أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - عدنان يوسف رجيب - قصة فساد إداري ومالي















المزيد.....

قصة فساد إداري ومالي


عدنان يوسف رجيب

الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 08:04
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


قصة فساد مالي وإداري
(قصة واقعية)

د. عدنان يوسف رجيب

إشتغلت في العطلة الصيفية ، في فترة الستينات، بمؤسسة التبوغ العراقية، بأجور زهيدة يومية ..
في هذه المؤسسة يوجد مركز لبيع " سجاير الجمهورية" لتزويد أصحاب المحلات التجارية والبائعين المتجولين في بغداد بالسجاير.... كان مركز البيع هذا عبارة عن بيت صغير، نسبيا، يقع في منطقة كرادة مريم. ويعمل في هذا المركز، موظف رئيسي "بدر – بمثابة المدير" وهو في الثلاثينات من عمره، خريج السادس الإبتدائي، وموظف آخر" ياسين"، في أواخر العشرينات طالب مسائي بكلية الحقوق ، وفراش "أبو عون – كما كنا نسميه كما أعتقد " وأنا.

إجراءات العمل في المركز كانت تقتضي ببيع إثني عشر كروسا من سجاير الجمهورية في الإسبوع لأصحاب المحلات الكبيرة، وستة كروسات في الإسبوع للباعة المتجولين. وكان السعر الرسمي للكروس الواحد (عشرين علبة) هو 840 فلسا. فسعر البيع الرسمي، هو 42 فلسا لعلبة السجاير الواحدة، وكان المفروض أن يشتريها المواطن المستهلك بـ 45 فلسا.

كانت سجاير الجمهورية ذات التبغ الكوردستاني، عالي الجودة، مرغوبة جدا من المدخنين العراقيين، والبعض يفضلونها على السجاير الأجنبية، لذا كان رواج سجاير الجمهرية عالي جدا.
المحلات الكبيرة يمكن لأي منها أن تبيع كمية من السجاير تصل إلى عشرات الكروسات يوميا، بينما لا تحصل رسميا إلا على إثني عشر كروسا إسبوعيا !!، وكذا الحال مع الباعة المتجولين الذين يمكن لأي منهم أن يبيع أكثر من عشرين كروسا يوميا.
لكن كانت كمية السجاير التي تصل لمركز مؤسستنا قليل جدا، نسبيا، مقابل الطلب العالي عليها من المدخنين.
هنا ظهرت بذور وبوادر الفساد، بل إنه مد عنقه عاليا... وكان ذلك من كلا جهتيه:
الموظفين في المؤسسة والمشترين.
لقد كان أصحاب المحلات الكبيرة يقايضون الموظفين (سرا) بالشراء بسعر تسعمائة فلسا للكروس الواحد (بزيادة ستون فلسا عن السعر الرسمي) مقابل الحصول على عدد من الكروسات أكثر من حصتهم الإسبوعية الرسمية.....!

وأصحاب المحلات، هؤلاء، لم يخسروا عند شراءهم بزيادة الستين فلسا لكل كروس، فهم يحملون تلك الزيادة على كاهل المستهلك العراقي. فبات المواطن يشتري علبة السجاير منهم بأكثر من تسعيرها الرسمي. حيث كان سعر العلبة في المحلات يصل إلى خمسين فلسا، وقد يقترب أحيانا من الستين فلسا، (بدلا من الـ 45 فلسا الرسمية)....!

هكذا كان بدر و ياسين، (الموظفان الرئيسيان في المؤسسة)، يحصلان على المبالغ الفائضة، (الـ ستين فلسا عن كل كروس من السجاير)، عن السعر الرسمي، حينما يقدمها لهم أصحاب المحلات (العديدة)، كان أشهرهم صاحب محل أسمه فيصل حسن، في منطقة السنك ببغداد، آنذاك.
كان فيصل، أو شريكه، يأتي كل يوم للمؤسسة ليتسلم مائة كروس !! (بدل 12 كروسا إسبوعيا)، و هناك آخرون كثيرون، يتسلمون تقريبا نفس العدد من الكروسات.

مهمتي في مركز المؤسسة، كانت التحقق رسميا من يوم الإستحقاق وكمية الإستحقاق للمشتري، ثم أوقع على الوثيقة، وبخلاف ذلك فلا توقيع ولا سجاير....
بمرور الأيام، كنت ألحظ إن كثير ممن يأتون للشراء كان قدومهم في غير يوم موعدهم، فامتنع عن تزويدهم بالسجاير، وهنا كنت أسمع كثير من العبارات المنمقة الودودة من المشترين للمطالبة لي بالموافقة على إعطاءهم السجاير خارج إستحقاقاتهم ؟! ويبدو إنهم كانوا، وبشكل غير مباشر، يرشونني بكلمات لم أكن أفهمها. ولم يكونوا يعلمون بأني أمين في عملي، وضد الإرتشاء. لذا كنت أرفض إلحاحهم وأصرفهم من المؤسسة. كما كنت، ألاحظ بمرور الوقت، إن هناك طلبات للسجاير، دون وثيقة، يقوم بدر أو ياسين بتنفيذها مباشرة دون المرور بي ؟! لذا كنت أعترض بشدة على ذلك. وقتها قلت لبدر: إسمع... أنت مدير، نعم، ولكن لكل منا عمله... أنا أرفض تسليم السجاير بشكل غير قانوني! لكن بدر كان يكتفي بأن يبتسم، وهو يستمر في حمل الأكياس الكبيرة المملوءة بكروسات السجاير إلى الخارج لبيعها هناك. لكني كنت دائما امنعه من ذلك وبشدة، الأمر الذي حدا به إلى أن يغير موقع عملي بعيدا عن تدقيق الإستحقاقات، وعندما إعترضت عليه قال: أنا المدير ومن حقي أن أضعك في الموقع الذي أرتأيه !.

كان أشد ما يؤلمني هو عدم حصول باعة متجولون فقراء، لطلبهم من السجائر في يوم إستحقاقهم، بسبب نفاد مخزننا من السجاير. وكنت أثير هذه المسألة أمام بدر مستغربا من حصول ذلك. لكن بدر وياسين كانا يعللان الأمر لي بطرق ملتوية غير منطقية، حيث ألجا، حيالها، مرة أخرى للإستفسار والإعتراض، لكن دون جدوى. وكان قد أصبح الأمر واضحا لي، فيما بعد، وهو نفاد كروسات السجاير بسبب بيع الكثير منها لمن لا يستحقون ، من أصحاب المحلات الكبيرة.
وكان يجري قيام بدر وياسين بالتوقف عن البيع بدعوى إنهما متعبان، والحقيقة هي لنفاد السجاير، وكون إن جميع عملائهما قد حصلوا على كروسات السجاير المطلوبة. وبذلك يتركان الباعة المتجولين، الفقراء، خارج المؤسسة يتوسلون ويصرخون من أجل الحصول على إستحقاقهم، لكن دون رحمة وجدوى.

كنا عند نهاية يوم العمل نبدأ بإحصاء الوارد من البيع، وكان بدر دائما يدعوني لمساعدته في حساب النقود، ممكن بسبب صعوبة الحساب عليه، أو ليكسب تعاطفي معه، لأني كنت قريب لأحد المدراء في وزارة التجارة. لكن ياسين كان لا يوافق على مشاركة أحد له في حساب الوارد.
عند الإنتهاء من حساب المدخول، يقوم بدر بفصل النقود إلى قسمين ويقول منتشيا مع إبتسامة عريضة تغمر وجهه: هذه أموال الحكومة... وهذه أموالي (فلوسي – هكذا كان يقولها). كانت حصته تصل احيانا إلى حوالي ستين دينار يوميا ! من بيع مئات الكروسات بدون الإستحقاق والتي يحصل فيها بدر على ستين فلسا لكل كروس. كما كانت حصة ياسين تصل إلى أكثر من أربعين دينارا يوميا، لكون إن زبائنه أقل عددا من زبائن بدر. حيث كان بدر، هو ذلك الشاب النشط اللبق والمجامل.
كانت المبالغ هذه، (أموال الشعب المسروقة)، تعتبر كبيرة جدا إذا ما عرفنا إن راتب موظف خريج كلية، (في تلك الفترة)، يصل إلى حوالي سبعة وثلاثين دينارا شهريا. لذا، كان كل من بدر وياسين يحصلان، (بالفساد الإداري)، على فساد مالي يومي أكثر من راتب شهري لموظف بمستوى خريج كلية.

كان ياسين شخصا كئيبا ، متجهم الوجه دائما، ويتكلم دائما ببذاءة، كذلك كان بخيلا على نفسه في ملبسه ومأكله. كما كنت وإياه دائما ما نتخاصم حين أدينه على فساده المالي والإداري... أحيانا كان يشتمني برداءة بصوت خفيض وهنا تثور ثائرتي ويقوم بدر بتهدئة الوضع. أما بدر، المتفنن والمتأنق، فكان دائم الإبتسامة وحاضر النكتة وحلو الحديث ويحذر من الكلام بألفاظ بذيئة. وهو تقريبا يأتي كل يوم بـ بنطلون و قميص جديدين !!، وإعتاد يوميا وقت الضحى أن يطلب من المطعم القريب " نفر كباب" كان سعره (400 فلس)، وهو يعتبر غاليا في تلك الفترة.
كنت أنا كذلك أخاصم بدر جدا على فساد أفعاله المالية، لكنه، في الحقيقة، كان فقط يبتسم، و دائما مؤدبا ولطيفا مما يمنعني من التمادي في الخصام معه.
عاتبته مرة بشدة قائلا: ألا تخاف يا بدر من أن تتم معاقبتك من المسؤولين !... ضحك بدر، وإفتعل الإستغراق في الضحك، ثم قال لي، وعلائم الجد على محياه: إسمع يا عدنان، أنا احصل في الشهر على أكثر من راتب رئيس جمهوريتك.... لذا سأبقى أسرق، ثم أسرق حتى يطردوني وسوف لا أكون خاسرا... ثم أكمل كلامه: سأخسر فقط حينما أتوقف عن السرقة. و إعتدل في جلسته وأضاف: أتعرف مقدار راتبي الرسمي!... إنه ثمانية عشر دينارا شهريا ، لأني خريج إبتدائية. نظرت إليه مليا ولم أجد الكلمات المناسبة للرد عليه، فأمثاله لا ينفع فيهم إثارت الشعور الوطني أو الأخلاقي لمنع تصرفاتهم.

كانت صراعاتي مع بدر وياسين قد بدأت منذ أوائل أيام عملي، ولم تمر فترة حوالي إسبوعين حتى صرت لا أتحمل فسادهم.... فذهبت متألما إلى بيت قريبي، الموظف في وزارة التجارة، لأخبره بالموضوع. فقال لي بحضور بعض أقربائنا: أصمت... ولا تحشر نفسك في موقف صعب وأنت يافع صغير بدون قوة تسندك. ثم أضاف: أتعتقد بأن الوزارة لا تعلم ! ... لكن بدر وياسين مسنودان من موظفين أعلى. ثم أردف بوضوح: عدنان ستعرض نفسك للسوء، إنهما بعثيان، ما عليك سوى السكوت. لم أرتض أنا جوابه، لكن قريبي هذا أصر، أمام أقارب آخرين، في وجوب سكوتي، لأنه هو نفسه، كما بين بوضوح، لا يستطيع عمل أي شيئ في الوزارة.

مر الوقت وفساد بدر وياسين المالي والإداري على أشده، وصراعي العنيف والمتراخي وحتى الضعيف مستمر معهم. وكان في الحقيقة العم أبو عون، (هكذا كنا نخاطب الفراش بـ العم، عدا ياسين الذي كان يتعالى عليه)، يشاركني الرأي ويتألم مثلي، خصوصا لجيش البائعين المتجولين الفقراء الذين يقفون عند شباك المؤسسة إنتظارا لأستلام إستحقاقهم من السجاير، والتي لا يحصلون عليها. وكان قسم منهم يبكون تألما وهم يشكون الفاقة وعوز عيالهم من الطعام، ولكنهم يضطرون، بالتالي، أن يعودوا من حيث أتوا بعد ساعات من الإنتظار بدون جدوى.
كنا في أحايين، العم أبو عون وأنا، نسرع إلى مخزن السجاير لإنتشال ما نستطيعه لإعطاء الباعة المتجولين المستحقين رسميا في ذلك اليوم، لكن عملنا هذا كان لا يغطي غير حوالي عشرين بالمائة مما يجب إعطاءه للباعة المتجولين، فالحصة الأكبر كان يستولي عليها بدر وياسين لزبائنهم.

صباح أحد الأيام، ونحن داخل المؤسسة، سمعنا هرج وجلبة كبيرة وصياح، وحتى هتافات وطنية!، خارج المؤسسةـ وكان البائعون المتجولون الذين جاءوا لشراء السجاير، يصفقون وتزخر حناجرهم بالهتافات الوطنية، ويكيلون اللعنات على المستغلين... تطلعنا من الشبابيك، فشاهدنا هؤلاء الباعة يبدون إهتماما لرجل محترم انيق في الخارج. ويبدو إنه مسؤول، وتلك الهتافات للإحتفاء به. شاهدنا هذا المسؤول يسحب من سيارة تكسي كيسا مليئا بكروسات السجاير وهو ويلعن شخص إسمه فيصل حسن (صاحب المحل في منطقة السنك ببغداد) الذي جاء لياخذ حمله الثقيل (مائة كروس – بدون إستحقاق !!).

تفهمنا الموقف... موظف وزارة التجارة جاء للتحقيق في الفساد الذي وصل لدرجات لا تحتمل. لاحظنا، العم أبو عون وأنا، بوضوح إرتباك ورعب بدر تماما، كما بدأ ياسين يرتعد مصفر الوجه.
وسرى الأمر سعيدا بيننا، ونظرنا لبعضنا فرحين لهذه النتيجة. إلتفت أنا وقلت على الفور، لـ بدر وياسين، الذين بدوا جامدين: سيدمروكما، هذه هي النتيجة !.... لم ينبس ياسين بأي كلمة، بل كان يقف كأنه جذع شجرة يابس، أما بدر فقد تلعثم ونشف ريقه، ثم قال بكلمات متقطعة مقتضبة: سأستقيل أفضل لي.
بعد دقائق دخل علينا المسؤول، بخطى ثابتة، مع أكياس بمائة كروس، وكان غاضبا بشدة، وعابسا يلعن أصحاب المحلات والموظفين المسؤولين في المؤسسة.
ثم دلف المسؤول الى غرفة جانبية وصاح بقوة: أينك يا بدر!،.... لا اعلم أين إختفى بدر حين دخول مسؤول الوزارة، لكنه ظهر عند سماع صوت المسؤول. كان أصفر الوجه كالحه ومرتبك جدا، ودخل الغرقة. ثم سرعان ما عاد ليقول لنا إن المسؤول يريدنا جميعا. دخلنا. كان هذا المسؤول شهما حقا، فتكلم بروح وطنية أعجبتني كثيرا، كان كورديا، ورغم صعوبة تلفظه لبعض الكلمات إلا إنه قالها نابتة ثابتة. كان كلامه محاضرة وطنية صميمية. كما وبخ فيها كلا من بدر وياسين كثيرا، ثم قال لهما: نعلم بكل إساءاتكما وتطاولاتكما على المال العام، التي لا يقبلها الضمير الوطني. وإستمر يصرخ في وجهيهما. كان ياسين طيلة الوقت منكسا رأسه إلى الأرض بلا حراك، وبدر مشدوها فاغر الفم ويهز راسه بالموافقة، ولا يرد إلا بكلمات مقتضبة ليس لها أي معنى. في النهاية قال المسؤول: سنحاسبكما وننهي خدماتكما... مفهوم، قالها بشدة، فوافقه بدر، أما ياسين فلم يستطيع حتى الكلام.
إستمرت الجلسة حوالي النصف ساعة، وحينما نهض المسؤول للمغادرة، قال له العم أبو عون: أستاذ، هناك بائعون فقراء مساكين لم يحصلوا على إستحقاقهم وهم ينتظرون. فقال المسؤول: أعطوهم كلهم إستحقاقهم، و قال، موجها الكلام لي، (ويظهر إنه كان يعرف إسمي): سجل المائة كروس هذه لحساب المؤسسة، وأعط منها للمستحقين.
ثم خرج المسؤول وسط تصفيق وهتافات الباعة المتجولون وإشادتهم به. بعدها قمنا، العم أبو عون وأنا، بإعطاء جميع الباعة البائسين إستحقاقهم من السجاير، وقد بدوا فرحين مستبشرين جدا.

لم تمر إلا حوالي ساعة واحدة فقط على مغادرة المسؤول حتى عادت الحياة لوجهي بدر وياسين، وإرتسمت الإبتسامة على وجهيهما، وحصلت إتصالات تلفونية، عادت بعدها القطط السمان من امثال فيصل حسن وأضرابه الى المؤسسة للتزود بمئات كروسات السجاير(؟!!) وبدر وياسين يعاودان عملهما الفاسد وكأن شيئا لم يكن. إستغربنا العم أبو عون وأنا الأمر، وكان ياسين يسخر بشدة من إندهاشنا ويتلفظ ضدنا بكلمات خفيظة لم نسمعها. ثم توجه لي بدر بالقول:
لا تسرح بخيالك ... ألم أقل لك بأننا سنستمر نسرق لحين طردنا. ثم ضحك بقهقهة طويلة وسط إستغرابنا.
وهكذا سارت فيما بعد الأمور على نفس المنوال السابق، الأموال الوفيرة، (المسروقة)، إستمرت تدخل جيوب بدر وياسين، فلا مسؤول آخر جاء للمؤسسة ولا بدر وياسين فصلا من عملهما.

قبيل بدء العام الدراسي إستقلت من العمل، حيث إنشغلت بالدراسة ....كنت خلالها أخبر أصدقائي عن موضوع الفساد المالي والإداري في مؤسسة التبوغ. مرت أشهر طويلة على تلك الحوادث، وصادف مرة أن كنت عائدا من الكلية، وأسير في شارع مسرعا. سمعت صوتا بدا لي أليفا، ينادي بصوت عال: عزيزي عدنان... إلتفت فإذا به بدر على سطح سيارة شاحنة كبيرة مكشوفة مليئة بكروسات السجاير. سلمت عليه، بدا لطيفا ودودا، سأل عن أحوالي بطريقة صادقة، ولم أكن أعرف بماذا أجابهه، هل بالصدود أم بالمودة. لكني بادرته بظرافة: ما هذا يا بدر... أين المؤسسة ؟! هل تبيع أنت الآن على حسابك الخاص!!. فضحك ضحكته المعهودة وقال: كلا .... الأغبياء... أبدلوا المكان الثابت للمؤسسة لبيع السجاير، بسيارة شاحنة نقوم نحن الموظفين بالذهاب لأصحاب المحلات للبيع لهم بدل مجيئهم إلينا. ثم أطلق ضحكة إستخفاف قائلا:
ما الفرق إذن ؟!... ما نريده نحصل عليه، سواء كان في بناية المؤسسة أو من على ظهر شاحنة....! ثم أنحنى لكي يقترب من أذني اكثر، وقال هامسا: إن محصولي بقي هو نفسه !..... وبدا كلانا مستاء من الوضع المزري.
ثم ودعته وأنا حزين جدا من هكذا أوضاع سيئة، وذهبت... وفي طريقي فكرت بكلام بدر: إنهم أغبياء... حقا، ما الفرق ؟!! ... إن السرقة مستمرة سواء من على ظهر الشاحنة أو في داخل المؤسسة، وإمتعضت ولم يكن إمتعاضي ولا سخرية بدر قد أبدلت الوضع.

هذا الفساد كان البارحة، في مؤسسة صغيرة بسيطة..... أما اليوم فالتوغل في مرض الفساد، المالي والإداري، حصل على أشده..... وطال مترافقا معه فساد طائفي مقيت وعنصري بغيض...
الفساد المالي والإداري اليوم، هو بمليارات الدولارات. وإذا كان بدر وياسين موظفين صغيرين يمكن لموظف في وزارة أن يهزهما ويخيفهما، لبعض الوقت.... لكن الكبار اليوم هم السلطة وهم قادة الطائفية وهم قادة الفساد والتخطيط في عراقنا....
إذن، يجب أن نتوجه، نحن أبناء الشعب، للقيام بالتغيير الحقيقي من أجل الخير العام... فالزمن قد يقصر أو يطول لكنه أمامنا، ولا يجب أن نترك القطط السمان، أعداء الشعب وأعداء الحياة.... أن يستمرئوا الخيانة، ويستمروا في فسادهم المالي والإداري والوطني.
فلنحزم أمرنا بوطنية وبسالة عالية....و لننتفض ضد المفسدين ماليا وإداريا وطائفيا ....



#عدنان_يوسف_رجيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأثر جسم الإنسان بالمجالات المغناطيسية الأرضية، وبمغناطيسية ...
- ّّّذكرى المؤامرة الإستعمارية الأمريكية البعثية في شباط 1963
- مجالس نواب عراقية
- من قتلني
- فضيحة تكنلوجيا الدول (العظمى)
- الكورونا - الجوامع - المستشفيات
- فيروس كورونا والوضع الدولي
- مؤامرة الثامن من شباط 1963
- شعب العراق خرج لنصرة المنتفضين ضد السلطة
- الإضراب العام مطلب المتظاهرين
- دعوة للإضراب العام في العراق
- إنها قضية موضوعية يا صاحبي
- نقد بعض من المسائل الإسلامية في آيات القرآن
- الأمن العراقي يكشف عن المكان المحتمل لإختباء البغدادي -تخبط ...
- نقد مقولة الحضارة [والفلسفة] العربية - الإسلامية
- في ذكرى 8 شباط 1963
- ثروتك، رقمك في البنك
- عرض تعريفي لكتاب بين اليهودية والاسلام- لمؤلفه: الدكتور جعفر ...
- حول قرار حظر حزب البعث الإرهابي
- الرد الحاسم لصون العراق


المزيد.....




- أرقام تكشف: BYD تطيح بعملاق السيارات الكهربائية تسلا
- تحليل لـCNN يكشف سبب إخفاء وجه عناصر الأمن الأمريكية لحظة اح ...
- القضاء الجزائري يحكم على الكاتب بوعلام صنصال بالسجن 5 سنوات ...
- حماس تعلن مقتل الناطق باسمها بغارة إسرائيلية في جباليا، والج ...
- ترامب يفرض رسومًا جمركية على واردات السيارات بنسبة 25% وامتع ...
- وزير الخارجية التركي في واشنطن: تعزيز العلاقات ورفع العقوبات ...
- وزيرا داخلية ألمانيا والنمسا يلغيان زيارة لدمشق بسبب -تهديد ...
- باكستان.. مقتل 6 أشخاص بهجوم إرهابي
- لمدة 10 أيام.. كبد خنزير معدّل وراثيا يعمل داخل جسم إنسان
- مصر تسقط الجنسية عن مواطنين التحقوا بجيوش أجنبية


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - عدنان يوسف رجيب - قصة فساد إداري ومالي