أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود















المزيد.....


فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 07:54
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لطالما كان الجمال سؤالًا جوهريًا في الفلسفة، يتجلى في محاولات تأطيره ضمن معايير محددة أو في الاعتراف بطبيعته المتغيرة والمتجددة عبر الزمن والثقافات. في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة، اتخذ مفهوم الجمال أبعادًا معقدة تتجاوز كونه مجرد صفة حسية إلى كونه تجربة وجودية، ورمزًا للمعنى، بل وحتى أداة نقدية ضد السلطة والمعايير الاجتماعية السائدة. فكيف تطورت مفاهيم الجمال في الفلسفات الأوروبية؟ وهل يمكننا اليوم الحديث عن تعريف نهائي للجمال أم أنه سيظل مفهومًا متغيرًا بتغير العصور والتوجهات الفكرية؟

1. الجمال بين الموضوعية والذاتية: جدل فلسفي مستمر

منذ بداية الفلسفة الحديثة، ظهر انقسام واضح بين الفلاسفة حول ما إذا كان الجمال صفة موضوعية في الأشياء أم مجرد إحساس ذاتي. ديكارت، على سبيل المثال، رأى أن الجمال مرتبط بالعقل، حيث يمكن للعقل تحديد الجمال بناءً على قواعد التناسق والتوازن. أما كانط، فقد طرح في كتابه نقد ملكة الحكم تصورًا مختلفًا، حيث اعتبر أن الجمال ليس خاصية في الشيء نفسه، بل هو استجابة ذاتية لكنها تتمتع بطابع عالمي. فحينما نصف شيئًا بالجمال، فإننا لا نُصدر حكمًا فرديًا محضًا، بل نتوقع أن يشاركه الآخرون معنا.

هيغل، من جانبه، ذهب إلى أن الجمال الحقيقي لا يوجد في الطبيعة بقدر ما يوجد في الفن، لأنه تجلٍ للعقل المطلق وللروح الإنسانية. وهكذا، تحول الجمال في الفكر الحداثي من كونه صفة حسية إلى تجربة روحية وعقلية في آن واحد.

2. الجمال والحقيقة والخير: هل هناك علاقة ضرورية؟

لطالما ارتبط الجمال في الفلسفات الكلاسيكية بمفاهيم الحقيقة والخير، حيث كان يُنظر إليه كامتدادٍ لهما. لكن مع ظهور الحداثة، بدأ هذا الارتباط في التصدع. نيتشه، على سبيل المثال، رفض الفكرة القائلة بأن الجمال مرتبط بالخير أو بالحقيقة، معتبرًا أن الجمال قد يكون أداة للخداع، بل قد يكون في بعض الأحيان تعبيرًا عن إرادة القوة. فالأشياء الجميلة قد تخفي وراءها شرورًا أو زيفًا، مثلما يمكن للقبح أن يحمل في طياته صدقًا وقوة لا يمتلكها الجمال التقليدي.

أما الفيلسوف هايدغر، فقد أعاد طرح العلاقة بين الجمال والحقيقة من منظور مختلف، حيث رأى أن الفن هو الذي يكشف لنا الحقيقة، وليس العلم أو الفلسفة التقليدية. فالجمال في الفن ليس مجرد مظهر سطحي، بل هو انكشاف للحقيقة الوجودية، وتجربة تضعنا أمام سر الوجود نفسه.

3. معايير الجمال: التناسق والانسجام أم شيء آخر؟

لطالما كانت مفاهيم التناسق والتوازن والانسجام في قلب نظريات الجمال، لكنها لم تعد كافية لتفسير كل أشكال الجمال في الفلسفة الحديثة. فالحداثة الفنية والفكرية جلبت معها أنواعًا من الجمال تتحدى القواعد التقليدية.

في الفن الحديث، لم يعد الجمال مقتصرًا على الصور المتناسقة والمتوازنة، بل امتد ليشمل التشوه، والفوضى، والتناقضات الصارخة. مدرسة الفن التجريدي، والسريالية، والدادائية، كلها حاولت تحطيم الفكرة التقليدية عن الجمال، لتفتح الباب أمام مفاهيم جديدة ترى الجمال في الغريب، والعابر، وحتى في القبح نفسه. أدورنو، أحد أبرز فلاسفة الجمال في القرن العشرين، رأى أن الجمال التقليدي لم يعد قادرًا على التعبير عن واقع العالم الحديث المليء بالمعاناة والتناقضات، ولذلك يجب أن يكون الفن صادمًا، غير مريح، بل وحتى قبيحًا لكي يعكس الحقيقة الاجتماعية والسياسية للعصر.

4. دور الحواس والعقل في إدراك الجمال

هل الجمال مجرد إحساس حسي، أم أنه تجربة عقلية وروحية؟ هنا نجد اختلافًا جوهريًا بين الفلاسفة. ديكارت اعتبر أن العقل هو الحكم النهائي على الجمال، بينما كانط رأى أن الجمال هو تجربة حسية لكنها تتطلب نوعًا من العقلنة. في المقابل، شوبنهاور رأى أن الجمال هو لحظة تحرر من إرادة الحياة، حيث يفقد الإنسان وعيه بذاته ويندمج كليًا في التجربة الجمالية.

أما ميرلو-بونتي، الفيلسوف الظاهراتي، فقد أكد على دور الجسد في إدراك الجمال، معتبراً أن الجمال ليس شيئًا يُحكم عليه بالعقل المجرد، بل هو تجربة جسدية وحسية بالكامل، تتداخل فيها العواطف والإدراك البصري والحركة.

5. القبح كجزء من الجمال: رؤية جديدة

مع صعود الحداثة وما بعدها، أصبح القبح جزءًا أساسيًا من مفهوم الجمال. فبدلًا من أن يكون القبح نقيضًا للجمال، أصبح يُنظر إليه كعنصر مكمل له. أدورنو رأى أن الفن يجب أن يعكس القبح والمعاناة، لأن العالم نفسه غير جميل، وبالتالي فإن الجمال التقليدي قد يكون مجرد تواطؤ مع الواقع الزائف.

في السينما والأدب والفن التشكيلي، أصبح الجمال يُستكشف من خلال القبح، كما نرى في أعمال بيكاسو، وفناني التعبيرية، والأدب الوجودي الذي كشف الجمال في العبث واليأس.

6. الجمال والفن: علاقة معقدة

هل كل ما هو جميل فن؟ وهل كل فن جميل؟ الفلاسفة اختلفوا في ذلك. أفلاطون كان يرى أن الفن يجب أن يعكس الجمال المثالي، بينما الحداثة الفنية كسرت هذا التصور. الفن لم يعد يبحث عن الجمال فقط، بل أصبح وسيلة لطرح الأسئلة الفلسفية والسياسية والاجتماعية.

دور الفنان لم يعد مجرد صانع للجمال، بل أصبح خالقًا لمعانٍ جديدة. فنيتشه رأى أن الفنان هو من يعيد تعريف العالم من خلال رؤيته الخاصة، بينما سارتر رأى أن الفن يحمل مسؤولية اجتماعية في نقد الواقع وتحريكه نحو التغيير.

7. الجمال في الحياة اليومية والمجتمع

لم يعد الجمال مقتصرًا على الفن، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية. الجمال في الهندسة المعمارية، في التصميم، في الموضة، بل وحتى في الطريقة التي ننظر بها للعالم. لكن هل الجمال له دور أخلاقي؟
هناك من يرى أن الجمال يمكن أن يكون قوة مدمرة إذا استخدم في خدمة الدعاية أو التلاعب بالعواطف. ومن جهة أخرى، هناك من يرى أن الجمال يحمل قيمة أخلاقية، لأنه يرتبط بالسعي نحو الكمال والتوازن.

فلسفة الجمال الحديثة والمعاصرة تُظهر لنا أن الجمال ليس مفهومًا ثابتًا، بل هو في حالة تغير مستمر. ما كان يُعتبر جميلًا في الماضي قد لا يكون كذلك اليوم، وما نعتبره قبيحًا اليوم قد يصبح غدًا مصدرًا للإلهام. الجمال ليس مجرد مظهر، بل هو تجربة فلسفية، شعورية، وجدانية، وفكرية عميقة، تجعلنا نعيد النظر في علاقتنا بالعالم وبأنفسنا.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوديث بتلر وتفكيك وهم الهوية: الجندر بين الأداء والسلطة
- الطاو تي تشينغ: حكمة الوجود الخفي ومسار الطبيعة الذي لا يُقا ...
- جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العد ...
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...
- الرضا النفسي: فن التوازن والطمأنينة في عالم متغير
- ألبرت كامو وثورة العبث: جدلية المعنى واللاجدوى في الفكر الأو ...
- البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية
- انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية ...
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل


المزيد.....




- سرايا القدس تعلن إطلاق رشقة صاروخية على مستوطنات غلاف غزة
- مشادات كلامية بين نتنياهو ونواب المعارضة أثناء كلمته في الكن ...
- روسيا تطور درونات لتدمير المروحيات العسكرية والطائرات المسيّ ...
- لأول مرة، عيادة بريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاينة الم ...
- إسرائيل تطلق سراح مخرج فلسطيني حائز على جائزة أوسكار
- رئيس وزراء كوسوفو يقع في فخ مخادعين روسيين ويفضح ما يحضره ال ...
- مجلة -وايرد-: إدارة ترامب تتجه لإقالة مجموعة من العلماء في م ...
- مكتب نتنياهو ينفي تلقية أي تحذير بشأن -الأموال القطرية-
- موسكو تعلق على توقيف مولدوفا لرئيسة غاغاوزيا
- -تجربة أولية-.. قناة إسرائيلية تتحدث عن ذهاب دفعة من الغزيين ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - فلسفة الجمال في مرآة الحداثة: تأملات في الفن والوجود