أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مضر خليل عمر - ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة















المزيد.....



ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة


مضر خليل عمر

الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 08:58
المحور: قضايا ثقافية
    


ترتبط بعض المفاهيم مع بعضها البعض وتتداخل و تتكامل ، حتى ان البعض قد يستخدمها كمرادفات . وفي الواقع ان لكل منها سماته و خصوصيته ، ولكنها تشترك في وصف حالة معينة ، كل من زاويته ومنظوره . ومن الامثلة التي تتكرر بهذا السياق وتتداخل : التعليم Education والثقافة Culture، و الحضارة Civilization ، والبيئة Environment و المدنية Civil . فالثقافة قد تشابهت و تداخلت مع كل من : التعليم ، الحضارة و البيئة و التمدن ، فهي القاسم المشترك الاعظم بينها . وللتحقق من صواب ما ذكر انفا لابد من العودة الى تعريف كل منها كما وردت في الموسوعات المنشورة على الشبكة الدولية .
1) التعليم Education: "يُعرف التعليم بأنّه عملية منظمة تهدف إلى اكتساب الشخص المتعلم للأسس العامة البانية للمعرفة ، ويتم ذلك بطريقة منظمة ومقصودة وبأهداف محددة ومعروفة ، ويمكن القول أن التعليم هو عبارة عن نقل للمعلومات بشكل منسق للطالب ، أو أنّه عبارة عن معلومات ، ومعارف ، وخبرات ، ومهارات يتم اكتسابها من قِبَل المُتلقّي بطرق معينة ، فالتعليم مصطلح يُطلَق على العملية التي تجعل الفرد يتعلّم علماً محدداً أو صنعة معينة ، كما أنّه تصميم يساعد الفرد المُتلقي على إحداث التغيير الذي يرغب فيه من خلال علمه ، وهو العملية التي يسعى المعلم من خلالها إلى توجيه الطالب لتحقيق أهدافه التي يسعى إليها وينجز أعماله ومسؤولياته" . ( )
2) الثقافة : (Culture) تُعرّف الثقافة "لغة على عدّة أوجه ، وتعني العمل السيف ، والثقاف هي الخشبة التي تُسوَّى الرماح بها ، فعند قول جملة (تثقيف الرماح) يعني تسوية الرمح بآلة الثقاف ، ومن جهة أخرى تُعرَّف الثقافة على أنّها الفطنة ، فعند القول (ثقف الرجل ثقافة) يعني أنّه صار رجلاً حاذقاً وذا فطنة ، وتعني كلمة ثقافة ، كل ما يضيء العقل ، ويهذب الذوق ، وينمي موهبة النقد ، وباشتقاق كلمة ثقافة من الثقُّف يكون معناها الاطلاع الواسع في مختلف فروع المعرفة ، والشخص ذو الاطلاع الواسع يُعرَف على أنّه شخص مثقّف . أمّا في الاصطلاح فتُعرَّف الثقافة على أنّها نظام يتكوّن من مجموعة من المعتقدات ، والإجراءات ، والمعارف ، والسلوكات التي يتمّ تكوينها ومشاركتها ضمن فئة معينة ، والثقافة التي يكوّنها أيّ شخص يكون لها تأثير قوي ومهم على سلوكه ، وتدلّ الثقافة على مجموعة من السمات التي تميّز أيّ مجتمع عن غيره ، منها : الفنون ، والموسيقى التي تشتهر بها ، والدين ، والأعراف ، والعادات والتقاليد السائدة ، والقيم ، وغيرها".
"يتميّز مفهوم الثقافة بشموله لأنواع العلم ، فهو يُستخدم في مختلف العلوم كعلم اللّسانيّات ، وعلم النفس ، والإنسانيات ، والفلسفة ، والاقتصاد وغيرها ، لذا يُمكن إيجاد العديد من التعريفات حول هذا المفهوم بحسب الفرع المُستخدَمة به ، وفيما يأتي أكثر التعريفات استخداماً في الأوساط العلمية" :
تعريف مالينوفسكي : (Malinowski) : "أنّها وسيلة تحسّن من وضع الإنسان ، حيث يستطيع مواكبة التغيُّرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية" .
تعريف تايلور: (Taylor) : "أنّها نظام متكامل يشتمل على كلٍّ من المعرفة ، والفن ، والقانون ، والعادات والتقاليد ، والأخلاق ، وغيرها من الأمور التي يكتسبها الإنسان بوصفه أحد أفراد المجتمع "
تعريف سابير: (Saper) "وضع سابير مفهوما شاملا للثقافة ، لذا وضع ثلاثة تعريفات تُكمّل بعضها البعض ، وهي كما يأتي : أيّ صفة يتّصف بها الإنسان يكون مصدرها الإرث الاجتماعي . مجموعة من الأفكار والمعلومات والخبرات التي تنتشر في مجتمع ما بسبب التأييد الاجتماعي لها ، ويكون أساسها التراث .
مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحضارة التي يتميّز بها شعب ما ، وتُكسبه مكانة خاصة في العالم" .
تعريف كلايد كلوكهون: (Clyde Kluckhohn) : "أنّها إرث اجتماعي وصل إلى الأفراد من المجتمع الذي ينتمون إليه ، والذي خلّف أساليب حياة الشعوب التي عاشت في ظلّ ذلك المجتمع ، بمعنىً آخر هي المعلومات التي خزنها الشخص في كتبه ، أو حتى في ذاكرته" .
تعريف ليزلي وايت : (WHITE) : "أنّها وسيلة تساعد الأفراد على تنظيم معتقداتهم ، وقيمهم ، ومعارفهم ، وجميع الأشياء التي تعلّموها في حياتهم ، والذي يُشكّل في النهاية أنماط سلوكهم" .
"تتكوّن الثقافة من مجموعة من العناصر الرئيسية ، والتي تختلف وتتغيّر من ثقافة إلى أخرى ، وتتطوّر بتطوُّر المجتمع ، وفيما يأتي توضيح لتلك العناصر: الثقافة الماديّة : تُشير الثقافة المادية إلى الأمور المادية التقنية كالاتصالات ، والنقل ، والطاقة التي تتوفر في مجتمع ما ، والتي يؤدي توافرها أو عدمه إلى إحداث تغيّرات مرغوبة أو غير مرغوبة في ثقافة أيّ مجتمع . اللغة : تعكس اللغة قيم وطبيعة المجتمع ، وتمتلك بعض الدول أكثر من لغة أو العديد من اللهجات التي من المهم أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ ...... . الجماليّات : تُشير الجماليات إلى كلّ ما يتعلّق بالجمال والذوق الرفيع داخل أيّ ثقافة ، كالموسيقى ، والفن ، والرقص ، والدراما السائدة في مجتمع ما ، وغيرها من الأمور، ويؤدي اختلاف هذا العنصر بين مجموعة من الثقافات إلى الاختلاف في التصاميم والألوان ، وغيرها من الأمور الجمالية داخل كلّ ثقافة" . ( )
3) البيئة Environment : يرجع الفضل الأول في تحديد مفهوم البيئة العلمي إلى العلماء العاملين في مجال العلوم الحيوية والطبيعية ، فيرى البعض أن للبيئة مفهومان يُكمّل بعضهما البعض : أولهما «البيئة الحيوية» وهي كل ما يختص بحياة الإنسان نفسه من تكاثر و وراثة فحسب ، بل يشمل علاقة الإنسان بالكائنات الحية ، الحيوانية والنباتية ، التي تعيش في صعيد واحد . أما ثانيهما وهي «البيئة الطبيعية أو الفيزيقية» وهذه تشمل موارد المياه وتربة الأرض والجو ونقاوته أو تلوثه وغير ذلك من الخصائص الطبيعية للوسط .
ويرى البعض الآخر أن البيئة تعني الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي أو غيره من الكائنات الحية وهي تشكل في لفظها مجموع الظروف والعوامل التي تساعد الكائن الحي على بقائه ودوام حياته . ويحاول طرف آخر التركيز على الإنسان كونه أحد مكونات البيئة الفاعلة ، فيعرف البيئة بأنها كل مكونات الوسط الذي يتفاعل معه الإنسان مؤثراً ومتأثراً ، أو هي الإطار الذي يعيش فيه الإنسان ويحصل منه على مقومات حياته ، من غذاء وكساء ودواء ومأوى ، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من بني البشر . ويبدو أقرب للحقيقة العلمية القول إن البيئة هي مجموع العوامل الطبيعية والبيولوجية والعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتجاور في توازن ، وتؤثر على الإنسان والكائنات الأخرى بطريق مباشر أو غير مباشر. وهذا التعريف يدلي بأن البيئة اصطلاح ذو مضمون مركب : فهناك البيئة الطبيعية بمكوناتها التي أودعها الله فيها ، وتشمل الماء والهواء والتربة وأشعة الشمس ، وما يعيش على تلك العناصر والمكونات من إنسان ونبات وحيوان . وهناك البيئة الاصطناعية وهي تشمل كل ما أوجده تدخل الإنسان وتعامله مع المكونات الطبيعية للبيئة ، كالمدن والمصانع والعلاقات الإنسانية والاجتماعية التي تدير هذه المنشآت .
بصفة عامة البيئة تشير إلى المحيط الكائن حول شيء ، وقد يكون هذا الشيء إنسانا أو حيوانا أو برنامج حاسوب أو نفس الإنسان . ويتفق العلماء في الوقت الحاضر على أن مفهوم البيئة يشمل جميع الظروف والعوامل الخارجية التي تعيش فيها الكائنات الحية وتؤثر في العمليات التي تقوم بها . فالبيئة بالنسبة للإنسان- "الإطار الذي يعيش فيه والذي يحتوي على التربة والماء والهواء وما يتضمنه كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة من مكونات جمادية ، وكائنات تنبض بالحياة . وما يسود هذا الإطار من مظاهر شتى من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية ومغناطيسية...إلخ ، ومن علاقات متبادلة بين هذه العناصر.( )
واذا نظرنا الى البحث العلمي كمهنة ، فلكل مهنة بيئتها الخاصة بها ، ولها مفرداتها اللغوية وسياقات عملها المتفق عليها اجتماعيا و قانونيا . وليس هناك مهنة مهما كانت وبغض النظر عن موقعها في سلم القيم الاجتماعية و الحضارية و القانونية خالية من ثقافتها المميزة لها النابعة عن بيئتها و طبيعة المهام التي تؤديها . فالثقافة نتاج البيئة ، وكلاهما (الثقافة والبيئة) يتاثران و يؤثران ببعضهما البعض ، فالعلاقة دائرية تكاملية يصعب الفصل بينهما ، ولكنهما ليسا مترادفين ، فالبيئة منظورة والثقافة كامنة .
4) "المدنية : من معجم المصطلحات الشرعية : مظاهر حضارية ماديَّة . نشأتْ عن تفاعُل بين العلوم التجريبيَّة ، وتطبيقاتها من ناحيةٍ ، وبين منتجات الأمَّة الحضارية مِن ناحيةٍ أخرى . وترتبط - غالبًا – بالمجالينِ ؛ الصناعي ، والاقتصادي .(ينظر : الموسوعة الفلسفية العربية لمعن زياد، 1/736، معجم اللغة العربية المعاصرة لأحمد مختار، 3/2080، نظرة في تعريف الثقافة والحضارة والمدنية لمصعب الخالد البوعليان، ص : 18.)" ( )
5) الحضارة Civilization : هي "أي مجتمع معقد يتميز بتطور الدولة والطبقية الاجتماعية والتحضر وأنظمة الاتصال الرمزية التي تتجاوز اللغات التي تشير إليها أو تتحدثها (أي أنظمة الكتابة والفنون الرسومية). تشمل الحضارات سمات مثل الزراعة والهندسة المعمارية والبنية الأساسية والتقدم التكنولوجي والعملة والضرائب والتنظيم والتخصص في العمل".
"تاريخيًا ، غالبًا ما يُفهم الحضارة على أنها ثقافة أكبر و"أكثر تقدمًا" ، في تناقض ضمني مع الثقافات الأصغر والأقل تقدمًا . بهذا المعنى الواسع ، تتناقض الحضارة مع المجتمعات القبلية غير المركزية ، بما في ذلك ثقافات الرعاة الرحل والمجتمعات النيوليتية أو الصيادين وجامعي الثمار؛ ومع ذلك ، فإنها تتناقض أحيانًا أيضًا مع الثقافات الموجودة داخل الحضارات نفسها . الحضارات عبارة عن مستوطنات منظمة مكتظة بالسكان مقسمة إلى طبقات اجتماعية هرمية مع نخبة حاكمة وسكان حضريين وريفيين تابعين ، يشاركون في الزراعة المكثفة والتعدين والتصنيع والتجارة على نطاق صغير. تركز الحضارة القوة ، وتمتد سيطرة الإنسان على بقية الطبيعة ، بما في ذلك على البشر الآخرين" .
"ترتبط كلمة الحضارة بالكلمة اللاتينية civitas أو "المدينة" . وكما أوضحت الجمعية الجغرافية الوطنية : "لهذا السبب فإن التعريف الأكثر أساسية لكلمة الحضارة هو "مجتمع مكون من مدن". يرتبط ظهور الحضارات في وقت مبكر عمومًا بالمراحل النهائية للثورة الزراعية في غرب آسيا ، والتي بلغت ذروتها في العملية السريعة نسبيًا للثورة الحضرية وتشكيل الدولة ، وهو التطور السياسي المرتبط بظهور النخبة الحاكمة". ( )
ثقافة البحث العلمي
ما المقصود بثقافة البحث العلمي ؟ وما هي بيئة البحث العلمي ؟ وبماذا يختلفان عن منهجية البحث العلمي ؟ اسئلة ترد الى الذهن ، وتتباين الاراء حولها كثيرا . في البدء ، منهجية البحث العلمي هي الاجراءات المنصوص عليها لانجاز البحث ، لا اكثر ولا اقل ، انها الركن الاساس لثقافة البحث العلمي . ليس لثقافة البحث العلمي تعريف متفق عليه عالميا ، و لكنها تضم عناصر (مكونات) اشرها باحثون لهم مكانتهم العلمية عالميا . اما بيئة البحث العلمي فهي الاجواء و الضوابط التي تؤطر انجاز البحث العلمي وتحتويه . و تشمل الاجواء والضوابط ما هو نفسي (شخصي) وما هو اجتماعي (المجتمع الاكاديمي) وكل ما له صلة بعملية البحث العلمي و النشر .
قبيل ذلك ، لابد من ان نتسائل عن اهمية البحث العلمي : لماذا البحث العلمي ؟ وما دوره في عملية التطور و التقدم . ساد مصطلح البحث والتطوير R&D منذ ستينات القرن الماضي ، وتطورات تقنياته و اساليبه ، ولعل احدثها الذكاء الاصطناعي . وعلينا هنا ايضا ان نميز بين المعرفة Knowledge و العلم Science . المعرفة تسبق العلم في الوجود ، وهي الارضية التي يستند عليها العلم في نهوضه وتقدمه . و الوسيلة المتبعة لتحقيق النهوض العلمي وتوسيع رقعته وتعميق تخصصه هي (البحث العلمي Scientific Research ) . و للبحث العلمي سمات واركان يستند عليها لا يمكن تجاوزها .
وهو بهذه الحالة عبارة عن منظومة System متكاملة من الاجراءات البنائية Structure التي يصب بعضها ببعض . فالدراسات السابقة تشكل الارضية التي يبنى عليها موضوع الدراسة ومنها تشتق التساؤلات المطلوب الاجابة عنها . وطبيعة الاجابة عن هذه التسشاؤلات هي التي تحدد هدف الدراسة ومسعاها . و للوصول الى الهدف لابد من مؤشرات و متغيرات تعبد الطريق ، ويجب ان لا تبق هذه المتغيرات والمؤشرات بدون رابط بينها (التحليل العلمي) . و قد يقع البعض في حيرة في اختيار طريقة التحليل ، فلكل طريقة متطلباتها في نوعية البيانات التي تتعامل معها و انها تحقق هدفا مقصودا لذاته .
وبالحصول على نتائج التحليل ، على الباحث ان يرجع الى الدراسات السابقة للمقارنة و لتفسير ما قد توصل اليه من نتائج واستنتاجات . وفي الغالب ، يبدأ البحث العلمي بسؤال (قد يبدو للبعض ساذجا) وينتهي البحث باثارة تساؤلات عديدة ، منطقية و ساذجة تقود عملية الاضافة الى المعرفة الانسانية شيئا جديدا . فالبحث العلمي الجيد يملآ فراغا معرفيا و يضيف الى المعرفة شيئا جديدا ، فالعلاقة بين المعرفة والعلم حلقية ، ويفتح نافذة على ميادين لم تكن ضمن مدى الرؤية والادراك المعرفي البسيط . فبدون بحث علمي ليس هنا : اضافة جديد للمعرفة ، ولا مقترحات حل مشكلة معينة ، ولا الانتباه الى معطيات وجوانب كانت غير منظورة .
بعبارة ادق ، ان البحث العلمي هو نواة التقدم والارتقاء الحضاري ، و انه المرآة التي تعكس حال ثقافة المجتمع و المؤسسات التعليمية والمهنية فيه . منه تنبع وبه تزدهر ثقافة المجتمع عامة و ثقافة البحث العلمي على وجه الخصوص . فالاهتمام بالبحث العلمي مهمة وطنية لا تقل عن مهمة الدفاع عن الوطن وسيادته و استقلاله . انها مساهمة جادة في عملية بناء مستقبل البلد وتحقيق الرؤية العلمية للمستقبل .
ساعتمد في توضيح ثقافة البحث العلمي على ثلاث دراسات موسعة ، شملت الاولى المجتمع الاكاديمي في الولايات المتحدة الامريكية ، و غطت الدراسة الثانية المجتمع الاكاديمي في المملكة المتحدة ، اما الدراسة الثالثة فعرضت ما نشر في مجلات سكوبس وله صلة بثقافة البحث العلمي .

(1) الدراسة الاولى ( )
درست شركة هانوفر للأبحاث الممارسات الناجحة لبدء ثقافة البحث العلمي والحفاظ عليها ، مع التركيز بشكل خاص على الممارسات في الأقسام التي لا تتمتع بتقاليد بحثية قوية ، مثل المدارس المهنية . تألف تقريرها من ثلاثة أقسام :
- القسم الأول ناقش أهمية ثقافة البحث العلمي وتناول الخصائص المهمة لبيئة انتاج البحث العلمي.
- تناول القسم الثاني العوامل المهمة والخطوات الناجحة لتنفيذ ثقافة البحث العلمي .
- استعرض القسم الثالث خطط تطوير البحث العلمي في ثلاث مدارس مهنية عامة - كلية الحقوق وكلية الطب وكلية التمريض في الولايات المتحدة الامريكية .
كان المسح الاستطلاعي كبيرا جدا ، شمل شريحة واسعة ومنوعة من اكاديميين و باحثين في مؤسسات بحثية ، وبمختلف اصقاط الولايات المتحدة الامريكية ومؤسساتها . ما ساركز عليه هنا ، فقط ما اتفق عليه من قبل نسبة غير قليلة من المبحوثين ، مع التعليق عليه .
- أن "ثقافة البحث العلمي هي البنية التي تعطي [سلوك البحث] أهمية وتسمح لنا بفهم وتقييم نشاط البحث". اي ان مستوى البحث انما هو انعكاس لمستوى ثقافة البحث العلمي السائدة في المؤسسة .
- إن سوق التعليم العالي التي تشهد منافسة متزايدة جعلت إنتاج أعضاء هيئة التدريس البحثي أمرًا حيويًا لتحقيق النجاح على مستويات متعددة . فالبحوث العلمية و مستواها هي الاداة التي تتنافس بها الجامعات فيما بينها و على مختلف المستويات و الاصعدة ، داخليا وعالميا .
- أن أبحاث أعضاء هيئة التدريس هي الطريقة الأولى التي تستخدمها الكلية لتحقيق رسالتها . فلكل قسم علمي و جامعة هدف منصوص عليه عند الاستحداث ، والتهاون في التنفيذ يؤشر خللا علميا و مهنيا في الوقت نفسه
- ترتبط السمعة المؤسسية بين جامعات البحث العلمي ارتباطًا وثيقًا بإنتاجية البحث . تاكيد على ان سمعة الجامعه ومكانتها بين اقرانها مرهونة بالابحاث العلمية التي تصدر عن منتسبيها .
- وعند الاستفسار عن اسباب كتابة الابحاث ، كانت العبارات التي جاءت بترتيب تنازلي : "تطوير مسيرتي المهنية" ، "توصيل العلوم للآخرين" ، "كسب راتب" ، "تدريب الجيل القادم من العلماء" ، "اكتساب التقدير من زملائي " ، "العمل كفريق واحد" و "اكتساب التقدير من الجمهور" في المرتبة الأخيرة .
- وعند التساؤل عن العوامل المؤثرة في ثقافة البحث العلمي ، جاء الرد كما يلي : القيادة الفعّالة والأهداف الواضحة ، التدريب والدعم ، برامج التوجيه ، التعليم المستمر ، دعم الحصول على الدرجة النهائية ، مراكز الأبحاث العلمية . وجود قيادة ذات رؤية مستقبلية وقدرة على توجيه دفة ثقافة البحث العلمي بتوفير مستلزمات التطور والتقدم من بنى بحثية تحتية ، و استدامة التعليم والتدريب على الجديد من تقنيات و مواكبة الاتجاهات العلمية ، وتوسيع و تعزيز الوحدات والمراكز البحثية ضمن ملاك الجامعه هي العوامل المؤثرة فعلا في مدى نجاح المؤسسة و قدرتها على التنافس في سوق العمل .
- تتطلب ثقافة البحث العلمي النامية علاقات شخصية منفتحة وتعاونية بين أعضاء هيئة التدريس . فالانفتاح و التعاون بين الزملاء يشكل بيئة ينتعش بها البحث العلمي .
- إنشاء علاقات مؤسسية والحفاظ عليها . التاكيد على التعاون ليس بين الافراد فقط بل وبين المؤسسات ذات الاهتمامات المشتركة .
- يجب أن تتضمن خطط ثقافة البحث العلمي النظر في مشاركة الطلاب . مما يعني وجود خطة علمية للقسم و يشرك بها طلبة الدراسات العليا .
- وعند التساؤل عن التحديات التي تواجه ثقافة البحث العلمي ، احتوت الاجابة ما يلي : دافعية أعضاء هيئة التدريس ، القدرة و القياس . غالبا يكون البحث العلمي نشاطا فرديا ، و لاهداف شخصية في الكثير من الاحيان . و تتباين قدرات اعضاء هيئة التدريس في قدراتهم التدريسية و مؤهلاتهم البحثية ، ويفترض متابعة ذلك للارتقاء بمستوى القسم العلمي اولا و الجامعة ثانيا . يتطلب الامر ايجاد مجسات و مقاييس موضوعية لتحديد مستويات الاداء .
- وضمن التحديات التي تواجه ثقافة البحث العلمي ، اشير الى وجود مجموعة واسعة من الأنشطة التي يمكن عدها سوء سلوك بحثي أو ممارسة بحثية رديئة الجودة . ويشمل ذلك الاحتيال في البيانات ، وتصميم التجارب الرديء، واختصار الطرق في البحث ، والتكرار غير الكافي للبحث ، و"اختيار النتائج" بعناية ، وتقطيع البيانات بشكل غير مناسب لإنشاء العديد من الأوراق البحثية ، وقضايا التأليف ، والانتحال ، والمبالغة في أهمية العمل في مقترحات المنح والأوراق البحثية ، وإجراء مراجعة أقران رديئة الجودة . من الصعب تقييم حجم سوء السلوك البحثي أو ممارسات البحث الرديئة الجودة نظرًا لأنه من المرجح أن يحدث الكثير دون أن يتم اكتشافه .
- والنقطة الجوهرية التي ركز عليها للارتقاء بمستوى الابحاث وتعزيز ثقافة البحث العلمي هي تطوير البحوث متعددة التخصصات . تداخل التخصصات العلمية وتكاملها عند دراسة مشكلة او ظاهرة معينة امر يفرض وجوده و يتطلب القيام بدراسات معمقة و استحداث مراكز بحثية لمثل هذه الموضوعات .

(2) الدراسة الثانية ( )
في عام 2013، شرع مجلس نوفيلد للأخلاقيات الحيوية في سلسلة من أنشطة المشاركة التي تهدف إلى إعلام وتعزيز المناقشة حول العواقب الأخلاقية لثقافة البحث العلمي من حيث تشجيع ممارسات البحث الجيدة وإنتاج علم عالي الجودة . وتحت إشراف مجموعة توجيهية ، تضمنت أنشطة المشروع الاتي :
- استطلاع رأي عبر الإنترنت تلقى 970 ردًا.
- خمسة عشر حدثًا للمناقشة تم تنظيمها بالاشتراك مع جامعات في جميع أنحاء المملكة المتحدة شارك فيها حوالي 740 متحدثًا ومشاركًا .
- اجتماعات لجمع الأدلة مع هيئات التمويل والناشرين ومحرري البحث العلمي والأكاديميين من العلوم الاجتماعية .
- معظم الأشخاص الذين شاركوا في الانشطة قدموا أبحاثا لمؤسسات التعليم العالي .
وقد تم طرح مجموعة واسعة من الآراء والتصورات والخبرات حول البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي ، وقد تم تلخيصها في التقرير، ومنها الاتي :-
- عند سؤال المشاركين في الاستطلاع عن الاختيار من بين قائمة من الخيارات ، وصفوا البحث عالي الجودة بأنه : صارم ودقيق وأصلي وصادق وشفاف . بمعنى ، ان البحث عالي الجودة يتسم بالحدية و الدقة في اختيار المفاهيم و النتائج وتفسيرها ، وانه غير مكر ر ، ولا يشوبه شيء من الكذب او التلاعب في البيانات و النتائج ، وبهذا فهو شفاف ينقل التجربة دون مواربة او رياء .
- إن المشاركين في الاستطلاع مندفعون في عملهم لتحسين معرفتهم وفهمهم ، وإجراء اكتشافات علمية لصالح المجتمع ، وإرضاء فضولهم العلمي . فالشغف بالبحث العلمي له اهميته ، متجسدا بالهدف من اجراء البحث ، بين : فضول علمي لتحسين المعرفة الذاتية و ادراك معمق لتفاصيل الاختصاص الدقيق ، اكتشاف المزيد من غير المعروف في الموضوع قيد التقصي ، والتعمق بما هو معروف ومكتشف ، خدمة العلم والمجتمع .
- بالإضافة إلى ذلك ، غالبًا ما تم ذكر التعاون والانفتاح والإبداع والتعددية التخصصية كمكونات مهمة في إنتاج علم عالي الجودة . فالشغف العلمي وحده لا يكفي ، بل انه بحاجة ماسة الى معززات بيئية مكملة ، مثل : تعاون الزملاء والادارة على المستوى الفردي و الجماعي داخل المؤسسة و مع المؤسسات الاخرى ذات الصلة ، والابداع في العمل ، ويتكلل كل هذا بابحاث متعددة التخصصات المتكاملة المنظور و الهدف .
- وعند السؤال عن المخاوف بشأن ثقافة البحث العلمي ، حددت الاجابة المجالات الاتية : المنافسة ، تمويل البحث ، تقييم البحث ، نزاهة البحث . فالمنافسة بين الباحثين امر مرغوب به جدا لتقديم الاحسن والافضل ، ولكن قد ينساق البعض الى السياقات والاجراءات التي اشير اليها في الدراسة الاولى والتي تؤدي الى انتاج ابحاث مكررة و غير عالية الجودة . وتخوف البعض من عدم دقة تقيمات الابحاث والمشاريع البحثية ، خاصة عند تقديمها للحصول على تمويل مادي او تقييم لاغراض الترقية العلمية . اما النزاهة فقد كانت موضع شكوك كثيرة ، مؤشرة ان النفس البشرية تكاد تكون واحدة مهما اختلفت الشعوب في اوضاعها الاجتماعية و الحضارية .

(3) الدراسة الثالثة ( )
في هذه الدراسة تمت مراجعة قاعدة بيانات Scopus بشكل منهجي لتحديد الأعمال العلمية ذات الصلة . تم استخدام الكلمتين الرئيسيتين "ثقافة " و" البحث" للعثور على المستندات في قاعدة بيانات Scopus . تم استلام النصوص الكاملة لـ 65 منشورًا (من أصل 104 متبقية بعد فحص الملخص) من خلال الوصول المفتوح وبناءً على طلب من مؤلفيها في شبكة بوابة الأبحاث . بعد استخراج البيانات من النصوص الكاملة البالغ عددها 65 نصًا ، تم استبعاد 14 منشورًا آخر للفشل في العثور على أي بيانات دقيقة . تضمنت العينة النهائية 51 وثيقة . تم إجراء بحث إضافي من خلال قوائم المراجع للأدبيات لتشمل مجموعة أوسع من المنشورات ذات الصلة بأهداف هذه المراجعة . في هذه المرحلة ، ركزت استراتيجية البحث بشكل خاص على تحديد المنشورات التي حدد فيها المؤلفون صراحةً وضمناً ثقافة البحث أو فصّلوا مكوناتها . وأضافت المنشورات المختارة خمس وثائق إلى المراجعة ، بما في ذلك مقالتان ومراجعة واحدة وافتتاحيتان . ونُشرت جميع الأوراق خلال الفترة المحددة في معايير الإدراج .
ومن هذه الدراسة ، استدل على الاتي :
- تم تعريف ثقافة البحث العلمي على النحو الذي يدركه المشاركون في الدراسة على انها :
(1) جزء من العمل اليومي داخل المؤسسة (أي الإجراءات)؛
(2) بيئة داعمة وممكنة تحفز البحث وتعزز الإرشاد والتوجيه؛
(3) الإجراءات الجماعية التي تشجع على توسيع المعرفة؛
(4) تشير ثقافة البحث العلمي إلى البيئة التي يحاول فيها الأكاديميون الدعوة إلى الزيادة النشطة في المعرفة العلمية / الأكاديمية؛
(5) بيئة تدافع عن الفضول والتحفيز الفكري وتقدر التنوع - مساحة تمكن الأشخاص الفضوليين من الاستفسار والتساؤل والمناقشة ومناقشة الأمور ذات الأهمية للتخصص والجامعة والمجتمع ككل .
(6) ويدعم التعريف الواضح والشامل المؤسسات التعليمية وصناع السياسات في صياغة استراتيجياتهم التي تهدف إلى تنمية وتعزيز ثقافة بحثية صحية وغير سامة . ولا يمكن تحقيق الابتكارات والتقدم في العلوم إلا في مثل هذه الثقافة .
- اما عن مكونات ثقافة البحث العلمي ، فكانت الاجابة : إن مكونات ثقافة البحث العلمي التي قدمها الباحثون المختلفون تتضمن عناصر متعددة المستويات وغير متجانسة ، وهي كما موضح في ادناه .
(1) أن القيم والسلوكيات والافتراضات والمعتقدات والطقوس (إيفانز، 2007) والتوقعات والمواقف والمعايير (الجمعية الملكية للعلوم) لمجتمعات البحث (الجمعية الملكية للعلوم) تجسد ثقافة البحث العلمي . يعني هذا ، ان ثقافة البحث العلمي تشمل : القيم والسلوكيات و الافتراضات و المعتقدات و الطقوس و التوقعات و المواقف و المعايير المعتمدة والسائدة في مجتمعات البحث العلمي و تجسدها عمليا . فهي ممارسة عملية وليس مفردات لغوية لا معنى لها و ليس لها صدى في المجتمع الاكاديمي . بعبارة ادق كل ما له صلة وعلاقة بالبحث العلمي من انجاز و دعم ونشر .
(2) شملت الأفعال والبيئة والروتين اليومي داخل المؤسسة في ثقافة البحث كما يراها المشاركون في الدراسة . اذن ثقافة البحث العلمي هي الافعال و الروتين يومي الممارس في بيئة المؤسسة العلمية . فالبيئة هي الوعاء الحاوي و الاطار المشكل لهذه الافعال و الروتين .
(3) تتضمن ثقافة البحث العلمي أصحاب المصلحة (من منظور الوكيل) المرتبطين بالبحث في تفاعلاتهم مع القيم والسلوكيات والقدرات والسمات الشخصية والبيئة والسياسات والعمليات والتقييم والمؤشرات ، مما يؤدي إلى أداء البحث (النهج البنيوية والثقافية).
(4) إن الفهم الأفضل لثقافة البحث العلمي يؤدي إلى أدوات أكثر كفاءة لتقييم وتحسين ممارسات البحث في المؤسسات التعليمية ومنظمات البحث العلمي . وهو أمر حيوي لأداء بحثي أعلى جودة ، وتعليم وتدريب أكثر جاذبية وكفاءة . وبناءً على فهم واضح وعميق لمكونات ثقافة البحث ، تتمكن الجامعات ومؤسسات البحث من تنفيذ التدابير التي تدعم بناء ورعاية ثقافة البحث . ويوفر هذا الأخير مجتمعات أكاديمية متنامية واستدامتها على المدى الطويل .

هرمية مسئولية ثقافة البحث العلمي
من الجوهري ان نضع النقاط على الحروف ، بدون مجاملة او تخوف ، وذلك لان تاشير المسئوليات بشكل عام لا يساعد في تحديد مصدر الخطر و لا يعين في رسم السياسة العلاجية المطلوبة . في قناعتي الشخصية تتحدد المسئولية طبقا للتسلسل الاتي :-
(1) الباحث ، هو من يقوم بعملية البحث والتقصي ، انه المنتج و المستثمر (لان ريع البحث يعود عليه لاحقا) في الوقت نفسه . فكلما اتبع الباحث سياقات البحث ومنهجيته الاصولية بامانة وصدق كلما كان مردود ذلك عليه كبيرا . واهداف كتابة الابحاث متباينة بين الاكاديميين ، فمنهم الشغوف علميا وفيهم من يتبع طرقا ملتوية لكتابة ورقة لاغراض شخصية (النشر والترقية الاكاديمية) . ومن الجوهري ان يدرك الباحث ان ما يكتبه وينشره هو بمثابة رسالة الى المتلقين (الذين سيقرأون كتاباته) يرسم بها صورة لفكره و مستواه العلمي والقيمي ، وبالتالي سيتعرف عليه الاخرون من خلال كتاباته بعيدا عن اللقاءات الشخصية . انه لقاء مباشر وبدون رتوش او اضافات مجاملة و محاباة .
يخدم البحث العلمي الرصين الاختصاص اولا ، و يطور خبرة وكفاءة كاتبه ثانيا ، و سمعة الجامعة ثالثا ، و بمحصلته النهائية و المهمة جدا ، يؤدي الى ثقة الاخرين بالبحوث الاكاديمية ، مما يوصل الى نشر ثقافة البحث العلمي خارج اطار الجامعه (الى مؤسسات الدولة) ، وهذا مهم جدا ويخدم البلد اولا و الجامعه ثانيا . بالمقابل ، فان الابحاث (الشكلية) و المزيفة و الملتوية قد تفيد ناشرها مؤقتا ولكنها تسيء الى سمعته و مكانته بين اقرانه ، و تشوه سمعة الجامعة التي ينتمي لها .
(2) الوزارة ، بيدها ادارة دفة مركب التعليم العالي بجميع مؤسساته ، ما يصدر عنها يرسم طريق الجامعات ومسارها لتحقيق الرؤية (ان وجدت) ، و تحقيق الاستراتيج الوطني (ان وجد) . وعندما تتضارب تعليمات الوزارة و- او تتعارض مع القوانين السابقة يؤدي ذلك الى فوضى يستغلها ضعاف النفوس لتحقيق مآرب شخصية انية ، و بهذا تتشوه سمعة الجامعات محليا و اقليميا و عالميا .
فالخلل في النقطة الاولى (الباحث) يؤدي الى نتائج محلية – شخصية صرفة ، اما هنا فالنتيجة كارثية بمعنى الكلمة لعموميتها . وارى ان الوزارة مطالبة باعادة النظر في اسباب وشروط استحداث الجامعات و الكليات و الاقسام العلمية جميعا (وبدون استثناء) طبقا لمتطلبات القرن الحادي والعشرين ومستلزماته العلمية ، فالكثير من الموجود حاليا طبقا للموافقات السابقة قد عفى عليه الزمان . ولا ننس اهمية تعليمات النشر والترقيات العلمية في تعزيز وترصين البحث العلمي و مكانة الجامعه .
(3) القسم العلمي ، القلب النابض للجامعه ، و مولد الحركة العلمية فيها ، وما يصيبه من خلل او قصور في اداء الواجبات المنصوص عليها قانونا ينعكس على مجمل الحركة العلمية في الاقليم الوظيفي للجامعة . انه البيئة العلمية التي تنبت فيها بذرة البحث العلمي و تزدهر . لذا ، وبالضرورة القصوى ، يفترض ان تكون له رؤية ورسالة تتناغم مع متطلبات العصر و مواكبة اقرانه في دول الاقليم و العالم . ويفترض ان تكون له شخصيته الاكاديمية المميزة عن اقرانه ، لا ان يكون نسخة مشوهة عن غيره في جامعات القطر ، كما هو حال المدارس الثانوية . وما يميز القسم العلمي عن اقرانه هو طبيعة نشاط ملاكه البحثي و قدرتهم على التقصي وانجاز الدراسات المعمقة . ولا يحدث هذا الا بتوفر البنى التحتية من مكتبة و مختبرات و تجهيزات ، و اجواء (بيئة علمية – تعاونية) تسود القسم وتيسر الصعب وتزيل العقبات التي تعترض المسيرة العلمية .
(4) الجامعة ، واجهة علمية مسئولة عن حركة العلم والارتقاء به ضمن اقليمها الوظيفي . ترهلت نتيجة التوسعات الافقية و العمودية غير الضرورية ، بواقعها الراهن عاجزة عن تحقيق طفرة علمية نوعية ، كل ما عليها القيام به حاليا ، الحفاظ على سمعتها امام اقرانها .
تعاني الكثير في مرافقها من تخلف ادارييها علميا و مهنيا . واجبها تطوير ملاكاتها الوظيفية (تدريس و بحث وادارة) واشراكهم في دورات التعليم المستمر داخليا و خارجيا وحيثما تطلب الامر . كذلك عليها فتح قنواة التواصل والتعاون العلمي مع مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني .
(5) الكلية ، تشكيلة ادارية زائدة ، واجبها فقط تنسيق عمل الاقسام العلمية و تتابع تنفيذ تعليمات الجامعه والاوامر الوزارية . ليس لها شخصية علمية مميزة كما هو حال القسم العلمي ، بل لها صفة مهنية مثبتة في امر الاستحداث ، الذي يستوجب اعادة النظر فيه طبقا لمستلزمات الالفية الثالثة .

الاستنتاجات
1 – ما يميز المعرفة عن العلم هو البحث العلمي ، الذي يستند على المعرفة بدوره و يهدف تطويرها وتعميق التخصصات الدقيقة فيها من خلال اجراء الابحاث العلمية الرصينة ، فبدون ابحاث علمية ذات اهداف علمية تنجز بامانة و دقة ليس هناك تقدم ، من اي نوع كان .
2 - منظومة كتابة البحث العلمي (منهجيته) هي بمثابة الجسر الواصل بين المعرفة والعلم ، وهي ليست خطوات (اجراءات شكلية) لا صلة بينها ، بل انها عملية بناء تراكمي ، فاي خلل في احد خطواتها (مرتكزاتها) تنعكس اثارها على النتيجة النهائية حتما . فهي النواة التي عندما تنمو وتنضج ببيئة سليمة تنتج علما ، فهي نواة ثقافة البحث العلمي واداته .
3 - البحث العلمي الرصين اداة فعالة واسلوب حصين لتحقيق التقدم والتطور على المستوى الشخصي والمؤسسي ، مهنيا وعلميا ، وبالمحصلة النهائية تقدم المجتمع وتطوره حضاريا . فما نتمتع به حاليا من مستوى حضاري وعلمي و تقني لم يحدث بعصى سحرية بل جاء من خلال تقدم متنامي علميا وتقنيا .
4 – حجر الزاوية ونواة التقدم والرقي الحضاري هو البحث العلمي ، باتباع منهجه القويم بامانة واخلاص يكون الباحث قد اقترب من تحقيق اخلاقيات البحث العلمي . ولكن هذا لا يكفي ، فلابد من بيئة تعزز البحث العلمي ، متجسدة بالبنية التحتية للقسم العلمي او المركز البحثي ، يكملها التعزيزات المالية للقيام بالابحاث التي تتطلب دعما ماليا . يضاف الى ذلك مساندة الزملاء في المؤسسة العلمية و تعاونهم في المجالات التي تحافظ على قيمة البحث العلمي ورصانته ، دون الاخلال بالقيم والسياقات الاصولية .
5 - – الفضول العلمي لا يتمتع به الا من كانت بذرة حب المعرفة و التقصي العلمي عنده يانعة ، ومثل هذه البذور تذبل وتذوي ما لم تحاط بعناية ورعاية خاصة . وعندما تتوافر بيئة تحتضن هذه البذور حينها يمكن القول بان ثقافة البحث العلمي قد اتسعت وتنامت واصبحت واقعا يفرض نفسه . ومثل هذه البذور (العلمية – الذهنية المتفتحة و المنقحة لما تقرأه و تتعلمه) قد تكون وراثية ، ولكن يمكن توسيع اثرها لتنير ما حولها من خلال طرائق التدريس التي تعتمد العصف الذهني و الاساليب العملية في التعلم الذاتي . بمعنى اخر ، ان البحث العلمي اسير ثقافة المجتمع (الاكاديمي اولا و الاجتماعي ثانيا) و مدى توافر بيئة (محلية على الاقل) التي ترعاه و تدعم نموه و تطوره .
6 - تسعى الجامعات العريقة الى الاحاطة بمكونات ثقافة البحث العلمي لتطويرها و صياغة الاستراتيجيات المناسبة لرسم خريطة طريق المستقبل طبقا لرؤية موضوعية تنافسية . والدراستين (الاولى والثانية مثال على ذلك) ، كما يمكن الاطلاع على خطة جامعة لندن على سبيل المثال لا الحصر من الرابط ادناه .( )
7- الطبائع البشرية غير الايجابية (غيرة و حسد ، وانانية ، وغرور، وغيرها) تشكل معاول هدم للبناء العلمي ، وفي الكثير من الاحيان تمثل عقبات في طريق تقدم الافراد و المجتمع العلمي اولا و الاجتماعي ثانيا .
8- الخلاصة ، البحث العلمي يعاني من هشاشة الثقافة البحثية عامة ، ومن بيئة غير مكتملة و غير مشجعة لانجاز الابحاث العلمية الرصينة . وبالاضافة الى النقص الذاتي في مؤسسات التعليم العالي في هذا المجال ، والمنعكس على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني عامة ، فان الاعراف الاجتماعية و مستغلي الظروف الطارئة قد اجهزوا على البحث العلمي و الترقيات الاكاديمية ليجعلوها صورية غير ذات معنى .

تساؤلات لا مفر منها
ما هي الصورة التي يحملها (اي واحد منا) عن ثقافة البحث العلمي في الجامعة التي ينتمي لها ؟ السنا بحاجة الى معرفة واقعنا العلمي ومناقشته بموضوعية وامانة و شفافية ؟ هل لدينا بيئة بحثية تشجع على انتاج ابحاث رصينة و ابتكار علمي ؟ قيل ان العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ، وقيل ان الاعشاب الضارة تحرم الارض من انتاج ماهو مفيد . وفي ضوء التزوير و الشهادات العليا غير المنضبطة و ما رافقها من ترقيات لالقاب لا معنى لها ، ماهي سبل تطهير الساحة الجامعية لتدعم ابحاثا رصينة و ترعى براعما لها قيمتها العلمية مستقبلا ؟
لرسم ملامح الصورة بشكل علمي ، من المهم ان نضع الاصبع على مكان الخلل في المجالات الاتية :-
(1) سياق تدريس مناهج البحث العلمي و فاعليتها ،
(2) الخطة السنوية البحثية للقسم ، (اساتذة ودراسات عليا) ومدى متابعة تنفيذها ،
(3) الرؤية المستقبلية للقسم (والكلية و الجامعه) لعشر سنوات قادمة ،
(4) مدى التكرار في نتاجات القسم العلمية – ابحاث التدريسيين ومشاريع الدراسات العليا ،
(5) تناغم الالقاب العلمية مع الامكانت الشخصية في التدريس و البحث والاختصاص الدقيق ،
(6) مدى التعاون مع الاقسام المتناظرة داخل الجامعه ، والاقسام الاخرى ذات الصلة ،
(7) مدى علاقة القسم – الجامعه بمؤسسات الدولة و قدرته على دراسة مشكلاتها والعقبات التي تعترض مسيرتها المهنية .
ولعل ما ورد في متن هذه الورقة يثير تساؤلات اكثر ، و يؤشر اماكن خلل و موضوعات لم تثار هنا ولكنها ذات صلة و بحاجة الى تمحيص و تدقيق و مناقشة علنية ،

والله ولي التوفيق .



#مضر_خليل_عمر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارهاصات متقاعد
- الفاصلة الثقافية بيننا و العالم المتمدن
- ثقافة الايفون
- بناء ثقافة البحث العلمي : الممارسات الموصى بها
- تحت الرماد نار حرب مقدسة
- التغييرات الاجتماعية والثقافية : العراق انموذحا
- تقييم نقدي لواقع التعليم الجامعي في العراق
- الجامعة والإبداع الفكري: أمراض تصيب الجامعة فتعيقها عن الإبد ...


المزيد.....




- دانييلا رحمة تكشف عن ملهمتها في أداء دور -روح- بمسلسل -نَفَس ...
- فيديو متداول لـ-إرسال معدات عسكرية تركية إلى مطار منغ- في سو ...
- الأردن.. القبض على شخصين حاولا التسلل من سوريا إلى المملكة
- الجيش الإسرائيلي: الفرقة 36 تستعد لعمليات عسكرية في قطاع غزة ...
- حكومة نتنياهو تقر إقالة المدعية العامة والاحتجاجات تتواصل
- إفطار رمضاني لتعزيز شراكة روسيا وتونس
- الحوثيون يقصفون مطار بن غوريون
- ستة جرحى في إطلاق نار بملهى ليلي في ولاية تكساس الأمريكية
- الجيش اللبناني يعلن إغلاق 6 معابر غير شرعية مع سوريا
- أنقرة تدعو إلى زيادة الضغوط على إسرائيل لوقف الحرب في غزة


المزيد.....

- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مضر خليل عمر - ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة