أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجوديّة.















المزيد.....


مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجوديّة.


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 00:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هو عويمر بن زيد بن قيس الأنصاريّ الخزرجيّ ، وهو من صحابة النبي محمد ﷺ ، و وُلد في المدينة المنورة وكان من أفراد قبيلة الخزرج ، وكان في بدايّة حياته من التجار الأثرياء ، لكنه بعد اعتناقه الإسلام غير نظرته للحياة وكرّس ما تبقى منها للعلم والعبادة ، أما عن خبر إسلامه فقد اسم بعد غزوة بدر ، حيث كان من آخر من دخل الإسلام من أهل بيته ، لكنه عندما دخل فيه ، انقلبت حياته رأساً على عقب ، حيث أصبح مبتعداً عن الدنيا ومتجهاً للآخرة ، عن طريق الزهد والعبادة.

وتوفى أبو الدرداء ، في دمشق سنة ٣٢ هجريّة ، وكان له دور كبير في نشر الإسلام ، ولا يزال الناس يزورون قبره في دمشق ، و يتبركون به ؛ وكان أبو الدرداء نموذجاً لا مثيل له في زمانه ؛ حيث جمع بين العلم ، والعبادة ، وأقام شريعة الله ، واهتم بـ الفرد وأخلاقه ، و أُمور دُنياه.

وله في الزهد والتصوف مكانة كبيرة ، لأنه كان من أوائل الصحابة الذين كانوا يميلون إلى الزهد (قبل أن تتبلور فكرة التصوف الإسلامي) ، وكان يرى بحكم المرجعيّة الإسلاميّة أن الدنيا فانيّه ، وأن التعلق بها يبعد الإنسان عن الآخرة ، وكان يدعو إلى التقشف (المعتدل) والعبادة الدائمة ، وفي حياته كان يلبس الثياب العادية ، ويأكل الطعام البسيط ، ويرفض حياة الترف ، رغم أنه كان تاجرًا في شبابه وكثير المال ، وكان في عمله مجتهداً ومتواضعاً ، ويُحكى أنه كان يقوم الليل كثيراً ويصوم النهار ، حتى أن زوجته اشتكت من شدة زهده وقناعته بالقليل ، فقال لها : "إنما أنا ضيف في الدنيا ، أريد أن أكون من أهل الآخرة" ، ومن أخباره يبدو أنه رأى أن العلم والعبادة وجهان لعمله واحدة ، حيث روى الصالحين عنه ، أنه قال : "تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة".

وللإسلام مفهوم خاص للزهد ، فهو ليس شيئاً من الرهبنة ، أو انقطاعاً عن الدنيا ؛ وإنما هو معنى يتحقق به الإنسان ، ويجعله صاحب نظرة خاصة للحياة الدنيا ، يعمل فيها ويكد ، ولكنه لا يجعل لها سلطانًا على قلبه ، ولا يدعها تصرفه عن طاعة ربه ، والزهد في الإسلام معناه إرتفاع الإنسان بنفسه فوق شهواته ، وهذا معناه أنه يريد التحرر تمامًا من كل ما يعوق حريته الفرديّة ، وقد قيل لأحد الزهاد الأوائل (وهو: ابراهيم بن ادهم المتوفى ١٦١ هـ ) ، أن اللحم قد غلا سعره ، فقال : أرخصوه ... أي لا تشتروه ، وانشد قائلاً :
• اذا غلا شيء علي تركته *** فيكون أرخص ما يكون اذا غلا •
وهذا الزهد مستمد من آداب القرآن ، وسنة رسوله الله ﷺ وصحابته الكرام ، حيث كان زهد النبي ﷺ ليس انصرافاً تاماً عن الدنيا ، إنما اعتدالاً أو توسطاً في الأخذ بأسباب الدنيا وملذاتها ، والزهاد ؛ هم التائبون الحامدون السائحون الذين يتحرون قول الله تعالى : «أفلم يسيروا في الأرض ، فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها» (الحج: ٤٦) ، والمقصود هنا الذين يأخذون العبرة من النظر في الكون ، وما خلق الله فيه من أشياء بالرحلة ، والسير في البلدان.

أما عن التفكر الوجوديّ ؛ فنجد أن لـ أبو الدرداء رؤية وجوديّة واضحة نابعة من تصوفه وزهده العميق ، وتقوم رؤيته للوجود على عمليّة التقابل بين الدنيا والآخرة ، أو بين الوجود الحقيقيّ (الباقي) ، والوجود الزائل (الفاني) ، ويرى أبو الدرداء رضي الله عنه أن الوجود الحقيقيّ (الباقيّ/الثابت) هو الآخرة ، وليس الدنيا ؛ حيث وصف الدنيا بأنها دار ممر ، وليست دار مقر ؛ ولهذا القول مرجعيّة نصيّة إسلاميّة واضحة نابعة ، من تجربته وحياته مع القرآن الكريم ، وقد وصف أبو الدرداء الحيّاة الأرضيّة (الوجود الفانيّ) بـ قوله : "ما لي وللدنيا؟ ؛ إنما أنا كراكب أستظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها" ، حيث جاء ذكر الحياة كـ مجرد محطة في رحلة الإنسان ، من أجل أن يتعرف على الله ، والإنسان عند أبو الدرداء ، ليس موجوداً وجوداً مادياً فقط ، بل له وجود روحيّ يعززه ويصوغه عن طريق التعبد لله ، وكان أبو الدرداء في أقواله يدعوا إلى تحرير النفس ، من الارتباط بـ الماديات الفانيّة ، مؤكداً مثل النِفَّريّ على أن الغايّة الحقيقيّة للوجود هي معرفة الله ، والعيش وفق أوامره ، ويرى أبو الدرداء أن الوعي بالوجود "الحقيقيّ" ، اهم من الأفعال الشكليّة في الوجود الماديّ "الوهمي".

أما بخصوص أسلوب الكتابة ، فليس لـ أبو الدرداء كتاب يُنسب له ، لكن قد روى الأحاديث وتناقلها عنه الناقلون ، وكانت مقولاته مقولات شفويّة لها أهدافها ، ويقول الدكتور يوسف زيدان "أن لغة الرمز عند الصوفية قد انتهت إلى ثلاثة أشكال رئيسية" ؛ أولها هو شكل الكتابة النثريّة بلغة تمتاز بـ الاستغلاق والتعميّة (سوف اتكلم عن أسباب هذه الظاهرة في مقال منفصل) ، على نحو ما نجده عند النِفَّريّ ، و السهروديّ المقتول ، وعبد الكريم الجيلي ، والشكل الثاني من أشكال التعبير الرمزيّ ، هو ما نجده في قصة حيّ بن يقظان ومبدعيها الأربعة ، ورسالة أصوات أجنحة جبرائيل للسهروديّ المقتول ، وقصة يوسف وزُليخا للجميل (هكذا اسميه أنا) فريد الدين العطار ، وثالث أشكال التعبير وأهمها عند المتصوفة هو الشعر الصوفي ، الذي إن ذكرناه ذكرنا سلطان العاشقين ابن الفارض ، صاحب التائية الكبرى ، وقد استخدم أبو الدرداء ، الأسلوب النثريّ المُعمى و المقولات الموجزة ، ذات الدلالة والمعنى الهادف.

و أبو الدرداء يستخدم الزهد كمنهج أنطولوجيّ ؛ حيث الزهد عنده ليس مجرد تركٍ للملذات ، بل رؤية أنطولوجيّة تعبر عن قناعته بأن الوجود الأرضيّ زائف ولا يستحق التعلق به ، وسبب ترك أبو الدرداء لماله و التفاته للعبادة ، هو إشارة إلى أن الوجود الحقيقيّ هو الغنى الروحيّ لا الغنى الماديّ ، ويرى أبو الدرداء مثل أي فيلسوف وجوديّ أن الانشغال بالدنيا يحجب الإنسان عن إدراك الوجود الحق ، وبخصوص إدراك الوجود الحق ، نجد أن المعرفة عند ابو الدرداء ليست معرفة الأشياء ، بل معرفة الله ، وكان دائماً يقول : "تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة" ، لكن عند التدقيق في أقوال ابو الدرداء ، نجد في أنطولوجيته-الدينية أن الموت ليس نهاية الوجود ، بل بدايته الحقيقية (ونرى مما سبق وجود رؤية وجوديّة هادجريّة قبل وجود هايدجر أصلاً) ، وكان يقول : "اضحكوا بقدر ما تبكون ، وابكوا بقدر ما تضحكون ، فإنكم في دار لها أجل" ، ومن ما سبق نجد أن الحقيقة لا تُدرك في هذه الحياة ، بل تُدرك بعد الموت ؛ وختاما للحديث يبدو أن أبو الدرداء رضي الله عنه ، يفرق بين الوجود الحقيقيّ والفانيّ ، ويرى أن الحياة الدنيا ليست سوى مرحلة اختبار...

وتختلف الروايات في سنة وفاته ، لكنها تتفق في انه توفى في أواخر خلافة عثمان بن عفان ، وتوفى في دمشق حيث كان زاهداً ومعلماً ، ودُفن في مقبرة الباب الصغير ، لكن يُوجد في محافظة الإسكندرية بمصر قبر يُنسب إلى أبي الدرداء ، ولكن هذا موضع خلاف تاريخيّ ، حيث تؤكد معظم المصادر أن وفاته ودفنه كانا في دمشق ، وقد يرجع هذا اللبس إلى أنه كان هناك تابعي أو شخص آخر يحمل نفس الاسم ، دُفن في الإسكندرية ؛ فاختلط الأمر مع الزمن ، أو بسبب انتقال بعض آثاره ، أو أن الضريح ضريح رمزي ؛ و الضريح الرمزي هو قبر ينسب إلى شخصية دينية ، أو تاريخية ، لكنه لا يحتوي على رفاتها الحقيقية ، وغالباً ما يكون مجرد نصب تذكاري أو مزار اُقيم لأسباب دينية ، أو سياسية ، أو ثقافية ، والأضرحة الرمزية ظاهرة منتشرة في العالم الإسلامي ؛ لأسباب دينية أو سياسية ، ومع أن بعض الناس يتبركون بها ، فإن هناك جدلاً واسعاً حول مشروعيتها ، و في النهاية ؛ تبقى هذه الأضرحة جزءًا من التراث الإسلامي والتاريخي ، بغض النظر عن موقف الفقهاء منها...

مصادر للرجوع إليها :
- مدخل إلى التصوف الإسلامي ؛ تأليف أبو الوفا الغنيمي التفتازاني ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، الطبعة الثالثة–١٩٧٩ ، القاهرة.
- عبدالكريم الجيلي : فيلسوف الصوفية ؛ تأليف يوسف زيدان ، سلسلة أعلام العرب–١٣٢ ، الهيئة المصرية العامة للكتاب–١٩٨٨ ، القاهرة.
- تاريخ التصوف الإسلامي : من البداية حتى نهاية القرن الثاني ؛ تأليف عبدالرحمن بدوي ، وكالة المطبوعات ، الطبعة الأولى–١٩٧٥ ، الكويت.



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالات وجودية: هل يمكن دراسة ”السحر العربي“ وجودياً؟
- مقالات وجودية: كيركجور ومواقفه الفلسفية
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ... مقاربات وجودية الجزء الث ...
- مقالات وجودية: «المتصوف الغريب» ، النِفَّريّ مقاربات بين الو ...
- «المتصوف الغريب» ... بدأ من العراق وانتهى في مصر: النِفَّريّ
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم : الجزء الثاني
- مقالات وجودية: هل يمكن قيام تفسيرية ”وجودية“ للآثار المصرية؟
- مقالات وجودية: كيركجور حياته وأثرها على فكره
- وقائع من العصر الذهبي المصري القديم
- هل سوف يُنهيها آتوم؟


المزيد.....




- إسرائيل: قرار بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وتسهيل الهجرة -ا ...
- -يبلها ويشرب ميتها-.. هجوم مصري على ويتكوف بسبب تصريحاته عن ...
- اجتماع عربي إسلامي بالقاهرة بشأن غزة
- رئيس الوزراء الكندي يدعو لإجراء انتخابات مبكرة في 28 أبريل
- لماذا يشيب شعرنا؟
- خان يونس تُشيّع أبناءها: جنازات تلو الأخرى وسط حرب مستعرة
- ثلاثة أمور تتسبب في أغلب الخلافات مع شريك الحياة
- كيف يتحدى الحوثيون الضربات الأمريكية؟
- مراسل RT: غارات جوية تستهدف العاصمة اليمنية صنعاء
- الجزائر تباشر أولى خطوات سن قانون تجريم الاستعمار


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجوديّة.