أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إكرام فكري - بين الهويتين














المزيد.....


بين الهويتين


إكرام فكري

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 08:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يولد الإنسان كجزء من نسيج جاهز، وتُنسج العادات حوله كشرنقة قبل أن يدرك أنه يستطيع التململ فيها. الهوية ليست خيارًا، بل ميراث يُحمل فوق الأكتاف، ثقيلًا أحيانًا، دافئًا أحيانًا أخرى، لكنه دائمًا هناك.

ثم نكبر. نكتشف أننا لسنا فقط أبناء هذا النسيج، بل أيضًا انعكاسات لأشياء أبعد: الشاشات التي تعرض عالمًا مختلفًا، وجوهًا بعيون فاتحة، حريات تبدو مطلقة... نبدأ في المقارنة، وندرك أن كل شيء حولنا يصرّ على أن ما نملكه ناقص، غير مكتمل، رجعي... فنبدأ في التشكيك، في البحث عن نسخة محسّنة من أنفسنا، نسخة تتماهى مع الصور المعروضة، مع التوقعات التي لم نحددها نحن.

نحن عالقون بين الهويات، بين الحنين لما تركناه، والرغبة فيما لن نصبحه أبدًا... إنها معضلة الإنسان الحديث، الذي وجد نفسه بين عالمين: الأول يُملي عليه من يكون، والثاني يَعِده بأنه يستطيع أن يكون أي شيء يريده، بشرط أن يتخلى عن كل ما كان عليه. وبين هذين النقيضين، يتخبط الفرد، يبحث عن ملامحه وسط بحرٍ من التناقضات.

في البداية، يكون التمرد. نظرة إلى الخارج، إلى الآخر المختلف، حيث يبدو كل شيء أكثر بريقًا، حيث الحرية ليست شعارًا بل ممارسة يومية. هناك، تُفتح الأبواب أمام الفردية، أمام اختيار الحياة بدلاً من توريثها، أمام التخلص من قيود المجتمع...

لكن الإنسان كائن معقد. الهروب من الهوية القديمة لا يعني الوصول إلى هوية جديدة، بل غالبًا ما يعني البقاء في الفراغ... في تلك المساحة المعلقة بين هنا وهناك، لا يعود المرء شرقيًا بالكامل، ولا يصبح غربيًا كما تمنى... يصبح كيانًا ضائعًا، يمارس تقاليد لم تعد تعنيه، ويحاول تقليد نمط حياة لم يُخلق له...

لا أحد يرحب بمن يهرب من نفسه. لا الشرق يقبل من تخلى عنه، ولا الغرب يحتضن من يسعى ليكون نسخة مشوهة منه... الآخر لا يبحث عنك، بل عن أصالتك، عن تفردك، عن الأشياء التي تجعلك مختلفًا عنه، لا الأشياء التي تحاول بها أن تشبهه.

وهنا يبدأ التصالح... ليس التصالح مع الماضي فحسب، بل مع فكرة أن الهوية ليست سجنًا، لكنها أيضًا ليست قناعًا يمكنك تغييره متى شئت. إنها شيء يُبنى، يتغير، ينضج، لكنه لا يختفي. ليس المطلوب أن ترفض ما كنت عليه، ولا أن تذوب فيما تريد أن تصبحه، بل أن تفهم أن الهوية الحقيقية هي اختيار يومي، وعيٌ مستمر، مزيج بين الجذور التي تشدّك والأجنحة التي تريد أن تطلقها.

أن تكون حرًا لا يعني أن ترفض كل شيء، بل أن تختار عن وعي. أن تحب ما تحب لأنه يعبر عنك، لا لأنه يرضي الآخرين. أن تدرك أن الجمال لا يكمن في أن تصبح شخصًا آخر، بل في أن تكون أفضل نسخة منك، وفقًا لما يناسبك، لا لما يفرضه عليك المجتمع، أو تُغريك به الشاشات.

أن تكون حرًا يعني أن تتوقف عن مطاردة الظلال، لأنك في النهاية لن تستطيع الهروب من ظلك.



#إكرام_فكري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبر عاجل
- إعادة لحظة البداية
- المرأة بين الحرية و الاستغلال
- المرأة بين الاستغلال التسويقي وتفكك الأسرة: وهم التحرر أم فخ ...
- عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- حين تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- الماضي الذي لا يتركني
- هواتفي
- الغرائز الطبيعية: ممارستها بانسانية
- الإرث الاستعماري: بين مظاهر التحضر والاستغلال الطبقي
- تحسين النسل بين الماضي والحاضر: من سياسات الاستعمار إلى التع ...
- عندما يصبح الاختيار رحلة لفهم الذات
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- القوة الموازية في الفرد و المجتمع
- المجهول : الرحلة بين الحياة و الموت
- المجهول: الرحلة ما بين الحياة و الموت
- العشرينات
- عالم التسليع
- الرسم بالكلمات


المزيد.....




- الذكاء الاصطناعي يرد على مقال -لا تقلل أبدا من شأن السعودية- ...
- السعودية.. فيديو حسرة سائق بعد سرقة -كفرات- سيارته برمضان يث ...
- ترامب يلغي التصاريح الأمنية لكامالا هاريس وهيلاري كلينتون
- موتورولا تضيف جهازا مميزا لأسرة هواتف Razr
- فقدان الوزن واستعادته.. ما تأثيره على الصحة؟
- إنجاز طبي غير مسبوق.. تقنية صينية تعيد الحركة لمرضى الشلل في ...
- كواكب شبيهة بالأرض تدور حول نجوم ميتة قد تكون صالحة للحياة
- ترامب يخشى على حياته بسبب أوكرانيا
- سياسة ترامب تسبب توترا في العلاقات الاجتماعية والعائلية في ا ...
- واشنطن: نراقب تصرفات حكام سوريا الجدد


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إكرام فكري - بين الهويتين