أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العدالة














المزيد.....


جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العدالة


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 10:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود
لطالما كانت مسألة وظائف الدولة محورًا أساسيًا في الفلسفة السياسية الأوروبية، حيث عكف الفلاسفة على دراسة طبيعة الدولة، ودورها، ووظائفها عبر العصور. وقد شهدت هذه الوظائف تطورًا ملحوظًا تبعًا للتحولات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عرفتها أوروبا، بدءًا من العصور القديمة مع أفلاطون وأرسطو، مرورًا بالفكر السياسي الحديث مع هوبز ولوك وروسو، ووصولًا إلى التصورات المعاصرة حول الدولة الحديثة. في هذا السياق، يمكن تحليل وظائف الدولة من خلال عدة محاور فكرية أساسية تتقاطع مع رؤى هؤلاء الفلاسفة.

1. الدولة كضامن للأمن والاستقرار: توماس هوبز والمبرر الوجودي للدولة

يعد توماس هوبز (1588-1679) من أبرز الفلاسفة الذين أعادوا تعريف وظيفة الدولة في العصر الحديث، إذ رأى أن الحالة الطبيعية للإنسان هي حالة من الفوضى والصراع الدائم بسبب الأنانية والغريزة التنافسية، وهو ما يؤدي إلى ما أسماه بـ"حرب الكل ضد الكل". من هذا المنطلق، اعتبر هوبز أن الوظيفة الأساسية للدولة تتمثل في فرض النظام وحفظ الأمن من خلال "عقد اجتماعي" يتنازل فيه الأفراد عن بعض حرياتهم لصالح سلطة مركزية قوية (التنين "Leviathan"). وبهذا، تصبح الدولة أداة ضرورية للحفاظ على حياة الإنسان وحقوقه الأساسية من التهديد المستمر بالفوضى والدمار، وهو ما يرسّخ فكرة الدولة ككيان يملك الحق الحصري في استخدام القوة لضمان استقرار المجتمع.

2. الدولة كحارس للحقوق الطبيعية: جون لوك ووظيفة الحماية القانونية

على النقيض من هوبز، قدم جون لوك (1632-1704) تصورًا أكثر تفاؤلًا عن الحالة الطبيعية للإنسان، معتبرًا أن البشر قادرون على العيش بتناغم نسبي، لكنهم بحاجة إلى الدولة لضمان حقوقهم الأساسية: الحياة، الحرية، والملكية. ومن هنا، فإن الوظيفة الأساسية للدولة عند لوك تتمثل في حماية الحقوق الطبيعية للأفراد، لا في فرض سيطرتها المطلقة عليهم. يعتقد لوك أن أي حكومة تفشل في حماية هذه الحقوق تفقد شرعيتها، بل ويحق للمواطنين الإطاحة بها. كان لهذا التصور تأثير عميق في تشكيل الفلسفات السياسية الليبرالية، حيث أصبح دور الدولة مقيدًا بوظيفة الحماية القانونية، وليس مجرد فرض النظام بالقوة.

3. الدولة كمعبر عن الإرادة العامة: جان جاك روسو والديمقراطية السيادية

قدم جان جاك روسو (1712-1778) مفهوم "الإرادة العامة" كحجر أساس في فلسفته السياسية، حيث رأى أن الدولة يجب أن تعكس الإرادة الجماعية للشعب، وليس إرادة طبقة حاكمة أو مؤسسة سلطوية. عند روسو، لا تقتصر وظائف الدولة على فرض النظام أو حماية الحقوق الفردية، بل تتجاوز ذلك إلى ضمان المشاركة السياسية الفاعلة، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحقيق الخير العام. ولتحقيق هذه الغايات، أكد روسو على مبدأ السيادة الشعبية، حيث يكون للشعب الحق في تشريع القوانين وإدارة شؤونه، وليس للحكومة أن تتحكم فيه إلا بقدر ما تعبر عن إرادته.

4. الدولة كمنظم للاقتصاد والمجتمع: آدم سميث وماركس بين الليبرالية والتدخلية

مع ظهور الاقتصاد السياسي الحديث، بدأت وظائف الدولة تتخذ أبعادًا جديدة تتعلق بتنظيم الأسواق وتوجيه النشاط الاقتصادي. قدم آدم سميث (1723-1790) في كتابه ثروة الأمم مفهوم "اليد الخفية"، حيث رأى أن السوق قادر على تحقيق التوازن الاقتصادي بشكل طبيعي، وبالتالي يجب أن تكون وظيفة الدولة محدودة في الإشراف على الأمن، وحماية الملكية، وإنشاء بنية تحتية أساسية. في المقابل، انتقد كارل ماركس (1818-1883) هذا النموذج بشدة، معتبرًا أن الدولة في ظل الرأسمالية ليست سوى أداة لخدمة مصالح الطبقة البرجوازية، ودعا إلى دور أكثر تدخلًا للدولة في إعادة توزيع الثروة وإلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، مما يعكس تصورًا أكثر راديكالية لدور الدولة في إدارة الاقتصاد والمجتمع.

5. الدولة الحديثة بين الرفاهية والتحكم: ماكس فيبر والدولة البيروقراطية

في القرن العشرين، أعاد ماكس فيبر (1864-1920) التفكير في وظائف الدولة من خلال مفهوم "الشرعية البيروقراطية"، حيث أكد أن الدولة الحديثة تعتمد على نظام إداري عقلاني يقوم على القوانين والمؤسسات، وليس على السلطة الشخصية للحكام. وفقًا لفيبر، فإن الدولة لم تعد مجرد كيان سياسي، بل أصبحت مؤسسة معقدة تدير مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية، من التعليم إلى الرعاية الصحية والبنية التحتية. أدى هذا التصور إلى ظهور نموذج "دولة الرفاه"، التي توفر الخدمات الاجتماعية لمواطنيها، لكنها في الوقت ذاته تمارس سيطرة واسعة النطاق عبر الأجهزة البيروقراطية والأمنية.

جدلية وظائف الدولة بين الحرية والتدخل

يتضح من هذا الاستعراض أن وظائف الدولة ليست ثابتة أو موحدة، بل تتغير بتغير السياقات الفكرية والتاريخية. فمنذ هوبز ولوك وروسو، وصولًا إلى ماركس وسميث وفيبر، تتأرجح الدولة بين أن تكون حارسًا للحقوق، أداة للهيمنة، أو مؤسسة للرفاه الاجتماعي. في العصر الحديث، باتت الدولة تواجه تحديات جديدة تتطلب إعادة النظر في وظائفها التقليدية، خصوصًا مع تصاعد العولمة، وصعود الشركات التكنولوجية الكبرى، وتراجع سلطة الدول القومية أمام المؤسسات العابرة للحدود. ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن للدولة أن توازن بين الحرية والتدخل، بين الديمقراطية والكفاءة، وبين العدالة والسلطة؟ هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الفلسفة السياسية اليوم، في ظل عالم سريع التحول ومتعدد الأقطاب.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدل الإلهي بين التنزيه والمسؤولية: قراءة معتزلية في قوله ت ...
- الدين بين العقل والنقد: رحلة الفلسفة الأوروبية من التفكيك إل ...
- فلسفة اللذة بين العقل والرغبة: جدلية السعادة والمعاناة في ال ...
- حدود العلم وأفق الوعي: فيزياء الكون بين الإدراك والواقع
- الوعي في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: جدلية الإدراك ...
- حرب الثلاثين عامًا (1618-1648): الصراع بين الكاثوليك والبروت ...
- مابعد الحداثة: تفكيك اليقين وإعادة تشكيل الفكر في عالم بلا ث ...
- الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العق ...
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...
- الرضا النفسي: فن التوازن والطمأنينة في عالم متغير
- ألبرت كامو وثورة العبث: جدلية المعنى واللاجدوى في الفكر الأو ...
- البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية
- انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية ...
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل
- فلسفة العقل: المفهوم، القضايا، والتأثير في الفكر الفلسفي الم ...
- تحليل الخطاب: تفكيك السلطة والمعرفة في اللغة وصناعة المعاني
- متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الف ...


المزيد.....




- سرايا القدس تعلن إطلاق رشقة صاروخية على مستوطنات غلاف غزة
- مشادات كلامية بين نتنياهو ونواب المعارضة أثناء كلمته في الكن ...
- روسيا تطور درونات لتدمير المروحيات العسكرية والطائرات المسيّ ...
- لأول مرة، عيادة بريطانية تستخدم الذكاء الاصطناعي لمعاينة الم ...
- إسرائيل تطلق سراح مخرج فلسطيني حائز على جائزة أوسكار
- رئيس وزراء كوسوفو يقع في فخ مخادعين روسيين ويفضح ما يحضره ال ...
- مجلة -وايرد-: إدارة ترامب تتجه لإقالة مجموعة من العلماء في م ...
- مكتب نتنياهو ينفي تلقية أي تحذير بشأن -الأموال القطرية-
- موسكو تعلق على توقيف مولدوفا لرئيسة غاغاوزيا
- -تجربة أولية-.. قناة إسرائيلية تتحدث عن ذهاب دفعة من الغزيين ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - جدل الدولة في الفلسفة السياسية: من فرض النظام إلى تحقيق العدالة