أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - فلسفة الأصل: المادة أم الوعي















المزيد.....


فلسفة الأصل: المادة أم الوعي


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 17:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إن جوهر هذا النقاش يتمحور حول السؤال التالي: هل الواقع في جوهره مادي محض، أم أنه روحي محض؟ أم أن هناك تركيباً أكثر تعقيداً من ذلك؟ يمكن تلخيص الاتجاهات الأساسية كما يلي:
1. الاتجاه المادي: يرى أن الوجود يتكون من مادة خالصة، وأن كل الظواهر العقلية والروحية ما هي إلا تعقيدات ناشئة عن المادة (كما في الفلسفات المادية الكلاسيكية والماركسية والمادية العلمية).

2. الاتجاه المثالي: يرى أن الوجود في جوهره روح أو وعي، وأن المادة ليست سوى تمثلات أو انعكاسات لهذا الجوهر الروحي (كما عند أفلاطون، وهيغل في بعض تأويلاته، وبعض الاتجاهات الصوفية والدينية).

3. الاتجاه الجدلي التركيبي: يرى أن كلا من المادة والوعي متلازمان في علاقة جدلية، بحيث لا يمكن اختزال أحدهما إلى الآخر، ولا يمكن فهم أحدهما دون الآخر (كما في بعض التفسيرات الماركسية المتقدمة، والفلسفات الجدلية المعاصرة).

إن الرأي القائل بأن العالم مادي وقديم يتبنى فرضية أن العالم، بما في ذلك الكون وكل ما فيه من مكونات، ليس له بداية أو غاية خارج إطار الزمان والمكان، وأنه قائم على قوانين مادية متأصلة في طبيعته. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة قد أيدت بحجج ودفاعات من الفلسفة المادية والعلمية الحديثة، إلا أن هناك العديد من الفلسفات والمفاهيم العلمية والدينية التي تعارض هذه الرؤية. هذه الدراسة تهدف أولاً إلى تقديم حجج متعمقة ضد هذا الرأي، مستندة إلى أفكار فلسفية ودينية وعلمية تقترح أن العالم ليس ماديا بالكامل وأنه لا يمكن تصوره كوجود قديم غير قابل للتغيير،ومن ثم تطرح الرأي المعارض الذي يرى بأن العالم مادي.

1 : العالم ليس ماديا ولا قديما

أولاً: الحجة الدينية
العديد من التقاليد الدينية، سواء في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، تؤكد أن العالم قد تم خلقه من قبل خالقٍ ذو إرادة واعية، وأنه ليس أزليا أو قديما بحد ذاته. في الإسلام، على سبيل المثال، يوضح القرآن الكريم أن الله هو الخالق الذي صنع السماوات والأرض في ستة أيام، وتوجد إشارات واضحة في العديد من الآيات التي تشير إلى بداية الزمن وخلق الكون من عدم:{قَالَ رَبُّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (يونس: 3). في هذا السياق، يظهر أن العالم لم يكن قديما بحد ذاته، بل هو نتيجة لإرادة خالق.
إضافة إلى ذلك، فإن فكرة الخلق من العدم تعد حجر الزاوية في العديد من المفاهيم الدينية، إذ يتصور الكون على أنه نتيجة لإرادة إلهية، وليس مجرد حدث مادي أو طبيعي بلا غاية. وهذا يتناقض بشكل كامل مع الفكرة القائلة بأن الكون قديم ودائم.
ثانياً: الحجة الفلسفية المثالية
الفلسفة المثالية، بدءً من أفكار أفلاطون إلى هيغل، تقدم رؤية مغايرة حول كون العالم ماديا وقديما. وفقًا للفلاسفة المثاليين، مثل هيغل، لا يمكن تفسير الوجود بالاعتماد على المادة فقط. بل ترى الفلسفة المثالية أن هناك عقلا أو مبدأً كليا، هو الذي يعطي الحياة والوجود للمادة، وبالتالي فإن المادة ليست جوهر العالم ولا أصل وجوده.
في الفكر الأفلاطوني، مثلاً، يعتبر أن العالم المادي هو مجرد ظل للعالم المثالي الذي يتضمن الأفكار والمثل العليا. من خلال هذا المنظور، يمكن القول إن العالم المادي ليس قديما أو ماديا بشكل مستقل، بل هو محاكاة لما هو أبدي وغير مادي.
أما هيغل، فيرى أن العالم لا يمكن فهمه فقط من خلال المادة أو الزمن، بل يجب النظر إليه من خلال تطور الفكر والعقل الكوني الذي يُمثل الوعي الذي يتطور عبر التاريخ. وبذلك، يرفض هيغل فكرة أن العالم مادي وقديم، ويُقدّم رؤية ترى أن الوجود مكون من عملية تطور جدلي، حيث تتداخل المادة والفكر.
ثالثاً: الحجة العلمية: نظرية الانفجار العظيم وظهور الكون
من ناحية علمية، تقدم نظرية الانفجار العظيم دليلاً على أن الكون له بداية مادية في الزمن، وهذا يعارض فكرة أن العالم قديم بالمعنى التقليدي. تشير الأدلة الفلكية الحديثة إلى أن الكون بدأ في حالة كثافة وحرارة شديدة قبل نحو 13.8 مليار سنة، مما يثبت أن الكون ليس أزليا بل له بداية.
علاوة على ذلك، أظهرت نظرية الكم في الفيزياء الحديثة أن المادة والطاقة لا يمكن أن تكونا مجرد مكونات مادية مستقلة للأبد، بل هما مرتبطان بمبادئ غير مادية، مثل الاحتمالية والموجات. مما يعني أن العالم لا يمكن أن يكون مجرد مادة قديمة ثابتة، بل هو مجموعة من التفاعلات الديناميكية بين المكونات المادية وغير المادية. في هذا السياق، يمكن القول إن الكون لا يمكن أن يكون ماديا خالصا أو قديما بل هو نتيجة لتفاعلات أكثر تعقيدا من مجرد وجود مادي ثابت.
رابعاً: الحجة الأنطولوجية: الحاجة إلى مبدأ أول
من منظور الأنطولوجيا، تتعارض فكرة العالم المادي والقديم مع الحاجة الفلسفية إلى وجود مبدأ أول غير مادي، وهو أصل كل شيء. كما أن الفكرة القائلة بأن كل شيء مادي يمكن تفسيره من خلال مبدأ مادي تقود إلى حلقة مفرغة، إذ تبقى الحاجة إلى تفسير (ما وراء المادة). وعلى العكس، فإن فكرة وجود مبدأ غير مادي أو خالق يُقدّم تفسيرا أكثر إقناعا. بمعنى آخر، لو كان العالم ماديا وقديما بحد ذاته، فإننا نواجه معضلة في تفسير الأصل الأول لهذه المادة والوجود.
خامسا: الحجة الأخلاقية: العلاقة بين الإنسان والكون
فيما يتعلق بالعلاقة بين الإنسان والكون، يطرح هذا الرأي المادي القديم إشكالية في كيفية تفسير القيم الإنسانية العليا مثل الحب، العدل، والحرية. إذا كان الكون مجرد ظاهرة مادية قديمة، فكيف يمكن للإنسان أن يعبر عن هذه القيم المجردة؟ من منظور فلسفي، إذا كان العالم ماديا، فإن مثل هذه القيم لا يمكن أن تكون أكثر من مجرد تفاعلات مادية بحتة. إلا أن التجربة الإنسانية تُظهر أن هذه القيم تتجاوز التفسير المادي البحت.
وعلى الرغم من القوة التي يكتسبها الرأي القائل بأن العالم مادي وقديم في الفلسفة والعلم، إلا أن هناك العديد من الأبعاد الفلسفية والعلمية والدينية التي تعارض هذه الرؤية. من خلال الفكر المثالي، التفسير الديني، الأدلة العلمية حول بداية الكون، والحاجة إلى مبدأ غير مادي أول، يمكننا رؤية أن الكون ليس مجرد وجود مادي قديم، بل هو ظاهرة أعمق وأكثر تعقيدًا من أن تُختزل في مفاهيم مادية جامدة.

2: العالم مادي وقديم

تُعد الفكرة القائلة بأن (العالم مادي وقديم) من الرؤى التي تمتد جذورها إلى الفلسفة اليونانية القديمة، التي ترى أن العالم هو نتاج تفاعل مادي بحت دون الحاجة إلى مبدأ خلاق أو قوة غير مادية. هذه الرؤية قد لاقت تأييدا من مختلف التيارات الفكرية والعلمية، بما في ذلك الفلسفة المادية الجدلية، والفيزياء الحديثة، والأدلة الفلكية التي تشير إلى أن الكون له بداية زمنية محددة لكنه مادي في جوهره. وفي هذا الجزء من دراستنا سنقدم تحليلا لهذا الرأي ودعمه عبر مجموعة من الحجج الفلسفية والعلمية التي طرحهاطرحها القائلون بأن العالم ليس إلا وجودا ماديا قديما لم يُخلق بل هو أزلي في بنيته.
أولا: الفلسفة المادية التقليدية
الفلسفة المادية، التي بدأها الفلاسفة الإغريق مثل ديموقريطس، تعتبر أن العالم يتكون من مادة أبدية لا تتوقف عن التحرك أو التغيير. بحسب هذا التصور، المادة هي جوهر كل شيء، وليس هناك شيء فوق المادة أو خارجها. ديموقريطس، على سبيل المثال، قدّم الفكرة التي ترى أن الكون مكون من ذرات صغيرة تتفاعل مع بعضها وفقًا لقوانين ثابتة، حيث أن هذه الذرات موجودة إلى الأبد ولا تُدمَر.
ومن هنا، نجد أن الفكرة المادية التقليدية تقوم على مفهوم أن المادة غير قابلة للفناء وأنها قديمة بمعنى أن العناصر الأساسية التي تشكل الكون لا تختفي أبدا، بل تتبدل في شكلها. أرسطو، رغم اختلافه عن الماديين الإغريق، أكد أن المادة موجودة للأبد بشكل غير متوقف عن التغير، مما يعزز المبدأ المادي.
لذلك، كان منطق الماديين يعتبر أن المادة، بمختلف أشكالها، هي الأساس الذي يُبنى عليه الوجود، وأن الكون ليس حديث العهد، بل هو قديم ومؤبد.
ثانياً: الفلسفة المادية الجدلية عند ماركس وإنجلز
تعد المادية الجدلية، التي أسس لها كارل ماركس وفريدريك إنجلز، امتدادا للفلسفة المادية التي تفسر العالم من خلال التفاعل المادي وحده، لكن مع التركيز على التغيير المستمر والتطور الذي يخضع لقوانين حتمية. وفقا للمادية الجدلية، ليس هناك مكان لفكرة الخلق أو القوى الميتافيزيقية التي تؤثر على الواقع؛ فالوجود مجرد مادة تتحرك وفقًا لقوانين حتمية، وهذه المادة قديمة.
في هذا السياق، يرى ماركس أن (المادة هي التي تحدد الفكر)، وبالتالي يكون العالم ماديا بشكل مطلق. يعتبر ماركس أن التاريخ البشري أيضا هو نتيجة تطور مادي شهد تغيرات صعودية من خلال الطبقات والصراع الطبقي. هذه الفكرة تؤكد أن العالم ليس مجرد مادة عشوائية، بل هو تطور مستمر لمادة في أشكال متعددة عبر الزمن.
ثالثاً: الأدلة العلمية في الفيزياء الحديثة
من الناحية العلمية، يقدّم العلم العديد من الأدلة التي تدعم فكرة أن العالم مادي وقديم. على الرغم من أن نظرية الانفجار العظيم تشير إلى أن الكون بدأ منذ حوالي 13.8 مليار سنة، إلا أن ذلك لا يعني أن العالم خلق من عدم، بل بداية لحالة جديدة من التوسع المادي. وفقا لعلم الفلك، كانت الحالة الأولى للكون عبارة عن مادة وطاقة في حالة كثافة وحرارة عالية، ومن ثم بدأ الكون في التوسع والتطور ليأخذ شكله الحالي. هذه الفكرة تتوافق مع مفهوم أن العالم مادي في جوهره وأنه لا يتوقف عن التغير.
نظرية الكم أيضا تؤكد أن المادة لا تُدمَر بل تتحول إلى أشكال أخرى. كما أن الجسيمات الكمومية يمكن أن تولد عشوائيًا حتى في ما يُسمى (الفراغ) دون الحاجة إلى تدخل قوى خارجية. هذه التفاعلات الكمومية تؤكد أن المادة في الكون لا تتوقف عن الوجود أو التغير وأنها جزء من عملية مستمرة، مما يعزز فكرة أن الكون مادي وقديم بشكل مبدئي.
رابعاً: النظرية الفلكية وعمر الكون
الأدلة الفلكية، من خلال الملاحظات العلمية عبر التلسكوبات مثل تلسكوب هابل، تدعم فكرة أن الكون في حالة توسع مستمر، وأنه في حالة تطور مستمر منذ بدايته. في هذا السياق، الكون نفسه يُعتبر قديما، رغم أن التوسع الكوني الذي نراه اليوم له بداية معينة (الانفجار العظيم)، إلا أن المبادئ الفيزيائية التي تحكم الكون من حيث الجاذبية، الكتلة، والطاقة، تُظهر أن المادة نفسها ليست جديدة، بل هي موجودة في صيغ مختلفة منذ بداية التوسع.
خامساً: حتمية المادة وأزليتها
إن إحدى القضايا الأساسية في المادية هي الفكرة القائلة بأن المادة لا تفنى بل تتحول. يشير العلماء إلى أن المادة والطاقة لا تُفني بعضها البعض، بل يمكن أن تتحول من شكل إلى آخر وفقًا لقوانين الفيزياء. هذا يعزز الرؤية المادية التي تؤكد على أن المادة قديمة وأزليّة. كما أن هذه الحتمية في التحول والتفاعل بين الجسيمات تؤكد أن ما نراه اليوم من الكون ليس سوى مرحلة من مراحل تطور المادة الذي لا يتوقف.
سادساً: تفسير الإنسان والطبيعة من منظور مادي
من منظور مادي، يعتبر الإنسان جزءً من الطبيعة المادية. إذا كان الكون ماديًا، فإن الإنسان هو مجرد تعبير عن تراكيب مادية معقدة، وهي نتاج تفاعل جزيئي وتطور كيميائي على مدار الزمن. في هذا الإطار، فإن فهم الإنسان لوجوده ينطلق من تأكيد أن كل شيء حوله، من الذرات إلى الكائنات الحية، هو مجرد تفاعلات مادية بحتة. تلك التفاعلات التي لا تتوقف عن التغير ولكن لا تتسبب في انفصال عن الطبيعة المادية، مما يجعل الإنسان جزءًا لا يتجزأ من هذا الكون القديم والمادي.
إن الرأي القائل بأن العالم مادي وقديم يجد دعمه في العديد من المستويات الفلسفية والعلمية. من خلال المادية التقليدية والمادية الجدلية، وكذلك الأدلة العلمية من الفيزياء الحديثة وعلم الفلك، تتضح الصورة التي تشير إلى أن الكون لا يعتمد على مبدأ خلاق خارجي، بل هو وجود مادي قديم بامتياز، يتطور ويستمر وفقًا لقوانين طبيعية ثابتة.

3: هل هناك رأي يتوسط بين المادية والمثالية ؟

هذا السؤال يضعنا أمام جدلية فلسفية عميقة تتعلق بأصل الوجود وماهيته، وهو إشكال قديم ظهر في الفلسفات الشرقية والغربية على حد سواء، وتبلور في التيارين الرئيسيين: المادية التي ترى أن المادة هي أساس كل شيء، والمثالية التي ترى أن الوجود في جوهره روحاني أو عقلي. لكن هناك مواقف وسطية تحاول تجاوز هذا الانقسام الحاد بين المادة والروح، وتقترح رؤية أكثر تكاملاً وشمولاً.
سنحاول هنا بناء تصور فلسفي يجمع بين هذين الاتجاهين دون الوقوع في اختزال أحدهما لصالح الآخر، وذلك من خلال فحص أعمق للمفاهيم الأساسية، وتحليل بعض المدارس الفكرية التي قدمت حلولاً وسطية، ومناقشة أبعاد المسألة في ضوء التطورات العلمية والفلسفية الحديثة.



نحو تصور وسط: الفلسفة التوحيدية الجدلية

لتجاوز هذا الاستقطاب، يمكن تبني رؤية وسطية تنطلق من مفهوم التوحيد الجدلي، وهو تصور يجمع بين المادية والمثالية ضمن نسق أكثر شمولاً، يقوم على الاعتراف بأن المادة والوعي كلاهما عنصران أساسيان في الوجود، لكن ليس بطريقة متنافرة أو متضادة، بل بطريقة متكاملة ومتفاعلة.

أ. المادة ليست جوهراً منفصلاً عن الوعي

إذا نظرنا إلى الوجود بوصفه مجرد مادة، فإننا نقع في مأزق فلسفي يتمثل في تفسير نشوء الوعي والإدراك والمعنى من كيان مادي صرف، إذ كيف يمكن للمادة الصماء أن تنتج فكراً وعقلاً وقيماً ومعاني؟ هذا الإشكال دفع بعض الفلاسفة الماديين إلى تعديل مواقفهم والاعتراف بأن المادة ليست مجرد امتداد في المكان، بل تمتلك طاقات وقابليات معقدة تجعل نشوء الوعي أمراً ممكناً.

ب. الوعي ليس مجرد انعكاس للمادة

على الجانب الآخر، القول بأن الوعي هو الأصل المطلق وأن المادة مجرد وهم أو انعكاس أمر يواجه صعوبة تفسيرية كبيرة. فحتى إن قلنا إن العالم فكرة أو روح أو عقل، فإننا لا نستطيع إنكار الحضور المادي للأشياء، ولا يمكن للوعي أن يوجد دون ارتباطه بعالم مادي يوفر له الوسيط الذي يتجلى من خلاله.

ج. الجدلية التوحيدية: التفاعل بين المادة والوعي

الرؤية الوسطية هنا تقوم على مبدأ التفاعل الجدلي بين المادة والوعي، حيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. فالمادة تمتلك في جوهرها بعداً ديناميكياً يجعلها قابلة لإنتاج الوعي، والوعي ليس مجرد انعكاس سلبي، بل هو قوة فاعلة تؤثر على المادة وتعيد تشكيلها.

تأملات في ضوء العلم والفلسفة الحديثة

إذا انتقلنا إلى التطورات العلمية والفلسفية الحديثة، نجد أن الفيزياء المعاصرة، وخاصة في ميكانيكا الكم ونظرية المعلومات، تقوض التصور التقليدي للمادة ككيان صلب منفصل عن الوعي. فالمادة في عمقها ليست مجرد جزيئات مادية، بل هي علاقات طاقية ومعلوماتية، مما يعزز الرؤية التي ترى أن المادة تمتلك بعداً معرفياً أو وعياً ضمنياً.

على الجانب الفلسفي، نجد أن الفلسفة الظاهراتية، والفلسفات الجدلية الحديثة، وحتى بعض التوجهات العلمية في علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي، تميل إلى الاعتراف بأن الوعي ليس مجرد نتاج للمادة، بل هو جزء من بنية الكون نفسه.

نحو رؤية فلسفية متكاملة

إذاً، يمكننا الخروج برؤية وسطية تتمثل في أن الوجود ليس مادة خالصة ولا وعياً خالصاً، بل هو تركيب ديناميكي يجمع بين البعدين في علاقة جدلية مستمرة. هذه الرؤية تتجاوز الصراع التقليدي بين المادية والمثالية، وتفتح المجال لفهم أكثر تكاملاً للكون والإنسان.



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخير والجمال بين الذاتية والموضوعية
- العدالة بين الفلسفة والسياسة: رحلة أفلاطون نحو المدينة الفاض ...
- الشعر بين الإدراك الخفي والتعلّم الضمني: كيف استوعب العرب ال ...
- مطالع المعلقات العشر، تأملات في الزمان والإنسان
- المنطق الروائي: فن بناء العوالم المتماسكة
- فلسفة التجربة الشخصية
- المسكوت عنه في التاريخ العَربيّ، سيرةٌ فجائعيّةٌ
- جماليّاتُ البِنيةِ الزّمانيّةِ بينَ الرّوايةِ والسّيرةِ الذّ ...
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً
- سيمياءُ الأَهواءِ، أَو كيفَ تَكونُ العاطفةُ رمزاً؟
- مِن إِشْكَاليَّاتِ الخِطَابِ النَّقْدِيِّ العَرَبِيِّ المُعَ ...
- التَّعارُضُ بَيْنَ المَناهِجِ النَّقْدِيَّةِ المُعاصِرَةِ وَ ...
- فلسفة الخلق في النص القرآني
- الجملة الثقافية، المفهوم والدلالة
- الأخ الكوني بين الواقع والخيال
- الطبيعة الإنسانيّة بين الخير والشّرّ
- الكوميديا الإلهيّة، الخيال الفائق
- الهُويّة النّقديّة واشكاليّات التّأسيس
- الرمز في الشعر العربي، التوظيف والتمثلات
- الرحلة الطلليّة في القصيدة الجاهليّة: قراءة في رمزيّة الوقوف ...


المزيد.....




- بريطانيا: شبكة الكهرباء الوطنية تعلن عن عودة التيار إلى مطار ...
- ترامب يلمح لإمكانية ترحيل المتورطين في مهاجمة تسلا إلى السلف ...
- قوات -أحمد- الروسية تعلن إصابة أحد قادة وحداتها
- كريستين لاغارد في بلا قيود: قرارت ترامب مدعاة للقلق واليقظة ...
- ترامب يكشف عن طائرة -اف47- المقاتلة من الجيل السادس
- مجلس الولايات بألمانيا -بوندسرات- .. ما دوره في الحياة التشر ...
- لبنان وإسرائيل.. معضلة ترسيم الحدود
- ترامب: الولايات المتحدة لا تريد حربا مع الصين ولكنها مستعدة ...
- ماسك يجتمع مع وزير الدفاع الأمريكي وسط تقارير سرية حول هجوم ...
- مقررة أممية: ما يحدث في فلسطين إبادة جماعية


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي حسين يوسف - فلسفة الأصل: المادة أم الوعي