عن الزخم الفكري للثورة الفرنسية، محررا للإنسان من قيود وخرافات الألوهية والأفكار الدينية، ويعلن قيام "الجمهورية العدمية" كأساس للنظام الذي يأمله والذي يقع خارج حدود مملكة الله الدينية، فإنه على العكس من ذلك تماما، نجد جاكوبي ينعت بالعدمية كل من يقول بوجود إله آخر غير الإله المسيحي، أي الإله الذي يمكن الوصول إليه بالعقل المجرد وليس عن طريق النصوص الدينية المشبوهة، ويعتبر ذلك إلحادا مقنّعا بالعقلانية، ومدمرا للدين والإيمان والأخلاق.
ولا شك أن كل من كلوتز وجاكوبي، أطلقوا مصطلح "العدمية" على موقف المتردد ولظاهرة عدم إمكانية الإختيار بين "هذا وذاك"، أي على هذا الفراغ الفاصل بين مقولتين متضادتين كان ينبغي الإنحياز وتثبيت إحداهما. غير أن كلوتز أعتبر عدم الإختيار كـ"عدمية إيجابية" ومطلوبة، بمعنى أنه كان يدعو لعدم الإختيار بين الإيمان وعدم الإيمان، بين الدين وغياب الدين، أي أن العدمية التي يعنيها هي "توقيف الحكم" في هذا المجال. ومن ناحية أخرى، نرى جاكوبي على العكس من ذلك، يرى أن عدم الإختيار هو عدمية سلبية يجب محاربتها والقضاء عليها. ففي نظره يجب الإختيار، فإما هذا وإما ذاك، إما الإيمان وإما الإلحاد، وما بينهما هي العدمية، وهي تعني عدم تحمل مسؤولية الإيمان والكفر وتقود إلى الهاوية مباشرة.
ومن الواضح أن جاكوبي كان يهدف إلى مناوشة كانط وإنتقاد أفكاره الدينية. مما دفع كانط أخيرا أن يقرر الرد على كل هذه الإتهامات وهذا التفسير المقلوب لفلسفته والمحاولات المتكررة لتشويه أفكاره وأنها تقود حتما إلى الإلحاد. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أراد الدفاع عن التفكير العقلي ضد هجمات جاكوبي وأمثاله والتأكيد على أهمية العقل وكونه الشيء الوحيد الذي يمكن الثقة به بخصوص المعرفة وضمان الوصول إلى الحقيقة. فنشر لهذا الغرض رسالة طويلة في أكتوبر 1786، ماذا نعني بالتوجيه في الفكر؟ . وهو يقارن بين طريقتين لتوجيه الذات في الفكر عندما يتجاوز المرء حدود الخبرة: التفكير العقلاني (Vernunfteinsicht) والإلهام العقلاني (Vernunfteingebung)، أي العقل بدون إيمان والإيمان بدون عقل. ويقترح كانط ما يسميه بالإيمان العقلاني (Vernunftglaube)، منطقيا وعقليا من المستحيل إثبات وجود الله. وقد أوضح في هذه الرسالة أهمية العقل وأنه الوحيد الذي يوجه الإنسان في طريق الفكر وليس هذا النوع الغريب الهلامي "معنى الحقيقة" أو "الحدس المتعالي" المسمى بالإيمان أو الإعتقاد، والذي عادة ما تلتصق به العديد من الأفكار والأوهام الناتجة عن العادات والتقاليد الغامضة. " من ناحية أخرى، سأبين أنه في الواقع لا يمكن تطعيم أي تقليد أو وحي دون موافقة العقل إلا على العقل نفسه، وليس على ما يسمى بالشعور الغامض بالحقيقة، أو على أي حدس متسام يمكن أن نسميه إيماناً ".
ويرى أن هجوم جاكوبي العنيف والذي يرفض العقل والحوار وحرية الآخر، لا يقود إلا إلى التعصب الأعمي والتطير أي الإيمان بالخرافات والأوهام، وقد يقود حتى إلى الإلحاد. ويعترف كانط بأنه من الواضح أن العقل النظري ليس قادرا على معرفة المطلق أو التأكيد على وجود أو عدم وجود الله أو الروح أو الأبدية أو ما شابه من المسلمات الميتافيزيقية. غير أن هذا العجز الأنطولوجي للعقل لا علاقة له مطلقا بما يسميه جاكوبي بـ "الجهل المتعالي"، لأن العقل بعكس ما يفترض حاكوبي، بإعتبار فكر كانط كنظرية سلبية، يذهب أبعد من هذا الإعتراف بمحدوديته في مجال ما وراء الطبيعة، حيث يدعو للممارسة العملية للفكر في الحياة الحقيقية. فرغم أن العقل لا يستطيع تحديد الله وصفاته كما لا يستطيع معرفة هذا الكائن معرفة مباشرة، فإن هذا لا يمنع العقل من إفتراض وجود هذا الله كضمان ضروري لبناء نظرية أخلاقية لأخلاق عملية تسهل العلاقات بين البشر في المجتمع الإنساني. ورفض كانط بشدة إتهامه بالإلحاد، وبين الفرق بين الإلحاد والإيمان باللاهوت المتعالي، وأكد أنه لا يرفض الله ولا يرفض الدين، ولكن يدعو إلى أنه على الدين أن يتبع حدود العقل لتعريف وتعيين واجبات الإنسان وحقوفه كتعليمات إلهية.
يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنصرية والكزينوفوبيا
- مسؤولية العدسة
- الفن من أجل الفن .. !
- ألهة الدمار
- داغرمان ودكتاتورية الكآبة
- حدود العقل
- العلم والجهل والذكاء
- اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء
- عن الشعر والملل
- إشكالية الإيمان عند كانط
- الشوكولاطة وجنية البحر
- عن الغربة والإستلاب
- عن الثورة والندم
- التضخم في التقنين
- عدمية كانط
- جاكوبي ضد كانط
- الله والطبيعة ووحدة الوجود
- شبح سبينوزا
- صلاح الدين وناثان الحكيم
- الخاتم السحري


المزيد.....




- سرايا القدس تعلن إطلاق رشقة صاروخية على مستوطنات غلاف غزة
- مشادات كلامية بين نتنياهو ونواب المعارضة أثناء كلمته في الكن ...
- روسيا تطور درونات لتدمير المروحيات العسكرية والطائرات المسيّ ...
- لأول مرة، عيادة بريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاينة الم ...
- إسرائيل تطلق سراح مخرج فلسطيني حائز على جائزة أوسكار
- رئيس وزراء كوسوفو يقع في فخ مخادعين روسيين ويفضح ما يحضره ال ...
- مجلة -وايرد-: إدارة ترامب تتجه لإقالة مجموعة من العلماء في م ...
- مكتب نتنياهو ينفي تلقية أي تحذير بشأن -الأموال القطرية-
- موسكو تعلق على توقيف مولدوفا لرئيسة غاغاوزيا
- -تجربة أولية-.. قناة إسرائيلية تتحدث عن ذهاب دفعة من الغزيين ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - النفي والإثبات وما بينهما