|
مدن تبكي هويتها
حسن حاتم المذكور
الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 07:34
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
المـدن والقـرى .. الأنهار والجبال والأهوار وكذلك الساحات والشوارع والجسور والطرق والأسواق ’ تمامــاً كالبشـر والأقوام والشعوب والقبائل والتجمعات ’ لهـا مولدها وجذورها وتواريخها واسمائها والقابها وهوياتها . فلا يمكن لبغـداد الا ان تبقى بغـداد واربيل ان تبقـى اربيل وكذلك البصرة ودجلـة والفرات وحمرين والرشيد... ومـن الفضاعــة والوحشية ان تزور وتغيـر الأسماء والألقاب والهويات والتواريخ للمـدن ومكوناتهـا واستبدالها بأخـرى تلائم فقـط نزوات القائـد وقرارات الرئيس ورغبـة الحـزب ’ على حساب المنشأ وذاكـرة النـــاس والموروث الشعبي الخالد ’ وكذلك التقاليد والأعراف والمشا’ ان الأمر يشكل وجهاً آخراً لجريمـة اكبر سعـة وبشاعـة ’ تبداء انفلاتهـا وهمجيتها عادة بتدمير الوطـن والأنسان على الأصعــدة الجـغرافـة والأقتصاديـة والأجتماعية وكذلك الأخلاقية والتربوية والنفسيـة . القزم الأرذل صدام حسين وكواحدة مـن جرائمـه وافرازات دونيتـه وعقـده النفسيـة والعائليـة ورثاثـة شخصيتـه المعتلـة اجتماعيـاً ’ لـم تتوقف عفونـة ساديتـه عنـد استهداف الأنسان والثروات والبيئـة ’ بـل امتدت الى ابعـــد من ذلك ’ ولـم تكن المدن العراقيـة في منآي عـن طاعون اهوائـه ومركب نقصـه ’ فكانت اسمائهـا وملامحها وواجهاتها وذكرياتهـا ومجمـل هويتهـا هـدفاً لأفرازات سفالتـه وانحطاطـه ’ فغزاهـا واحتلها بمفرداتـه والقابـه ولافتاتـه وجدارياتـه العنصريـة والحزبيـة والشخصيـة . كانت صوره وتماثيلـه والقابـه تغطـي واجهات المدن وساحاتها وشوارعها الى جانب مفرداتـه المنافقـة ’ كالعروبـة والقدس والجهاد والقادسية وفلسطين وحيفا والوحدة والجامعة والبعث وعبد الناصر واسماء العواصم العربية واسماء وتواريخ الأنقلابات الخيانية لحزبــه ’ فأختفى الكثير من ملامـح المدن العراقيـة وشوهـت هويتهـا وفقدت بعضهـا اسماءهـا فأصبحت غريبـة عن اهلهـا ولا تشبـه ذاتهـا مهانة ذليلة المظهر. بعـد التغيير الذي حصل في 09 / نيسان / 2003 بفعـل التدخل الأمريكي لا غيـر ... وبعيداً عن تقييمنا وموقفنا من اهداف الأحتلال ونواياه ’ غير انـه لا يوجد من يدعـي دوراً اوفضلاً بذلك . بعـد اسقاط الصنم والأصنام البعثيـة وازالتها بمبادرة وعفويـة الجماهير واندفاعها ووطنيتهـا ’ نهض المتفرجون والمساومون لنظام حزب البعث وربما الكثير ممن كانوا جـزاءً من تاريخــه المعيب وشروره’ فغزوا المدن وشوارعها وساحاتها وواجهاتها وهي لم تخلع بعد عـن وجهها عار الأصنام البعثيـة وتستعيد هويتها وهيبتها ففرضوا عليها كرهـاً اصنامهـم الطائفيـة والمذهبيـة والعائلية والشخصية بطريقة اكثر هوساً واستهتاراً وتشويهـاً وقلـة حياءً متحدية الأعراف والأصول والذوق العام ومشاعر الناس وذكرياتهم واحلامهم وامانيهم وافراحهم ’ فرفعت الأسماء العنصريـة والعروبيـة التي فرضها حزب البعث تشويهاً على المدن العراقية وفرضت بديلها وبطريقة هستيرية مضحكـة اسماء وشعارات والقاب وصور من مخيلـة طائفـة بذاتهـا .. فأستبدل الغريب بالغريب .. والسيد القائـد بالسيد القائد وصدام بالصدر والعروبـة بالصدرين والبعث بالصدر والقادسيـة بالصدرين والأستهتار بالأستهتار والدونيـة بالدونيـة ( وعلى هـل رنــه ) ’ طبعاً ان مفردة الصدر تعنـي الأبن الطموح خطاءً والقادم غثـاثـة من سباخ تاريخه المجهول الا من زراعـة الأشواك المؤذيـة . اختفت واجهات الشوارع والساحات والبيوت والمؤسسات ودور التعليم خلف الأعلام واللافتات السوداء والخضراء احياناً وصور القائـد الجديد بمختلف الأحجام ( والبوزات ) والموهوم من الملآثـر والمنتحل مــن الألقاب ’ وتوقف موس الخوف والرعب المآساوي في بلعوم الناس ثانيـة منتظرة مرور او كنس تلك الغمـامـة الثقيلـة عن واقعهم ...ويستعيدون ما كانوا يتمنوه ويحلمون بـه مـن امن واستقرار وحمايـة القانون وسيــادة العـدل ليمارسوا في ظلهما المآلوف من العلاقات والحريات والكرامـة ’ ثـم اعادة بناء الذات وشيئاً من الأزدهار المقبول والحياة اللائقـة ’ ويعيدوا لمدنهم هويتها وهيبتها وكرامتها وتواريخها واسماءها وواجهاتها ’ فيكون فـي بغداد مثلاً نصباً تذكارياً للشهيد الصدر الأول واخراً للشهيد الصدر الثاني وفي الطرف الآخرتمثالاً للشهيد محمـد باقر الحكيم وبجانبـه او يقابلـه ساحـة او منتزهاُ وتمثالاً للشهيد عبد الكريم قاسـم وآخريات لشهداء ثورة 14 / تموز الوطنيـة وفي ساحـة او ملعباً تمثالاً للسيـد ملا مصطفى البارزاني والجواهري والجادرجي وعبد الجبار عبـد الله وشارعاً وتمثالاً للشهيــد سلام عادل ورفاقــه ’ وفيها ايضاً نصباً تذكارياً لشهداء الكرد الفيليين وضحايا حلبجـه والأنفال والدجيل والأهوار ’ ويشابـه ذلك فـي البصرة واربيل والرمادي والموصل والسليمانية والعمارة والناصرية ’ كـي تستعيد المدن العراقية وشوارعها وساحاتها وواجهاتها هويتها وثقافتها الوطنيتين . السؤال الذي تصرخـه دموع المدن العراقيـة بوجـه حكومتنا المنتخبـة !!! برؤساءها ووزراءها ونوارها ومحافظي مدنها . لقـد سقطت اصنامكم ... متى ستسقط اصنامنا ... ؟ متى سنستعيد هوياتنا وتواريخنا وتكحـل شوارعنا وساحاتنا وواجهاتنا بأسماء رموزنا وقادتنا ومبدعينا الذين ضحوا واستشهدوا من اجل الأنسان والوطـن ... ؟ هـل ستتركونا مجبرين على انتظار من يأتي مـع 09 / نيسان آخر ليسقط اصنامنا وليفعل بعدها ما يشاء تماماً مثل ما يحصل معكـم الآن ... ؟ اننا لا نرفض اطلاقاً .. بل ونرغب ان تحمل هويتنا كل الوان التاريخ الحضاري والأنساني والمعرفي والنضالي ’ وكل ما لـه علاقـة بذاكرة الناس وعواطفهم ومشاعرهم وتقاليدهم وانجازاتهم وكل ما لـه علاقـــة بالأفاضل من اعلام ديننا ومذاهبنا وقادة احزابنا الوطنية ورموزنا القومية وعلماءنا وشعراءنا وكتابنا وفنانينا ورياضيينا ومبدعينا وكل من ترك اثـراً خيراً حفر خلوده واستقر فخـراً في ضمائر اهلــه ... لكن ما يحدث اليوم يشبه ما حدث البارحـة وما صنعـه البعث بالأمس يصنعـه الآن المتطفلون على الطائفـة والمذهب... فالأمر فـي جميع حالاتـه هو خروج الطائفــة عن سياقها الأنساني والوطني والأجتماعي وضياع رشدهـا وانزلاقها فـي مطبات التسيس الطائفـي وانفلات ظلاميتها وتكريس تضليلها لأبنائها والألتفاف على واقعهم المحزن وحرفهم بعيداً عن جادة هموم حاضرهم وافاق مستقبلهم ’ ليكونوا ويستمروا ضحيـة تحت الطلب ومشروعاً للعذابات وواجهـة للمزايدات المذلـة والأنتفاع الفئوي والأسروي والشخصي وظرراً للآخرين. هكذا تطالبكم المدن العراقية ايها المسؤولين في حكومتنا المنتخبـة !!! ... فهل يوجعكم ويؤنب ضمائركم بكاء واستغاثـة المدن اليتيمــة بهويتهـا ... ؟ الم يكفيكم تأنيباً للضمير وجرحاً للوجدان ايها المدججين بالأصوات المسروقــة ’ ان مدينـة الثورة ’ابنــــــــة ويتيمـة الشهيد الوطمي والزعيم المحبوب عبد الكريم قاسم تلعنكـم دموعهـا وتخلع كرامتكم اوداعها ومغدوريتها وهظيمتها..؟ كيف تقبلون .. وتدعون الأستقامـة والوطنية ومجانبـة الحق وهناك وامام اعينكم لافتــة في غير محلها تغتصب هيبـة وماهيــة وهويــة مدينــة الثورة العزيزة ... ؟ التفتوا ايها المنتخبين وارحمونا وارحموا الوطــن قبـل ان يصبــح الصـدر عاصمتنـا والصدرين جمهوريتنا !! واعذر من انذر ... 17 / 01 / 2007
#حسن_حاتم_المذكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى سيعود العراق ... احلى وطن ... ؟
-
امة تليق بأصنامها ... والعكس
-
هل ننسى فعلتهم ... ؟
-
صدام الرذيلة والهزائم ... يرتدي عباءة المجاهد !!! .
-
جيش مقتدى وتياره الى اين ... ؟
-
لجنة التنسيق في لقاءها التشاوري
-
و ... متى سيحاكم ويعدم الصدام الآخر ... ؟
-
المحاصصة الوطنية !!! .
-
لا تقتلوا الأنسان فينا
-
كان يوماً للتضامن مع الكرد الفيلية
-
يا وطن : لا تعثر اسم اللّه عليك
-
اشكالية المأزق العراقي ..
-
بغداد ... يا عشق يعذبنا
-
والمليشيات ... منتخبة ايضاً !!! ..
-
مبادرة للتضامن مع الكرد الفيلية
-
مدينة الثورة : شعاع على جبين تموز ..
-
سوريا وايران : خرجتا من دائرة الشك الى الفضيحة .
-
لا تخطفوها ... انها منتخبة
-
لكم عروبتكم ... ولنا عراقنا
-
يا اهل العراق : لا تحرقوا بيتكم
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|