|
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : أَسَاسِيًّات التَّقَدُّمُ
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 19:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الْمَفْهُوم الْفَلْسَفِيّ لِلتَّقَدُّم
فِكْرَة التَّقَدُّمُ هِيَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ الْمَرْكَزِيَّة فِي الْفَلْسَفَةِ وَالْفِكْر الْغَرْبِيّ عَلَى مَرَّ الْعُصُورِ. أَنْ فَهْمَ هَذِهِ الْفِكْرَةَ وَتَطَوُّرِهَا عَبْرَ التَّارِيخِ يَكْشِف لَنَا الْكَثِيرُ عَنْ تَوَجُّهَات الْفِكْرُ الْفَلْسَفِيُّ وَ أَوْلَوِيَّاته فِي مُخْتَلَفٍ الْمَرَاحِل التَّارِيخِيَّة. مُنْذ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، إرْتَبَطَتْ فِكْرَة التَّقَدُّمُ بِمَفَاهِيم مِثْلُ الْكَمَالِ وَالْحَقِيقَة وَ الْمُطْلَق. فَقَدْ عَبَّرَ الْفَلَاسِفَة الْيُونَان كَأفلَاطُون وَأَرِسْطُو عَنْ إيْمَانِهِمْ بِوُجُود عَالِم أسْمَّى مِثَالَيْ كَامِلٌ، وَإِنْ هَدَفُ الْإِنْسَانِ هُوَ السَّعْيُ لِبُلُوغ هَذَا الْعَالَمِ المِثَالِيّ وَالْكَمَال. وَتَصَوُّر الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ التَّقَدُّمَ يَتَحَقَّق عِنْدَمَا يَقْتَرِب الْإِنْسَانِ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ الْأَعْلَى وَيَتَحَرَّرُ مِنْ قُيُودِ الْحِسّ وَالْمَادَّة. وَ فِي الْعَصْرِ الْوَسِيط، إرْتَبَطَتْ فِكْرَة التَّقَدُّمُ بِتَصَوُّر دَيْنِي لِعَمَلِيَّة الْخَلْق وَ التَّدْبِيرِ الْإِلَهِيِّ. فَأَصْبَح التَّقَدُّم يَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ سَيْرٍ فِي طَرِيقِ الْكَمَالِ الْإِلَهِيّ، وَأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْحَقِيقَةِ النِّهَائِيَّة هُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَإتِّبَاعِ الشَّرِيعَة الدِّينِيَّة. وَ مَعَ ظُهُورِ الْعَصْرِ الْحَدِيثِ وَالثَّوْرَة الْعِلْمِيَّةِ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ، تَغَيَّر الْمَفْهُوم الْفَلْسَفِيّ لِلتَّقَدُّم بِشَكْل جِذْرِيّ. فَقَدْ أَصْبَحَ الْإِنْسَانُ هُوَ مِحْوَر التَّقَدُّمُ وَلَيْس الْإلَه أَوْ الْعَالِمِ المِثَالِيّ. وَرَكَّز الْفَلَاسِفَة كَدِيكَارْتْ وَ بَيْكون وَ لَيْبنتز عَلَى القُدُرَات الْعَقْلِيَّة لِلْإِنْسَان وَإِمْكَانِيَّة السَّيْطَرَةَ عَلَى الطَّبِيعَةِ مِنْ خِلَالِ الْعِلْمِ وَالتِّقْنِيَة. فَقَدْ إعْتَبَرَ بِيكُون أَنَّ الْهَدَفَ الأسْمَّى لِلْفَلْسَفَةُ هُوَ تَحْقِيقُ "السَّيْطَرَةَ عَلَى قِوَّى الطَّبِيعَة لِصَالِح الْبَشَرِيَّة"، وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْعِلْمِيَّة هِيَ وَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْهَدَفِ. كَمَا رَبَط دِيكَارْتْ التَّقَدُّمُ بِالْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ الْقَادِرِ عَلَى الِإكْتِشَافِ وَالتَّنْظِيم الْمَنْطِقِيّ لِلْمَعْرِفَة. وَ بِذَلِكَ ظَهَرَ التَّصَوُّر الْحَدِيث لِلتَّقَدُّم كَمَسْار صَاعِدٌ مِنْ خِلَالِ التَّرَاكُم المَعْرِفِيّ وَالتَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ تَحْتَ قِيَادَةِ الْعَقْل الْبَشَرِيّ. وَ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ، إرْتَبَطَتْ فِكْرَة التَّقَدُّمُ بِالْفِكْر التَّطَوُّرِيّ لِفَلَاسِفَة مِثْلُ هِيغِل وَمَارْكِس وَدَارَوَيْن. فَقَدْ رَأَى هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي حَرَكَةِ مُسْتَمِرَّة وَتَطَوَّر دَائِمٌ، وَ إِنَّ التَّارِيخ يَسِير بِشَكْلٍ مُتَوَاصِلٍ نَحْو أَهْدَاف أسْمَّى وَأَكْثَر كَمَالًا. وَإعْتَبَرُوا أَنَّ التَّقَدُّمَ هُوَ سِمَة أَسَاسِيَّة لِلْحَيَاة وَالتَّارِيخ، بِحَيْثُ إنَّ التَّطَوُّر وَالتَّقَدُّم هُمَا الْقَوَتَانّ الْمُحَرِّكُتَان لِلْكَوْن وَ الْمُجْتَمَع. وَرَغْم هَذَا الْإِيمَانِ بِالتَّقَدُّم، بَرَزَتْ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ بَعْض الشُّكُوك وَالتُّحْفَظات حَوْلَ هَذَا الْمَفْهُومِ. فَفِي خِضَمّ حَرْبٍين عَالَمِيَّتِيْن وَدَمَار هَائِل، أَصْبَحَ مِنْ الصَّعْبِ الِإسْتِمْرَارِ فِي النَّظَرِ إلَى التَّارِيخِ عَلَى أَنَّهُ مَسَار مُتَوَاصِلٌ نَحْوَ الْأَفْضَل. وَ ظَهَرَتْ أَفْكَار فَلَاسِفَة مِثْل نِيتْشَهْ وَهَايدغر الَّتِي تَشَكَّكَ فِي مَفْهُومِ التَّقَدُّم وَتَعْتَبَرُه وَهْماً زَائِفًا. كَمَا أَثَارَتْ التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة المُتَسَارِعَةِ فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ تَسَاؤُلَات جَدِيدَةٍ حَوْل عَلَاقَة التَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ بِالتَّقَدُّمِ الْإِنْسَانِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ. فَقَدْ أَصْبَحَ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ التَّقَدُّمَ التِّقَنِيّ لَيْس مُرَادِفًا بِالضَّرُورَة لِلتَّقَدُّم الْحَقِيقِيِّ مِنْ مَنْظُورٍ إِنْسَانِيّ وَأَخْلَاقِيّ. وَهُنَا بَرَزَتْ أَهَمِّيَّة دَوْرُ الْفَلْسَفَةِ فِي تَقْيِيمِ التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَضَبْطُهَا بِمَا يَخْدُم مَصَالِحُ الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَع. وَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْمَفْهُومَ الْفَلْسَفِيّ لِلتَّقَدُّم قَدْ تَطَوَّرَ مِنْ كَوْنِهِ غَايَةَ مُطْلَقَة وَ مِثاليَّة إلَى أَنْ أَصْبَحَ مَفْهُومًا أَكْثَر تَعْقِيدًا وَمُرُونة. فَالتَّقَدُّمُ لَمْ يَعُدْ يَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ سَيْر خَطِّي ثَابِتٍ نَحْوُ الْأَفْضَلِ، بَلْ أَصْبَحَ يَنْظُرُ إلَيْهِ كَعَمَليَّة مَعْقِدة تَشْمَل تَقَدَّمَا فِي بَعْضِ الْمَجَالَاتِ وَتَرَاجَعَا فِي مَجَالَاتِ أُخْرَى. وَأَصْبَحَتْ الْفَلْسَفَة تُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ تَوْجِيهُ التَّقَدُّمِ التِّقَنِيّ وَالْعِلْمِيّ نَحْوَ تَحْقِيقِ أَهْدَاف إِنْسَانِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة أرْفَعْ. وَهَكَذَا فَإِنْ الْمَفْهُوم الْفَلْسَفِيّ لِلتَّقَدُّم قَدْ تَطَوَّرَ عَبْرَ التَّارِيخِ مِنْ النَّظْرَةِ الْمِثَالِيَّة وَالدِّينِيَّة إلَى النَّظْرَة العَقْلَانِيَّة وَالتَّطَوُّريَّة، ثُمَّ إلَى النَّظْرَة النَّقْدِيَّة الْمُعَاصِرَةِ الَّتِي تَتَطَلَّعُ إِلَى تَوْجِيهٍ التَّقَدُّم لِخِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ. وَسَتَظَلّ فِكْرَة التَّقَدُّمُ مَحَطَّ إهْتِمَامِ الْفَلْسَفَة لِمَا لَهَا مِنْ تَأْثِيرِ جَوْهَرِيّ عَلَى فَهِمْنَا لِلْعَالِم وَالْإِنْسَان وَالْمُسْتَقْبَل. تَنْظُرُ الْفَلْسَفَة إلَى مَفْهُومِ التَّقَدُّم بِشَكْل إِيجَابِيّ عِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الْأَمْرُ بِالتَّقَدُّمِ فِي مَجَالِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. فَلَطَالَمَا اُعْتُبِر الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ تَرَاكُمَ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَتَطَوَّر الْفَهْم لِقَوَانِين الطَّبِيعَةِ وَالْكَوْنِ هُوَ مَظْهَرُ أَسَاسِيّ لِلتَّقَدُّم الْإِنْسَانِيّ. فَمَنْ أَوْغَست كُونْت إلَى بْيِّير تْيَّار إلَى تُومَّـاسّ كُوْن كَانَ هُنَاكَ إعْتِقَادُ رَاسِخ بِأَنَّ الْعِلْمَ يَتَقَدَّم بِإسْتِمْرَار نَحْوَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَعْرِفَة الْمَوْضُوعِيَّة عَبَّر تَصْحِيح الْأَخْطَاء وَالنَّظَرِيَّات الْقَدِيمَة وَبِنَاء نَظَرِيَّات عِلْمِيَّة أَكْثَر شُمُولِيَّة وَدِقَّة. وَ قَدْ رَبَطَ الْفَلَاسِفَة هَذَا التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ بِمَفْهُوم التَّقَدُّمِ الْحَضَارِيِّ وَالتَّطَوُّر الِإجْتِمَاعِيّ. فَالِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ لَهُمْ مُظَاهِر أَسَاسِيَّة لِلتَّقَدُّم الْإِنْسَانِيّ نَحْو مُسْتَقْبِل أَفْضَل. وَيَرَى الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ تَرَاكُمَ الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَتَطْبِيقِهَا مِنْ خِلَالِ التِّكْنُولُوجْيَا سَيُؤَدِّي إِلَى حَلٍّ الْمُشْكِلَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ وَ الصَّحِية الَّتِي تُوَاجِهُ الْبَشَرِيَّة وَتَحْقِيق مُجْتَمَع أَكْثَر رَخَاء وَ إزْدِهَارا. لَكِنْ بِجَانِبِ هَذَا الِإعْتِقَادِ بِالتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ، فَإِنَّ مَفْهُومَ التَّقَدُّمِ فِي الْفَلْسَفَةِ يَنْطَوِي أَيْضًا عَلَى بُعْدٍ أَخْلَاقِيّ وَ إجْتِمَاعِيّ. فَفِي نَظَرَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ مِثْل هَيَجَل وَمَارْكِسُ، فَإِنَّ التَّقَدُّمَ الْأَخْلَاقِيّ وَالِإجْتِمَاعِيُّ هُوَ الْأَسَاسُ الْحَقِيقِيّ لِلتَّقَدُّم الْإِنْسَانِيّ. فَتَطْور الْمُؤَسَّسَات وَالنَّظْم السِّيَاسِيَّةِ وَ الِإقْتِصَادِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة نَحْوُ الْمَزِيدِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَ الْمُسَاوَاة هُوَ جَوْهَرٌ التَّقَدُّمِ الْبَشَرِيِّ. وَ قَدْ رَبَطَ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْأَخْلَاقِيّ وَالتَّقَدُّم المَعْرِفِيّ، فَالتَّطَوُّر فِي الْأَفْكَارِ وَ الْمَعَارِفِ لَا يَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ حَقِيقِيَّةٌ إلَّا إذَا تَرَافَقَ مَعَ تَطَوُّرِ فِي الْمُمَارَسَات الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة. فَالتَّقَدُّم الْحَقِيقِيّ يَتَطَلَّب لَيْسَ فَقَطْ تَرَاكُم الْمَعْرِفَةِ، بَلْ أَيْضًا تَحْقِيقُ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَ الْكَرَامَة الْإِنْسَانِيَّةُ. مَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَفْهُوم التَّقَدُّمَ لَمْ يَكُنْ خَالِيًا مِنْ الشُّكُوكِ وَالِإنْتِقَادَات فِي الْفَلْسَفَةِ. فَهُنَاكَ مَنْ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ أَبْدَى تَحْفَظات عَلَى الثِّقَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي التَّقَدُّمُ، وَأَشَارَ إلَى أَنْ الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا قَدْ يَكُونَانِ أَحْيَانًا مَصْدَرًا لِلْمَخَاطِر وَ الْأَضْرَارِ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ وَالْبِيئَة. كَمَا أَنَّ الْبَعْضَ إنْتَقَد فَكْرَة التَّقَدُّم الْخَطِّي وَالتُّرَاكُمِيّ، وَرَأَى أَنَّ التَّطَوُّر التَّارِيخِيُّ قَدِ يَكُون مُتَقَطِّعًا وَغَيْر خَطِّي. وَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، فَإِنَّ فَلَاسِفَة مِثْل نِيتْشَهْ وَهَايدغر كَانُوا يَنْتَقِدُون الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ بِالتَّقَدُّم، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ يَنْطَوِي عَلَى خَطَرِ الِإنْحِرَاف نَحْو التِّكْنُوقْرَاطِيَّة وَالتَّسَلُّطِ. كَمَا أَنَّ فَلَاسِفَة آخَرِين مِثْل تُومَاس كَوْن وَرُولَانُ بَارْتَ أَشَارُوا إلَى أَنْ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ لَيْسَ دَائِمًا خَطَيّاً وَتَرَاكُمِيا، وَإِنَّمَا قَدْ يَتَضَمَّنُ ثَوْرَات عِلْمِيَّة وَقَطَائع إبْسَتيمولُوجِيَّة. بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة تَنْظُرَ إلَى مَفْهُومِ التَّقَدُّم بِطَرِيقة مُعَقَّدَة وَمُتَعَدِّدَة الْأَوْجَه. فَهِي تَرَى أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْعُلُوم هُوَ مَظْهَرُ أَسَاسِيّ لِلتِّطور الْإِنْسَانِيِّ، وَ لَكِنَّهَا فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تُحَذِّرُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي الثِّقَةِ الْمُطْلَقَة وَ الِإنْحِرَاف نَحْو التِّكْنُوقْرَاطِيَّة. كَمَا أَنَّهَا تَرْبَط التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ بِالتَّقَدُّم الْأَخْلَاقِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ، مُعْتَبَرَةٍ أَنَّ التَّطَوُّر الْحَقِيقِيّ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَ كِلَا الْجَانِبَيْنِ. وَهَكَذَا فَإِنْ مَفْهُوم التَّقَدُّمِ فِي الْفَلْسَفَةِ هُوَ مَفْهُومُ مَعْقد وَمُتَعَدِّد الْأبْعَاد، يَتَطَلَّب الْبَحْث الْمُتَوَاصِل وَالنَّقْد الْمُسْتَمِرّ.
_ الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق مِنْ وَجْهَة نَظَر الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة
لِلْفُلِسَفَة التَّقَدُّمِيَّة رُؤْيَةُ مُتَكَامِلَة تَرْبِطُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق ضَمِن سِيَاق شَامِل لِإِصْلَاح الْمُجْتَمَع وَتَحْسِين الْحَالَة الْإِنْسَانِيَّة. وَفقَاً لِلْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة، فَإِنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَيْسَا مُنْفَصِلَيْن بَلْ هُمَا مُتَرَابِطَان وَيُعْززان بَعْضِهِمَا الْبَعْضِ فِي سَبِيلِ التَّقَدُّم وَالتَّنْمِيَة. تَنْظُرُ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة إلَى الْعِلْمِ بِإعْتِبَارِه قُوَّة فَاعِلَة فِي إحْدَاثِ التَّغْيِير الِإجْتِمَاعِيّ وَ الِإقْتِصَادِيّ الْإِيجَابِيّ. فَالْعِلْم وَفْقًا لِهَذَا التَّصَوُّرُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْحَقَائِق التِّقْنِيَّة، بَلْ هُوَ أَدَاةٌ لِتَحْقِيق أَهْدَافٍ إِنْسَانِيَّة نَبِيلَة. تَعْتَبر الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة إنْ تَطَوُّر الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا يَجِبُ أَنْ يَخْدُمَ قَضَايَا الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمُجْتَمَعِ. فَالْعِلْم مِنْ هَذَا الْمَنْظُورُ لَيْسَ غَايَةً فِي حَدِّ ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ لِتَحْسِين الظُّرُوف الْمَعِيشِيَّة لِلْإِنْسَانِ وَالنُّهُوض بِالْمُجْتَمَع. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة تَدْعُو إلَى تَوْجِيهِ الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا نَحْو مُعَالَجَة الْمُشْكِلَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ، كَالْفَقْر وَالْبَطَالَة وَإنْتِهَاكات حُقُوقُ الْإِنْسَانِ. فَالْعِلْمُ فِي هَذَا السِّيَاقِ لَيْسَ مُجَرَّدَ بَحْث نَظَرِيّ، بَلْ هُوَ أَدَاةٌ لِتَحْقِيق الْعَدَالَة وَالتَّنْمِيَة. إنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ التَّقَدُّمِ هِيَ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَمَتَبَادَلَة. فَالْعِلْمُ يُعْتَبَر الْمُحَرِّكَ الرَّئِيسِيَّ لِلتَّقَدُّمِ فِي مُخْتَلَفٍ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَهُوَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ مِنْ فَهْمِ الطَّبِيعَةِ وَالْكَوْنِ مِنْ حَوْلِهِ، وَتَفْسِير الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّةِ وَصِيَاغَة قَوَانِين تَحْكُمُهَا. بِالْمُقَابِل، يُؤَدِّي التَّقَدُّم وَالتَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ النَّاتِجُ عَنْ تَطْبِيقِ نَتَائِجِ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ إلَى تَعْزِيز وَتَطْوِير الْعِلْم ذَاتِه وَزِيَادَة فُرَص إسْتِكْشَاف الْمَزِيدَ مِنْ الْحَقَائِقِ وَالْمَعَارِف. فَعَلَى مَدَارِ التَّارِيخِ، نُلَاحِظُ أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ كَانَ دَافِعًا أَسَاسِيًّا لِلنَّهْضَة وَالتَّطَوُّر الْحَضَارِيّ فِي مُخْتَلَفٍ الْمُجْتَمَعَات الْبَشَرِيَّة. فَقَدْ سَاهَم الْعِلْمِ فِي تَحْقِيقِ تَقَدَّم هَائِل فِي مَجَالَاتِ الصِّنَاعَة وَالزِّرَاعَة وَالطِّبّ وَالِإتِّصَالَات وَغَيْرِهَا، مِمَّا أَدَّى إلَى تَحْسِينِ مُسْتَوَيَات الْمَعِيشَةِ وَزِيَادَةِ الرَّفَاهِيَّةَ لِلْإِنْسَانِ. إنْ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ لَهُ تَأْثِيرَات عَمِيقَة عَلَى مُخْتَلِفِ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ. فَعَلَى صَعِيدِ الِإقْتِصَاد، أَدَّى التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ إلَى ظُهُورِ صِنَاعَات جَدِيدَة وَتَطْوِيرِ وَسَائِلَ الْإِنْتَاج وَ النَّقْل وَالِإتِّصَال، مِمَّا سَاهَمَ فِي زِيَادَةِ الْإِنْتَاجِيَّة وَالتِّجَارَة الْعَالَمِيَّة وَتَحْقِيقِ مُعَدَّلَاتٍ نُمُوّ إقْتِصَادِيّ مُرْتَفِعَةٍ. كَمَا أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ كَانَ لَهُ أَثَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْجَوَانِبِ الْعَسْكَرِيَّة، حَيْث سَاهَمَ فِي تَطْوِيرِ أَنْظِمَة الْأَسْلِحَة وَالتَّسْلِيح وَالِإسْتِرَاتِيجِيَّات الْقِتَالِيَّةِ، مِمَّا أَدَّى إلَى تَغْيِيرِ مَوَازِين الْقِوَّى عَلَى السَّاحَةِ الدَّوْلِيَّةِ. وَمِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى، أَدَّى التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ إِلَى تَطْوِيرِ وَسَائِلِ الإِتِّصَالِ وَالْإِعْلَام مِمَّا سَاهَمَ فِي ظُهُورِ مَا يُعْرَفُ بِالْعَوْلَمَة وَإنْتِشَار الثَّقَافَات وَالْأَفْكَار عَبَّر الْحُدُود الْجُغْرَافِيَّة. وَ فِي مَجَالِ الصِّحَّةِ وَالرِّعَايَة الطِّبِّيَّة، أَحْرَز الْعِلْم تَقَدَّمَا هَائِلًا فِي مُكَافَحَةِ الْأَمْرَاضَ الْمُعْدِيَةَ وَتَطْوِير الْأَدْوِيَة وَالْعَلَاجَات الْحَدِيثَةِ، مِمَّا سَاهِم فِي زِيَادَةِ مُتَوَسِّطُ العُمْرِ الْمُتَوَقَّع لِلْإِنْسَان وَتَحْسِين نَوْعِيَّة حَيَاتِهِ. كَمَا أَثَّرَ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ عَلَى مَجَالَات التَّعْلِيم وَالْبَحْث الْعِلْمِيّ ذَاتِهِ، مِنْ خِلَالِ ظُهُور وَسَائِل تِكْنُوْلُوْجِيَّة جَدِيدَة لِلتَّعْلِيم وَالْبَحْث وَتَيْسِير عَمَلِيَّة نَشْر الْمَعْرِفَة وَالْمَعْلُومَات. وَمَعَ ذَلِكَ، لَا يَنْبَغِي الَّتَغَاضِي عَنْ بَعْضِ الْأثَارِ السَّلْبِيَّة لِلتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، كَالتَّلَوُّث الْبِيئِيِّ وَ الْمَخَاطِر النَّاجِمَةِ عَنِ سُوءِ إسْتِخْدَامِ التِّقْنِيَّات الْحَدِيثَة. لِذَلِكَ، مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ مُوَجِّهًا لِخِدْمَة الْبَشَرِيَّة وَتَحْقِيق التَّنْمِيَةَ الْمُسْتَدَامَة، وَأَنْ يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِإتِّخَاذ التَّدَابِير الْكَفِيلَة بِحِمَايَة الْبِيئَة وَالْحُقُوق الْإِنْسَانِيَّة. يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ الْمُحَرِّكَ الرَّئِيسِيَّ لِلتَّقَدُّم الْبَشَرِيّ، حَيْث سَاهَمَ فِي إحْدَاثِ تَغْيِيرَات جِذْرِيَّة فِي مُخْتَلَفٍ مَنَاحِي الْحَيَاةِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي التَّعَامُلِ مَعَ هَذَا التَّقَدُّمِ بِحِكْمَة وَتَوْجِيهُهُ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لِلْإِنْسَانِيَّة. بِالنِّسْبَةِ لِلْفَلْسَفَةُ التَّقَدُّمِيَّة، فَإِنْ الْأَخْلَاق لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْمَبَادِئ السُّلُوكِيَّة، بَلْ هِيَ ضَرُورَةً حَتْمِيَّةً لِتَحْقِيق التَّقَدُّم وَالْإِصْلَاح الِإجْتِمَاعِيّ. فَالْأَخْلَاق مِنْ هَذَا الْمَنْظُورِ تُشْكِل الرَّكِيزَة الْأَسَاسِيَّةِ لِلْعَلَاقَات الْإِنْسَانِيَّة وَ التَّفَاعُل الِإجْتِمَاعِيّ. تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة عَلَى ضَرُورَةِ رَبَط الْأَخْلَاق بِالْعَدَالَة وَ الْمُسَاوَاة وَالْحُرِّيَّة. فَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة، مِثْل الْإِيثَار وَالتَّضَامُن وَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الِإجْتِمَاعِيَّةَ، هِيَ الْأَسَاسُ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَنْطَلِقَ مِنْهُ أَيْ مَشْرُوعُ تَنْمَوِيّ أَوْ أَصْلًاحِيّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّةُ تَرَى أَنَّ الْأَخْلَاقَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ أُمُور نَظَرِيَّة أَوْ شِعَارَات جَوْفَاء، بَلْ هِيَ ضَرُورَة عَمَلِيَّة وَوَاقِعِيَّةُ لِتَحْقِيقِ التَّغْيِير الْمَنْشُود. فَالْأَخْلَاق مِنْ هَذَا الْمَنْظُورِ هِي الْمُوَجِّه وَ الْمُرْشِد لِلسُّلُوك الْفَرْدِيِّ وَالْجَمَاعِيِّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْعَدَالَة وَ الرِّفَاه. طَالَمَا كَانَتْ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة نَهْج فِكْرِي يُرَكِّزُ عَلَى التَّغْيِيرِ وَالْإِصْلَاحِ الِإجْتِمَاعِيّ مِنْ خِلَالِ تَعْزِيز الْعَدَالَةِ وَ الْمُسَاوَاةِ وَالْحُرِّيَّة. أَنَّهَا تَسْعَى إِلَى تَحْسِينِ الظُّرُوف الْإِنْسَانِيَّةِ عَبْرَ الِإبْتِكَار وَالتَّطْوِير فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات. عِنْدَمَا نَنْظُرُ إلَى هَذِهِ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة، نَجِدُ أَنَّهَا لَهَا عَلَاقَةٌ وَطِيدَة بِالْأَخْلَاق. فَالتَّقَدُّم الْمَنْشُود فِي هَذِهِ الْفَلْسَفَةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ إلَّا مِنْ خِلَالِ التَّمَسُّكَ بِالْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّة السَّامِيَة. فَالفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة تَدْعُو إلَى تَحْرِيرِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْقُيُودِ وَالظُّلْم وَ الِإضْطِهَاد، وَتُؤَكِّد عَلَى ضَرُورَةِ إِرْسَاءِ دَعَائِمِ الْعَدَالَةِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالْمُسَاوَاة. وَهَذِهِ الْمَفَاهِيمُ وَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة هِيَ جَوْهَرٌ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة وَرَكَيزَتُهَا الْأَسَاسِيَّة. كَمَا أَنَّ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة تَسْعَى إِلَى تَحْقِيقِ الرَّفَاهِيَة وَالسَّعَادَة لِلْإِنْسَانِ، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ خِلَالِ الِإلْتِزَامِ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَتَبْنِي الْقَيِّم النَّبِيلَة. فَالتَّقَدُّم الْحَقِيقِيِّ لَا يَكُونُ فَقَطْ فِي الْمَجَالَاتِ الْمَادِّيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة، بَلْ أَيْضًا فِي الْمَجَالَات الْأَخْلَاقِيَّة وَالرُّوحِيَّة. وَ بِالتَّالِي، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة وَالْأَخْلَاقِ مُتَرَابِطَتان إرْتِبَاطًا وَثِيقًا. فَالتَّقَدُّم الْمَنْشُود لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ دُونَ إلْتِزَامُ الْإِنْسَانِ بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة وَمَبَادِئ السُّلُوك الْحَمِيدِ. وَعَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِنْ تَطْبِيق الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي الْوَاقِعِ الْعَمَلِيَّ هُوَ جَوْهَرٌ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة وَمُحَرِّكَه الأَسَاسِيّ. وَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة تَسْعَى إِلَى بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ قَائِمٌ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ، حَيْثُ يَتِمُّ تَحْرِيرِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْقُيُودِ وَ الظُّلْم وَ الِإسْتِبْدَاد. وَ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ خِلَالِ تَبَنِي الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ السَّامِيَة وَتَرْسِيخِهَا فِي وَاقِعِ الْحَيَاةِ الْعَمَلِيَّة. لِذَلِكَ، فَإِنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ هِيَ عَلَاقَةٌ وَطِيدَة وَتَكَامَلَيَّةِ، فَكِلَاهُمَا يُكْمِلُ الْآخَرَ وَيُعَزِّز مَفَاهِيمِه وَ أَهْدَافِه. وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا هُوَ الضَّمَانَة الْأَسَاسِيَّةِ لِتَحْقِيق التَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ الْحَقِيقِيّ لِلْإِنْسَان وَالْمُجْتَمَع. أَنَّ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاق لَيْسَا مَجَالين مُنْفَصِلَيْن، بَلْ هُمَا مُتَكَامِلَان وَيَتَفَاعِلَان فِي إِطَارِ تَحْقِيق التَّقَدُّمِ الْإِنْسَانِيِّ. فَالْعِلْم دُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى نَتَائِج سَلْبِيَّة وَخَطِيرَة عَلَى الْمُجْتَمَعِ، فِي حِينِ أَنَّ الْأَخْلَاقَ بِدُونِ عِلْمِ قَدْ تَكُونُ شِعَارَات جَوْفَاء لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَاقِع. وَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة عَلَى ضَرُورَةِ رَبَط التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ بِالِإلْتِزَام الْأَخْلَاقِيّ. فَإسْتِخْدَام الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي إِطَارِ مِنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة كَالْعَدَالَة وَالْمُسَاوَاة وَ الْحُرِّيَّة، بِحَيْثُ يُؤَدِّي إلَى تَحْسِينِ ظُرُوف الْإِنْسَانِ وَرَفْعِ مُسْتَوَى مَعِيشَتِه. بِمَعْنًى آخَرَ، تَرَى الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة إنْ التَّقَدُّم الْحَقِيقِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ خِلَالِ التَّكَامُلَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق، بِحَيْثُ يَخْدُمُ الْعِلْمِ قَضَايَا الْإِنْسَانِ وَيَنْطَلِقُ مِنَ قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ نَبِيلَة. وَبِذَلِكَ تَتَحَقَّقُ رُؤْيَة الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة فِي إحْدَاثِ تَغْيِير إِيجَابِيّ شَامِلٌ عَلَى الْمُسْتَوَيَات الِإقْتِصَادِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّة وَالثَّقَافِيَّة. وَخُلَاصَةُ الْقَوْلِ، أَنَّ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة تَرَى فِي الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق وَسِيلَتَيْن مُتَكَامِلَتَيْن لِتَحْقِيقِ التَّقَدُّم وَالْإِصْلَاح الْمَنْشُود. فَالْعِلْمُ يَجِبُ أَنْ يُوَظِّفَ فِي خِدْمَةِ قَضَايَا الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالْحُرِّيَّةِ، فِي حِينِ أَنَّ الْأَخْلَاقَ تُشْكِل الْأَسَاس وَالْمُوَجِّه لِإسْتِخْدَام الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا بِمَا يُحَقِّقُ الرَّفَاه وَالتَّنْمِيَةِ لِلْإِنْسَان.
_ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ : الْعَلَاقَةُ الْحَتْمِيَّة
إنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ هِيَ مَوْضُوعُ نَقَّاش وَاسِع وَ جَدَلي بَيْنَ الْفَلَاسِفَة عَبْرَ التَّارِيخِ. يُثِير هَذَا الْمَوْضُوعِ الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ حَوْل طَبِيعَة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ وَمَدَى إرْتِبَاطُهُمَا بِبَعْضِهِمَا الْبَعْضُ. فَهُنَاك آرَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ بَيْنَ الْفَلَاسِفَة حَوْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. أَدْرَك الْفَلَاسِفَة الْقُدَمَاء أَنَّ الْعِلْمَ يُمَثِّلُ أَحَدَ أَهَمّ وَسَائِل الْحُصُولِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ الْحَقِيقِيَّةَ عَنْ الطَّبِيعَةِ وَ الْكَوْنِ. فَقَدْ إهْتَمّ الفَلَاسِفَةُ اليُونَانِيُّونَ مِثْل أَفْلَاطُونْ وَ أَرِسْطُو بِدِرَاسَة الظَّوَاهِرِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْبَحْثُ فِي أَسْبَابِهَا الْأُولَى وَ الْقَوَانِينِ الَّتِي تَحْكُمُهَا، مُعْتَبَرَيْن ذَلِك أَسَاسًا لِأَيّ فَهُمْ فَلْسَفِيّ لِلْعَالِم. وَ فِي الْعَصْرِ الْإِسْلَامِيّ، رَأَى الْفَلَاسِفَةِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ الْعِلْمُ وَسِيلَةٌ لِإسْتِكْشَاف آيَاتِ اللَّهِ فِي الْكَوْنِ وَالْوُصُولُ إلَى الْحَقِيقَةِ. فَوَصَف الْفَارَابِيّ الْفَلْسَفَة بِأَنَّهَا "الصِّنَاعَة الْعُلْيَا" الَّتِي تَجْمَعُ بَيْنَ الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ، بَيْنَمَا إعْتَبَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ هَدَف الْفَلْسَفَة هُوَ "النَّظَرُ فِي الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ لِمَعْرِفَة صَنْعَتِهَا". لَكِنْ مَعَ تَطَوُّرِ الْعُلُومِ الْحَدِيثَةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، بَدَأَتْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْفَلْسَفَةِ تَتَغَيَّرُ. فَقَدْ إنْتَقَدَ بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ مِثْل أَوْغَست كَوَّنَت وَ أَنْصَار الْمَذْهَبُ الْوَضْعِيُّ الْحَدِيث الْجُهُود الْفَلْسَفِيَّة السَّابِقَة بِإعْتِبَارِهَا "مِيتَافِيزِيقِيَّة" وَ غَيْر عِلْمِيَّة، وَدَعَوْا إلَى إحْلَالِ الْعِلْم مَحَلّ الْفَلْسَفَة. وَ فِي الْمُقَابِلِ، حَاوَل فَلَاسِفَة آخَرُون مِثْلُ كَارْل بوبَر وَ تَومَاس كَوْنُ إعَادَة تَأْسِيس الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ الْفَلْسَفَةِ عَلَى أُسُسٍ جَدِيدَة. فَرَأَى بوبَر أَنَّ الْعِلْمَ يَنْطَلِقُ مِنْ فَرْضًيات يُمْكِنُ إخْضَاعِهَا لِلِإخْتِبَارِ وَ التَّفَنُّيد، بَيْنَمَا تَهْتَمّ الْفَلْسَفَة بِطَرْح الْأَسْئِلَة الْجَوْهَرِيَّة الَّتِي لَا يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ وَحْدَه الْإِجَابَة عَلَيْهَا. وَأَكَّد كَوْنَ عَلَى أَنَّ تَطَوُّر الْعِلْمِ لَا يَسِيرُ بِشَكْل تَرَاكُمِيّ وَ مَنْطِقِيّ، بَلْ يَتِمُّ عَنْ طَرِيقِ "ثَوْرَات عِلْمِيَّة" تُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ النَّمَاذِج وَ النَّظَرِيَّات الْعِلْمِيَّة السَّائِدَة. فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، لَا يَزَالُ هُنَاك نَقَّاش حَوْل طَبِيعَة الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ مِنْ مَنْظُورٍ فَلْسَفِيّ. فَمَع التَّطَوُّرَات الْهَائِلَة فِي الْعُلُومِ وَ التِّكْنُولُوجْيَا، ظَهَرَتْ تَسَاؤُلَات جَدِيدَةٍ حَوْلَ الْأَهْدَافِ وَالْقِيَمِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى الْعِلْم لِتَحْقِيقِهَا. وَبَاتَ عَلَى الْفَلْسَفَةِ أنْ تُقَدَّمَ رُؤَى نَقْديَّة حَوْل دُور الْعِلْمِ فِي الْمُجْتَمَعِ وَأثَرَهُ عَلَى الْبِيئَةِ وَالْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة وَالْإِنْسَانِيَّة. بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ يَرَوْنَ أَنَّ الْعِلْمَ يَقُود بِالضَّرُورَةِ إِلَى التَّقَدُّمِ الْبَشَرِيِّ وَالرُّقَي الْمُسْتَمِرّ. فَالْعِلْم مِنْ وَجْهَة نَظَرِهِمْ هُوَ الْأَدَاةُ الرَّئِيسِيَّة لِتَطْوِير الْمَعْرِفَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ تَقَدُّمَ الْعِلْمِ يُؤَدِّي إلَى تَقَدُّمِ الْحَضَارَة الْبَشَرِيَّة كَكُلّ. فَفِي نَظَرِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، كُلَّمَا تَقَدَّمَ الْعِلْمُ وَتَطَوَّرَ، زَادَتْ قُدْرَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى السَّيْطَرَةَ عَلَى الطَّبِيعَةِ وَتَسْخِيرِهَا لِخِدْمَة أَهْدَافِه، وَهَذَا يُؤَدِّي بِالضَّرُورَةِ إِلَى تَحْسُن أَوْضَاع الْبَشَرِيَّة وَالِإرْتِقَاء بِمُسْتَوًى مَعِيشَتَهُمْ. مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ نَجِد أَوْجَسَتْ كَوَّنَت الَّذِي يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمُحَرِّكُ الْأَسَاسِيُّ لِلتَّقَدُّم الْبَشَرِيّ، وَ إِنْ الْإِنْسَانِيَّة تَمْر بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ مُتَتَالِيَة هِيَ: الْمَرْحَلَةُ اللَّاهُوتِيَّة، ثُمّ الْمَرْحَلَة الْمَيتَافِيزِيقِيَّة، وَأَخِيرًا الْمَرْحَلَة الْعِلْمِيَّةِ أَوِ الْوَضْعِيَّة، وَالَّتِي تُمَثِّلُ قِمَّة التَّطَوُّرُ البَشَرِيُّ. وَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ، فَإِنْ كَونَت يَرْبَط إرْتِقَاء الْإِنْسَانِيَّة بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ بِتَقَدُّم الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة. عَلَى النَّقِيضِ مِنْ ذَلِكَ، هُنَاكَ فَلَاسِفَة آخَرُونَ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ بِنَظَرة أَكْثَرَ تَشَاؤُمًا وَحَذَرًا. فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ أَخْطَار التَّقَدُّمِ وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ يُؤَدِّي إلَى تَقَدُّمِ الْبَشَرِيَّةِ. فَفِي نَظَرِهِمْ، إِذَّا لَمْ يَكُنْ التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ مَصْحُوبًا بِتَطْور أَخْلَاقِيّ وَرُوَحي مُوَازٍ لَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُنْتِجُ عَنْه مُشْكِلَات إجْتِمَاعِيَّة وَبِيئِيَّة خَطِيرَة كَالتَّلَوُّث وَ الِإسْتِنْزَاف الْبِيئِيِّ وَ تَهْدِيد السَّلَامِ الْعَالَمِيِّ. مِنْ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ نَجِد هَرَبَرت مَارّْكُوْز الَّذِي يَنْتَقِدْ الطَّابَع التِّقَنِيّ لِلْعِلْم الْحَدِيث وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَدَّى إلَى سَيْطَرَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَتَحْوِيلِهِ إِلَى مُجَرَّدِ مَوْضُوع لِلسَّيْطَرَة وَالتَّحَكُّمُ. كَمَا نَجِدُ أَيْضًا جَاك إلَيول Jacques Ellul الَّذِي يُؤَكِّدُ عَلَى الْأضْرَارِ النَّاجِمَةِ عَنِ التَّقَدُّمِ التِّكْنُولُوجْيّ غَيْرَ الْمَدْرُوس، وَاَلَّذِي قَدْ يُهَدَّد بِتَدْمِير الْبِيئَة وَ إِلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْإِنْسَان وَالطَّبِيعَة. هُنَاكَ فَلَاسِفَة آخَرُون يَنْظُرُونَ إلَى الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ مِنْ مَنْظُورٍ مُخْتَلَف. فَهُمْ لَا يَرْفُضُون دُور الْعِلْمِ فِي التَّقَدُّمِ الْبَشَرِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ يُؤَكِّدُون عَلَى ضَرُورَةِ مُمَارَسَةِ النَّقْدِ وَالتَّأَمُّل الْفَلْسَفِيّ لِتَوْجِيه وَضَبْطُ هَذَا التَّقَدُّمِ. فَالفَلْسَفَة فِي نَظَرِهِمْ هِيَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَضَعَ الأَطْر الْقِيَمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ فِي إطَارَهَا التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. مِنْ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ نَجِد هَابَرْمَاس الَّذِي يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالتِّقْنِيَة قَدْ أَصْبَحَا فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ أَيْدُيُولُوجِيَّة تَخْفِي وَرَاءَهَا مَصَالِح سِيَاسِيَّة وَ إقْتِصَادِيَّة مُعَيَّنَةٍ، وَإِنْ عَلَى الْفَلْسَفَةِ أَنْ تُمَارَسَ دَوْرُهَا النَّقْدِيّ لِكَشْفِ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الْمَخْفِيَّة. كَمَا نَجِدُ أَيْضًا إِدْجَارْ مُورِّانْ Edgar Morin الَّذِي يُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ تَطْوِير فَلْسَفَة لِلْعِلْم تَعْمَلُ عَلَى تَوْجِيهِ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ نَحْوَ الِإهْتِمَامِ بِالْإِنْسَان وَ قَضَايَاه الْأَخْلَاقِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ. يَتَّضِحُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ هِيَ عَلَاقَةٌ مُعَقَّدَة وَ جَدَلِيَّة لَا تَخْضَعُ لِرُؤْيَة وَاحِدَة. فَبَيْنَمَا يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْعِلْمَ يُؤَدِّي بِالضَّرُورَةِ إِلَى التَّقَدُّمِ الْبَشَرِيِّ، يَرَى آخَرُونَ أَنَّهُ قَدْ يَنْطَوِي عَلَى أَخْطَار التَّقَدُّم. وَ فِي الْمُقَابِلِ، هُنَاك فَلَاسِفَة يُؤَكِّدُون عَلَى ضَرُورَةِ مُمَارَسَةِ النَّقْدِ الْفَلْسَفِيّ لِتَوْجِيه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ نَحْوَ الِإهْتِمَامِ بِالْقِيَمِ وَالْأَخْلَاقِ الْإِنْسَانِيَّة. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ الْفَلْسَفَة تَلْعَبُ دَوْرًا مُحَوَّريا فِي فَهْمِ وَتَوْجِيه الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ. وَمِنْ هُنَا، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ مِنْ وَجْهَة نَظَر الْفَلْسَفَة هِيَ عَلَاقَةٌ مُتَطَوِّرَة وَمُتَشَابِكَة. فَالفَلْسَفَةُ لَا تَقِفُ مَوْقِفًا سَلْبِيًّا مِنْ الْعِلْمِ، بَلْ تَسْعَى إِلَى فَهْمِ طَبِيعَتِه وَدَوْرُهُ فِي الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ وَ التَّأْكِيدِ عَلَى قِيَّمَه وَمَسْؤُولِيَّاتِه الْأَخْلَاقِيَّة. وَفِي الْمُقَابِلِ، تُؤَثِّر الْمَعَارِف وَالِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّة عَلَى التَّفْكِيرِ الْفَلْسَفِيّ وَتَفْتَح أمَامَه آفَاقَا جَدِيدَة لِلْبَحْث وَالتَّأَمُّل.
_ الْأَخْلَاقِ وَالتَّقَدُّم: الْعَلَاقَة الْحَيَوِيَّة
الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْأَخْلَاق وَالتَّقَدُّم مُعَقَّدَة وَ شَائِكَة. فَالتَّقَدُّمُ التِّكْنُولُوجْيّ وَالعِلْمِيِّ المُذْهِل الَّذِي شَهِدَه الْعَصْرِ الْحَدِيثِ لَمْ يُقَابِلْهُ بِالضَّرُورَة تَطَوُّر أَخْلَاقِيّ مُتَوَاز. هُنَاك جَدَل وَاسِعٌ بَيْنَ الفَلَاسِفَةِ وَالمُفَكِّرِينَ حَوْلَ مَا إذَا كَانَ التَّقَدُّمُ الْمَادِّيّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ مَصْحُوبًا بِتَقَدُّم أَخْلَاقِيّ أَمْ أَنَّهُمَا يَسِيرِان فِي إتِّجَاهِين مُتَعَاكِسَين. فِي الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ التَّطَوُّرَ التِّكْنُولُوجْيّ وَ التَّقَدُّمُ الْمَادِّيّ قَدْ أَحْدَثَ تَحَوُّلَات كَبِيرَةٌ فِي أَنْمَاط الْحَيَاة وَ الْعَلَاقَاتِ الِإجْتِمَاعِيَّةِ، مِمَّا أَفْرَز تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَةٍ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً مِنْ قَبْل. فَالنُّمُوّ الْمُذْهِلُ فِي قُدُرَات التِّكْنُولُوجْيَا الْحَدِيثَةِ أَتَاح إِمْكَانَات هَائِلَة لِإِحْدَاث التَّغْيِيرِ، إلَّا أَنْ إسْتِخْدَامِ هَذِهِ القُدُرَات فِي إتِّجَاهَات غَيْر أَخْلَاقِيَّة أَوْ ضَارَّة بِالْمُجْتَمَع أَوْ الْفَرْدَ أَثَارَ مَخَاوِفَ وَاسِعَة. وَ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَدَّى التَّقَدُّمِ فِي عِلْمِ الْجِينَاتِ إِلَى إِمْكَانِيَّة التَّلَاعُب الْوِرَاثِيّ وَالْهَنْدَسَة الْبَيُولُوجِيَّة، مِمَّا فَتَّح الْبَابُ أمَام تَّسَاؤُلَات أَخْلَاقِيَّة حَوْل حُدُودِ هَذِهِ التَّطْبِيقَات وَأَخْلَاقِيَّاتٍهَا. كَذَلِكَ، أَدَّتْ التَّطَوُّرَات فِي تِكْنُولُوجْيَا الِإتِّصَالَات إلَى ظُهُورِ قَضَايَا أَخْلَاقِيَّة جَدِيدَة تَتَعَلَّق بِالْخُصُوصِيَّة وَالْأَمْن الرَّقْمِيّ وَإنْتِهَاك الْحُقُوقُ الْفَرْدِيَّةُ. فِي الْمُقَابِلِ، هُنَاكَ مِنْ يَرَى أَنَّ التَّقَدُّمَ التِّكْنُولُوجْيّ وَالعِلْمِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ سَبَبًا فِي إنْحِطَاط الْأَخْلَاقِ، بَلْ إنْ الْمَسْؤُولِيَّة تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْبَشْرُ فِي كَيْفِيَّةِ إسْتِخْدَامِ هَذِهِ التَّطَوُّرَات. فَالْأَخْلَاق وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَيْسَتْ مُرْتَبِطَةً بِشَكْل حَتْمِيّ بِالتَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ، بَلْ إنْ الْحِفَّاظُ عَلَى الْأَخْلَاقِ يَتَطَلَّب جُهُودًا مَقْصُودَة مِنْ جَانِبِ الْبَشَر لِتَوْجِيه هَذَا التَّطَوُّرُ نَحْو الْأَفْضَل. وَ فِي هَذَا الصَّدَدِ، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّ الْحَلَّ يَكْمُنُ فِي تَأْسِيسِ أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ، أَيْ مَجْمُوعَة مِنْ الْمَبَادِئِ وَ الْمَمَارَسَات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَضْبِطُ إسْتِخْدَام التَّطَوُّرَات التِّكْنُولُوجِيَّة وَالْعِلمِيَّة وَتَوَجُّهُهَا نَحْو خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَ الْمُجْتَمَعِ. هَذِه الْأَخْلَاقَيَّات لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مِثَالِيًّات أَوْ نَظَرِيَّات فَلْسَفِيَّة، بَلْ هِيَ أَجْنَدَة عَمَلِيَّةُ قَابِلَة لِلتَّنْفِيذ تَهْدِفُ إِلَى ضَمَانِ أَنْ يَكُونَ التَّقَدُّمُ مَصْحُوبًا بِتَقَدُّم أَخْلَاقِيّ مُتَوَاز. وَ تَشْمَلُ أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ مَبَادِئ مِثْلَ الْأَمَانَةِ وَالْمَوْضُوعِيَّة وَالْإِتْقَان فِي الْعَمَلِ، وَإحْتِرَام الْحُقُوقُ الْفَرْدِيَّةُ وَالْخُصُوصِيَّة، وَ الْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّةِ فِي إسْتِخْدَامِ التِّكْنُولُوجْيَا، وَالتَّوَازُن بَيْنَ الْمَصَالِحِ الْفَرْدِيَّةِ وَالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ. كَمَا تَتَطَلَّبُ تَضَافَر جُهُود الْعَدِيدِ مِنَ الْجِهَاتِ كَالْمُؤسَسَات التَّعْلِيمِيَّة وَالدِّينِيَّة وَ الإِعْلَامِيَّة لِتَعْزِيز هَذِهِ الْمَبَادِئِ فِي الْمُجْتَمَعِ. إنْ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة تَنْظُرُ إلَى الْأَخْلَاقِ مِنْ مَنْظُورٍ مُخْتَلفٌ عَنِ الْفَلْسَفَات التَّقْلِيدِيَّة. أَبْرَزَ مَا يُمَيِّزُ مَوْقِفِهَا تُجَاه الْأَخْلَاق هُوَ الرَّبْطُ الْوَثِيقِ بَيْنَ الْأَخْلَاق وَالْحَيَاة الْعَمَلِيَّة بِعَكْس التَّصَوُّر التَّقْلِيدِيّ لِلْأَخْلَاق كَمَجْمُوعَة مِنْ الْمَبَادِئِ وَالْقَوَاعِد الْمُجَرَّدَة، تَرَى الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة إنْ الْأَخْلَاق يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَثِيقَة الصِّلَة بِالْوَاقِع الْمَعَاش وَتَجَارِب الْإِنْسَان الْيَوْمِيَّة. فَالْأَخْلَاق لَيْسَتْ مِثَالًا أَعْلَى يَجِب التَّطَلُّعَ إِلَيْهِ، بَلْ هِيَ إرْشَادَات عَمَلِيَّة تُسَاعِد الْإِنْسَانِ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الْمَوَاقِف الْحَيَاتِيَّة الْمُتَنَوِّعَة. تَرَى الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة إنْ الْأَخْلَاق لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَعَايِير ثَابِتَة لِلسُّلُوك الْفَرْدِيّ، بَلْ لَهَا دَوْرٌ مَرَكَّزي فِي إحْدَاثِ التَّغْيِير الِإجْتِمَاعِيّ وَالنُّهُوض بِالْمُجْتَمَع. فَهِي تَسْعَى إِلَى تَبَّنِي أَخْلَاقِيَّات تَخْدُمُ أَهْدَاف التَّقَدُّم وَالْإِصْلَاح الِإجْتِمَاعِيّ، وَ تَتَحدي الْأَوْضَاعُ الرَّاهِنَة الْمَلِيئَة بِالظُّلْم وَالتَّفَاوُت. فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ بَدَلًا مِنْ التَّرْكِيزِ عَلَى الِإلْتِزَامِ الْمُطْلَق بِالْقَوَاعِد الْأَخْلَاقِيَّة، تَهْتَمّ الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة بِالنَّتَائِجِ الْعَمَلِيَّة لِلْأَفْعَال الْأَخْلَاقِيَّة وَقُدْرَتِهَا عَلَى تَحْقِيقِ الْأَهْدَافِ الْمَنْشُودَةِ. فَالْسُلُوك الْأَخْلَاقِيّ يُقَاس بِمَدَّى إسْهَامُه فِي تَحْقِيقِ التَّقَدُّم وَالْخَيْر لِلْمُجْتَمَع كَكُلّ. فِي مُقَابِلِ التَّرْكِيز التَّقْلِيدِيّ عَلَى الْأَخْلَاقِ الْفَرْدِيَّة، تُؤَكِّد الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة عَلَى ضَرُورَةِ الِإهْتِمَام بِالْأَخْلَاق الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة تُجَاه الْمُجْتَمَع. فَالْفَرْد مَسْؤُولٌ عَنْ الْإِسْهَامِ فِي تَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَ الرِّفَاه الِإجْتِمَاعِيِّ بِعَكْس الْمَيْل التَّقْلِيدِيّ إلَى الثَّبَات وَالْجُمُود، تَتَبَنَّى الْفَلْسَفَة التَّقَدُّمِيَّة مُوَقِّفًا أَكْثَر إنْفِتَاحًا عَلَى التَّغْيِيرِ وَ التَّطَوُّر. فَالْأَخْلَاق لَيْسَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ السُّكُونِيَّة، بَلْ هِيَ مَجَالُ لِلْإِبْدَاع وَالِإبْتِكَار لِمُوَاكَبَة مُتَطَلَّبَات الْعَصْرِ الْحَدِيثِ.وَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْفَلْسَفَةَ التَّقَدُّمِيَّة تَسْعَى إِلَى إِعَادَةِ صِيَاغَة الْأَخْلَاقِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ أَهْدَاف التَّحَرُّر وَالتَّقَدُّم الِإجْتِمَاعِيّ. فَهِيَ لَا تَنْظُرُ لِلْأَخْلَاق كَغَايَة فِي حَدِّ ذَاتِهَا، بَلْ كَوَسِيلَة لِتَحْقِيقِ الْمَزِيدِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالرَّفَاهِيَة لِلْجَمِيعِ. وَ بِذَلِكَ تَكُونُ الْأَخْلَاقُ فِي هَذَا الْمَنْظُورِ مُرْتَبِطَة إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْمُمَارَسَة الْعَمَلِيَّة وَالتَّحْوِلَات السِّيَاسِيَّةِ وَالإجْتِمَاعِيَّةِ المَنْشُودَة.
_ الْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة وَأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم
أَخْلَاقُ التَّقَدُّم هِيَ مَجْمُوعَةٌ الْقَيِّم وَالسَّلْوَكَيَّات الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُسَاعِدُ عَلَى تَحْقِيقِ التَّقَدُّم وَ التَّطَوُّر الْحَضَارِيّ لِلْمُجْتَمَعَات. وَبَيْنَمَا الْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة هِيَ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَعَزُّز وَتُدَعِّم هَذَا التَّقَدُّمِ وَتُحَافِظ عَلَيْهِ. هُنَاك عَلَاقَة وَثِيقَةٌ بَيْنَ الْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة وَأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم، فَالْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة تُشَكِّلُ الْأَسَاس وَالْأَرْضِيَّة لِأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم. فَالْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة تَتَضَمَّنُ الْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تَرْتَكِزُ عَلَيْهَا أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ وَتَوَجَّه سَلُوكَيَّات الْإِفْرَادُ وَالمُؤَسَّسَات نَحْوَ تَحْقِيقِ التَّقَدُّم الشَّامِل. فَأَخَلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ تَأْخُذُ مِنْ الْأَخْلَاقِ التَّقَدُّمِيَّةِ جَوْهَرُهَا وَمُوجِهَاتِهَا، وَتُتَرْجَمُهَا إلَى مُمَارَسَات وَ سُلُوكِيَّات مُحَدَّدَةً فِي مُخْتَلَفٍ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ الِإقْتِصَادِيَّة وَ الِإجْتِمَاعِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ وَالثَّقَافِيَّة. وَهَذَا مَا يُمَيِّزُ أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ بِقُدْرَتِهَا عَلَى التَّطْبِيقِ العَمَلِيِّ وَالتَّأْثِير الْمُبَاشِرِ عَلَى سَيْرِ التَّقَدُّمِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ. إنْ الْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّةُ تُشَكِّلُ الرَّكِيزَة الْأَسَاسِيَّةِ لِأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تَوَفُّر الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَكَامِلَة الَّتِي تُؤَطِر سَلُوكَيَّات الْأفْرَادُ وَ المُؤَسَّسَات نَحْوَ تَحْقِيقِ التَّقَدُّم. فَالْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة تَتَضَمَّنُ قَيِّمًا كَالشَّفَافِيَّة وَالنَّزَاهَةُ وَالْإِتْقَان وَالمُسَاءَلَة وَالْعَدَالَةِ وَ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُنَافَسَة الشَّرِيفَة وَالْمَسْؤُولِيَّة الِإجْتِمَاعِيَّة وَغَيْرِهَا، وَالَّتِي تُشَكِّلُ الْأَسَاس لِأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمِ فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات. فِي الْمُقَابِلِ، الأخْلَاقِيات التَّقَدُّمُيَّة تُعَدُّ التَّطْبِيقِ العَمَلِيِّ وَ التَّنَفُّيذي لِلْأَخْلَاق التَّقَدُّمِ، إذْ تُتَرْجَمَ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ إِلَى سَلُوكَيَّات وَمَوَاقِف وَمُمَارَسَات مُحَدَّدَةً فِي مُخْتَلَفٍ قِطَاعَات الْمُجْتَمَع. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ هِيَ الْوَسِيلَةُ الفِعَالَة لِتَحْقِيق التَّقَدُّمِ الْحَضَارِيِّ وَالِإجْتِمَاعِيّ وَالِإقْتِصَادِيّ وَ السِّيَاسِيّ مِنْ خِلَالِ إلْتِزَام الْأَفْرَاد وَالمُؤَسَّسَات بِالْأَخْلَاق التَّقَدُّمِيَّة. كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ التَّقَدُّمُيَّة تُعَدُّ الْأَسَاس الْمَرْجِعُيّ لِأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم، فَهِي تَوَفُّر الْإِطَار الْأَخْلَاقِيّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ سُلُوكَيَّات وَمُمَارَسَاتِ الْأَفْرَاد وَالمُؤَسَّسَات فِي سَعْيِهَا نَحْوُ التَّقَدُّمِ. وَبِذَلِكَ فَإِنَّ أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ تسْتَمَدّ شَرْعِيَّتِهَا وَ مُوجِهَاتِهَا مِنْ الْأَخْلَاقِ التَّقَدُّمُيَّة الَّتِي تُمَثِّلُ الْقِيَمِ وَالْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّة الْأَسَاسِيَّةَ الَّتِي يَنْبَغِي إلْتِزَام بِهَا. الْأَخْلَاقِ التَّقَدُّمُيَّة وَأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم مَفْهُومَيْن فُلِّسَفِيَيْن مُتَكَامِلَتَان وَ مُتَرَابِطَتَان بِشَكْلٍ وَثِيق. فَالْأَخْلَاق التَّقَدُّمُيَّة تُشَكِّلُ الْمَرْجِعِيَّة وَالإِطَار الْأَخْلَاقِيّ الَّذِي تَنْطَلِق مِنْه أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ، بَيْنَمَا أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ هِي التَّرْجَمَة الْعَمَلِيَّة وَالتَّطْبِيقِيٍّة لِهَذِهِ الْأَخْلَاقِ فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات. وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ التَّقَدُّم الْحَقِيقِيِّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ دُون إلْتِزَام الْأَفْرَاد وَالمُؤَسَّسَات بِكُلٍّ مِنْ الْأَخْلَاقِ التَّقَدُّمُيَّة وَأخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمِ. وَ الخُلَاصَةِ، أَنَّ هُنَاكَ عَلَاقَة وَطِيدَة بَيْن الْأَخْلَاق التَّقَدُّمُيَّة وَأَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّم، فَالْأَوْلَى تُشْكِل الْأَسَاس وَالمَرْجِعِيَّة لِلثَّانِيَة، بَيْنَمَا تُعَدُّ الثَّانِيَةُ التَّطْبِيقِ العَمَلِيِّ وَالتَّنَفُّيذي لِلْأُولَى. وَكِلَاهُمَا ضَرُورِيّ وَمُكَمِّل لِلْآخَرِ فِي سَبِيلِ تَحْقِيق التَّقَدُّم الشَّامِل لِلْمُجْتَمَعَات عَلَى كَافَّةِ الْمُسْتَوَيَات.
_ مُسْتَقْبِلَ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ إِلَى أَيْنَ ؟
التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ الْهَائِلِ الَّذِي شَهِدَه الْعَالِمُ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ وَ أَوَائِلُ الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ أثَار الْعَدِيدِ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ وَ النُّقَاشات الْفَلْسَفِيَّة حَوْل طَبِيعَةِ هَذَا التَّقَدُّمِ وَأبْعَادُه وَآفَاقَه المُسْتَقْبَلِيَّة. مِنْ وَجْهَة نَظَر فَلْسَفِيَّة، يُمْكِنُ النَّظَرُ إلَى التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ فِي ثَلَاثَةٍ مَسَارَات رَئِيسِيَّة. يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ يَتَمَثَّلُ فِي قَدْرَة الْعِلْمِ عَلَى تَقْدِيمِ حُلُولٍ لِعَدَدٍ مُتَزَايِدٌ مِنْ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْإِنْسَانَ، سَوَاءٌ فِي الْمَجَالَات الطِّبِّيَّة أَوِ التِّقْنِيَّةِ أَوْ الِإجْتِمَاعِيَّةِ. فَكُلَّمَا تَقَدَّمَ الْعِلْمُ، كُلَّمَا زَادَ عَدَدُ الْمُشْكِلَاتِ الَّتِي يَسْتَطِيعُ حَلِّهَا. يَنْظَر آخَرُونَ إلَى التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ مِنْ مَنْظُورٍ دَلَّالِي (semantic)، بِمَعْنَى أَنَّ الْعِلْمَ يَتَقَدَّم كُلَّمَا إقْتَرَبْنَا مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمَوْضُوعِيَّة لِلْعَالِم. فَالنَّظَرُيَّات الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَعَاقِبَة تَمَثَّل مُحَاوَلَات مُتَتَالِيَة لِلْوُصُولِ إلَى الصُّورَةِ الْأَقْرَب لِلْوَاقِع. هُنَاكَ رُؤْيَةُ ثَالِثَة تَرَى أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ يَتَمَثَّلُ فِي تَرَاكَم الْمَعْرِفَة الْعِلْمِيَّة وَإزْدِيَاد كِمِيَّة الْمَعْلُومَات وَالنَّظَرِيَّات، بِغَضِّ النَّظَرِ عَمَّا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ تَمَثَّل إقْتِرَابًا مِنْ الْحَقِيقَةِ أَمْ لَا. لَكِنْ عِنْدَمَا نَنْظُرُ إلَى التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ بِتَأَمُّل أَكْثَرُ عُمْقًا، تَبْدَأ تَسَاؤُلَات جَدِيدَةٍ فِي الظُّهُورِ. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، إلَى أَيْنَ يَتَّجَه التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ؟ هُنَا يَقْتَرِح الْفَيْلَسُوف ألْكِسَنْدَر بِيردّ Alexander Bird أَنَّ هُنَاكَ ثَلَاثَةٌ إتِّجَاهَات أَسَاسِيَّة لِفَهْم مَقْصِد الْعِلْمِ مِنْ التَّقَدُّمِ. الْعِلْم يَتَقَدَّم بِحَلّ الْمُشْكِلَات الْمُسْتَجَدَّة.الْعِلْم يَتَقَدَّمُ نَحْوَ الْحَقِيقَةِ، أَيْ الِإقْتِرَابِ مِنَ الصُّورَةِ الصَّحِيحَةِ لِلْوَاقِع. الْعِلْم يَتَقَدَّم بِتَرَاكُم الْمَعْرِفَة وَالْمَعْلُومَات، حَتَّى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيعُهَا مُطَابَقَة لِلْحَقِيقَة. وَهَذِه الِإتِّجَاهَات الثَّلَاثَة تَنْعَكِسُ فِي حَرَكَةِ التَّارِيخِ الْعِلْمِيّ، وَ اَلَّتِي تَتَّسِم بِالثَّوْرِات الْعِلْمِيَّةِ الْمُتَتَالِيَة، كَمَا أَوْضَحَهَا تُومَاس كَوْنِ فِي كِتَابِهِ "بِنِيَّة الثَّوَرَات الْعِلْمِيَّة". فَفِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، تَحْدُث طَفْرَات نَوْعَيَّةِ فِي الْمَعْرِفَةِ الْعِلْمِيَّة تُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ جِذْرِيٍّ فِي النَّمَاذِجِ وَالْمَفَاهِيم السَّائِدَة، وَتفْرَض أَنْمَاطًا جَدِيدَة لِلتَّفْكِير وَالْبَحْث. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: الثَّوْرَة الْكُوبْرْنَيكِيَّة فِي الْفُلْكِ، وَالثَّوْرَة النَّيُوتُونِيَّة فِي الْمَيكانِيكًا، وَالثَّوْرَةِ النِّسْبِيَّة فِي الفِيزْيَاء، وَالثَّوْرَة الْكُمُومِيَّة فِي الفِيزْيَاء الْحَدِيثَة. لَكِنَّ هَذِهِ الثَّوَرَات الْعَلَمِيَّةِ لَا تَخْلُو مِنْ جَدَلٍ فَلْسَفِيّ حَوْل طَبِيعَتِهَا وَ مُبَرِّرَاتِهَا وَإنْعِكَاسَاتِهَا. فَهُنَاكَ مَنْ الْفَلَاسِفَةُ مِنْ يَنْتَقِدْ فِكْرَة التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ الْمُطْلَق، وَيَرَى أَنَّهَا مَفْهُومُ وَهْمِيّ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ مَحْدُود. فَالتَّقَدُّم الْعِلْمِيِّ لَا يَعْنِي بِالضَّرُورَة التَّقَدُّم الْأَخْلَاقِيّ أَوْ الِإجْتِمَاعِيّ، وَقَدْ يَنْجُمُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أثَارٍ سَلْبِيَّةٍ عَلَى الْإِنْسَانِ وَالطَّبِيعَةِ. كَمَا أَنَّهُ مِنْ الصَّعْبِ الْحُكْمِ عَلَى تَفُوق نَظَرِيَّة عِلْمِيَّة مُعَيَّنَةٍ عَلَى أُخْرَى بِشَكْلٍ قَاطِعٍ، فَالْأَمْر غَالِبًا مَا يَكُونُ نِسْبِيًّا وَخَاضعا لِسَيِّاقَات ثَقَافِيَّة وَإجْتِمَاعِيَّة مُعَيَّنَة. فِي الْمُقَابِلِ، هُنَاكَ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ مِنْ يَرَى أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ سَيُواصل مَسَارِه فِي الْمُسْتَقْبَلِ، خَاصَّةً مَعَ التَّطَوُّرَات الْهَائِلَة فِي مَجَالَاتِ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيَّات الْحَيَوِيَّة وَ النَانُو تِكْنُولُوجِيّ، وَاَلَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إلَى ثَوْرَات عِلْمِيَّة جَدِيدَة. وَ يَطْرَح هَؤُلَاء تَسَاؤُلَات حَوْلَ الْأثَار الْمُحْتَمَلَة لِهَذِه التَّطَوُّرَات عَلَى الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْبِيئَة، وَدُور الْفَلْسَفَةِ فِي تَوْجِيهِ هَذَا التَّقَدُّمِ نَحْوَ تَحْقِيقِ أَهْدَاف إِنْسَانِيَّة أَوْسَع. وَهَكَذَا، يَظَلّ مَوْضُوعُ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَمُسْتَقْبَلِه مَثَار جَدَل فَلْسَفِيّ مُتَوَاصِل حَيْث تَتَشَابك فِيهِ قَضَايَا الْمَعْرِفَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْقَيِّم وَ الْمَسْؤُولِيَّة الْأَخْلَاقِيَّة. وَلَعَلَّ هَذَا الْجَدَلَ الْفَلْسَفِيّ الْمُسْتَمِرُّ هُوَ مَا يَضْمَنُ إسْتِمْرَار دَوْرُ الْفَلْسَفَةِ فِي فَهْمِ ظَاهِرَة الْعِلْم وَ تَوْجِيهُهَا نَحْو خِدْمَة الْإِنْسَانِيَّة.
_ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتَّحْدِيث الْأَخْلَاقِيّ (رُؤْيَةُ مُسْتَقْبَلِيَّة مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ التَّكَامُل الْمَنْشُود)
مَعَ التَّسَارُع المُذْهِلُ فِي التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ الَّذِي شَهِدَه الْعَالِمُ فِي الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ، بَرَز بِقُوَّة الْحَاجَةِ إلَى مُوَاكَبَة هَذَا التَّطَوُّرُ بِتَحْدِيث وَتَطْوِير الأَطْر الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة الَّتِي تَحْكُمُ مُمَارَسَة الْعُلُوم وَالتِّكْنُولُوجْيَا. فَالتَّكَامُل بَيْنَ التَّقَدُّمِ المَعْرِفِيِّ وَالتَّطَوُّر الْأَخْلَاقِيّ أَصْبَحَ أَمْرًا ضَرُورِيًّا لِضَمَان تَوْجِيه الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا نَحْوَ تَحْقِيقِ الرَّفَاهِيَة وَالْعَدَالَة الِإجْتِمَاعِيَّة وَالِإسْتِدَامَة البِيئِيَّة. هُنَاكَ عِدَّة إتِّجَاهَات وَمُمَارَسَات يُمْكِنُ أَنْ تُسْهِمُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا التَّكَامُل الْمَنْشُود، نَذْكُرُ مِنْهَا تَعْزِيز التَّخَصُّصَات الْمُتَعَدِّدَة وَالتَّكَامُلِيٍّة. مِنْ الْأَهَمِّيَّة بِمَكَان التَّأْكِيدِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ التَّفَاعُل وَالتَّكَامُل بَيْنَ مُخْتَلِفِ التَّخَصُّصَات الْعِلْمِيَّةِ مِنَ نَاحِيَةِ، وَبَيْن الْعُلُوم وَالْمَجَالَات الْأَخْلَاقِيَّة وَ الْإِنْسَانِيَّة مِنْ نَاحِيَةِ أُخْرَى. فَالتَّعَاوُن مُتَعَدِّد التَّخَصُّصَات وَ التَّكَامُل بَيْنِ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْهَنْدَسِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ وَ الْإِنْسَانِيَّةُ ضَرُورَة لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ الْمُعَقَّدَةِ الَّتِي تُوَاجِهُ الْبَشَرِيَّةِ فِي مَجَالَاتِ مِثْلَ تَغَيُّرِ الْمُنَاخِ وَفِقْدَان التَّنَوُّع الْبَيُولُوجِيّ وَالْآثَار الِإجْتِمَاعِيَّة لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ. لَيْسَ مِنْ الْكَافِي فَقَطْ فَهمْ الْآثَار الْأَخْلَاقِيَّة الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ مُنْذ بِدَايَتِهَا. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مُرَاعَاة الِإعْتِبَارَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي تَحْدِيدِ أَوْلَوِيَّات الْبُحُوث وَ التَّطْوِير، وَتَصْمِيم عَمَلِيَّات الْبَحْث، وَطُرُق التَّطْبِيق وَ الِإسْتِخْدَام. فَالْأَخْلَاق لَيْسَتْ مُجَرَّدَ نَتِيجَة أَوْ تَطْبِيق لِلْعِلْم، بَلْ هِيَ رَكِيزَةً أَسَاسِيَّةً فِي صُلْبِ الْعَمَلِيَّة الْعِلْمِيَّة ذَاتِهَا. كَذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيِّ إِرْسَاء آلِيَات فَعَّالَة لِلْمُسَاءَلَة وَالشَّفَّافِيَّة فِي الْمُؤَسَّسَات الْبَحْثَيْة وَالتَّطَوُّيْرِيَّة، بِحَيْثُ يَتِمُّ الْإِفْصَاحِ عَنْ أَنْشِطَتِهِا وَعَمَلِيًّاتِهَا بِشَكْلٍ دَوْرِي وَمُتَاح لِلْجُمْهُورِ. كَمَا يَجِبُ إشْرَاك الْمُجْتَمَع الْمَدَنِيّ وَالْمُنَظَّمَات الْأَخْلَاقِيَّة فِي وَضْعِ وَ تَطْبِيق الْمَعَايِير الْأَخْلَاقِيَّة لِلْعُلُوم وَالتِّكْنُولُوجْيَا. وَهَذَا سَيُعْزز الثِّقَةُ الْعَامَّةِ فِي الْعِلْمِ، وَيَضْمَن مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَ الْأضْرَار الْمُحْتَمَلَة. يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَ التَّعْلِيم الْعِلْمِيِّ وَالتِّقْنِيِّ كَافَّةِ الْمَرَاحِل. وَمِنْ الضَّرُورِيِّ أَيْضًا أَنَّ تَكُونَ الْبَرَامِج التَّدْرِيبيَّة لِلْبَاحِثَيْن وَالْمِهْنَيين فِي الْمَجَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة مُصَمَّمَة بِعِنَايَة لِتَعْزِيز الْوَعْي الْأَخْلَاقِيّ وَالْحِسّ الِإجْتِمَاعِيّ لَدَى الْخِرِّيجِينَ. فَهَذَا سَيُسَاعِد فِي خَلْقِ جِيلٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَ الْمُبْتَكْرَيْن قَادِرٍ عَلَى تَوْجِيهِ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ نَحْوَ تَحْقِيقِ الْخَيْرِ الْعَامِّ. إضَافَةُ إِلَى تَعْزِيزِ الْحِوَار وَالشِّرَاكَة بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَصُنَّاع السِّيَاسَات وَالْمُجْتَمَعُ. أَنْ إقَامَة قَنَوَات فَعَّالَة لِلْحِوَار وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ الْعِلْمِيِّ مِنْ جِهَةِ، وَصُنَّاع السِّيَاسَات وَالْمُجْتَمَع الْمَدَنِيُّ مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، سَيُسَاهم فِي ضَمَانِ أَنْ تَكُونَ السِّيَاسَات وَالْقَوَانِين وَالْمَمَارَسَات الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعُلُوم وَ التِّكْنُولُوجْيَا مُنْسَجِمَة مَع الْأبْعَاد الْأَخْلَاقِيَّة. كَمَا سِيَّمَكن ذَلِكَ مِنْ إتِّخَاذِ قَرَارَات مُسْتَنِيرَة قَائِمَةً عَلَى أَفْضَلِ الْمَعَارِف الْعِلْمِيَّة وَ الرُوَّى الْأَخْلَاقِيَّة. إنْ تَحْقِيق التَّكَامُلَ بَيْنَ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَ التَّحْدِيث الْأَخْلَاقِيّ سَيَكُونُ لَهُ أثَارٌ بَعِيدَةِ الْمَدَى عَلَى مُسْتَقْبَلٍ الْبَشَرِيَّة. فَهَذَا التَّكَامُل سَيَضَمن تَوْظِيفُ الْعِلْم وَالتِّكْنُولُوجْيَا فِي خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْبِيئَة، بِمَا يُحَقِّقُ الْعَدَالَة وَ الِإسْتِدَامَة وَالِإزْدِهَار لِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ. لِذَلِكَ فَإِنْ الْعَمَلِ عَلَى تَطْوِير هَذَا التَّكَامُل يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِحْدَى أَوْلَوِيَّات الْقَرْنُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : إنْتِقَادَات مَا بَعْدَ الْحَدَاثَة
...
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَسَاؤُلَات الْحَدَاثَةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَشْكِيلَات الْحَضَارَةُ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ التَّارِي
...
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: رَمَزَيات الْمَيثولُوجْيَا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: جُذُور الْمُعْتَقَدَات السِّحْرِيَّة
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
-
نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
-
الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي
...
-
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
المزيد.....
-
سرايا القدس تعلن إطلاق رشقة صاروخية على مستوطنات غلاف غزة
-
مشادات كلامية بين نتنياهو ونواب المعارضة أثناء كلمته في الكن
...
-
روسيا تطور درونات لتدمير المروحيات العسكرية والطائرات المسيّ
...
-
لأول مرة، عيادة بريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاينة الم
...
-
إسرائيل تطلق سراح مخرج فلسطيني حائز على جائزة أوسكار
-
رئيس وزراء كوسوفو يقع في فخ مخادعين روسيين ويفضح ما يحضره ال
...
-
مجلة -وايرد-: إدارة ترامب تتجه لإقالة مجموعة من العلماء في م
...
-
مكتب نتنياهو ينفي تلقية أي تحذير بشأن -الأموال القطرية-
-
موسكو تعلق على توقيف مولدوفا لرئيسة غاغاوزيا
-
-تجربة أولية-.. قناة إسرائيلية تتحدث عن ذهاب دفعة من الغزيين
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|