اسطيفان هرمز
كاتب
(Estivan Hermez)
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 06:39
المحور:
قضايا ثقافية
عيد أكيتو
رحلة أسطورية بين الخلق والتجدد
يعود تاريخ اكيتو الى الألف الثالث قيل الميلاد حيث كان يحتفل به السومريون في مدينه اور ثم انتقل الأحتفال الى البابليين ومن ثم للاشوريين .
في البداية لابد ان نعرَف معنى اكيتو ودلالاتها
" (Akitu)
كلمة "أكيتوتعود إلى اللغة الأكدية، وهي إحدى اللغات السامية القديمة التي كانت تُستخدم في بلاد ما بين النهرين (العراق القديم). معناها الأساسي مرتبط بمفهوم "الشعير" أو "حصاد الشعير"، مما يعكس الطبيعة الزراعية الأصلية للعيد.
في سياقه التاريخي والثقافي، يُشير "أكيتو" إلى اسم الاحتفال السنوي برأس السنة البابلية ، الذي كان يُقام في بداية الربيع (الأول من نيسان/أبريل) للاحتفاء بتجدد الطبيعة والحياة
عيد أكيتو، الاحتفال البابلي الآشوري العريق، ليس مجرد مناسبة زمنية تُحيي بداية السنة الجديدة، بل هو بوابة إلى عالم الأساطير الذي شكّل رؤية الإنسان القديم للكون والحياة.
في قلب هذا العيد تكمن ملحمة "إينوما إيليش"، الأسطورة البابلية للخليقة، التي تُروى وتُمثل خلال أيامه الاثني عشر، لتربط بين الإلهي والإنساني في طقوس تُمجد النظام على الفوضى، والتجدد على الزوال.
تبدأ أسطورة "إينوما إيليش"، التي تعني "عندما في الأعالي"، بتصوير الكون في حالة فوضى بدائية، حيث تسيطر المياه الأولية المتمثلة في الإلهين آبسو (المياه العذبة) وتيامات (المياه المالحة). من اتحادهما يولد جيل من الآلهة، لكن الصراع ينشب بين الأجيال، فيقتل الإله إيا آبسو، مما يُثير غضب تيامات. تقرر تيامات الانتقام بمساعدة جيش من الوحوش بقيادة الإله كينغو، لكن الإله مردوخ، ابن إيا، يتقدم لمواجهتها. في معركة ملحمية، يهزم مردوخ تيامات، ويقسم جسدها إلى نصفين: نصف يُصبح السماء، والنصف الآخر الأرض. ثم يخلق الإنسان من دم كينغو لخدمة الآلهة. .
هذه الأسطورة ليست مجرد قصة، بل كانت رؤية كونية تُفسر نشأة العالم وتبرر مكانة مردوخ كإله أعلى في البانثيون البابلي. .
خلال عيد أكيتو، كانت "إينوما إيليش" تُتلى بصوت عالٍ في المعابد، خاصة في اليوم الرابع من الاحتفال، كجزء من الطقوس الدينية..
لم تكن هذه التلاوة مجرد سرد تاريخي، بل كانت إعادة تمثيل رمزية لانتصار النظام على الفوضى، وهو ما يعكس دور العيد في تجديد الحياة مع الربيع. كان الكهنة يُشرفون على هذا الطقس، بينما يُشارك الملك في مشهد درامي يُظهر خضوعه لمردوخ، مما يُعزز فكرة أن سلطته مستمدة من النظام الإلهي الذي أسسه الإله. .
في الأيام التالية، كان يُنقل تمثال مردوخ في موكب مهيب إلى معبد أكيتو خارج المدينة، حيث تُعاد تمثيل هزيمة تيامات بشكل مسرحي.
هذا الموكب لم يكن احتفالًا شعبيًا فقط، بل كان استعادة للحدث الأسطوري، كما لو أن الزمن يتوقف ويعود إلى لحظة الخلق الأولى.
رمزية التجدد..
الجانب الأسطوري لأكيتو لا يقتصر على الانتصار على الفوضى، بل يمتد إلى فكرة البعث والتجدد. في بعض الروايات، يُقال إن مردوخ يُهبط إلى العالم السفلي بعد هزيمة تيامات، ثم يعود منتصرًا، وهو ما يُحتفل به في الأيام الأخيرة من العيد. هذا التجدد يُربط بموسم الربيع، حيث تستيقظ الطبيعة من سباتها، مما يجعل أكيتو احتفالًا كونيًا يوازن بين الأسطورة والواقع. .
في جوهر الأسطورة، يظهر أكيتو كرمز للصراع الأبدي بين النظام، المتمثل في مردوخ، والفوضى، المتمثلة في تيامات. هذا الصراع كما اسلفنا سابقا , لم يكن مجرد حكاية دينية، بل كان يعكس رؤية البابليين للعالم: حياة تتطلب جهدًا مستمرًا للحفاظ على التوازن ضد قوى الاضطراب. كان العيد بمثابة تأكيد سنوي على أن النظام الإلهي، والاجتماعي أيضًا، سيظل قائمًا طالما استمر الإيمان والطقوس...
أما تاثير الاسطوره على الثقافات الاخرى..
فقد امتدت أصداء أسطورة "إينوما إيليش" وطقوس أكيتو إلى ثقافات مجاورة. ففي التراث الفارسي، يمكن رؤية تشابه بين فكرة التجدد في النوروز وبعث مردوخ. كما أن فكرة الإله المنتصر على الفوضى تتكرر في أساطير المنطقة، مثل
قصص( بعل ويم) في الأوغاريتية. حتى في الديانات الإبراهيمية، يرى البعض ظلالًا من هذه الأسطورة في قصة الخلق وانتصار النور على الظلام.
و حتى عند الأكراد قد استوحى بعض طقوسه منه، خاصة فكرة الاحتفال بالربيع وبداية السنة الجديدة ( النوروز ).
كما يرى البعض تشابهًا بين طقوسه وبعض الشعائر المسيحية، مثل( عيد الفصح الذي يرمز إلى القيامة والتجدد
مع تطور العيد من احتفال زراعي إلى طقس ديني وسياسي، أصبح اسم "أكيتو" يحمل دلالات رمزية أعمق، مثل التجدد وإعادة الخلق، خاصة مع ارتباطه بأسطورة "إينوما إيليش" وانتصار الإله مردوخ على الفوضى. لذا، يمكن القول إن "أكيتو" يعني في جوهره "عيد الربيع" أو "احتفال التجدد"، مع جذوره اللغوية المرتبطة بالزراعة والحياة الطبيعية
akitum / akitu كلمة "أكيتو" مشتقة من الجذر الأكدي
وهي مرتبطه بمصطلحات تتعلق بالشعير أو الحصاد.
Sau في اللغه الاكديه كان الشعير
محصولًا أساسيًا، والاحتفال به كان جزءًا من دورة الحياة الزراعية.
يُعتقد أن "أكيتو" كانت في الأصل تُشير إلى "مهرجان الشعير" أو "عيد الحصاد"، مما يعكس ارتباط العيد بموسم الربيع وبداية دورة زراعية جديدة.
ولكلمة اكيتو استخدامات في النصوص القديمه ،
حيث ظهرت في العديد من النصوص الأكدية المكتوبة بالخط المسماري، سواء في السجلات الدينية، الملكية، أو الأدبية. ومن أبرز السياقات التي استُخدمت فيها:
في الطقوس الدينية:
• حيث تظهر الكلمة في وثائق المعابد التي تصف طقوس عيد أكيتو، مثل تلك الموجودة في مدينة بابل. على سبيل المثال، في نصوص من العصر البابلي الحديث (القرن السادس قبل الميلاد)، تُذكر "بيت أكيتو" (ÉAkitu)، وهو المعبد الخاص خارج المدينة حيث كان يُقام الموكب الاحتفالي للإله مردوخ.
النصوص تصف كيف كان التمثال يُنقل إلى "أكيتو" كجزء من إعادة تمثيل أسطورة الخليقة.
اما في السجلات الملكية:
كان الملوك البابليون والاشورييون ، مثل نبوخذنصر الثاني وسرجون الثاني، قد ذكروا أكيتو في نقوشهم كحدث يعزز شرعيتهم.
على سبيل المثال، في نصوص آشورية، يُشار إلى "أكيتو" كمهرجان يُظهر قوة الملك بمساندة الآلهة، حيث كان الملك يؤدي دورًا رمزيًا في الطقوس.
اما في الأساطير والنصوص الأدبية:
فبالرغم أن كلمة "أكيتو" لا تظهر مباشرة في نص "إينوما إيليش"، إلا أن الاحتفال بها كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بهذه الملحمة..
النصوص الطقسية المصاحبة تُشير إلى "يوم أكيتو" كلحظة تُعاد فيها رواية انتصار مردوخ، مما يربط الكلمة بالتجدد الكوني.
و في التقويم البابلي، كان شهر نيسان يُعتبر بداية السنة، و"أكيتو" يُذكر كاسم
للمهرجان الذي يُقام في الأيام الأولى من هذا الشهر (من 1 إلى 12 نيسان). نصوص إدارية من المعابد تُسجل استعدادات "أكيتو"، مثل تقديم القرابين وتطهير المعابد
. ومن تلك الامثله
في لوح مسماري من عصر نبوخذنصر الثاني:
في اليوم الرابع من أكيتو، يُقرأ إينوما إيليش أمام مردوخ في إيساجيلا، ويُجدد الملك عهده مع الإله."
في نص آشوري:
ذهب الملك إلى بيت أكيتو ليحتفل بانتصار آشور على أعدائه، كما انتصر مردوخ على تيامات
"a-ki-tu"، أصبحت اكيتو رمزًا للربط بين الإنسان, الطبيعة، والآلهة وتنطق في ثقافة بلاد الرافدين.
هذا الاستخدام يُبرز كيف تحولت كلمة بسيطة مرتبطة بالزراعة إلى عنوان لأعظم طقوس الحضارة البابلية .
كانت طقوس عيد اكيتو تتضمن العديد من المظاهر الاحتفاليه و منها
الطقوس الدينيه : حيث كانت تقام الصلوات والترتيل في المعابد وتقدم القرابين للالهه .
الاحتفالات الشعبيه : كانت تقام المسيرات والعروض الفنيه وتزين الشوارع بالزينه والاعلام .
تجديد العهد مع الالهه : كان الملك يجدد عهده مع اللآلهه , ويتعهد بحماية البلاد وشعبها .
ولاكيتو اهميه عظمى لانه كلن يمثل رمزاً للتجدد والخصوبه , حيث يحتفل به في بداية فصل الربيع عندما تبدأ الطبيعه في الازدهار .
كما كان يمثل رمزاً للوحده الوطنيه , حيث كان يجمع بين جميع فئات الشعب للاحتفال به . •
وفي الختام لابد ان نقول , ان الجانب الأسطوري لعيد أكيتو يجعله أكثر من مجرد احتفال موسمي؛ إنه نافذة على عقلية الإنسان القديم ومحاولته فهم الكون. من خلال "إينوما إيليش" وطقوسها، يُظهر أكيتو كيف حول البابليون والآشوريون قصصهم الإلهية إلى تجربة حية تُعاش كل عام. إنه احتفال بالخلق، بالنظام، وبالقدرة على التجدد، مما يجعله إرثًا أسطوريًا خالدًا يستحق التأمل والدراسة. .
:
#اسطيفان_هرمز (هاشتاغ)
Estivan_Hermez#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟