أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - المرجعيات الفلسفية للبنيوية














المزيد.....


المرجعيات الفلسفية للبنيوية


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 18:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظهرت البنيوية في القرن العشرين لتمثل ردة فعل على المناهج التقليدية في الفلسفة والعلوم الإنسانية، متأثرة بجملة من المرجعيات الفلسفية التي أسهمت في بلورة تصورها للعالم والنص والمجتمع. إذ لم تنشأ البنيوية من فراغ، بل جاءت امتدادا وتجاوزا لنظريات سابقة، تحمل معها إرثا فلسفيا معقدا يستمد جذوره من اللغويات، والأنثروبولوجيا، والفينومينولوجيا، والمادية الجدلية، والتقاليد الفلسفية التي سبقتها.
في الفلسفة، يمكن رؤية تأثير البنيوية في نقدها للذاتية والمركزية الإنسانية التي هيمنت على الفكر الغربي منذ ديكارت. البنيوية، بتأكيدها على أن الفرد محكوم ببنى اجتماعية وثقافية ورمزية، قلّصت من دور الذات بوصفه مركزا للمعنى. هذا النقد يتقاطع مع أفكار ميشيل فوكو، الذي رأى أن المعرفة والسلطة مرتبطتان ببنى تاريخية تتحكم في إنتاج الخطابات وتحديد ما يمكن قوله أو التفكير فيه في حقبة معينة.
أحد الجذور العميقة للبنيوية هو الفهم الديكارتي للعقل بوصفه نسقا مغلقا يبحث عن القوانين التي تحكم الفكر. لكن على خلاف ديكارت الذي شدد على الأنا المفكرة بوصفها حجر زاوية للمعرفة، عملت البنيوية على زحزحة مفهوم الذات العارفة، موجهة الاهتمام نحو البنى التي تؤطر الفكر وتشكّل أنظمته المستترة. هنا يظهر التأثير الكانتي، حيث يمكن القول إن البنيوية ورثت من كانت فكرته حول وجود مبادئ قبلية تنظّم الإدراك، لكنها استبدلت هذه المبادئ بالبنى العميقة التي لا يدركها الوعي الفردي.
أما التأثير الهيغلي، فقد تجلّى في الاهتمام بالبنية بوصفها نسقا متكاملا، حيث يرى الفكر الهيغلي أن الظواهر لا يمكن فهمها إلا في علاقتها ببعضها البعض داخل سيرورة جدلية، غير أن البنيوية رفضت الطابع التاريخي الجدلي لهيغل، مفضلة البحث عن التراكيب الثابتة التي تشكّل البنية العميقة للظواهر. هذا الرفض للتاريخانية يتقاطع مع تأثير نيتشه، الذي زعزع مركزية الذات وعرّى الأسس الميتافيزيقية التي قامت عليها الفلسفة الغربية. من هنا، نجد أن البنيوية تنهل من نيتشه فكرة اللاذاتية، حيث يتحول الفاعل إلى مجرد نتاج لبنية لغوية واجتماعية، ما قاد لاحقًا إلى الموقف البنيوي الراديكالي الذي أعلنه فوكو ولاكان حول (موت الإنسان) وغياب الذات المستقلة.
يتداخل هذا المنظور مع تأثير الفينومينولوجيا، خاصة مع هوسرل، الذي سعى إلى الكشف عن البنى الأساسية للوعي. لكن بينما أراد هوسرل استعادة يقين المعنى من خلال تحليل تجربة الوعي، قامت البنيوية بقلب هذا المشروع، معتبرة أن المعنى ليس نتاجًا للذات، بل هو محكوم بقواعد نسقية لا واعية. هنا يظهر ليفي-شتراوس الذي، متأثرًا بالسوسيريانية، رأى أن الثقافة تعمل كنسق لغوي تحكمه بنيات عميقة غير مدركة.
لقد أسهمت الأنثروبولوجيا ، خاصة عبر أعمال كلود ليفي شتراوس، في توسيع نطاق البنيوية لتشمل الثقافة والمجتمع. اعتبر ليفي شتراوس أن الثقافات الإنسانية يمكن فهمها من خلال تحليل البنى الكامنة التي تنظمها، مثل أنظمة القرابة والأساطير. هذه البنى، وفقا له، تعكس أنماطا عالمية من التفكير البشري، مما يجعل البنيوية أداة لفهم التنوع الثقافي عبر إطار شامل.
هذه النقلة من الذات إلى البنية تجد صداها في فكر ألتوسير، الذي حاول توظيف المنهج البنيوي في قراءة الماركسية، حيث استبدل العامل التاريخي بالتحليل البنيوي لأنماط الإنتاج، رافضًا النزعة الإنسانية التي رآها انحرافًا عن جوهر الماركسية العلمية.
الماركسية نفسها كانت إحدى المرجعيات الكبرى للبنيوية، رغم أن الأخيرة رفضت النزعة الجدلية في المادية التاريخية، إلا أنها احتفظت بمفهوم الحتمية البنيوية الذي يتجلى في قراءة ألتوسير، والذي يرى أن الأفراد ليسوا فاعلين بقدر ما هم محكومون بالبنى الأيديولوجية التي تحدد أنماط وعيهم وممارساتهم. هذه الفكرة تعكس صدى التحليل الفرويدي، حيث يظهر اللاوعي بوصفه نظامًا مستقلا عن سيطرة الوعي، مما دفع لاكان إلى إعادة قراءة فرويد من منظور بنيوي، جاعلا اللاوعي ذاته بنيةً تخضع لنظام اللغة، وهكذا تم تفكيك مفهوم الذات الحرة المستقلة واستبداله بفكرة الإنسان كذات مجزأة تخضع لأنظمة رمزية سابقة عليه.
أيضا، يمكن النظر إلى البنيوية بوصفها رد فعل على الحداثة وفكرة التقدم الخطي. من خلال التركيز على البنى الثابتة التي تنظم الظواهر، قدمت البنيوية رؤية مغايرة لفكرة التطور التاريخي، حيث يتم التركيز على العلاقات التزامنية (synchronic) بدلًا من التتابع الدياكروني (diachronic). هذا التحول في المنهجية يعكس تأثيرا من العلوم البنيوية مثل الرياضيات والفيزياء، حيث يتم تحليل الأنظمة من خلال علاقاتها الداخلية بدلًا من تطورها الزمني.

المرجعيات الفلسفية للبنيوية لا تتوقف عند هذه الحدود، بل تمتد إلى التأثير النيتشوي في مفهوم الاختلاف، حيث بدأ هذا المبدأ في التشكل داخل البنيوية ليصل إلى تفكيكية دريدا، الذي كشف أن البنى ذاتها ليست محايدة ولا ثابتة، بل تحتوي على تناقضات كامنة تؤدي إلى تفكيكها من الداخل. بهذا المعنى، مثلت البنيوية لحظة فاصلة بين الحداثة وما بعدها، حيث حملت تراث الفلسفة الغربية إلى أقصى حدوده قبل أن تفضي إلى تجاوزه.
في النهاية، يمكن القول إن المرجعيات الفلسفية للبنيوية تعكس تفاعلًا معقدا بين اللغويات والأنثروبولوجيا والفلسفة، مما جعلها تيارا فكريا متعدد الأبعاد. ومع ذلك، فإن البنيوية لم تخلُ من الانتقادات، خاصة فيما يتعلق بإهمالها للسياقات التاريخية والاجتماعية المحددة، وهو ما أدى لاحقًا إلى ظهور ما بعد البنيوية كرد فعل على هذه القيود.



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة الأصل: المادة أم الوعي
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...
- فلسفة الخلق في النص القرآني
- الجملة الثقافية، المفهوم والدلالة
- الأخ الكوني بين الواقع والخيال
- الطبيعة الإنسانيّة بين الخير والشّرّ
- الكوميديا الإلهيّة، الخيال الفائق
- الهُويّة النّقديّة واشكاليّات التّأسيس
- الرمز في الشعر العربي، التوظيف والتمثلات


المزيد.....




- إسرائيل: قرار بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وتسهيل الهجرة -ا ...
- -يبلها ويشرب ميتها-.. هجوم مصري على ويتكوف بسبب تصريحاته عن ...
- اجتماع عربي إسلامي بالقاهرة بشأن غزة
- رئيس الوزراء الكندي يدعو لإجراء انتخابات مبكرة في 28 أبريل
- لماذا يشيب شعرنا؟
- خان يونس تُشيّع أبناءها: جنازات تلو الأخرى وسط حرب مستعرة
- ثلاثة أمور تتسبب في أغلب الخلافات مع شريك الحياة
- كيف يتحدى الحوثيون الضربات الأمريكية؟
- مراسل RT: غارات جوية تستهدف العاصمة اليمنية صنعاء
- الجزائر تباشر أولى خطوات سن قانون تجريم الاستعمار


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - المرجعيات الفلسفية للبنيوية