أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فواد الكنجي - اكيتو والميثولوجيا الآشورية وتأثيرها الإبستمولوجي والأنثروبولوجيا في ثقافة المجتمعات والحضارات الأخرى















المزيد.....



اكيتو والميثولوجيا الآشورية وتأثيرها الإبستمولوجي والأنثروبولوجيا في ثقافة المجتمعات والحضارات الأخرى


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 08:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


المحتوى

يشمل محتوى هذا البحث والذي يتم نشره ككتاب (الكترونيا) على (الانترنيت)؛ مضمون عيد (اكيتو)؛ عيد رأس السنة (الآشورية)؛ حيث نوضح بإيجاز أهم طقوس ومضامين عيد (اكيتو) في (الفكر القومي الآشوري) وتأثيرات (الميثولوجيا الآشورية) على ثقافة الأقوام والشعوب والأمم الأخرى، حيث تشمل عناوين هذا البحث:
* بداية الربيع تنطلق مسيرة اكيتو للاحتفالات بعيد القومي الآشوري في الأول من نيسان
* تأثير الميثولوجيا الآشورية من الثقافة.. والتراث.. والآداب.. والفنون.. والعلوم علي الشعوب والحضارات الأخرى
* تمسك الآشوريون بإرثهم الحضاري رغم حملات الاضطهاد وسياسة إلغاء هويتهم القومية
* الآشوريون واصلوا الاحتفال كل عام بأعياد (اكيتو) كرمز من رموز التمسك بالهوية القومية الآشورية
* تحديد السنة الآشورية مدخلا للهوية الآشورية والانتماء القومي
* مكتبة الملك الآشوري العظيم (آشور بانيبال) أعظم مكتبة وأقدم مكتبة في تاريخ العالم والتي وجد فيها أعظم مدونات وأساطير في العالم
* المكتبة الآشورية اكتشافها كان بمثابة ثورة علمية حقيقة في الفكر الإنساني هزة أوساط العالم
* الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة اليهودية
* الآشوريون و سبي اليهود
* الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة المسيحية
* قراءة النص التراثي للفكر الآشوري تم قراءته قراءة معاصرة تواكب الحداثة من اجل توظيف مناهج حداثية من خلال قيم تراث الأمة و وفق أطر التفكير المنهجي والنقد الإبستيمولوجي
* الفكر والعلم والفن والأدب والتراث الآشورية مكونات لكيان الحضارة والتراث الوطني الآشوري
* الاحتفال بالعيد رأس السنة الآشورية – اكيتو ما هو إلا التزاما قوميا لتأكيد على هوية الأمة الآشورية
* عيد اكيتو أول إنتاج إبستيمولوجي في تاريخ البشرية
* الآشوريون يؤرخون تاريخهم من خلال الفهم الأنثروبولوجي
* طقوس احتفالات بعيد اكيتو بداية الربيع والسنة الآشورية
* البعد التاريخي في التراث (الآشوري) أخذت أبعاده الثقافية عند كل الحضارات التي تلت حضارتهم
* الموروث الحضاري والهوية القومية والدلالات الفكرية والفلسفية عند الآشوريين
* تأثير المد القومي في عموم أوربا على الأمة الآشورية
* التراث واللغة تجذير للهوية القومية الآشورية
* الخاتمة
...................
اكيتو والميثولوجيا الآشورية وتأثيرها الإبستمولوجي والأنثروبولوجيا في ثقافة المجتمعات والحضارات الأخرى

فواد الكنجي

المقدمة

خلال العقود الأخيرة؛ احتلت محاولة استقراء التراث (الآشوري) حيزا مهما في (الفكري الآشوري المعاصر) ومن خلال مقاربات مختلفة, ولقد قدم بعض المفكرين والناشطين القومين من أبناء امتنا (الآشورية) أطروحات جادة في مجال أغناء التراث عبر التجديد.. والحداثة.. والمعاصرة؛ ليتم قراءة النص التراثي قراءة معاصرة تواكب الحداثة من اجل توظيف (مناهج حداثية) في شتى مناحي الحياة ومن خلال قيم تراث الأمة و وفق أطر التفكير المنهجي والنقد (الإبستيمولوجي)، و(الإبستيمولوجي) كما جاء في معجم ( لالاند) على ((أنها الدراسات والأبحاث التي تتناول المعرفة البشرية))، مع الانفتاح في تحليل التراث على الكثير من مقاربات ونتائج العلوم الإنسانية كالتاريخ.. وعلم النفس.. وعلم الاجتماع.. و(اللغة الآشورية)؛ من اجل تحقيق بدايات جديدة لفكر نقدي (آشوري) يواكب تطلعات الأمة (الآشورية) وبما تطمح الأمة ليكون المجتمع (الآشوري) مجتمع محب للعلم والمعرفة.
لان عظمة (الميثيولوجيا) – وميثولوجيا تعني ((علم الأساطير المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة والأبطال الجغْرافيين عند شعب من الشعوب)) – والتراث في الفكر (الآشوري) اخذ في المجتمع (الآشوري) مكانة هامة؛ لما تقتضيه هذه المسألة الفكرية والمعرفية من أهمية في الفكر.. والعقل (الآشوري).. وفي الواقع الثقافي؛ ليتم تعزيز موقع الأمة (الآشورية) الاجتماعي وعلاقة الأمة بـ(الآخر الحضاري)؛ وخاصة إن الأمة (الآشورية) اليوم أمام تحديات المعاصرة.. والحداثة.. ومن خلال ظاهرة العولمة واستتباعاتها الثقافية والحضارية، وهوس المفكرين والمثقفين (الآشوريين) بذلك.
لذلك نجد بان (الآشوريون) يؤرخون تاريخهم من خلال الفهم (الأنثروبولوجي) الذي يرتبط بحوثه في مجالات التاريخ.. والأدب.. والعلم الطبيعي.. وعلم الاجتماع لدراسة الإنسان.. وطريقة التي يتنبأ بمستقبله.
ومن خلال علم (الأنثروبولوجيا) نتعمق فيما تم تدوينه في الرقم الطينية و من خلال ما كتب على المنحوتات الحجرية التي اكتشفت في مكتبة (آشور بانيبال) العظيمة؛ وبأنها وثائق في بناء معلومات التاريخ بكونها مستودع لخزين الذي ينطلق منه أولى أدوات البحث في التاريخ وبناء النص التاريخي والذي في مجمله يكون عنصر من أهم عناصر الثقافة القومية للأمة (الأشورية) بل في ثقافة شعوب العالم، لان (الأنثروبولوجيا) كفهم يرتبط بحثه في مجال (العلوم الإنسانية) و(العلوم الطبيعية) باعتباره (من أشد العلوم الإنسانية له طبيعة علمية، وأشد العلوم الطبيعية إنسانية)، لأنه علم يسلط الضوء على قضايا كان المؤرخ التقليدي لا يعير الاهتمام بطبيعة مواضيع العلاقات العائلية والاجتماعية للأسرة.. والقرابة.. والمحرمات والقانون.. والأمن.. والعادات.. والتغذية.. واللباس.. والطقوس.. والشعائر الدينية والاحتفالية إلى أخره، غير إن البحث (الأنثروبولوجيا) توجه باهتماماتها بكل ما يحيط بالإنسان ويمارسه ويفهمه؛ لذلك اهتمت بحوث (الأنثروبولوجيا) بدراسة التاريخ.. والأدب.. وعلم الطبيعي.. وعلم الاجتماع؛ بهدف دارسة الإنسان وطريقة تنبؤه بمستقبله، لذلك يكون الفهم لنص التاريخي من خلال الطرح (الأنثروبولوجيا) توضيحا لحقيقة واقع وحضارة الأمة (الآشورية) ووجودها وكعنصر من عناصر الذي يغذي الثقافة القومية والهوية للأمة (الآشورية) .


بداية الربيع تنطلق مسيرة اكيتو للاحتفالات بعيد القومي الآشوري في الأول من نيسان

تنطلق مسيرة الاحتفالات بـ(رأس السنة الآشورية – اكيتو)؛ مع أول يوم من بداية فصل الربيع في (الواحد والعشرين) من شهر(آذار)؛ لتكتمل طقوس المسيرة في (الأول) من شهر(نيسان)؛ وهو يوم الذي يعتبر بداية (رأس السنة الآشورية).
حيث اتخذ (الآشوريون) من (الأول من نيسان) بداية لدخول السنة (الآشورية) الجديدة؛ متخذين بعد مراقبتهم لظروف الطبيعية وكيفية تتجدد الطبيعة نفسها في أول ليلة (الاعتدال الربيعي) في نهاية شهر (آذار) وبداية شهر (نيسان) موعدا لدخول (العام الجديد الآشوري)؛ فأنهم وضعوا مراسيم وطقوس خاصة للاحتفال بهذا اليوم وفق طقوس معينة ووفق (الميثولوجيا الآشورية).
وقد عرف هذا العيد باسم (عيد أكيتو)، وكانت الاحتفالات تستمر لمدة (أثنى عشر يوما)؛ بدءا من أول ليلة الاعتدال الربيعي في (21 آذار) وينتهي في (الأول من نيسان)، لنجد فيما بعد بان الشعوب الأخرى أخذت نفس المنحى للاحتفال بالرأس السنة، ليقتبس من هذا العيد في المراحل لاحقة من التاريخ بعض الطقوس وبشكل معدل في احتفالات لدى الأقوام الأخرى بعد وصول طقوسها إليهم.


تأثير الميثولوجيا الآشورية من الثقافة.. والتراث.. والآداب.. والفنون.. والعلوم علي الشعوب والحضارات الأخرى


فـ(الحضارة الآشورية) في (بلاد الرافدين – العراق) بثرائها الفكري.. والأدبي.. والعلمي.. وأساطيرها المشبعة بالتحليلات لشتى ظواهر الطبيعة التي كان الإنسان (الآشوري) آنذاك يراقبها والتي كانت تؤثر على أوضاعه المعيشية؛ تركت على الحضارات الأخرى أثرا كبير، لنجد حجم تأثير (الميثولوجيا الآشورية) من الثقافة.. والتراث.. والآداب.. والفنون.. والعلوم علي الشعوب والحضارات الأخرى كـ(الإغريق) و(الرومان) و(الفينيقيين) و(الآراميين) و(الحضارة اليونانية)، فانتقلت شتى (ألأساطير الآشورية) إليهم، فالإله (تموز) في (الميثولوجيا الآشورية) أصبح عند (الغريق) آلهة (ادونيس)؛ وتحولت الإلهة (عشتار) لدى (الإغريق) إلى الإلهة ( أفروديت) والى (عشتاروت) لدى (الفينيقيين) وملكة السموات عند (اليهود)؛ وهكذا دواليك بالنسبة إلى جميع الإلهة التي كان عند (الآشوريين) والتي تم تصنيفها وفق الظواهر الطبيعية؛ نحو إلهة الموت.. و إلهة الأعماق السفلى.. و إلهة الفيضانات.. و إلهة العواصف.. و إلهة الغصب.. إلى أخره من أنواع الإلهة، فان الحضارات الأخرى أخذت بنفس النمط والتصنيف ولكن بتسميات تلاءم لهجاتهم ولغتهم وطبيعة مجتمعاتهم، وهكذا تم محاكاة (الميثولوجيا الآشورية) من حيث الأفكار والتفسيرات والمدلولات الفلسفية وتلبيسها بثوب حضارات تلك الشعوب بل على الديانات التي تلت بعد سقوط الإمبراطورية (الآشورية – 612 ق.م ) كالديانة (اليهودية) و(المسيحية) و(الإسلامية) و(الزاردشتية) و(البوذية) و(الهندوسية ) وغيرها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ انتقلت فكرة الاحتفال بعيد ميلاد السنة الجديد عند (الآشوريين) إلى اغلب الحضارات التي احتكت بـ(الآشوريين)، فان كان (الآشوريون) قد اتخذوا من (الأول من نيسان) بداية لدخول السنة الجديدة (الآشورية) متخذين بعد مراقبتهم لظروف الطبيعية وكيفية تتجدد الطبيعة نفسها في أول ليلة (الاعتدال الربيعي) في نهاية شهر (آذار) وبداية شهر (نيسان) موعدا لدخول (العام الجديد الآشوري) فأنهم وضعوا مراسيم وطقوس خاصة للاحتفال بهذا اليوم وفق طقوس معينة؛ وكانوا يعرف باسم (عيد أكيتو) وكانت الاحتفالات تستمر لمدة أثنى عشر يوما بدءا من أول ليلة الاعتدال الربيعي في 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان، لنجد فيما بعد بان الشعوب الأخرى أخذت نفس المنحى للاحتفال بالرأس السنة، كما نجد في (بلاد فارس – إيران ) حيث احتفل به (الزاردشتيين) و(الأكراد) وكانوا يسمونه (نوروز) بمعنى (اليوم الجديد)، كذلك عند (الفينيقيين) و(اليهودية) بل نجد تأثيراته وصلت إلى (بلاد الصين).
كما نجدها في احتفالات التي يقوم بها (الفرس) و(الأكراد) و(المصريين)، والتي سميت لاحقا بـ( عيد الربيع.. و عيد نوروز.. أو عيد شم النسيم...الخ) فمنهم من يحتفل في يوم 21 آذار وقسم الأخر يحتفل في الأول من نيسان كما عند أبناء وأحفاد (الأشوريين) القدامى في العصور الحديثة .
إن جوهر احتفال بهذا العيد تعود فكرته بان (من الموت تولد الحياة) وبان (الحياة تنتهي بالموت) بشكل (دايلكتيكي) ولادة وموت.. وثم ولادة وموت.. وهكذا تستمر الحياة ضمن دائرة كونية ﻻ تنتهي، والتي ترتب حلقات الحياة بشكلها المتوالي والتي انطبعت في عقلية حياة سكان (بلاد ما بين النهرين) سواء من الناحية الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، لذلك يكون الاحتفال بعيد (اكيتو) صورة لإعادة إحياء التراث والتاريخ الفكر الإنساني الذي يعرف الأمم على هوية (الآشوريين) .
لنستشف من خلال هذه (الميثولوجيا الآشورية) كيف أثرت على الأمم الأخرى والشعوب المجاورة لإمبراطورية (الأشورية) وكيف امتدت علوم والثقافة (الآشورية) إلى (الآراميين) و(الفينيقيين) و (الإغريق) ليتخذوا من رموز (الآشورية) رموز مماثله لهم وبأسماء أخرى، بعد إن تم سرقة تراث (الآشوريين) من بلاد الرافدين حضارة (العراق) ونسبته إلى حضارات وشعوب أخرى، كما إن الكثير من مظاهر الاحتفالات بيوم (اكيتو) في شهر (نيسان) والذي كان يعتبر الشهر الأول من السنة في بلاد (آشور) قد امتدت فكرته إلى (الافنيقيون) و(الحثيون) و(اليهود) و(اليوناني) و(الفرس) حيث احتفل به (الزاردشتيون) منذ القرن السابع ق.م ولكن تحت تسمية ( نوروز)، وهذا التأثير بالميثولوجيا (الآشورية) قد تم توضيحه في الكثير من بحوث الأكاديمية في ارقي جامعات العالم، بكون ما تم اكتشافه من الآثار (الآشورية) وتحديدا قصة الخلق أو( إنوما إليش)؛ وهي (قصة الخلق الآشورية) والتي اسمها ( إنوما إليش) والتي تم اكتشفها (هنري لايارد) في 1849 في آثار مكتبة (أشور بنيبال) في مدينة (نينوى – العراق) وطبعها (جورج سمث – في 1867)، والتي تتألف من ألف سطر تقريبا على سبعة ألواح فخارية باللغة (الآشورية) القديمة، في كل لوح 115 إلى 170 سطرا، بالنص كامل تقريبا عدا اللوح الخامس والتي اكتشفت نسخة عنها في (تركيا)، ليستشف من إن أفكار (الآشوريين) القدماء عن قصص وملاحم (الخلق والتكوين) لم تكن أفكارا بدائيه بل أفكار متطورة ناضجة بالدرجة مليئة بأفكار فلسفية و معارف لدرجة التي أذهلت المدارس الأكاديمية لحجم تطور ونضوج عقلية الإنسان (الآشوري) في تلك الفترة من بداية حضارة الإنسان، ليثبتوا (الآشوريين) حجم وقوة مقدرتهم الفائقة على الملاحظة والتشخيص الدقيق والربط واستخلاص النتائج بمنتهى المعرفة والمنطق، لتظهر كل الدراسات الحديثة بان اغلب القصص التي تم تفسيرها وترجمتها من خلال بعثات الآثار وفك رموز الألواح الطينية التي اكتشفت في مكتبة الملك (أشور بانيبال) قد انتقلت إلى كل بقاع العالم ابتداء من جوار المحيط الإقليمي لوادي الرافدين (العراق) والى دول (أسيا الصغرى) وبلاد (اليونان) والى مناطق عدة في (جنوب إفريقيا)، مما ترك بصمات واضحة وأوجه شبه بين قصص (بلاد الرافدين) والقصص التي تتداول أو التي دونت بلسان تلك الأقوام، ولعدة أسباب منها:
أولا.. بحكم وقوع اغلب هذه المناطق تحت سلطة الإمبراطورية (الآشورية).
وثانيا.. نتيجة تأثر المجتمعات الغربية بالتراث الفني والحضاري والثقافي (الآشوري) بعد وقوع (العراق- بلاد الرافدين) تحت السيطرة الأجنبية ولفترة ليست بالقصيرة .
وثالثا.. تم نقل وسرقة ألاف قطع الآثار ولوحات الطينية ومخطوطات الأدب من القصص والملاحم البطولية والتي اليوم جلها موجودة في متاحف العالم خارج (العراق).
و رابعا.. ساهمت عملية الترجمة بعض قصص وملاحم (الآشورية) المكتوبة على الألواح الطينية إلى لغاتها المحلية وربما تم تناقلها بلغات الأقوام أخرى وتم نشرها إلى ممالك وأمم وشعوب مختلفة الذين تأثروا بشكل خاص ببعض العادات والمعتقدات والتقاليد (الآشورية) وبشكل عام تأثروا بفنون الأدب والثقافة والفن (الآشوري) في بلاد الرافدين (العراق الحالي).
ومن هذه الأسباب فان قيمة التراث (الآشوري) وتأثيراته في الفكر الإنساني كان عظيما، لدرجة التي اخذوا من التراث (الآشوري) الكثير من العادات والتقاليد ومنها الاحتفاء والاحتفال بطقوس احتفالات بـ(رأس السنة الآشورية - اكيتو)، كما ذكرنا سابقا، و لهذا فان (الآشوريين) إن يحتفلوا بهذا العيد هو تعبير عن تمسكهم بإرث حضارتهم العريقة (حضارة الآشورية)، ولهذا أخذا هذا الاحتفال عندهم طابعا (قوميا) باعتباره علامة متميزة من علامات التواصل والتمسك بالهوية القومية (الآشورية) وارثها الثقافي والفني والحضاري الموغل في التاريخ والحفاظ على التقاليد الأمة (الآشورية) على مر الزمن أسوة بالأمم والدول المتحضرة التي تعتز بإرثها وتفتخر بحضارتها.


تمسك الآشوريون بإرثهم الحضاري رغم حملات الاضطهاد وسياسة إلغاء هويتهم القومية


ورغم كل ما أصاب (الآشوريون) منذ سقوط دولتهم في 612 ق.م حيث ما إن ترتكب بحقهم مجزرة حتى ترتكب مجزرة أخرى، وخاصة عند دخولهم إلى الديانة (المسيحية) وصولا إلى مجاز التي ارتكبها (العثمانيون) و(الفرس) قبل وبعد القرن العشرين في (تركيا) و(إيران) وتحديدا ما بين ( 1915– 1918) وفي العراق ما بين (1920– 1933) ناهيك عن الاضطهاد السياسية التي مارستها أنظمة الحكم في (العراق) بحق (الآشوريين) وسياسة استهدافهم على الهوية الدينية.. والقومية.. والفكرية.. والثقافية؛ ليجبروا إلى النزوح والهجرة من ارض إبائهم وأجدادهم في (العراق) وطن (الآشوريين)، ومع كل حملة اضطهاد وسياسة إلغاء الهوية تمسك (الآشوريين) وواصل النضال والتشبث بأرضهم وبإرثهم الحضاري رغم التضحيات الجسام التي ذاقوها من استهداف..وقتل.. وخطف.. وتجريف أراضيهم وقراهم.. وحتى لم تسلم مقابرهم من التجريف والتخريب بل تجاوزا أمر التخريب والتجريف إلى مواقع الآثار للحضارة (الآشورية) التي هي ارث الدول وحضارة العالم، ولكن لأنها تحمل صفة الهوية (الآشورية) تم تجاوز عليها لتكون مواقع الآثار ساحة مفتوحة لسلب والنهب والتخريب، كما حدث في (نينوى) اثر احتلالها من قبل (الدولة الإسلامية الداعشية في 2014)، وما أعقبها من نزوح هائل لـ(لآشوريين) تشتتوا في المخيمات ودول الجوار وفي شتات الأرض بعد حملة موسعة من قبل أعداء الأمة (الآشورية) في استهدافهم المباشر من اجل محو وإلغاء هويتهم القومية والدينية من على أرض الإباء والأجداد في (العراق)، مما زاد من نزيف الهجرة، ومع كل هذه المعانات والمجاز والاضطهاد لم يتخلى (الآشوريين) لا عن ديانتهم (المسيحية) ولا عن هويتهم القومية (الآشورية)، وتواصلوا متشبثين بكل ما أتى لهم من قوة وعمل وكفاح من اجل البقاء في وطن الأجداد في (العراق) ومن اجل الاحتفاظ بأرضهم.. وبطقوس ارثهم الحضاري.. ومورثهم الشعبي.. وعاداتهم.. وتقليدهم.. ولغتهم (الآشورية).


الآشوريون واصلوا الاحتفال كل عام بأعياد (اكيتو) كرمز من رموز التمسك بالهوية القومية الآشورية


ليواصلوا الاحتفال كل عام بأعياد (اكيتو) في (الأول من نيسان) كرمز من رموز التمسك بالهوية القومية (الآشورية)، رغم أنهم بدخولهم (المسيحية) تغير الكثير من رموز الاحتفال بعيد (اكيتو) على ما كان يمارس قبل أكثر من سبعة ألاف سنه؛ لتغيير طبيعة التحضر ومعاني الحياة ودخول مفاهيم معاصره على طبيعة البشرية، ولان (الآشوريين) واكبوا قيم التحضر والمعاصرة، حيث يعتبرون اليوم من أكثر ألأقوام في العالم وشعوبها تحضرا، فكرا.. وثقافة.. و وعيا.. وتقبلا للقيم الحضارة المعاصرة، ومع ذلك فأنهم إن يحتفلون اليوم بعيد (اكيتو- رأس السنة الأشورية) إنما يحتفلون وفق قيم ومفاهيم معاصرة وبطريقة متحضرة، لدرجة التي واكبت كنيستهم (الآشورية) هذا التحضر، بل ساهمت مساهمة فاعلة وفعلية بالاحتفاظ على روح التقاليد القومية على مر العصور، ولهذا بقى (الآشوريين) مع كنيستهم يحتفلون بأول من نيسان كعيد قومي لبداية الربيع وتجدد الحياة، لذلك ينظمون مسيرات احتفالية وكرنقالات ومهرجانات وتقديم رقصات شعبية وارتداء ملابس خاصة بالزى (الآشوري) المعروف بنقشاته وتطريزه الأنيق؛ حيث يتجمع المحتفلون بأعداد هائلة في أحضان الطبيعة كما ويقوم اغلب العوائل بوضع باقة من العشب الأخضر في صبيحة الأول من نيسان على أبواب بيوتهم تعبيرا عن قدم الربيع وبداية شهر الخير و الفرح ويسمونه بـ(ذقن نيسان أو لحية نيسان)، وكما تقوم العوائل بتبادل الزيارات فيما بينهم لتقديم التهاني بقدوم الربيع وبشكل متحضر يواكب مع روح العصر.
ليبقى الاحتفال بالأول من نيسان (كيتو) عيدا قوميا لـ(لآشوريين) ولتذكير شعوب الأرض عن قيمة الميثولوجيا (الآشورية) ومدى تأثيرات التي تركته في الفكر الإنساني وفي تطوير الثقافة والمعرفة البشرية والتي منها انطلقت كل المعارف والعلوم الإنسانية والعلمية والاقتصادية والسياسية في العالم .
وستدخل (الأمة الآشورية) هذا العام في عامها (6775 – الآشوري) وهذا اليوم يصادف وحسب التقويم الميلادي في (الأول من شهر نيسان من عام 2025 – الميلادي).


تحديد السنة الآشورية مدخلا للهوية الآشورية والانتماء القومي


ولفهم كيفية تحديد (السنة الآشورية) سنعيد في اسطر قليلة ذكر ما ذكرناه في أكثر من مقال كتبت بهذه المناسبة الميمونة لشعب (الآشوري) العظيم وذلك لتكون أجيال (الأمة الآشورية) ومن أبناء هذه الأجيال على الاطلاع بتاريخ وتراث أمتهم وليتم نقلها إلى الأجيال القادمة .
ويأتي ((.. تحديد هذا التاريخ لسنة (الآشورية) مدخلا للهوية (الآشورية) والانتماء القومي، الذي هو بالمنظور المطلق لـ(الآشوريين) أينما وجدوا من أولوياتهم بكونه يمثل الارتباط (الآشوري) بالأرض، ارض الإباء والأجداد في بيت نهرين عبر ترسيخ مفهوم الهوية وتأصيلها في وعي أبناء الأمة لمعرفة جذورهم وانتمائهم القومي.
فجاء تحديد هذا التاريخ لسنة (الآشورية) انطلاقا حين تم وعبر التنقيب والمكتشفات الآثار التي باشرت البحث عنها الكثير من البعثات العلمية القادمة من عدد من دول الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط وتحديدا إلى (بلاد الرافدين – العراق) قبيل منتصف القران الماضي ومن بين تلك البعثات بعثة اثأر (أمريكية) من جامعة (شيكاغو) حينما اكتشفوا في عام 1948 أثار لمستوطنة زراعية أسفرت عن وجود دلائل بان سكان بلاد الرافدين ابتكروا فكرة بناء منزل ليؤوى فيها، وقد قاموا ببناء مساكن بسيطة لهم مصنوعة من الطين والحجر ليحتموا من ظروف المناخية ومن الحيوانات المفترسة، وقد اكتشفوا باحثي الآثار عن مستوطنات زراعية في منطقة ( جرموا ) قرب مدينة (كركوك – العراق) في منطقة (جرمو) قرب مدينة (كركوك) ، وحسب الاختبارات التي أجريت على طبقات الأرض بواسطة (الكربون الإشعاعي) وجدوا بأن عهدها يعود إلى 8830 سنة وفي اختبار أخر إلى 11240 سنة، وهناك وجدوا علماء الآثار مكتشفات كتب على بعض الآثار المكتشفة أسماء لـ(سبعة عشر ملكا حكموا في جرمو) في فترات متأخرة، وكان (الخامس عشر) بينهم هو الملك (اشبويا) الذي بني من الحجارة والطين بيتاً للإله (أشور) وسماه (هيكل الإله أشور) وكتب بالخط المسماري يقول: ((بنيت البيت للإله آشور…)) وقد أوصى الملك (اشبويا) الحكام الملوك الذين يأتون من بعده بهدم البيت ويعيدون بناءه من جديد كل 250 سنة لكي يشعر الإله ( آشور) انه بعد كل هذه الحقبة يعيش في بيت جديد، وفي اكتشافات منفصلة فقد أشارت الكتابات التي دونت على احد الألواح الطينية التي تعود إلى( القرن التاسع قبل الميلاد ) بان احد الملوك (الآشوريين) أعاد بناء هيكل الإله (آشور) للمرة (الثانية والعشرين) حسب توصية الملك (اشبويا) ومن خلال هذا الرقيم الطيني تم إيجاد الفترة التي حكم فيها الملك (اشبويا) وهي( 4700 سنة ق. م )، وقد أكدت هذه التواريخ الاختبارات التي أجريت بواسطة (الكربون ألشعاعي) والتي طابقت الأرقام المعتمدة من الألواح الطينية، فاعتمدت سنة (4750) تأريخا لبناء هيكل الإله (أشور) وبداية التقويم ( الآشوري)، وبناءا على هذا التاريخ يكون تزامن هذه السنة الميلادية (( 2025 )) الحالية ما يقابل دخول السنة (الآشورية) في الأول من نيسان عامها (6775 – الأشورية) ...)).
انظر إلى المقال (( رأس السنة الآشورية الهوية والانتماء – بقلم فواد الكنجي )) وكذلك انظر مقال ((أعياد (اكيتو) والدلائل التاريخية لميثيولوجيا الأشورية – بقلم.. فواد الكنجي)) .
فالموروث الثقافي والتاريخي للأمة (الآشورية) يشكل ذاكرة الوطن وهوية المجتمع، لان كنوزه الثمينة كانت ثمرة نتاج عقول وجهود أجيال سعوا لبناء مستقبل زاهر لامتهم فبنو إرث فكري وإبداعي توارثته الأجيال ليشكل جسراً للتقارب والتواصل بين مختلف الشعوب والثقافات العالم ليخلفوا موروثا حضاريا غنياً بالقيم الإنسانية والفنية والتراثية والعلمية والأدبية فأخذت وبنت وانطلقت منه شعوب العالم في بناء نهضتها الحديثة.
ومن هنا تكمن أهمية (التراث الآشوري) في قيمته الإنسانية المشتركة بكونه إرثا لا يستغنى عنه؛ وهو ما أدركته دول وشعوب العالم فبذلوا كافة الجهود في سبيل صون وحفظ معالم التراث (الآشوري) العالمي وحمايتها من الاندثار وذلك بتخصيص قاعات ومتاحف للآثار وللتراث والفن (الآشوري)؛ وأسست منظومة عمل مؤسسية علمية أكاديمية وجامعية ذات خطط وأهداف واضحة عملت على تحقيق العديد من الإنجازات في هذا المجال، إيمانا منها بأن الآثار والفن والتراث (الأشوري) الإنساني هو تراث عام لكل البشرية، والحفاظ عليه مسؤولية مشتركة بين جميع دول العالم، حتى وصلت بالتراث (الآشوري) إلى العالمية من خلال قيادتها لملفات ترشيح عناصر التراث الثقافي غير المادي، التي أثمرت عن تسجيل العديد من عناصره على لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).


مكتبة الملك الآشوري العظيم (آشور بانيبال) أعظم مكتبة وأقدم مكتبة في تاريخ العالم والتي وجد فيها أعظم مدونات وأساطير في العالم


ولطالما حظيت الآثار (الآشورية) وتراثه الأدبي والفكري بمكانة رفيعة المستوى كمحور أساسي في الدراسات الاكاديمة العالمية والمعرفة، كما أن تجربة (الآشوريين) في حفظ تراثهم عبر التدوين وإنشاء مكتبات، وكانت مكتبة الملك (الآشوري) العظيم (آشور بانيبال)، هو ملك الإمبراطورية (الآشورية) عاش في القرن السابع ق. م. حوالي 669 وتوفي في 627 ق.م.
لقب بملك العالم وهو آخر ملوك للإمبراطورية (الآشورية) الحديثة، عرفه اليوناني باسم (ساردانابالوس) ، وسمي في التوراة تحت اسم (أوسنابير).
كان (آشور بانيبال) هو حفيد الملك ( سنحاريب)، وقد ذاعت شهرته كفاتح وملك عظيم بحيث عرف بلقب ( ملك العالم ) وقد وصل الملك (آشور بانيبال) إلى ذروة العظمة التي لم تعهدها في تاريخها، ولكنه اشتهر، بصورة خاصة، باهتمامه بالإنجازات السلمية وتشجيعها، فشيد في نينوى قصرا رائعا، تزين بعض جدرانه الداخلية بالمنحوتات والتماثيل الرائعة. وأنشأ مكتبة كبيرة، وجمع الكثير من ألواح الطينية والقوانين، وكل أنواع المواد المكتوبة وأسس مدارس وشق الطرقات وعبدها، وشيد مباني عامة، ومن أعظم انجازاته هو قيامة بإنشاء مكتبة حيث أسسها في القرن السابع قبل الميلاد وسميت باسمه مكتبة الملك( آشور بانيبال)، حيث احتوت مكتبته على مجموعة تقدر على آلاف ألواح الطين احتوت على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد.
وهذه المكتبة تعتبر أشهر المكتبات ليس في بلاد النهرين( العراق) فحسب بل في العالم اجمع، وقد اختلف العلماء حول عدد مقتنياتها حيث قال البعض بأنها تحتوي على إلف رُقم طيني، ويذهب البعض الأخر بالقول بأنها أكثر من ذلك بكثير، حيث احتوت هذه المكتبة على موضوعات مختلفة تعود للقرن السابع قبل الميلاد. ومن ثابت القول بأن الملك (آشور بانيبال) قد جمع في هذه المكتبة كل ما وجده في القصور الملكية لأجداده من الملوك السابقين وأضاف إليها كل ما استطاع جمعه في عصره وحفظ فيها ألاف الألواح الطينية التي تمثل تراث حضارات ما بين النهرين في جميع فروع المعرفة وكانت المكتبة مفهرسة ومنظمة بصورة جيدة.
لقد تم العثور على بعض البقايا المتعلقة بالمكتبة في موقع حفر أثري في(كيونجيك – نينوى القديمة – عاصمة آشوريين) والتي بنيت عليها مدينة (نينوى) الحالية، فمعظم اكتشافات الموقع تمت من قبل الرحالة وعالم الآثار البريطاني( أوستن هنري لايارد) حيث تم نقل معظمها إلى إنجلترا وتعرض بعض من بقايا المكتبة في (المتحف البريطاني في لندن ومتحف اللوفر بباريس).
فلقد اكتشفت مكتبة (آشوربانيبال) في بداية التنقيبات الأثرية في بلاد ما بين النهرين، بين عامي 1845 – 1851 على يد الإنجليزي (أ.ه ـ لايرد)، في (تل كيونجيك) بالقرب من مدينة (الموصل) حيث تم اكتشاف بقايا العاصمة (الآشورية نينوى) .
وفي عام 1850 اكتشف (لايرد) البلاط الملكي للملك (سنحاريب – 705 – 681 ق. م)، ووجد فيه ما سماه (غرفة السجلات)، وقد تابع عمله بعد ذلك، حيث اكتشف بقايا قصر الملك (آشوربانيبال) ومكتبته التي تحتوي على أكثر من 20 ألف رقم طيني .
وأثارت تلك الرقم التي انتقلت إلى المتحف (البريطاني) في (لندن) ضجة كبيرة، سواء في وسط الخبراء في ذلك الوقت أم في وسط المهتمين بالثقافات القديمة للشرق الأوسط.
واستطاع (آشور بانيبال) أن يجمع نحو 25 ألف لوح في حجرات مكتبة قصره الذي كان يحتوي على حجرة لكتب التاريخ، وأخرى للاتفاقيات والمعاهدات، وقاعة لكتب الجغرافيا، حيث جمعت كتب كثيرة تصف الأرض المعروفة والأقطار والمدن والأنهار والجبال، كما كانت هناك قاعة لكتب الأدب من شعر وقصص وأساطير، وكان ثمة قاعة للقوانين والتشريعات، أضف إلى ذلك قاعة الأرشيف الذي ينظم السجلات الضريبية والمراسلات، وقاعة يقرأ فيها الملك.
وكانت هناك قوائم وفهارس تحصر وتسجل وتصف الكتب الموجودة في المكتبة؛ ولتلك الفهارس مداخلها بالعنوان وتوصف الكتب بعد العنوان بعدد السطور في كل كتاب ومحتويات الكتاب في الكلمات الاستهلالية أو كلمات البداية التي كانت في بعض الأحيان تمثل عنوان العمل وربما العناوين الفرعية وعناوين الفصول إن وجدت وربما كان معدو الفهارس يضعون لوحات إرشادية على الرفوف والصناديق والجرار؛ لبيان ما بها من كتب.
وكان كل لوح يختم بخاتم الملكية، وهو (آشور بانيبال – ملك العالم)، وربما كان ذلك (أول خاتم ملكي كتب في التاريخ.(
فهذا الاهتمام في التدوين وحفظ التراث وفي صونه والحفاظ عليه لفتت أنظار العالم وحظيت باهتمام واسع ليعد ذلك خطوة فاعلة ساهم في تعريف المجتمع العالمي بحضارة و بتراث (الأمة الآشورية).


المكتبة الآشورية اكتشافها كان بمثابة ثورة علمية حقيقة في الفكر الإنساني هزة أوساط العالم


وكان لاكتشاف مكتبة (آشور بنيبال 626- 667 ق.م) على يد عالم الآثار (أوستن هنري لايرد) ومعاونه (العالم هرمز رسام) وما وجد فيها من ألواح طينية دونت فيها نصوص تتحاور في مفهوم (إله) ومعتقدات ذلك الزمان، و بعد إن توصل العالم (هنري رولنسون) والعالم ( جورج سميث) إلى قراءة الأحرف المسمارية في منتصف القرن التاسع عشر أحدثت اكتشافاتهم ثورة فكرية هائلة على حجم العلوم والمعرفة التي كانت سائدة في عصر الإمبراطورية (الآشورية) أي بحدود أكثر من سبعة ألاف سنة قبل الميلاد، وكان لاكتشافهم بما كتب على تلك الرقم الطينية التي وجدت في مكتبة الملك (الآشوري– آشور بنيبال) والتي احتوت هذه المكتبة على (25000 ) لوح؛ بمثابة ثورة علمية حقيقة في الفكر الإنساني هزة أوساط العالم وخاصة بما يتعلق بما كتب على سبعة ألواح تتحدث عن سبعة أجيال وجلها تدور حول خلق الكون والبشر، ومن بينها قصة ( الطوفان الأولى) و(ملحمة كلكامش) وملحمة الآلهة (عشتار)، و ملحمة الخلق ( إينوما إيليش - عندما في العلى)، ومما أثار ما تم اكتشافه في هذه القصص التي كتبت في العصر (الآشوري) الأول هو تطابق نصوصها تطابقا كليا على ما ورد في الأيام السبعة في (سفر التكوين – التوراة)، مما أذهل العلماء – وحتى (اليهود) منهم – لدى اكتشاف النصوص (الآشورية) المكتوبة بالحرف المسماري، فابتكر العلماء تسمية لها سموها بعبارة ( توراة ما بين النهرين)، ولذلك اعتبرت محتويات هذه المكتبة – والتي مؤحرا؛ عرضت بعض محتويات هذه المكتبة في المتحف البريطاني إمام الجمهور لمشاهدة عظمة مكتبة (آشور بنيبال) – المفتاح الرئيسي لـ(علم الآشوريات) لتكشف المدونات المزيفة التي طغت على الفكر البشري لألفي عام .
كما وسع في البحث عن هذا الجانب العلامة العراقي الدكتور (فاضل عبد الواحد) في كتابه الموسوم (من ألواح سومر إلى التوراة 1989)، حيث أكد في بحوثه بان اغلب قصص (التوراة) منقولة من حضارة (الآشورية) في بلاد الرافدين وتحديدا قصة (الخلق) و(جنة عدن) و(الفردوس المفقود) و(قصة هابيل وقابيل) و (زقورة بابل) و(بين موسى وسرجون الاكدي)، كما إن كثير من الباحثين وعلماء الآثار العراقيين سلطوا الضوء على هذه الجوانب وقد ورد ذلك في مؤلفات وترجمات وبحوث الدكتور (طه باقر) و الدكتور (سامي سعيد الأحمد) والدكتور (بهنام ابو الصوف) وآخرين، وهي منشورة ومتواجدة في المكتبات.
فعلميا حلت محتويات هذه المكتبة - مكتبة (آشور بنيبال) الأثرية - محل (التوراة)، حيث اعتبروا بان (التوراة) ولقرون طويلة المرجع التاريخي الوحيد عن تاريخ المنطقة، وفي هذا الصدد أيضا أثار العالم ( فريدريك ديلليتش) ضجة إعلامية واسعة حين ألقى محاضرة حول (توراة بلاد آشور) تحت عنوان (بابل والكتاب المقدس) ، في عام 13/12/1902 في العاصمة الألمانية (برلين) بحضور القيصر (فيلهيلم الثاني)، أوضح فيها بـ((أن قصص (التوراة) مأخوذة من بلاد آشور)) مما سبب له التهديد من قبل بعض الحاخامات من اليهود المتشددين، وتم له أيضا التوبيخ الشديد من الكنائس الغربية المتطرفة.
وبهذا لاكتشاف واجه كل من اتجه من المفكرين والعلماء هذا الاتجاه حربا مع (الكنائس الغربية واليهود)، مما حاولت الجهات الصهيونية تكثيف جهودهم للحيلولة دون إظهار هذه الألواح (الآشورية)، وفعلا عبر موساد (الإسرائيلي) وأجهزة مخابرات واستخبارات الصهاينة؛ تم إخفاء العديد من الألواح (الآشورية) الهامة .
وباختصار، فان لملحمة خلق (إينوما إيليش) الكثير من المدلولات الفكرية الرصينة والتي تم الاقتباس الكثير من مضامينها في قصص (التوراة) فحين تسرد ملحمة الخلق ( إينوما إيليش - عندما في العلى)، بكون الجيل الأول لبداية التكوين حينما كانت الأرض معدومة حيث بدا الكون يتكون من العنصر (الذكر) والذي سمي (إله) المياه العذبة ( آبسو) والعنصر (الأنثى) التي هي (إلهة) المياه المالحة وسميت (تيامات)، وما بينهما يرفرف (إله) سمي بـ(ممو) وهو كان يمثل السماء أو (إله) السحاب، لتتشابه هذه الفكرة مع (سفر التكوين) في اليوم الأول إلى حد التطابق، ثم يتكون الجيل السادس من بداية الخلق حيث الإله (مردوخ - آشور) الذي يخلق (لالو) (الإنسان) ليخدم الآلهة فتستريح في الجيل السابع، وهذا أيضا يتطابق تماما مع ما نص في (التوراة) حين ذكر فيه (خلق الله الإنسان في اليوم السادس واستراح في اليوم السابع - انظر إلى (سفر التكوين)، وفي قصة الخلق ( إينوما إيليش- عندما في العلى)، فأن الإلهة (تيامات) التي على شكل (التنين) وهي تسبح في البحار، كانت تنوي التخلص من أحفادها المزعجين لتنعم بالراحة مع زوجها( آبسو)، فأتت بالوحوش المخيفة استعدادا للمعركة، ولكن اعترضها إله (مردوخ - آشور) ويصارعها فينتصر على (تيامت) فيقوم بشطرها إلى نصفين، فيصنع من القسم الأول (السماء) حيث يخلق النجوم والكواكب، ومن القسم الثاني (الأرض) حيث يخلق الحيوانات والنباتات، وهذا أيضا يتطابق ما ورد في (التوراة) انظر إلى (سفر تكوين)، حيث ( يفصل الله بين مياه ومياه ويصنع السماء والأرض) وبعد أن ينتهي (مردوخ – آشور) من خلق؛ وذلك بخلق زوجا من الإنسان بواسطة الدم والطين وبني (مردوخ - أشور) بيتا له في بلاد (آشور) ليستريح فيه، كلما نزل إلى الأرض في (نيسان) وهذه القصة تتطابق مع ما ورد في (التوراة) تماما حيث ورد النص ( كما سيبني رب الجنود فيما بعد، بيتاً له في إسرائيل) انظر إلى (صموئيل الثاني) .
ولهذا اعتبرت ملحمة ( إينوما إيليش- عندما في العلى)، في التاريخ المعاصر من أهم مكتشفات العلمية والتاريخية المتعلقة بالفكر الإنساني ودياناتهم، فان قيمة هذه الأسطورة التي تعتبر من أقدم الأساطير الملحمية في التاريخ، كان عظيما في (بلاد آشور) وكان (الآشوريين) يجسدون طقوسها والاحتفال بهذه المناسبة سنويا في عموم بلادهم، فكانت مهرجانات ومواكب الملك تقام بشكل احتفالي كبير والشعب يحتفل ويقيم تلاوة طقوسها مجسدين فكرة (خلود سيد الآلهة وبداية الحياة)، حيث كانت الاحتفالات تبد في (الأول من نيسان) كل عام، وكان (العام الواحد) عندهم يتكون من اثني عشر شهرا، وكل (أربعة أشهر) يتكون موسم، ابتدأ من أول نيسان حيث الربيع ويعقبه الصيف ومن ثم الخريف والشتاء وهكذا دواليك، وما زال هذا التصنيف قائما إلى يومنا هذا، وكانت تسمى احتفالات التي تقام في الأول من نيسان (اكيتو)، وكان (الآشوريين) يعتبرون اليوم الأول من شهر نيسان البداية الحقيقية لدورة الحياة الطبيعية على الأرض كونه في نيسان تبدأ الطبيعة بالتجدد والانبعاث.
وهنا لا بد إن نذكر بأن تأريخ (اليوم الآشوري الواحد) منذ سلالتهم الأولى في (سومر) كان يعتمد ويؤخذ من عدة عناصر طبيعية وأهمها القمر وحرك النجوم، وقد استطاعوا (الآشوريون) من تحديد يوم الاعتدال الربيعي في شهر سموه (نيسانو) وما زال يسمى هذا الشهر بنفس الاسم، فقد كان معلوماتهم وحسب التقويم (الآشوري) يبد الاعتدال الربيعي في ليلة (الأول من نيسان)، كما هو موجود في مدونات الأثرية والتي كتبت في الألواح الطينية والتي تبقى هي المرجع الأول والأخير والتي ليوم موجودة في متحف (لندن) .
ومن هنا تكمن قيمة التراث في الفكر القومي وخلفياته الفلسفية عند (الآشوريين) في الأول من نيسان، بسبب انبعاث الطبيعة و نزول سيد الآلهة إلى الأرض لتحارب الآلهة الشريرة ثم القضاء عليها وانتصارها ليتم زواجه من الإلهة (عشتار) لتبعث الحياة بتجددها في ببداية الربيع .
وكانت هذه الاحتفالات والتي - كما قلنا تسمى - بـ(اكيتو) وهو عيد (رأس السنة الآشورية) والذي يعد من أقدم احتفالات بمناسبة الأعياد التي عرفتها الحضارة الإنسانية منذ القدم، ويحدد تاريخ بداية هذا الاحتفال في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد، واستمر حتى القرن الثاني منه.


الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة اليهودية


وخلال بحوث استقصائية لثقافة الشعوب الأخرى؛ نجد حجم تأثير (الميثولوجيا الآشورية) في نصوصهم وان الكثير من الاقتباسات وانتحال الأفكار مأخوذة من (التراث الآشوري) سواء في الأساطير أو القصص والحكايات والعادات والتقاليد، فحين تم في القرن الثامن والتاسع عشر بدء عمليات التنقيب عن الآثار في بلاد (وادي الرافدين – العراق) وتم اكتشاف مكتبة (آشور بانيبال 626 – 667 ق.م)، في (بلاد آشور) في (نينوى) والتي تعتبر أقدم مكتبة على الإطلاق في تاريخ العالم، حيث وجد فيها أكثر من ( 25000 ) لوح من الرقم والألواح الطينية المدونة بالكتابة (المسمارية وباللغة الآشورية) تعود بعض منها إلى تاريخ بلاد (سومر) و(أكد) و(آشور)، حيث وجد – وبالبرهان والدليل القاطع – بعد إن استطاع علماء الآثار والباحثون تفكيك وفتح رموز (الخط المسمارية باللغة الآشورية) وقراءتها، بان اغلب نصوص (التوراة) مقتبسة من تراث والميثولوجيا (الآشورية) مثل (ملحمة كلكامش) في (قصة الطوفان) و(سفر الحكمة) و (الأمثال) و(ابن سيراخ) و قصة (طوبيا) و(أيوب) و(المزامير) و(نشيد الأناشيد)، كما أنهم وجدوا في نصوص ملحمة الخلق ( إينوما إيليش)، والتي تم تدوينها على سبعة ألواح تتناول الحديث عن سبعة أجيال حول (بداية الخلق والكون) والتي في أغلب نصوصها تتطابق تطابق تام مع الأيام السبعة في (سفر التكوين) التي وردت في كتاب ( التوراة).
وباختصار، ففي مقدمة (إينوما إيليش) تتحدث في اللوحة الأولى، عن البدء في الجيل الأول حينما كانت الأرض معدومة لا أسم لها، حيث كان الكون يتألف من العنصر (الذكر) إله المياه العذبة (آبسو) والعنصر (الأنثى) إلهة المياه المالحة (تيامات)، و(ممو) إله السحاب الذي يرفرف بينهما، وهنا يمكنك البحث والاطلاع على حجم التطابق بين هذه النصوص والنص الوارد في (سفر التكوين في اليوم الأول 1: 1-2).
ثم في الجيل السادس، الإله (مردوخ – آشور، عند الآشوريين ) الذي يخلق الإنسان (لالو) ليخدم الآلهة فتستريح في الجيل السابع وهو نفس النص الموجود في (التوراة) تماما والذي يتحدث عن خلق الله (الإنسان) في اليوم السادس واستراح في اليوم السابع ( سفر التكوين2:2-3) .
وإذ أخذنا صور أخرى في التطابق بين قصة (الخلق الآشورية) و (التوراة)، ففي النص (الآشوري) يذكر بأن (الإلهة تيامات) التي على شكل التنين (هابور) السابح في البحار، كانت تنوي التخلص من أحفادها المزعجين لتنعم بالراحة مع زوجها (آبسو)، فأتت بالوحوش المخيفة استعدادا للمعركة، عندها يأتي الإله (مردوخ – آشور) ويتصارع معها و ينتهي ذلك بانتصار الإله (مردوخ – آشور) ليشطر المياه (تيامات) إلى قسمين، فيصنع من القسم الأول (السماء) حيث يخلق النجوم والكواكب، ومن القسم الثاني (الأرض) حيث يخلق الحيوانات والنباتات، وهذا النص هو نفسه وجد في النص (التوراتي) و كما ورد في (سفر تكوين:1: 6)
حيث يفصل الله بين مياه العذبة ومياه المالحة ويصنع السماء والأرض) ، وبعد أن ينتهي الإله (مردوخ – آشور) من خلق كل ذلك يخلق زوجا من الإنسان بواسطة (الماء والطين).. ويبني بيتا له في (بابل) ليستريح فيه كلما نزل إلى الأرض في شهر (نيسان)، وهو أيضا نفس النص الموجود في (التوراة) حيث النص يذكر(سيبني رب الجنود فيما بعد، بيتا له في إسرائيل، انظر صموئيل الثاني: 1:7– 17).
وكذلك نجد عبارة (خيمة الآلهة) التي ورد ذكرها في (ملحمة كلكامش) التي اقتبست منها (التوراة) نفس (قصة طوفان) بشخصية ( نوح) وعند النص (الآشوري) يذكر اسم (زيوسودرا) وفي النص (السومري) ورد باسم (أوتنابشتم).
وهنا نستوضح للقاري بان في كتاب للباحث العراقي الدكتور( فاضل عبد الواحد علي ) الموسوم تحت عنوان (من ألواح سومر إلى التوراة) – الطبعة الثانية 1996 دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – العراق ، فيه الكثير من تفاصيل عن هذه المقارنة بين الحضارة (الآشورية) وما ورد في نصوص إسفار (التوراة).
ففي ملحمة (كلكامش) فإن الصور أكثر وضوحا، إذ نقرا في الكتاب المذكور سابقا، إن الطوفان والأعاصير استمرت تجتاح البلاد ستة أيام وست ليالي وانه ((..عندما حل اليوم السابع ، خفت وطأه الرياح الجنوبية في هجومها الذي شنه كالجيش في المعركة على حد تعبير الكاتب (الآشوري)، ثم هدءا البحر وسكـنت العواصف وانتهى الطوفان، ويقول رجل الطوفان (اوتنابشتم) انه تطلع إلى البر من السفينة بعد هدوء العواصف والمياه فوجد أن السكون يخيم في كل مكان وان البشر جميعا تحولوا إلي طين، ثم يصف مشاعره وقد زال عنه الخطر وأصبح قاب قوسين أو ادني من النجاة ، فيقول:
ثم فتحت نافذة ( في السفينة ) فسقط النور على وجهي
فسجدت وجلست باكيا
والدموع تجرى على وجهي
ثم أخذت أتطلع إلى سواحل البحر الواسع
فبانت الأرض من مسافة اثني عشر ميلا مضاعفا
وفى تلك الأثناء استقرت السفينة على جبل اسمه (نيسير) ومضت ستة أيام وجبل (نيسير) ممسك بالسفينة ولا يدعها تتحرك – على حد قول رجل الطوفان (اوتنابشتم) – وبتعبير أخر، أصبح أكيدا لرجل الطوفان أن السفينة قد بلغت مستقرها الأخير، وانه لا أمل في أن تتحرك من ذلك الموضع أبدا، وعندئذ إي في اليوم السابع من استقرارها على جبل (تيسير)، اخرج (أوتنابشتم) حمامة وأطلقها، وراحت الحمامة ولكنها لم تلبث إن رجعت، لقد رجعت الحمامة لأنها لم تجد محط لها، وعندئذ اخرج الطائر (السنونو) وأطلقه؛ وراح (السنونو) ولكنه لم يلبث أن رجع؛ قد رجع (السنونو) لأنه لم يجد محطا له؛ ومن ثم أخرج (الغراب) وأطلقه؛ وراح (الغراب) ولكنه عندما رأى أن المياه انحسرت أكل وحام ونعق ولم يرجع، وعندما خرج رجل الطوفان لأول مرة من السفينة بعد أربعة عشر يومنا من دخولها، سكب الماء المقدس على قمة الجبل ونصب القدور ليعد الطعام قربانا للإلهة ، وسرعان ما فاحت رائحة الطعام الطيبة فشمتها الإلهة وتجمعوا حول مقدم القربان كالذباب، على حد تعبير النص (الآشوري).
وفى هذا المقطع من قصة (الطوفان)، يجد القارئ نفسه أمام مشهد جديد ومثير، حيث تتجمع الإلهة العظام حول رجل الطوفان بعد إن انتهوا من التهام القربان ليستمع بعضهم من البعض الأخر عما حل بالناس من دمار وما لحق من خراب نتيجة لأحداث الطوفان، وليرفع بعضهم صوته احتجاجا على هذه الخطيئة التي اقترفها الإله (انليل) بحق الناس، وعندئذ شعر الإله (انليل) بجسامة الخطأ الذي ارتكبه ضد بني البشر، فصعد إلى ظهر السفينة منقذ الحياة، ووقف بين رجل الطوفان (أوتنابشتم) وزوجته ثم لمس جبينهما مباركا، ومنحهما الخلود قائلا:
ما كان (اوتنابشتم) قبل الآن لا بشرا
ولكن من الآن سيكون (أوتنابشتم) وزوجته مثلنا نحن الإلهة
وسيقيم (أوتنابشتم) بعيدا عند فم الأنهار..)).

إن قصة (الطوفان) في وادي الرافدين تركت أثارا واضحة في (التوراة) حيث نقرأ في (سفر التكوين 6 – 9 ) تفاصيل وافية عن (الطوفان)؛ حيث إن التشابه بين (قصة الطوفان) في المراجع (المسمارية الآشورية) وبين (التوراة) واضحة كل الوضوح؛ ويكفي إن نقتبس للقارئ بعضا مما تذكره (التوراة) بهذا الصدد ليقف بنفسه على ذلك.
ففي (التكوين – 6 :9) في النص (التوراتي) يذكر بـ(( ... ان (نوح) كان
رجلا بارا كاملا في أجياله. وسار نوح مع الله ، و ولد نوح ثلاثة بنين (سام و حام و يافث)، وفسدت الأرض أمام بشر وقد أفسد طريقه على الأرض، قال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي . لأن الأرض امتلأت ظلما منهم . فها انا مهلكهم مع الأرض، اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر . تجعل الفلك مساكن وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه ثلاثمائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا ارتفاعه وتصنع كوى الفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق وتصفع باب الفلك في جانبه مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله . فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت . ولكن أقيم عهدي معك . فتدخل الفلك أنت لاستبقائها معك تكون ذكر وأنثى من الطيور كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها . وأنت فخذ لنفسك من كل طعام ما يؤكل واجمعه عندك . فيكون لك ولها طعاما . ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله هكذا فعل.
وقال الرب لـ(نوح) ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني إياك رأيت بارا لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى . ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة . ذكرا وأنثى لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض . لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته . ففعل نوح حسب كل ما أمر به الرب . ولما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض . فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب علي الأرض دخلوا اثنين اثنين إلى نوح ، إلى الفلك ذكرا وأنثي . كما أمر الله نوحا. وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض في سنة ستمائة من حياة نوح ، في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر . في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع النهر العظيم وانفتحت طاقات السماء . وكان المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة . في ذلك اليوم عينه، دخل نوح وسام وحام ويافث، بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك . هم وكل الوحوش كأجناسها وكل البهائم كأجناسها وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها ، وكل الطيور كأجناسها ، كل عصفور، كل ذي جناح ، ودخلت إلى نوح، إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة . والداخلات دخلت ذكرا وأنثى ، من كل ذي جسد ، كما أمره الله ، وأغلق الرب عليه.
وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض . وتعاظمت المياه وتكاثرت جدا على الأرض . فكان الفلك يسير على وجه الماء. وتعاظمت المياه. كثيرا جدا على الأرض . فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت السماء خمسة عشر ذراعا في الارتفاع. تعاظمت المياه، فتغطت الجبال . فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض، من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزاحفات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس كل ما في انفه نسمة روح حياة، من كل ما في اليابسة مات. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات طيور السماء، فانمحت من الأرض وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط، وتعاظمت المياه على الأرض مئة وخمسين يوما.
ثم ذكر الله نوحا وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك ، وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه . وانسدت ينابيع النهر وطاقات السماء، فامتنع المطر من السماء . ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا . يعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه . واستقر الفلك في الشهر السابع . وفي اليوم السابع عشر من الشهر على جبال (أرارات) . وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر . وفى العاشر، في أول الشهر ظهرت روس الجبال.
وحدث من بعد أربعين يوما إن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها وأرسل (الغراب) فخرج مترددا حتى نشفت المياه على الأرض ثم أرسل (الحمامة) من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد (الحمامة) مقرا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك. لأن مياهها كانت على وجه كل الأرض ، فمد يده وأخذها عنده إلى الفلك . فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل (الحمامة) من الفلك. فاتت إليه (الحمامة) عند المساء. وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم أن المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة أيام أخر فأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه أيضا.
وكان في السنة الواحد والستمائة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشفت. وفى الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض.
وكلم الله نوحا قائلا : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكل الحيوانات التي معك، من كل ذي جسد، الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض أخرمها معك. ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض . فخرج نوح وبنوه وأمرائه ونساء بنيه معه ، وكل الحيوانات. كل الدبابات وكل الطيور. كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك وبني نوح مذبحا للرب و اتخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذابح. فتنسم الرب رائحة الرضا . وقال الرب في قلبه لا أعود العن الأرض أيضا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل ما زالت . انظر (التكوين 6 – 9)..)).


الآشوريون و سبي اليهود


فهذا تأثير بالعادات والتقاليد وميثولوجيا (الآشورية) من قبل (اليهود) الذين تواجد في (بلاد آشور) نتيجة الأسر ولفترة ليست بالقصيرة؛ فلا محال بأننا سنجد في كل أدبياتهم وعلومهم وثقافتهم هذا التأثر وبشكل ملحوظ كما نلتمسه في كتاب (التوراة) وربما في اغلب كتبهم الفكرية الأخرى لا وبل سنجد هذا التأثر في طبيعة العادات والتقاليد مجتمعهم، لان وجودهم في (بلاد آشور) نتيجة الأسر وإخضاعهم ألقسري للسلطة ملوك (آشور) فهذا الأمر لابد إن يترك له أثار في طبيعة السلوك لمن يقع في الأسر لفترة طويلة ولأكثر من مرة سواء بإرادة أو بغير إرادة كما يؤكد ذلك بحوث (علم النفس)، فخضوع (اليهود) لملوك (آشور) هو بذاته يعكس سلبا في نفسية الإنسان (اليهودي) ويجعله تحت انقياد الأخر بفعل إرادي أو غير إرادي، ولتوضيح أمر هذا الخضوع فإننا نجده بصورة مجسدة مما تم اكتشافه اثر عمليات التنقيب التي كان يجريها الاثاري (هنري لايارد) عام 1849 لمدينة (النمرود – كالح) في مدينة (نينوى)، حيث عثر على مسلة حجرية سميت باسم (المسلة السوداء) كونها كانت من الحجر المرمر الأسود تعود إلى الملك (الآشوري – شلما نصر الثالث 858 – 824 ق.م ) التي اليوم تتواجد في (المتحف البريطاني) ويبلغ ارتفاعها ستة أقدام وهي منحوتة على هيئة برج مدرج نقشت بكتابة مطولة تؤرخ حملات الملك (شلمانصر)، وقد زينت هذه المسلة بخمسة انطقه من المنحوتات البارزة، في كل جانب من جوانبها تمثل مشاهد تقديم الخضوع والجزية من جانب الملوك والحكام والأمراء من مختلف الأقطار التي كانت تخضع للملك العظيم (شلمانصر) ومن ضمنهم كان ملك (إسرائيل – ياهو).
وفي زمن الملك (الآشوري تجلات بليزر الثالث 744 – 727 ق.م) تم
ضم نصف مملكة (إسرائيل) إلى (الدولة الآشورية) وعين (هوشع) ملكا على (ألسامره) بصفته تابعا له.
وفي زمن الملك (الآشوري سركون الثاني 721 – 705 ق.م) وفي عام (710 ق.م) خضعت له (بلاد الشام) وأزال دولة (إسرائيل) من الوجود ونقل جميع اليهود أسرى وأسكنهم في (بلاد آشور).
وفي زمن الملك (الآشوري سنحاريب 704 – 681 ق.م) حيث قام الملك في عام (701 ق.م) حملة عسكرية طوق مملكة (يهوذا) وحاصر عاصمتها (اورشليم) ولكن الجيش (الآشوري) لم يتمكن دخولها بسبب تفشي وباء بين أفراد الجيش فقرر الملك (سنحاريب) رفع الحصار عن (أورشليم) مقابل دفع جزية كبيرة من الفضة والذهب والنساء من بينهن بنات الملك كما جاء في حوليات الملك (سنحاريب) . ولكن الأمر لم ينتهي إلى هذا الوضع؛ فقد وصلت معلومات إلى الملك (سنحاريب)؛ بان (اليهود) في المملكة الشمالية التي كانت اسمها (مملكة إسرائيل) تقف وتساند وتدعم (الفراعنة) ضد مملكته مما أثار حفيظة الملك فقرر إخضاع تلك المنطقة إلى إمبراطوريته؛ فقام بحملة على (المملكة اليهودية الشمالية) في عام (697 ق.م) فحطم هيكلها وسبي أهلها وأخذهم سبيا إلى (بلاد آشور) وانتهى بذلك ذكر المملكة اليهودية الشمالية.
وفي زمن الملك ( نبوخذ نصر الثاني 604 – 562 ق. م) قام الملك باحتلال مملكة (يهوذا) وسبي أهلها وكان (السبي البابلي الأول لليهود) عام (597 ق. م) وتم قتل ملك مملكة يهوذا (يهوياكيم)، ثم حدث (السبي البابلي الثاني) عام( 568 ق . م) بعد محاصرة (أورشليم) وذبح أولاد ملك (يهوذا – صدقيا) أمام عينيه ثم فقأت عيناه وأخذ مكبلا مع الأسرى (اليهود) الذين قدر عددهم بنحو أربعين ألف أسير إلى (بابل) ودمرت (أورشليم) ودكت معالم (هيكل سليمان).
وهكذا كان سبي (آشوري) لـ(ليهود) يجرى بسبب مساندتهم للثورات والعصيان ونكث العهد الذي يعطونه للملوك الإمبراطورية (الآشورية)، وقد مكث اليهود في بلاد (بابل الآشورية) بعد السبي البابلي لهم إلى زمن (الدولة الفارسية الأخمينية) وعلى يد (قورش الأكبر) التي أسقطت (بابل) وقد خيروا (اليهود) الأسرى بين البقاء أو الرجوع إلى موطنهم في (أورشليم) وبذلك سمح لـهم بالعودة إلي (أورشليم) مرة أخرى.
ومن هنا نستطيع القول بان وجود (اليهود) أنفسهم في(بلاد آشور) إثناء الأسر كان له الأثر الأعظم في تعرف (اليهود) عن حضارة بلاد (وادي الرافدين – العراق)، ومن هنا فان الباحثون يجمعون بان (الديانة اليهودية) كما هي اليوم ولدت إثناء وجودهم في الأسر في مدينة (بابل الآشورية) وان (الإسفار الأولى) الموجودة في (التوراة) اخذ طابعها من خلال وجود (اليهود) في الأسر، الذي استمر قرابة نصف قرن انتهى بحدود 538 ق. م ، فان تأثير البيئة التي عاشوها في مدينة (بابل الآشورية) تركت آثارها في هذه (الأسفار) بعد إن أصبح لهؤلاء (اليهود) وخاصة كهنتهم الاطلاع الواسع على العلوم والمعارف السائدة في حضارة الإمبراطورية (الآشورية) آنذاك؛ فتعلموا منها وحصلوا على علومهم ومعرفتهم وآدابهم الواسعة بما كان يتداول في الحياة الثقافية والفكرية والأدبية وبالمدونات وبالنصوص (السومرية) و(الآشورية)، وعلى هذا النحو كان (الأسر البابلي لليهود) فرصة ثمينة لرجال الدين (اليهود) المتواجدين على ارض (الإمبراطورية الآشورية) مكنتهم من الإطلاع المباشر علي الوثائق (المسمارية) وبالمدونات (السومرية) و(الآشورية) وخاصة بما يتعلق بالإنسان.. والموت.. والحياة.. والثواب.. والعقاب.. وبالشعائر العبادة وطقوسها.. والمفاهيم والقيم والقوانين الاجتماعية الساندة في مدينة (بابل الآشورية)، وهذا ما أدى إلى دخول كثير من المفاهيم إلى (الأسفار التوراتية) التي تركتها حضارة (وادي الرافدين – العراق) على معتقدات اليهود؛ سواء بما كانت يتعلق بنشأة الكون والميراث والى غيرها من المفاهيم المتعلقة بالحياة والإنسان والموت؛ والتي فيما بعد انتقلت إلى (الديانة الإسلامية) من خلال محاكاة قصص التي وردت في (التوراة).
ليتم للباحثين وخبراء اللغة إقرار في دائرة البحوث والدراسات الأكاديمية العلمية بان محتويات مكتبة (آشور بانيبال – الآشورية) هي المفتاح الرئيسي لكل العلوم؛ والتي أطلق على مضامين هذه العلوم الجامعة بـ(علم الآشوريات) والتي من خلال ما تم اكتشافه في هذه المدونات والألواح الطينية (الآشورية) بان كل ما ورد من الفكر البشري خلال أكثر من إلف عام مقتبس من علوم وآداب (آشورية).
فبعد إن توصل العالم (هنري رولنسون) و(جورج سميث) قراءة الأحرف المسمارية وما ورد في الألواح (الآشورية) اعتبر ما وجد في المكتبة (الآشورية) مصدرا رئيسيا ووحيد لكل المراجع؛ بعد إن كان كتاب (التوراة) هو المرجع التاريخي لتاريخ المنطقة واعتبروا اغلب النصوص التي وردت في (التوراة) مقتبس من ميثولوجيا وآداب وعلوم (الآشورية)؛ لدرجة التي سمي (التوراة) بـ(توراة بلاد النهرين).
وفي هذا الصدد ألقى الباحث (فريدريك ديلليتش) محاضرة في غاية الأهمية حول (توراة بلاد آشور) وذلك بتاريخ 13/12/1902 في مدينة (برلين الألمانية) بحضور القيصر (فيلهيلم الثاني) الذي طلب من (فريدريك ديلليتش) إعادة هذه المحاضرة في القصر الملَكي، فألقى المحاضرة تحت عنوان (بابل والكتاب المقدس)، حيث أوضح بأن قصص (التوراة) مأخوذة من (بلاد آشور)، الأمر الذي أثار ضجة في الأوساط الأكاديمية والإعلام الأوروبي، وهذا ما أثار حفيظة (اليهود) والكنائس الغربية اللذين مارسوا كل وسائل لعدم البحث في هذا الشأن؛ ليتم طمس هذه الحقائق، وفعلا تمكن اللوبي (اليهودي) في العالم إلى إخفاء العديد من الألواح (الآشورية) الهامة وبهذه التحاليل والبحوث والدراسات الأكاديمية في التراث والميثولوجيا (الآشورية) وما تم استكشافه من الذخيرة الثقافية والأدبية لعوم وآداب (الآشورية).
ليستوضح لدى الباحثين والدارسين والمفكرين مدى عمق ما تأثرت (التوراة) وما أخذته من الميثولوجيا والتراث (الآشوري)، فقدموا في ذلك الكثير من الدراسات والبحوث بهذا الخصوص والتي تؤكد عن تأثير ثقافة وادي الرافدين على آداب (اليهود)، ولم يقتصر هذا التأثير للفكر الميثولوجي (الآشوري) على آداب (اليهودية) فحسب بل امتد التأثير إلى على الشعوب المجاورة؛ نحو (الآراميين) و(الفينيقيين) و(الإغريق) و(الحضارة اليونانية) وظل هذا التأثير قائم رغم سقوط الدول (الآشورية) في 612 قبل الميلاد، لان (الآشوريين) ظلوا محافظين على تراثهم الفكري والأدبي واستمر ذلك إلى عهد (اسكندر 331 – 126 ق.م) وخلال عهد حكمه وسيطرته على بلاد الرافدين برز المؤرخ (بيروسوس – برعشا) من مدينة (بابل الآشورية) الذي جمع تاريخ (بابل) في كتابه اسماه (بابيلونياكا) وقد كتبه باللغة (اليونانية) في ثلاث مجلدات؛ أرخ فيه وقائع التي حدثت من سنة 3600ق.م حتى حكم (اسكندر)، وقد جاء كتابه هذا بناءا على طلب الملك (أنطيوخس الثاني 261- 247 ق.م) الذي حكم مدينة (بابل)؛ علما بان (بيروسوس) كان كاهن (الإيساغيلا) في معبد (مردوخ – آشور) في أيامه؛ وفيما بعد؛ ولوجوده في (اليونان) وامتهانه التدريس في مدينة (أثينا) ألف هناك كتاب (الحكمة)، وكانوا (اليونانيون) يكنون له احترام كبير لدرجة التي نصبوا له تمثالا فخريا له، وقد أصبح كتاب الذي إلفه بعنوان (بابيلونياكا) مصدرا مهما من مصادر العلوم في (اليونان)، بعد رسائل (هيرودوتس) و(الإسكندر) وقد أخذوا الأدباء والمثقفين وفلاسفة (اليونان) الكثير من علوم (الآشورية) في مجال الفلك والدين والرياضيات وخاصة مبدأ (إقليدس) في الرياضيات الهندسية وقياس الوقت والحساب الذي ما زال يدرس في مدارس وجامعات العالم باعتباره من أسس علوم الرياضيات.


الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة المسيحية


كما إن (الميثولوجيا الآشورية) كانت لها صداها الواسعة في أوساط الثقافة الغربية ومعتقداتهم الخاصة التي كانت تمارس وفق طقوس العبادة في احتفالات (رأس السنة الآشورية) التي كانت تسمى احتفالات (أكيتو) والتي وجدت تأثيراتها في معطيات (الديانة المسيحية) وذلك بتخصيص يوم للاحتفال بـ(رأس السنة الميلادية) الذي يصادف في (الأول من كانون الثاني) كبداية لدخول العام الميلادي الجديد على غرار ما كان سائدا في أيام (الإمبراطورية الآشورية) باعتبار (الأول من نيسان) هو أول أيام لدخل العام (الآشوري) الجديد، ومن معطيات أخرى التي أخذتها (الديانة المسيحية) من (المثيولوجيا الآشورية) هو وجود الإله الغير المنظور (الله) في (الديانة المسيحية)؛ حيث كانت مفردة (الله) تقابل (آشور) وهو اله غير منظور عند (الآشوريين) وعلى عظمة قدسيته عندهم كنيت اسم مواقع وجودهم بـ(بلاد آشور) وكني ملوكها باسمه؛ بل وجرت العادات والتقاليد في عرف المجتمع (الآشوري) آنذاك وما زال هذا العرف إلى يومنا قائم عند العوائل (الآشورية) بتسمية واحد من أبنائهم باسم (آشور) تيمننا بعظمة الإله (آشور) الذي هو عندهم (الله ) الذي هو في العلى والمعروف اليوم عند اغلب شعوب الأرض ولكن بتسميات وفق الألسن واللغات المتعددة عند شعوب الأرض، ومن مضامين النص (الميثولوجيا الآشورية) للاحتفالات برأس السنة (الآشورية – أكيتو) والتي تقام وفق طقوس معينه حيث نجد لها صداها في طقوس (الديانة المسيحية)؛ ومن ذلك إن الإله (مردوخ – آشور) ينزل إلى الأرض ويتصارع مع الشر فيؤسر في اليوم الخامس من مراسم الاحتفال بيوم (أكيتو) ليحرر من قوة العاصفة (نينورتا – إله العاصفة) بعد ثلاثة أيام ؛ أي بعد اليوم السابع من – هذه الاحتفالات – بعد أسره وتبدأ الحياة، وهذا الحدث يورد في ( العهد الجديد – الإنجيل)، بان السيد (المسيح) يحرر من الموت بعد ثلاثة أيام خلال هبوب عاصفة عاتية؛ وخلال فصل اعتدال الربيعي تكون (قيامة المسيح)، كما في بداية الربيع تبدأ الاحتفالات (أكيتو) بعد تحرر الإله (مردوخ – آشور) من الظلمة، ومن ثم إن (الميثولوجيا الآشورية) تذهب بالذكر صعود (مردوخ – آشور) إلى بيته العلوي (السماء) بعد تحرره واجتماعه بالآلهة (أي في اليوم الحادي عشر من بدا احتفالات أكيتو) ويمثل هذا الحدث في المسيحية صعود (المسيح) إلى السماء بعد قيامته في اليوم الثالث من بعد موته واجتماعه بتلاميذه، وإذ ما تعمقنا أكثر في ألاهوت المسيحي وتحديدا في فكرة (الثالوث الأقدس – باسم الأب والابن والروح القدس) فان في (الميثولوجيا الآشورية) يقابل ( أيا – إله البحار والد مردوخ – آشور) و( آنو – إله السماء) و( إنليل – إله الجو والأرض )، ومن ثم لو أخذنا فكرة (المعمودية) في المسيحية والتي مغزاها هو غسل الخطايا الموروثة عن طريق رش الماء على الجسد؛ وهذا الطقس المسيحي هو موجود ضمن طقوس الاحتفالات بعيد (أكيتو) حيث يقوم الشعب برش الماء على طريق الإله (مردوخ – آشور) ، كم يقوموا برش الماء على بعضهم لغسل خطاياهم قبل استقبال الإله (مردوخ – آشور) بعد أسره من قبل إلهة الموت (أرشكيغال)، وفي المقابل نجد بان القديس (يوحنا المعمدان) أثناء غسل الخطاة بماء نهر (الأردن) يقول: (( توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات – متى:2:3)) وما يزال (الآشوريون) يحتفلون بهذا العيد إلى يومنا هذا؛ وذلك برش الماء على بعضهم وعلى الطرقات، وله أيضا طقوس خاصة في الكنائس الشرقية وتحديدا في طقوس (كنيسة المشرق الآشورية) ويعرف بعيد (نوسرديل).
وبكل هذه التشابهات في الطقوس بين (الميثولوجيا الآشورية) و(الديانة المسيحية) وغيرها من المعتقدات – يصعب حصرها في اسطر هنا – هو الأمر الذي جعل (الآشوريون) إن يكونوا من أوائل الشعوب التي اعتنقت (الديانة المسيحية) بعد ظهورها؛ وذلك بعد إن وجدوا الكثير من أوجه التشابه بين معتقداتهم الدينية القديمة وبين الدين الجديد الذي اخذ القديس (بطرس) بالتبشير بتعاليمه المسيحية اثر زيارته لمدينة بابل (الآشورية) كما ورد في الكتاب المقدس رسالة القديس (بطرس الأولى – 5:13).
وبعد دخول (الآشوريون) في (الديانة المسيحية) تخلوا عن طقوس (أكيتو) ولكن ظلوا محتفظين بالكثير من تلك العادات والتقاليد التي أورثوها جيلا بعد جيل وبقوا يعتبرون الأول من شهر (نيسان) شهر الانبعاث والتجدد بالمعنى الذي كان قائم قبل المسيحية ولكن بشكل الذي يواكب متطلبات الحياة المعاصرة؛ ولذلك فان الكثير من هذا الموروث الحضاري ما زال (الآشوريون) يحافظون عليه ويزاولونه، فنرى في الأول من كل شهر (نيسان) يجمعون باقات من الزهور والأعشاب الخضراء ليتم تعليقه على مدخل أبواب بيوتهم في مطلع الصباح؛ كرمز لقدوم الربيع وانتعاش الحياة وتجدد الطبيعة ؛ وتسمى هذه الباقات بـ(دقنا دنيسان – لحية نيسان).
فما تركته حضارة الأمة (الآشورية) من الموروث الفكري.. والعلمي.. والأدبي.. والثقافي.. والفنون؛ شكل هذا تراث أرثا عظيما ضلت الأجيال الأمة (الآشورية) تفتخر به وتنقله عبر الأجيال بشتى أساليب بعد إن تم تخزينه في ذاكرة الأمة .


قراءة النص التراثي للفكر الآشوري تم قراءته قراءة معاصرة تواكب الحداثة من اجل توظيف مناهج حداثية من خلال قيم تراث الأمة و وفق أطر التفكير المنهجي والنقد الإبستيمولوجي


وقد برز التصور الميثيولوجي الفلسفي لعيد (اكيتو) رأس السنة (الآشورية) في تنوع محتواها الفكري والفلسفي والثقافي وثرائه من خلال فضاءها الإبداعي لأحداثها التاريخية ليكون أول نافذة فكرية وثقافية أغنت الفكر الإنساني ثقافية بمشاهد الإبداع المزدهر في الأدب (الآشوري) ليعرف على جوهر الهوية الثقافية الأصيلة للأمة (الآشورية) ليتم تواصل بين الماضي والحاضر من اجل صون التراث (الآشوري) بشكل مستمر ومتواصل؛ والذي يسرد قصةً الحضارة العريقة والإنجاز البشري ليروي تاريخ وتراث وثقافة الأمة (الآشورية) العريقة؛ ليفتح لنا نوافذ تأخذنا للمستقبل ألاستثمار كنوز الأمة من الأدب.. والفن.. والتراث.. والفكر والفلسفة.. والعلم.. والثقافة .
وحول ميثيولوجيا (الآشورية)؛ وميثولوجيا تعني ((علم الأساطير المتصلة بالآلهة وأنصاف الآلهة والأبطال الجغْرافيين عند شعب من الشعوب))، في قصة أعياد (اكيتوا) المتوارثة يأتي منبعها حين فطن (الآشوريون) القدامى على علم الفلك والتنجيم الذي أورثوه من أجدادهم البابليين حيث استطاعوا مراقبة النجوم والكواكب والإجرام السماوية وسجلوا كل الظواهر الطبيعية، وعلى ضوء ما أرخوه نظموا مواسم الزراعة وحددوا أنواع الحبوب التي تزرع في كل موسم بدقة متناهية فقسموا السنة الواحدة إلى اثني عشر شهر والشهر إلى سبعة أيام واليوم قسموه إلى ساعات وظل هذا التقسيم الفلكي ودورانه أساس لتقسيم الأزمنة إلى يومنا هذا، وعبر هذا التقسيم الدقيق وضعوا تواريخ وأسماء الأشهر في تقاويم السنة فسموا شهور السنة بأسماء الإلهة، فشهر (نيسان) جاء نسبة إلى (الإله نيسانو) وشهر (تموز) نسبة إلى (الإله تموز) وشهر (ايلول) نسبة إلى (الإله أنليل) وعلى نفس المنوال كنيت بقية الأشهر.
ومن هنا فان (الآشوريين) اتخذوا من بداية شهر نيسان كأول يوم من بداية السنة (الآشورية) الجديدة، واعتبروه يوم (رأس السنة الجديدة) وكبداية الخليقة، نسبة لربطهم ببدء موسم اعتدال الربيع وتساوي ساعات الليل مع النهار ونمو العشب والزرع وتكاثر الحيوانات، والذي أصبح فيما عيدا دينيا وقوميا ليس فحسب لـ(الآشوريين) بل لجميع ساكني حوض بيت النهرين (العراق) والذي أستمر لآلاف السنين والى يومنا هذا حيث يحتفل بهذا العيد الذي سمي بـ( أعياد اكيتو) كونه يستمر اثني عشر يوم لكل يوم طقسه الخاص .
ومن هنا ينبثق إدراكنا لقيمته احتفاؤنا بالتراث (اكيتو) كفكر أساسي من أفكار ومكونات حضارتنا، ودوره في تفعيل الإبداعي الأدبي والفني والفكري والفلسفي لاستثمار الثقافة وعناصرها في مجال الصناعات الإبداعية، بهدف تعزيز التنمية المستدامة ليس فحسب لمجتمعنا (الآشوري) بل للمجتمعات الحديثة؛ ليفتح الإبداعي كل الآفاق ولأنماط المبتكرة لتوظيف المواهب والإبداع والمعرفة بهدف خلق فرص إبداعية ومشاريع جديدة تفتح طاقات شبابية واعدة تعتز بهويتهم (الآشورية) وقيمتها؛ وهو ما يساهم في التنمية الاجتماعية القائمة على المعرفة والابتكار أهميته ودوره في تذليل على الصعوبات والتحديات التي تواجهها الأمة (الآشورية)
لان تراثنا هو أساس نهضتنا وحضارتنا ومسيرتنا وعلى الأجيال الجديدة من أبناء امتنا (الآشورية) إكمال المسيرة التي بدأتها امتنا من اجل صونه بشكل مستمر ولابد من دعم كل الجهود المبذولة لاغتنائه فكريا وثقافيا وإبداعيا و في هذا المجال ليكونوا جزءاً فاعلاً في الحفاظ عليه من خلال إدراك أهمية دورهم في تدوين وحفظ التراث وتوسيع آفاقهم لاستثمار أي فرص جديدة واعدة تكمن بين طيات تراثنا الغني، واستلهام عناصره المختلفة في حياتهم اليومية وفي مختلف مجالات الإبداع.
ومن خلال العقود الأخيرة الماضية احتلت محاولة استقراء التراث (الآشوري) حيزا مهما في (الفكري الآشوري المعاصر) ومن خلال مقاربات مختلفة, ولقد قدم بعض المفكرين والناشطين القومين من أبناء امتنا (الآشورية) أطروحات جادة في مجال أغناء التراث عبر التجديد والحداثة والمعاصرة وقراءة النص التراثي قراءة معاصرة تواكب الحداثة من اجل توظيف مناهج حداثية من خلال قيم تراث الأمة و وفق أطر التفكير المنهجي والنقد (الإبستيمولوجي)، و(الإبستيمولوجي) كما جاء في معجم ( لالاند) على ((انها الدراسات والأبحاث التي تتناول المعرفة البشرية))، مع الانفتاح في تحليل التراث على الكثير من مقاربات ونتائج العلوم الإنسانية كالتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع و(اللغة الآشورية) من اجل تحقيق بدايات جديدة لفكر نقدي (آشوري) يواكب تطلعات وبما نطمح إليها ليكون مجتمعنا مجتمع محب للعلم والمعرفة.
لان التراث في الفكر (الآشوري) اخذ في المجتمع (الآشوري) مكانة هامة لما تقتضيه هذه المسألة الفكرية والمعرفية من أهمية في الفكر والعقل (الآشوري) وفي الواقع الثقافي ليتم تعزيز موقعنا الاجتماعي وعلاقتها بالآخر الحضاري؛ وخاصة إن امتنا (الآشورية) اليوم أمام تحديات المعاصرة.. والحداثة.. ومن خلال ظاهرة العولمة واستتباعاتها الثقافية و الحضارية، وهوس المفكرين والمثقفين (الآشوريين) بذلك.
وفي هذا السياق فان المثقفين (الأمة الآشورية) يحاولوا الوقوف على أعمال الفكرية المعاصرة وفي أفق تاريخي لبناء ممكنات مواكبة الحداثة والتحديث في أسلوب الحياة وتعاملهم مع التراث لكي لا يختلفان في كيفية مواجهة هذه الإشكالية وهذا الأمر يتطلب إلى المزيد من التفكير في وظيفة الفكر في التاريخ لدفاع عن التراث وتأصيله، انطلاقا من الدفاع عن الفكر التراث للأمة (الآشورية) والنزعة التاريخية من اجل استيعاب ما هو متاح للبشرية جمعاء باعتباره الخطوة الضرورية لتجاوز التخلف التاريخي والدعوة إلى الانخراط الفكري، في تاريخ لم نصنعه، لكننا مطالبون باستيعابه، لنتمكن من غرس وبناء قيم الحداثة الفعلية بدلا من الاكتفاء بالنسخ المقلد الذي يجعلنا معاصرين في الظاهر دون أن يتمكن وعينا وعقلنا من إدراك المسافات الكبيرة التي تفصلنا عن الحداثة الفعلية.
لان اخطر ما يهدد تراثنا بالأُفول والانقراض هو الجهل بقيمته الفكرية وبذخائره ولا بد لنا من أن ننظر وننعم النظر في الأخطار المحدقة ونحاول – بقدر المستطاع – تطويقها حتى لا يَستشري الداء ويتسعَ الخرق ويتعمقَ التخلف في مجتمعنا وعليه لابد أن ننطلق من الإيمان الصادق بأننا حقًّا أمة الحضارة والتراث، وأن هذا التراث ينطوي على حوافز لا تبلى وكنوز لا تفنى؛ لان التراث هو إحياء الماضي لاحتواه من أصالة وإبداع.
لان من أهم سمات التراث (الآشوري) أنّه تراث فكري.. وأدب.. وعلمي.. وفني؛ ينتمي إلى ثقافة الأُمة(الآشورية) هذه الثقافة التي يرفدها الوعي التاريخي والوعي بالتُّراث الحضارة (الآشورية) الذي تمتلكه الأمة ومدى استشرافها لمستقبلها.
فتراثنـــا (الآشوري) هـــو مجموعـــة مـــن القـــيم والمثـــل ومن الأعمـــال والمضـــامين والأشـكال الـتي وصـلت إلينـا عـبر القـرون لتكـون خلفيتنـا وحالنـا وكثـيرا مســتقبلنا فهــو ذاكــرة الأمــة (الآشورية) ورؤيــة الإنســان (الآشوري) للواقــع والكون والمستقبل؛ وعلى هذا يكـون الـتراث هـو كـل مـا هـو حاضـر فينـا أو معنـا مـن الماضـي سـواء ماضـينا أم ماضــي غيرنــا القريـب منـه أو البعيـد وهــذا التعريـف للـتراث عـام، (( فهـو يشـمل الـتراث المعنـوي مـن سـلوك وفكـر، والـتراث المـادي كالآثـار وغيرهـا، ويشـمل الـتراث القـومي مـا هـو حاضـر فينـا مـن ماضـينا؛ والـتراث الإنسـاني مـا هـو حاضـر فينـا مـن ماضـي غيرنـا، كمـا يـربط تـراث الماضي بالحاضـر مباشـرة، فلـيس الـتراث مـا ينتمـي إلى الماضـي البعيـد وحسـب، بل هو أيضا ما ينتمـي إلى الماضـي القريـب، والماضـي القريـب متصـل بالحاضـر والحاضر مجاله فهو نقطة اتصال الماضي بالمستقبل)).


الفكر والعلم والفن والأدب والتراث الآشورية مكونات لكيان الحضارة والتراث الوطني الآشوري


لان (تاريخ الحضارة الآشورية) وهو تاريخ عريق لأمة عريقة انطلق فكر هذه الأمة بتاريخها من خلال تطور الأمة (الآشورية) عبر ألازمنه وتفاعلت مع الحوادث والظروف وعبر تجارب وأحداث حية لتنسج حولها تعبيرات متنوعة متجددة مع تجدد الزمن، فهي إبداع وخلق وتجدد دائم، وهذا ما كان يعطيها نشاط و قوة ويضمن استمرار حيويتها وتكاملها على ضوء تجاربها بين الماضي والحاضر لبناء مستقبلها ولتخلق للحياة معنى جديدا لحاضرها ولمستقبلها. فهي بهذا المفهوم والمعنى تخلق المستقبل وتخلق الماضي نفسه وعلى ضوء معطيات حاضرها، وهذا الفعل هو الذي بلور لدى (الآشوريين) قيم (الفكر القومي الآشوري)، هذا الفكر الذي وحد كل عناصر الهوية القومية، من العرق و اللغة والأرض والتراث والعادات والتقاليد والقيم والعلوم والثقافة وكل ما هو مشترك يتقاسمها شعب واحد، والتي أسهمت في صنع هذه القومية والتي تداخلت فيها هذه المقومات لبناء التاريخ، وهذا التاريخ هو الذي جعل الإنسان الأشوري متصلا بجذوره وأصوله وأجداده بكون الإنسان الأشوري الحاضر هو امتداد لذلك التاريخ ولتلك الحضارة، الحضارة (الآشورية) العريقة.
فالأمة (الآشورية)، أمة لها فكر ولغة وتراث وفن وآثار و وجود، والأمة الحية هي الأمة التي تعتز بتراثها وآثارها وبعلومها وفنونها، باعتبار أن اللغة والفكر والتراث والآثار والعلوم والفنون بالمجمل يشكل جزءا أساسيا من هوية الأمة، تاريخا وحضارة، وهذه الهوية هي التي تكشف وتوثق أصالتها وعراقتها بتدوين التاريخ وتوثيقه كما فعلها أجدادنا (الآشوريين) قبل سبعة ألاف سنة وبكل وضوح وصدق، سواء عبر الألواح الطينية أو عبر تجسيم الإحداث بمئات الآلاف المنحوتات الفنية الراقية، مما تم اكتشافها – وبمثيلها وربما أكثر بكثير مما لم يكتشف عنها البعد – والتي ما زالت إلى يومنا هذا شاخصة إمام أنظارنا وأنظار العالم التي تتواجد في ارقي متاحف العالم لأبرز ما مر بالأمة (الآشورية) من أحداث، لتشكل خير وثيقة عهد والاتصال وهمزة وصل بين الأجيال السابقة والأجيال الحالية والأجيال القادمة لكي يتم الحفاظ على هوية الأمة، الأمة (الآشورية)، هذه الأمة التي تميزت عن غيرها من الأمم بالشواهد الحية التي تجعل من أبنائها يعتزون كل الاعتزاز ويفتخرون كل الافتخار متمسكين بجذورهم و بتاريخهم وبتراثهم وآثارهم وعلومهم وفنونهم والتي أرقى ما تتميز بها الأمة (الآشورية).
ولما كان الفكر والعلم والفن والأدب والتراث (الآشورية) مكونات لكيان الحضارة والتراث الوطني (الآشورية)، فجل ذلك يمثل غير شاهد بما قدموه أجدادنا (الآشوريين) من إسهامات في تأسيس هذا الكيان الذي هو مصدر الاعتزاز والفخر (الآشوريين) بما يقدمه من التحضر والثقافة والتطور التي هي ركائز هوية الحضارة وعنوان لثقافة الأمة (الآشورية) في تاريخها وحاضرها، لذلك نجد هوية امتنا (الآشورية) هي على الدوام ملهمة لتراث الثقافي العالمي و لكل الأمم، بل نجدها مصدر للإبداع المعاصرين من الأدباء والفنانين والشعراء والمفكرين والفلاسفة يؤخذون من فنون وعلوم وتراث (الآشوريين) مصدرا موحيا لخلق إعمال تحاكي ما أنجزوه وما تركوه أجدادنا (الآشوريين) قبل سبعة ألاف سنة من إعمال فكرية وفنيه وانجازات رائعة والتي بمجملها تحولت اليوم إلى تراث عالمي والتي كحاصل تحصيل تربط حاضر الأمة (الآشورية) بماضيها الخالد لتأخذ الإبداعات الجديدة التي يبتكرها المبدعون المعاصرون مواقعها في خارطة التراث الثقافي العالمي والذي يحسب على رقي امتنا (الآشورية) ومدى ازدهار حضارتها وعلى كل مستويات الحياة الثقافية والعلمية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن هنا فان تراث الثقافي والأدبي والفني والعلمي (الآشوري) بكل معالمه وصروحه وأثاره تجاوزا تأثيره المادي، من الكتابات الجدارية.. والرقم الطينية.. وتماثيل الحجرية الضخمة.. وأواني.. وحلى.. وصروح معمارية.. ونقوش.. وغيرها إلى تأثير غير المادي فلكلوري من أغاني.. ورقص.. وملابس.. وقصص.. وأساطير.. وحرف توارثتها الأمة (الآشورية) عبر الأجيال لتعبير عن نبض و روح حياتها وثقافة الأمة وهويتها، هذه الهوية التي تتغذى بهذا التراث والذي يرتبط مقوماته في عقل ووعي الأمة (الآشورية) حضاريا وتاريخيا وسياسيا ودينيا على حد سواء، ومن هنا فان تعلق الإنسان (الآشوري) في كل مراحل التاريخ يأتي بما اختزنه من ذلك الماضي ومن تراثه، ثقافة وفكرا علميا وفلسفة وأدبا وفنا، والتي هي بمجملها تمثل هوية القومية للأمة لارتباطها الشديد بالوعي الغريزي للفرد، لان الفهم السياسي لمفهوم (القومية) يرتبط بالمفهوم (الأمة)، من حيث الانتماء، وهنا نحن نحدد ما يخص تحديدا (الأمة الآشورية)، فالقومية باعتبارها إدراك وإحساس وشعور بالانتماء إلى كل ما هو مشترك في التراث والى كل ما هو متضامن بين مجمل مكونات الأمة من أجل تحقيق وحدتها – والتراث المشترك هنا يشمل اللغة والثقافة والدين والاعتقاد بالأصل الواحد – لتأتي القومية بفهمها إيديولوجي قوامه الشعور بان أبناء الأمة لهم كيانهم الذاتي وتطلعات بحقهم في تقرير المصير وتنظيم كيانهم القومي تنظيما اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا مما يحقق لهم تكوين شخصيتهم القومية المستقلة.
ومن هنا يأتي اعتزاز الفرد (الآشوري) بهوية الأمة وتراثها باعتبار هذا التراث هو الجذر الذي يؤرخ أمجاد الأمة ويغذي حاضرها، ليأتي تقيمه بهذا المعنى، اتخاذ كل ما يلزم لحماية هذا التراث ونقل معانيه إلى المجتمع (الآشوري) ليضمن نهضة الأمة، نهضة وعلى كل المستويات مرفقة بأهمية مكونات التراث (الآشوري) باعتباره حيا حاضرا يحفزهم ثقة وعزما لمواجه المستقبل.
ولما كان التراث يمثل باعتباره محاورة الفرد مع الطبيعة عبر تراكم الخبرة بنقل تجاربه من الماضي إلى حاضره ليتوجه نحو المستقبل، فبقدر كونه يمثل ذاكرة الفرد والمجتمع، فانه كحاصل تحصيل يمثل هويته التي بها يتعرف الناس على هذا الشعب، لان عبر تراكم التراث، وبشتى قيمه الاجتماعية والثقافية والعلمية يكون مصدرا ثقافيا و تربويا وفنيا وعلميا، وبتراكم المعلومات تكون وجه الحضارة والتي كحاصل تحصيل لهذه الجدلية المنطقية تتكون ذاكرة الأمة.


الاحتفال بالعيد رأس السنة الآشورية – اكيتو ما هو إلا التزاما قوميا لتأكيد على هوية الأمة الآشورية


وما الاحتفال بعيد (الاكيتو) عيد رأس السنة (الآشورية) إلا جزء من هذه (الذاكرة) ومن قلب التراث الأشوري القديم ليكون الاحتفال بهذا اليوم في الأول من نيسان كل عام إرثا قوميا و وطنيا، حافظ (الآشوريين) على إحياءه منذ أكثر من سبعة ألاف سنة والى يومنا هذا، رغم إن الاحتفال بطقوسه اتخذ عبر مراحل الزمن أشكالا متنوعة و متجددة تتناسب مع تطورات وتغيرات العصر، ولكن ضلوا محافظين على إحياءه عبر الأجيال ليتخذ منه (الآشوريين) باعتباره عيدا قوميا ووطنيا للأمة (الآشورية) المتشتتين اليوم في كل أنحاء المعمورة، ولتصاعد الوعي القومي لأشوريين أينما وجدوا أصبح الاحتفال بالعيد رأس السنة (الآشورية – اكيتوا) التزاما قوميا لتأكيد على هوية الأمة، والتي هي ضمنا، ما هي إلا صلة اجتماعية عاطفية تنشا من خلال فهم الاشتراك في الأهداف والمصير، وبكون إفراد الشعب الأشوري يرتبطون بعضهم بالبعض بوحدة الأصل والتاريخ والأرض و اللغة و العادات من جراء الاشتراك في مصير مشترك والتي بمجمل هذه الصفات والخصائص والمميزات الفت ما بين (الآشوريين) وكونت منهم (أمة) في وحدة اللغة والثقافة والتاريخ و الآلام والنضال، وبذلك توضع مصالح القومية فوق مصالح أين كان نوعها، ومن هنا فان الفكر القومي يحيا عبر التزام بتنفيذ والعمل والمراجعة انطلاقا بالعودة إلى رموز الفكر القومي واستخلاص ما هو مفيد لوحدة الأمة وجمعها بما يضمن كل ما من شانه يعزز تقدمها وازدهارها وعلى جميع الأصعدة .
وما رمز الاحتفال ببداية العام (الآشوري) الجديد في الأول من نيسان إلا امتدادا لهذا التفكير ومن اجل المحافظة على التراث والتاريخ، رموزه ودلالاته، لنقترب من جذورنا (الآشورية) العريقة والضاربة في عمق التاريخ أكثر وأكثر، لذا فان عيد (رأس السنة الآشورية –الاكيتو)، يمثل رمز من رموز وجودنا القومي.
ومن خلال هذه الجدلية يتم تعبير علاقة الإنسان بالسماء وعلاقته بالأرض ومن عليها وما عليها؛ إنه لا يكتفي بتنظـيم علاقــة الإنســان بربــه فحســب، بــل يســعى إلى تنظــيم حيــاة الأفــراد الخاصــة بالمثل الإنسانية العليـا الـتي هـي ويربطها بحياة العامة، ويربط الحياتين معا تــراث البشــرية جمعــاء كما هي الصورة في (مثيولوجيا اكيتو الآشورية) ، وبــذلك تتــداخل كــل هــذه العلاقــات وتتشــابك بحيــث يصـبح الواقـع صـورة للمـآل والمثـال تعبـيرا واقـعيا وأضـحت (الحضـارة الآشورية) شـاملة تجمـع كـل تـراث البشـرية الروحـي وتوجهـه لخدمـة الحيـاة لتبـني الفرد المؤمن بربه المتعاطف مع أخيه الإنسان العامل لخير نفسه وخير مواطنيـه ومجتمعه وخير الإنسانية جمعاء لإننا في أمس الحاجة إلى تأكيد الاعتـزاز بـتراث أمتنـا( الآشورية) وماضـيها؛ لأن مـن لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له؛ ذلك لأن بناء الحاضر في سـبيل المسـتقبل، لان طريق التطور الحضاري والتقـدم الحقيقـي يكـون ببعـث الماضـي وتجديـده وبـث الحيويـة فيـه؛ ثم وصله بأسباب الحياة لأن شخصية الأمة مبنيـة علـى أساسـه؛ ولا يمكـن بعـث الماضـي حيـا دون تغيـير شـامل في جوانبـه بتغذيتـه بروافـد الحاضـر وشـق قنواته وإزالـة رواسـب الـزمن عـن مجاريـه حـتى يكتسـب الخصـب وتقـوم علـى تربتـه الحياة من جديد
ولهذه الأسباب ما جعل الغرب والى يومنا هذا مغرما ومشغوفا بحضارة امتنا (الآشورية) في (بلاد ما بين النهرين) وعلى حضارة هذه البقعة التي اقتبست منها غالبية جوانب الثقافية الحديثة.
وقد عرف (بلاد آشور – بلاد الرافدين – العراق الحالي) مهدا للحضارات الإنسانية الأولى، التي أسهمت بفاعلية في نهوض الحضارات الإنسانية، لعل من أهمها الكتابة التي ظهرت على يد (السومريين).
وكان للإنتاج الفكري الغزير في بلاد الرافدين الأثر المباشر في إنشاء العديد من المكتبات وأشهرها مكتبة (آشور بانيبال (668 – 626 ق. م) التي ذكرناها في هذا السياق ؛ والتي كانت تحوي آلاف الرقم الطينية الموجودة محتوياتها من الألواح الطينية كاملة حتى الآن، معطية معلومات وافية عن تاريخ المكتبات في العراق القديم والتي تجمع وتنظم وتيسر الإفادة من هذا الإنتاج في الحقب القديمة وفيما يتعلق بالتاريخ الحضاري (الآشورية) وما فيها من نصوصاً تضمنت الأدب والقوانين والميثولوجيا والفلك والتاريخ.


عيد اكيتو أول إنتاج إبستيمولوجي في تاريخ البشرية


وأسطورة (اكيتو) ومراسم طقوسها تجمع بين الأسطورة والتاريخ وبين الواقع وعالم الغيب، وهو إنتاج (إبستيمولوجية)، لان (ابستمولوجية) – كما ذكرنا سابقا – بكونها ((دراسات وأبحاث التي تتناول المعرفة البشرية))، لمفهوم ظهر في الفكر الإنساني منذ أول يوم علم فيه أنه إنسان فان ولا حظ له في الخلود الأبدي وقد أبدعت المخيلة (الآشورية) في ابتكار مفاهيم وتصورات خاصة عن تحديد يوم الرأس السنة (الآشورية) في قصة بداية تجديد دورة الحياة في الأول من نيسان حيث موسم تجديد الطبيعة ونمو عشب الأرض واخضرارها والنعيم المثالي برفقة الآلهة وملك (آشور)؛ وقد كان طقوس اكيتو تحاور مختلف القضايا اللاهوتية والفلسفية التي تتعلق بمفهوم الخلد والكشف عن بعض مكامن الغموض التي ترتبط بهذا المفهوم وباتجاه الموت وما بعده لهذا نجد بان أبرزت الأفكار والمعتقدات المرتبطة بعالم ما بعد الموت.. وفكرة البعث.. والجزاء.. والعقاب؛ التي كانت سائدة في فكر بلاد الرافدين القديم .
حيث تتناول طقوس (اكيتو) التي تبدأ من بداية موسم اعتدال الطقس في واحد وعشرين من (آذار) وتستمر لغاية الأول من (نيسان) حيث تختم فعالية بمهرجان احتفالي ببداية السنة (الآشورية).
فالتصور الميثولوجي الفلسفي لأسطورة (اكيتو) تنطلق من فكرة الحساب والثواب لدى سكان بلاد الرافدين لان في اعتقادهم بان الغاية من وجود العالم السفلي في معتقدات تلك الأزمنة هو ليكون مستقرا أخيرا للأرواح بعد الموت، ولم تكن لديهم أدلة كافية تثبت تعرض الروح لحساب يؤدي بها إلى الثواب أو العقاب، هذا مع العلم أن العالم السفلي كان مليئا بالآلهة التي تستقبل الأرواح وتقودها إلى مكانها المخصص لاستقرارها النهائي.
وهنا سنذكر بعض الأمثلة عن ذلك من تاريخ حضارة وادي الرافدين.
حيث يذكر الباحث الاثاري (صمويل كريمر) عن وجود حساب للأموات في العالم السفلي وذلك في إشارة وردت في لوح طين وجد ضمن الألواح الطينية المكتشفة في مكتبة (آشور بانيبال) إذ يحوي هذا اللوح قصيدة كتبها شخص يدعى (لودنكرا يرثي) فيها أباه المدعو (انانا (فيشير إلى نزول الإلهين (شماش ـ وإنانا) إلى العالم السفلي بطريقة توحي بقيامهما بتقرير مصير الموتى فيه، وفيما يلي نص القصيدة:
((... يا نانا عسى أن تسر روحك ويستقر قلبك
عسى الإله أوتو سيد العالم السفلي العظيم، بعد أن ينور الأماكن المظلمة، أن يحكم قضيتك بعطف
عسى الإله نانا أن يقرر مصيرك برحمته في يوم النوم
عسى الموكلون بالطعام أن ينادوا اسمك
عسى السقاة أن يرووا ظمأك بالماء المنعش
عسى نيدوا وإبتانا أن يكونا شفيعيك
عسى آلهة العالم الأسفل أن يرفعوا الدعوات لك
عسى أن يقول إلهك (الشخصي) كفى، عسى أن يقرر مصيرك برحمته
عسى أن يغفر إثم العائلة من الحساب
عسى الأرواح الصالحة أن يحموك
عسى ألا تنقطع الجعة والشراب وكل الأشياء الطيبة عنك )).
وهذا أيضا ما يمكن أن نستشفه من الحوار الذي دار بين البطل(أوتنابشتيم) و(جلجامش) في ملحمة (جلجامش) حين قصده ليسأله عن سر حصوله على الخلود الأبدي على الرغم من أنه من البشر الفانين فقال:
((... إن الموت قاس لا يرحم
هل بنينا بيتا يقوم إلى الأبد؟
وهل ختمنا عهدا يدوم إلى الأبد؟
وهل يقسم الإخوة ميراثهم ليبقى إلى آخر الدهر؟
وهل يرتفع النهر ويأتي بالفيضان على الدوام...)).
إذن من خلال ما سبق يتبين أن سكان بلاد الرافدين القدامى كانوا يعتقدون بحياة أخرى بعد الموت وحصول ثواب للموتى في العالم الآخر، خلافا لمن أنكر ذلك من العلماء – مع الاعتراف بمدى الغموض الذي يلف هذا الموضوع – والدليل على ذلك ما كان يقوم به أهل الميت السومريين من عناية جيدة بدفن موتاهم وإرفاقهم بقوارب تحوي أواني فخارية مليئة بمتطلبات الحياة التي يحتاجها الميت في رحلته إلى العالم السفلي.
وقد كان للحكام وكبار الكهنة والشخصيات المهمة في المجتمع – آنذاك – مكانة مهمة يحتلونها في العالم السفلي بخلاف أرواح الموتى العاديين والذين كانوا بدورهم يقدمون الهدايا والقرابين للآلهة هناك كامتياز خاص كانوا يحظون به استمرارا لما كان لديهم من امتيازاتهم في عالم الأحياء.


الآشوريون يؤرخون تاريخهم من خلال الفهم الأنثروبولوجي


وبذلك يؤرخ (الآشوريون) تاريخهم من خلال الفهم (الأنثروبولوجي) الذي يرتبط بحوثه في مجالات التاريخ.. والأدب.. والعلم الطبيعي.. وعلم الاجتماع لدراسة الإنسان.. وطريقة التي يتنبأ بمستقبله.
ومن خلال علم (الأنثروبولوجيا) نتعمق فيما تم تدوينه في الرقم الطينية أو من خلال ما كتب على المنحوتات الحجرية بأنها وثائق في بناء معلومات التاريخ بكونها مستودع لخزين الذي ينطلق منه أولى أدوات البحث في التاريخ وبناء النص التاريخي والذي في مجمله يكون عنصر من أهم عناصر الثقافة القومية للأمة (الآشورية)، لان (الأنثروبولوجيا) كفهم يرتبط بحثه في مجال (العلوم الإنسانية) و(العلوم الطبيعية) باعتباره (من أشد العلوم الإنسانية طبيعة علمية، وأشد العلوم الطبيعية إنسانية)، لأنه علم يسلط الضوء على قضايا كان المؤرخ التقليدي لا يعير الاهتمام بطبيعة مواضيع العلاقات العائلية والاجتماعية للأسرة والقرابة و المحرمات والقانون و الأمن والعادات و التغذية و اللباس و الطقوس والشعائر الدينية والاحتفالية إلى أخره، غير إن البحث (الأنثروبولوجيا) توجه باهتمامه بكل ما يحيط بالإنسان ويمارسه ويفهمه لذلك اهتم بدراسة التاريخ والأدب وعلم الطبيعي وعلم الاجتماع بهدف دارسة الإنسان وطريقة تنبؤه بمستقبله، لذلك يكون الفهم لنص التاريخي من خلال الطرح (الأنثروبولوجيا) توضيحا لحقيقة واقع وحضارة الأمة (الآشورية) ووجودها وكعنصر من عناصر الذي يغذي الثقافة القومي والهوية للأمة (الآشورية)، لان الشعور القومي والانتماء إلى (الآشورية) هو الذي يستمد منه الإنسان (الآشوري) أحساسة بالانتماء والهوية، وهو الإحساس الذي يشعره بأنه ليس كائن مجهول الهوية ونكره، بل يعيش بإحساس الشراكة مع عدد من إفراد يرتبط بعضهم بالبعض بمعطيات مشتركة في وحدة المصير والهداف، وبقدر نضوج وتطور الوعي بمفهوم القومية (الآشورية) بقدر ما تعزز لديه شعورا بالانتماء إلى امة (الآشورية)، وفي حالة وجود خلل في هذا الشعور ولأسباب داخلية وخارجية يولد لدى هذا الإنسان بما نسميه بأزمة الهوية، كما ولدت عند بعض أبناء امتنا (الآشورية) وضلوا الطريق نتيجة (أزمة الوعي) والتي إن استمرت هذه الشريحة بالذات بتماديها على أصولهم (الآشورية) ستؤدي بهم الحال إلى ضياع هويتهم وليس هوية الأمة (الآشورية)؛ لان هناك الملايين من يحمل الهوية (الآشورية) وهم معتزون بها ويعملون كل ما في وسعهم لرفع شانها بين الأمم، لان تاريخها وما هو مؤرخ وموثق في كتب ودراسات تعد بملاين الكتب والمجلدات والوثائق موجودة في أرقى مكتبات العالم وجامعاتها وان أثارهم الخالدة موجودة أيضا في أرقى متاحف العالم، لان (تاريخ الآشوريين) وحضارتهم هو في العمق لا يمكن مسح ذلك بشحطة قلم من قبل مزوري التاريخ، فالهوية في بنية الشعب الواحد أو الأمة الواحدة يعود إلى التاريخ، لان من التاريخ نستمد التربية والأخلاق والمعرفة بكونه مصدر لشحذ لأفكار والاستدلال والهمم، وهي من أهم عوامل تقوية وتوحيد وتفعيل مقدرات الأمة في أي حراك أكان سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو علميا لاستكمال بناء مؤوسساتها من اجل وحدتها ونهضتها .
وهذا ما يبدو واضحا من طقوس (اكيتو) واحتفالات برأس السنة (الآشورية)، ولهذا فان مكامن أهمية الاحتفاء ببداية العام (الآشوري) انطلاقا من الموروث المتناهي في القدم والذي يأتي منسجما مع معاني الحياة والتجدد في الطبيعة التي كانت متميزة في بلاد مابين النهرين كونها طبيعة زراعية غنية بمحاصيلها وثروتها الحيوانية، وشعبها يعتمد أساسا على الزراعة ولان وحسب معرفتهم في حركة النجوم والأقمار ودوران الأرض فقد وجدوا عبر تراكم خبراتهم ومراقبة كل ما يدور حولهم من مظاهر الطبيعة بان في ( الأول من نيسان ) هو اليوم الذي يتعادل النهار مع الليل، فيعود الطقس باعتدال الموسم في الربيع ونمو العشب والزرع وتتكاثر الحيوانات والطيور الداجنة كرمز لبدأ الخليقة في شهر نيسان، ومن هنا فان احتفالنا بهذا اليوم لها الكثير من الرموز والمدلولات التاريخية والتراثية وقيم العقائدية السامية، فبعد إن قاموا بتسجيل كل الظواهر الطبيعية التي كانوا يلاحظونها ويراقبونها ويسجون ملاحظاتهم في أوقات حدوثها فتكونت لديهم مخزون من معلومات استطاعوا فيما بعد إن ينظمونها في علوم حسابية دقيقة، وعلى ضوء ذلك حددوا مواسم لبدا الزراعة بعد إن قسموا أيام السنة إلى فصول وشهور وأيام وحتى الساعات – والتي اليوم يعتمد علم الفلك على هذا التقسيم – فكان (الآشوريون) هم السباقين في تسمية الشهور وما زالت كثير من تلك الأسماء متداولة إلى يومنا هذا في تسمية الشهور في اللغات الشرقية كشهر (نيسان) الذي كان (الآشوريون) يطلقون عليه اسم (نيسان) وشهر (تموز) كان (الآشوريون) يسمونه تيمنا باله (تموز)، وهكذا دواليك ليتم تحديد الأول من نيسان بداية لرأس السنة (الآشورية) وبداية الخليقة؛ التي يرتبط هذا التحديد ببدء موسم اعتدال الربيع ونمو العشب والزرع وتكاثر الحيوانات، فاتخذوا من هذا اليوم رمزا قوميا يحتفلون به باعتباره عيداً قوميا ودينيا يجمع كل إفراد ألساكنين تحت سلطة (ملوك آشور) في بيت النهرين للاحتفال بهذا اليوم وكان يستمر الاحتفال اثني عشر يوما يبدأ من 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان وفق طقوس معينه لكل يوم طقسه الخاص، وكان الملك (الآشوري) هو الذي يعلن بدا الاحتفال إمام الشعب، وقد تأثر اغلب شعوب الشرقية بهذه الاحتفالات وخاصة بعد إن تمددت الدولة (الآشورية) لتشمل إمبراطوريتها نحو الاتجاهات المحيطة بمركز حكمهم في (بلاد آشور – بلاد الرافدين) في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وعلى ضوء ذلك سموا (ملوك آشور – ملوك الجهات الأربع)، وهكذا كان تأثير الاحتفال بطقوس بداية الربيع والسنة (الآشورية) لدى شعوب المنطقة والأقوام الأخرى المتعايشة فيها شديد التأثير، لأنهم كانوا أيضا يشاركون في احتفالات مع أبناء الشعب (الآشوري)، وهكذا ضلوا محتفظين في ذاكرتهم التراثية بشعائر هذا اليوم، فاتخذوا منه رمزا دينيا وقوميا أيضا وتيمنا بما كان (الآشوريين) يمارسون من طقوس ويحتفلون بقدومه كل عام وفي كل مدن التي كانت تقع تحت حكم الإمبراطورية (الآشورية) و تحت مسميات أخرى.


طقوس احتفالات بعيد اكيتو بداية الربيع والسنة الآشورية


اليوم الأول
ففي اليوم الأول؛ يقوم الملك بالتجوال حول معبد الذي يتواجد فيه تمثال (الإله آشور) فيدخل ويغطيه بـ(قش الشعير والحنطة) للتعبير عن شكره لما جناه شعبه من خيرات المحاصيل الزراية وإثمارها الوفيرة.
وكذلك يخصص هذا اليوم لتطهير النفوس وإقامة طقوس الحزن وتطهير وتنظيف المعابد يقوم بأدائها الكاهن (الإيساغيلا)، و(الإيساغيلا) هو (بيت إله مردوخ - أشور) بمشاركة كهنة المعبد، ويرد عليهم أبناء الشعب بترانيم باكية تعبيرا عن خوف الإنسان من المجهول، بغية تطهير نفوسهم من الذنوب لطلب الغفران من الإله (مردوخ - أشور) راجيا إياه حماية الأرض .

اليوم الثاني
وفي اليوم الثاني؛ فكانت الصلاة المقامة تقدم المجد للإله المقدس (أشور) بإشراف كاهن الهيكل مع سلسلة الطقوس الدينية والسحرية التي كانت تجري على يد كاهن بيت (الإيساغيلا) في الهيكل الخاص بالإله، وكان يبدأ بالتجوال حول الهيكل ثم يذهب كل صباح الاغتسال من مياه (دجلة والفرات) لتظهير وطلب الغفران من إله (مردوخ - آشور)، راجيا إياه حماية مدن (آشور)عبر تقديم الصلوات والابتهالات ويقيم الصلوات وهم ساجدون باتجاه (القبلة) التي كانت باتجاه شروق الشمس حيث اعتبروا الشمس مركز الكون وينبوع الحياة على الأرض، وهذا الاتجاه للقبلة اتخذتها (كنيسة المشرق الآشورية) اتجاها لتمارس طقوسها الدينية إلى يومنا هذا عند الصلاة.
بينما الكاهن يصلي بصوت مرتفع وهو يدور حول الهيكل مرددا صلوات خاصة بينما الرعية تصغي إليه وتطلب مزيدا من البركات من اله (آشور)، وهذه الصورة ما زالت ماثلة بـ(الشكل) في طقوس الكنائس الشرقية، وأكثر من ذلك فإننا في كثر من تماثيل ومنحوتات (الآشورية) المكتشفة نجد في كم منها رسومات لعلامة الصليب – ورسم الصليب في (الشكل) اليوم يتخذه المؤمنين بالمسيحية رمزا أو علامة للمسيحية – ولكن لم يتم تحليل وتفسير هذا الرمز في المنحوتات (الآشورية) بشكل متعمق رغم إن يقننا بان المؤرخ (الآشوري) القديم قد يكون تطرق عليه ودون معلوماته على الرقم الطينية كما كان الحال في توثيق كل ما يدور حولهم وما كانوا يؤمنون به آنذاك، فيا ترى هل وجود علامة او الرمز (الصليب) في الآثار (الآشورية) له علاقة بإحداث (صلب المسيح وقيامته ….؟).
في وقت الذي لو قمنا بمقارنة عبر ملاحظات بسيطة بان موت المسيح و قيامته وتزامنه مع بداية أو (ولادة) الرأس السنة (الآشورية) التي هي كما قلنا بأنها تخليد لتجدد الحياة، كما تجدد الحياة بقيامة المسيح فهل هي محض مصادفة أم ماذا….؟
وهل الفكر الفلسفي (الآشوري) بمفهوم الموت والحياة وتجدد الحياة هو ذاته في الفكر المسيحي بموت وقيامة المسيح….؟ ربما في المستقبل وبما يتم اكتشافه من الألواح الطينية وتعمق الباحثين في الدراسة علم (الميثولوجي) و(الأنثروبولوجي) سيتمكنون من اكتشاف وتحليل كما فعل المفكر(فريدريك ديلليتش) حين تمكن فك رموز وقرأت سبع من الرقم الطينية مسلطا عليها الضوء بما أثار اكتشافه وتحليله ردود فعل واسعة في الأوساط الفكرية العالمية وخاصة اليهودية، حينما أوضح في محاضرة ألقاها في برلين عام 1902 وبحضور(القيصر فيلهيلم الثاني) بان جل قصص الموجودة في (التوراة)، الكتاب المقدس عند اليهود، مأخوذة من (بلاد أشور) حسب نصوص التي تم اطلاع عليها والتي وجدت مكتوبة على الرقم الطينية بما سبق ظهور الديانة اليهودية بما يقارب أكثر من أربعة ألاف سنة، وهذا ما اثأر حفيظة اليهود المتشدد آنذاك مما جندوا الكثير من علماء الآثار لبحث عن الرقم (الآشورية) من اجل تدميرها وتشويها لكي لا يكتشف بما لا يسرهم، ونحن نعلم حجم العداء الذي يقمنه اليهود ضد (الآشوريين) تاريخا لان الأشوريين هم من سبوا اليهود ولأكثر من مره وجلبوهم إلى بلاد الرافدين، وان إقامتهم في الدولة الأشورية لزمن ليس بالقصير لابد من ذلك إن يترك أثرا في سلوكياتهم ومعرفتهم وعلومهم متأثرين بهذا الشكل أو ذاك بعادات وتقاليد وعلوم ومعرفة (الآشوريين) فاخذوا منهم وتعلموا. وما حدث في مدينة (نينوى) حينما احتلها الإرهابيون لدولة الإسلام (داعشية) في عام 2014، وبكل إعمالهم الوحشية المغزية وبما ارتبكوا من جرائم لم يسلم منهم لا البشر ولا الحجر، فكانت أبشع جرائمهم تهجير (الآشوريين) سكان الأصليين لمدينة نينوى والعبث وتخريب وتدمير معالم المدينة وقيامهم بتدمير الآثار في أهم مواقع الآثار في مدينة (نمرود) إحدى أهم عواصم الإمبراطورية (الآشورية) القديم، وكذلك مدينة (الحضر) الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، هذا من جهة ومن جهة أخرى قيامهم بالتنقيب والبحث عن الآثار وتهريبها كما حدث تحت ضريح (نبي يونس) كما يسميه المسلمين، بينما يسميه المسيحيين (نبي يونان) ويقع الضريح على قمة تل (النبي يونس) شرقي مدينة (الموصل)، وهذا التل يعد واحدا من التلين اللذين يمثلان جزءا من مدينة نينوى الأثرية والتي يعود تاريخها لعصر الإمبراطورية (الآشورية)، وهناك قام الإرهابيون الدواعش بحفر إنفاق تحت الضريح للبحث عن الآثار الأشورية فتم اكتشاف كنوز لا تقدر بالثمن عن اثأر الأشورية حيث اكتشف قصر الملك الأشوري (سنحاريب)، وهو القصر الذي أجرى الملك (آسرحدون) للفترة من 681 إلى 669 قبل الميلاد عمليات تجديد وتوسيعٍ للقصر، وبعد ذلك أعاد الملك (آشوربانيبال) للفترة من 669 إلى 627 قبل الميلاد تجديده مرة أُخرى، وتعرض القصر لتدميرٍ جزئي أثناء سقوط مدينة نينوى في عام 612 قبل الميلاد، وقد قام الإرهابيون من أفراد تنظيم (داعش) الارهابي؛ بنهب مئات القطع الأثرية قبل أن تستعيد القوات العراقية زمام السيطرة على الجانب الشرقي من المدينة، ومما تركه الإرهابيون (الدواعش) بعد إن لم يتمكنوا من تهريبه، نقوشا وألواح طينية وحجرية عديدة تعود إلى عصر الإمبراطورية (الآشورية) في عام 672 قبل الميلاد، وهنا نسال كيف عرف هؤلاء الإرهابيون بوجود مكان قصر الملك (الآشوري) في وقت الذي عجزت عنه فرق البحث والتنقيب عن الآثار من اكتشاف هذا الموقع من قبل، ما لم تكن جهات (يهودية صهيونية – أمريكية) تقف خلف عملية تنقيب وتهريب ما تم اكتشافه، ولغاية التي ذكرناها هنا.........….!
في وقت الذي ما يؤكده علماء الآثار بان اثأر الحضارة (الآشورية) ما هو مكتشف منها، والى يومنا هذا، لا يمثل إلا جزءا بسيطا منها لان هناك الكثير من هذه الآثار و الرقم والألواح الطينية ما زالت غير مكتشفه ومخمورة في أعماق تربة أراضي العراقية، لإهمال حكومي مقصود سياسيا من قبل الدولة وأنظمتها المتعاقبة أو بفعل من جهات خارجية، وعدم مبالاة بهذا الإرث الحضاري لدولة ولتاريخ القديم لحضارة وادي الرافدين (العراق الحالي) الذي لا يقدر بثمن، والغريب في الأمر بان ما هو موجود من اثأر (الآشوريين)، اثأر العراق وتاريخه القديم، جله موجود في خارج (الدولة العراقية)، وهو أكثر بكثير مما هو موجود في متاحف (الدولة العراقية) في الداخل، فما هو مكتشف من هذه الألواح وجدت منها في مكتبة الملك (الآشورى) العظيم (آشور بنيبال)، بعد اكتشاف الموقع أو في مواقع متفرقة هنا وهناك وجاء اكتشافها اغلبها عن طريق صدفة ولم تتم عبر دراسة وتحليل أكاديمي وعلمي متعمق إلا ما ندر .

اليوم الثالث
في اليوم الثالث؛ وهو يوم للعمال والصناع حيث يتقدم الحرفيين من النجارين.. والصباغين.. والحدادين.. وصاغه الذهب؛ لعمل عربات.. وتماثي..ل ورموز أخرى لتحضير للاحتفالات.

اليوم الرابع
وفي اليوم الرابع؛ وبحضور الملك والشعب يقوم الكاهن الأعلى بقراءة سفر الخليقة للملك والشعب، والتي كانت تدور حول الإله مردوخ ( آشور في نينوى ) إله الحق والخير الذي يقسم (تيامات ) آلهة الشر في صراع بطولي وملحمي إلى نصفيين ليخلق منهما السماء والأرض وثم الإنسان وتبدأ الحياة والطبيعة على الأرض، بينما تقوم مجموعة من الكهنة بتقديم تفاصيل قصة الخليقة مجسديها بتمثيل خاص إمام الجميع وبعدها يعلن الكاهن ببدء السنة الجديدة.
حيث في مطلع الفجر تقام طقس على نحو الأيام السابقة لغاية المساء حيث يقرءا الكاهن الأكبر ( الشيشكالو ) ملحمة الخلق (إينوما إيليش - عندما في العلى) بتفاصيلها المؤثرة وبالنص الكامل، والتي تحكي ((عن بدء الكون وتكون الفصول وإتحاد قوة كافة الآلهة في الإله (مردوخ – آشور) بعد انتصاره على التنين (تيامات) وتعتبر تلاوة هذه الملحمة، تحضيرا لطقوس خضوع ملك بلاد (أشور) أمام (مردوخ – آشور)، ليتسلم الملك صولجانه من الكاهن الأكبر، ويذهب إلى مدينة ( بورسيبا ) حيث يعيش الإله ( نابو) أبن الإله (مردوخ – آشور)، حيث يقضي ليلة واحدة في ( أي زيدا) وهو معبد الإله ( نابو )، وفي الصباح يطلب مساعدة الإله ( نابو ) في مهمة تحرير أبيه الإله (مردوخ – آشور)، من أسره وأغلاله في عالم الظلام الكوني)). وفي هذا اليوم وبحضور الملك والشعب يقوم الكاهن الأعلى بقراءة سفر الخليقة للملك والشعب، والتي كانت تدور حول الإله مردوخ ( أشور في نينوى ) إله الحق والخير الذي يقسم (تيامات ) آلهة الشر في صراع بطولي وملحمي إلى نصفيين ليخلق منهما السماء والأرض وثم الإنسان وتبدأ الحياة والطبيعة على الأرض، بينما تقوم مجموعة من الكهنة بتقديم تفاصيل قصة الخليقة مجسديها بتمثيل خاص إمام الجميع وبعدها يعلن الكاهن ببدء السنة الجديدة.

اليوم الخامس
وفي اليوم الخامس من (اكيتو) .. يبدأ ومنذ مطلع الفجر حيث ينهض رئيس الكهنة ويتطهر بالماء المقدس من نهر (دجلة) و(الفرات) المحفوظ داخل المعبد، ثم يفتح أبواب المعبد لبقية الكهنة ليقوموا بتقديم وجبة الفطور لتمثالَي الإله (مردوخ – آشور)، وزوجته (صربانيتوم)، بعد تقديم الصلوات والقرابين يقوم الكهنة بحمل مشاعل ومحارق الطيب لتطييب وتطهير أجواء المعبد ، كذلك تجري طقوس تطهير المعبد بماء (دجلة والفرات)، ثم تقرع الطبول وتتعالى أصوات الكهنة في دعاء جماعي مهيب، وتوقد الشموع والمباخر وتنار أرجاء المعبد ويقوم فريق خاص من الكهنة بمسح أبواب المعبد المقدس بزيت (السدر - شجرة النبق( ثم يقومون بذبح شاة والطواف بها في أرجاء المعبد، ثم مسح جدران المعبد المقدس بدمائها، وهو تعبير عن انتقال الذنوب البشرية إلى جسد الشاة المذبوحة، والتي سيتم فيما بعد رميها في ماء النهر الجاري الذي سيجرفها ويجرف معها كل ذنوب السنة المنصرمة وما حملت من مساوئ وأوزار وخطايا وذنوب، بعدها يصل الملك مركز المدينة قادما من مدينة (بورسيبا) وبصحبته إله ( نابو ) حيث سيتركه عند بوابة ( أُوراش ) في الجانب الجنوبي الشرقي، ويتوجه لوحدهِ إلى بوابة معبد (الإيساغيلا) ، حيث يقوم رئيس الكهنة بنزع كل شاراته الملكية وتجريده مؤقتا من (التاج) و(الصولجان) و(الحلقة) و(السيف)، ليتم الخضوع ملك (أشور) أمام إله (مردوخ – آشور)، حيث سيدخل الملك (الإيساغيلا) برفقة الكهنة، ويتجهون نحو المذبح، وهناك يتم صفع الملك بقوة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه لـ((مردوخ – آشور).. قائلا :
– ((أنا لم أخطئ يا سيد الكون، ولم أهمل أبدا جبروتك السماوي…))؛ ويرد عليه الكاهن الذي يقوم بتمثيل دور الإله (مردوخ – آشور) :
– ((..لا تخف مما يقوله الإله (مردوخ – آشور) فسوف يسمع صلواتك ويوسع سلطانك ويزيد عظمة ملكك...)).
وبعدها يقف (ملك الإمبراطورية الآشورية) فيعيد إليه الكاهن حليه وتاجه ثم يصفعه مرة أخرى بقوة على أمل أن يذرف الملك دموعه؛ لأن ذلك سيعبر عن المزيد من الخشوع الإله (مردوخ – آشور) والإجلال لسلطانه، وبعد ذلك يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، وفي المساء يجلب إلى المعبد (ثور أبيض) يقوم الملك بذبحه بسكين التضحيات على مذبح المعبد ويرفعه كنذر للإله ، حيث كان تقديم التضحيات من أهم مظاهر العبادة، كتعبير بان الإله (مردوخ – آشور) يجدد السلطة على الدولة (الآشورية)، كما إن الأول من نيسان يجدد الحياة في بداية موسم الربيع؛ ومن هنا يكون رمز ( الأول من نيسان) ليس لتجديد الطبيعة والحياة فحسب بل في تجديد نظام الدولة.
لنستشف من هذه المراسيم بان أعظم شخصيات التي تحكم (بلاد آشور) تخضع لسلطة للإله الأعظم – الغير المنظور – الذي عندهم كان يسمى(مردوخ او آشور) فتعيش هذه الشخصيات لحظات تواضع مع عامة الشعب في المدن (الآشورية)، متضرعين جميعا بالصلوات وطلب المغفرة من الإله (مردوخ – آشور) وبعد إن يثبت الجميع إيمانهم بسلطة الإله الغير المنظور الذي يوكل للملك حكمه وينزل الملك من بيت الإله (مردوخ – آشور) ليبقى الإله في (جبل العالم السفلي) الذي هو بمثابة برج مؤلف من سبع طوابق قائم تحت السماء لذلك يسمى (برج العالم السفلي)، وهكذا يكون الإله (مردوخ – آشور) قد دخل بيته ويفاجئ بالآلهة التي سيتعارك معها ويؤسر في هذا الجبل؛ بانتظار وصول أبنه الإله (نابو) الذي سينقذه من (العدم) ويعيد مجده.
وهنا لتوضيح نقف قليلا لنستدرج في الحديث بذكر ما جاء بـ(التوراة) وما تم اقتباسه من مجريات هذا الحدث الذي يدور في احتفاليات بأيام (اكيتو)، حيث يذكر في (التوراة) (برج بابل)، وهذا البرج هو (برج العالم السفلي) فيه بيت (مردوخ – آشور) فيأتي القول كما ورد في (التوراة) في نص الأتي : – ((كما سيسكن الله في جبل…. حسب التوراة، مزامير:74 : 2)).


اليوم السادس
إما اليوم السادس؛ اما في هذا اليوم من احتفالات (أكيتو) ففي هذا اليوم تجري أحداثه بوصول الإله (نابو) برفقة أعوانه من الآلهة الشجعان القادمون من (نيبور) و(أوروك) و(كيش) و(أريدو) – وهي مدن الإمبراطورية (الآشورية) تقع حاليا في جنوب (العراق) – بواسطة المراكب كانت الآلهة المرافقة لـ(نابو) متمثلة بتماثيل توضع في مراكب وكانت تصنع لهذه الاحتفالات، وهنا يبدأ الشعب بالسير وراء (ملك الإمبراطورية الآشورية) باتجاه (الإيساغيلا) حيث الإله (مردوخ – آشور) أسير وهم ينشدون ترتيلا مطلعها: ((..هو ذا القادم من بعيد ليعيد المجد إلى أبينا الأسير)). ، وهنا يتقدمها موكب إله ( نابو) أبن (مردوخ - أشور) كذلك يقوم إله ( نابو) بزيارة إله الحرب ( ننورتا ) في معبده الخاص، ويتفقان على خطة لقتال إلهين من آلهة الظلام في محاولة لتحرير والده (مردوخ - آشور)، ويقومان بتنفيذ الخطة بنجاح، وشيئا فشيئا يزداد هياج الشعب وغضبه وعنفوان مشاعره وقلقه وشغبه أثناء مرور عربة إله (مردوخ - آشور) بخيولها، ولكن بدون إن يقودها أي شخص، في شوارع المدينة التي تضج بالناس الذين سلبتهم قوى الشر والظلام إلههم (مردوخ - آشور) وكانت العربة التي تسير بدون إن يقودها احد، ترمز لفوضى الكون قبل أن يقوم (مردوخ - آشور) بتنظيمه . وعلية فان طقوسه هذا اليوم تتركز على قيام الملك بالصلاة و بطلب الغفران من للإله المقدس ومن اجل إعطاءه القوة والحكمة لحكم مملكته بالعدل، وبعدها ويؤدي يميني القسم لحماية مملكته وشعبه من الأعداء.

اليوم السابع
إما في اليوم السابع؛ فهو يوم خاص تقام فيه مقارنة بين ألنظام السياسي الحاكم المستقر والأمن وبين السلطة السياسية المضطربة والفوضوية وتأثيرهم على حياة الناس وكيفية اهتمام السلطة الشرعية بحياة الناس، حيث كان الملك ينزل في هذا اليوم من عرشه ويعلن للناس بأن الإله قد هاجر وصعد الى السماء بعد إن قام الإله (نابو) بتحرير الإله (مردوخ- أشور) في اليوم الثالث من الأسر، حيث كانت الآلهة الشريرة قد أغلقت بابا كبيرا وراء (مردوخ – آشور) بعد دخوله بيته، وتعارك (مردوخ - آشور) معها، لحين مجيء (نابو) الذي يكسر الباب الصلب، وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي بهم الأمر إلى انتصار الإله (نابو) وتحرير الإله (مردوخ - آشور).
ففي هذا اليوم يتم لـ(نابو) تحرير الإله (مردوخ – آشور) في اليوم الثالث من الأسر، بعد إن أغلقت الآلهة الشريرة بابا كبيرا وراء الإله (مردوخ – آشور) بعد إن تم دخوله في بيته، ويتصارع الإله (مردوخ – آشور) معها، لحين مجيء (نابو) الذي يكسر الباب وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي الأمر إلى انتصار الإله (نابو) وتحرير الإله (مردوخ – آشور).
لنفه مما ورد بان الملك حين ينزل من عرشه ويعلن للناس بأن الإله قد هاجر وصعد للسماء، وهو إجراء كان يراد منه المقارنة بين الاستقرار وسلطة الأمن في المملكة وبين غياب السلطة واستشراء الفوضى التي تتأثر على حياة الشعب ومن اجل معرفتهم دور الملك في استقرار أمنهم.

اليوم الثامن
وفي اليوم الثامن؛ وهو يوم الذي يلي بعد تحرير الإله (مردوخ – آشور)، حيث تجمع تماثيل الآلهة في غرفة الأقدار(أوبشو أوكينا)، ليتم اجتماع الآلهة لتقرر مصير (مردوخ - آشور)، وينتهي الأمر بتجميع قوى جميع هذه الآلهة لتوهب مجددا إلى الإله (مردوخ - آشور)، وهنا يأتي الملك راجيا كل من الآلهة للسير مع (مردوخ- آشور) إكراما له، وهذا التقليد يدل على خضوع كافّة الآلهة إلى سيدها (مردوخ - آشور)، الوحيد في مرتبته، حيث يعود الإله إلى الأرض والملك يصعد إلى عرشه في المساء ويعود الأمن والنظام للمملكة مرة أخرى.
وهذا التقليد يرمز على خضوع كافة الآلهة إلى سيدها الإله (مردوخ – آشور) الإله العظيم في عظمته؛ وهنا وكما ورد في إحدى مدونات (الملك الآشوري – سركون الثاني) عن زياراته لبابل يقول:
– ((في بابل، بيت سيد الآلهة، بكل فرح دخلت (الإيساغيلا) ووجهي يشع بهجة؛ حيث أمسكت بشدة يدي سيدي الإله (مردوخ – آشور) العظيم وسرنا سوية إلى (بيت أكيتو)، كذلك جاءت عدة آلهة من أقطار مختلفة، شاركتنا في موكب عظيم مع الإلهة (عشتار) وخدامها الذين أبهجوا بابل بعزفهم الفرح على الناي..)).

اليوم التاسع
وفي اليوم التاسع؛ فان موكب النصر ستسير إلى بيت (آكيتي) وهو بيت الصلاة وهو المكان الذي يحتفل به بانتصار (مردوخ - آشور) في بدء الخليقة - على التنين (تيامات) آلهة المياه السفلى، على بعد حوالي 200 متر خارج سور المدينة، حيث الأشجار الغريبة المزينة، والمستقية بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يعتبر واهب الحياة في الطبيعة، ويعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان (مردوخ - آشور)، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكم بالحياة منذ البدء.
حيث يقوم الملك (آشور) بقيادة مركبة الإله (مردوخ - آشور) تتبعها عربات بقية الإلهة، وبعد الطواف على جانب النهر يسير بهم الموكب إلى بيت الاحتفالات (اكيتو)، يعطي الملك أوامره لتبدأ الفرقة المقدسة بإنشاد التراتيل الطقسية، حيث يعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجدد سلطان الإله (مردوخ - آشور)، وتدمير قوى الشر التي كادت أن تتحكم بالحياة منذ البدء، حيث يسير موكب النصر إلى بيت (أكيتو).
و(أكيتو) هو المكان الذي فيه (بيت الصلاة) حيث يجتمع هناك الشعب ويبدأ الاحتفال بانتصار الإله (مردوخ – آشور)، وهذا البيت يقع خارج سور المدينة حيث هناك توجد حديقة واسعة مرتبة بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يعتبر واهب الحياة في الطبيعة ويعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجديد الحب والطاعة إلى الإلهة (مردوخ – آشور) وتدمير قوى الشر التي كانت تتحكم بالحياة منذ البدء، وتقوم النساء بجمع باقات الورود وسنابل القمح الأخضر وتعليقها على مداخل البيوت ترحيبا بقدوم نيسان الخير، وهذا الطقس ما زال قائما إلى يومنا هذا، فان اغلب العوائل (الآشورية) تقوم منذ مطلع الفجر بوضع باقة من عشب الأخر على مداخل بيوتهم رمزا لقدوم الربيع .

اليوم العاشر
وفي اليوم العاشر؛ فبعد الوصول إلى بيت (آكيتي- بيت الصلاة)، يبدأ الإله (مردوخ - آشور) بالاحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسفلي، ومن ثم توضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة، بشبه وليمة، ويعود إلى قلب المدينة للاحتفال بزواجه من الآلهة (عشتار) في المساء، حيث يدخل الملك إلى غرفة خاصة في المعبد لزواج مع إحدى كاهنات المعبد ابتهاجا بهذه المناسبة وهذا ما يسمى بـ(الزواج المقدس) حيث يتم هذا الزواج بمشهد درامي يقوم فيه الملك بدور الإله (تموز) بينما الكاهنة بدور (عشتار) ويرمز هذا الزواج إلى استمرار الحياة وعدم توقفها وتتكرر هذه الاحتفالية في بداية كل عام، حيث تتحد الأرض مع السماء، وتطابقا مع زواج الآلهة يطبق هذا الزواج على الأرض كذلك، فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات بيت(الإيساغيلا) حيث يجلسان سوية على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصة بهذه المناسبة، على أن هذا الحب هو الذي سيولد الحياة في الربيع.

اليوم الحادي عشر
وفي اليوم الحادي عشر؛ فكانت طقوس الاحتفال في هذه اليوم تتعلق بالزواج المقدس وأهمية الخصوبة والإنجاب في الزيادة والوفرة.
ففي هذا اليوم تعود الآلهة برفقة سيدها (مردوخ - آشور) لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوكينا) الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرة الأولى، ولكن هذه المرة تجتمع لتقرير مصير الشعب، شعب (مردوخ - آشور)، وفي الفلسفة القديمة لبلاد (آشور) يعتبر الخلق - بشكل عام- هو تعهد بين الأرض والسماء على أن يخدم الإنسان الآلهة حتى مماته، وبالتالي لا تكمل سعادة الآلهة إلا بسعادة الإنسان الذي يخدمها لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الآلهة، إذ سيقرر (مردوخ - آشور) مع الآلهة عهدا جديدا لكل مدنه ويصعد عائدا إلى بيته العلوي (السماء).

اليوم الثاني عشر الأخير
إما في اليوم الثاني عشر؛ وهو اليوم الأخير من (آكيتو)، حيث تعود الآلهة إلى معبد سيدها (مردوخ - آشور) ، وتعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد حيث تختتم الاحتفالات بإعطاء البركة للملك والشعب من قبل الإله وتوديع الضيوف والمشاركين والمتفرجين وتعود الحياة اليومية إلى (بابل ونينوى وباقي المدن الآشورية) وفي هذا اليوم الأخير من (اكيتو) تقام مأدبة كبرى لتجمع عليها كل أبناء الشعب ويتخللها احتفالات ورقصات وغناء لحين إن تختم فعالية هذا اليوم بعودة الآلهة إلى معبد الإله (مردوخ - آشور) و تعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد وتعود الحياة اليومية إلى كل المدن (الآشورية).


البعد التاريخي في التراث (الآشوري) أخذت أبعاده الثقافية عند كل الحضارات التي تلت حضارتهم


لنستشف من خلال هذه الطقوس بان مجتمع الحضارة (الآشورية) أسهم في الكثير من الإسهامات الإبداعية في مجالات وميادين معرفية عدة؛ لان هذه الطقوس التي وردت في احتفالات (اكيتو) تقديم رؤاه لحضارة (الآشورية) في (بلاد ما بين الرافدين) لتكشف عن الكثير من الأبعاد المعرفية والثقافية والإبداعية فيها وامتداداتها وتقليدها في مجتمعات الشرق الأدنى القديم، حيث اخذ البعد التاريخي في التراث (الآشوري) بعد ثقافيا عند كل الحضارات التي تلت حضارة (الآشوريين) بكونها حصلت على قدر وافر من التدقيق والتمحيص البحثيين يتمثل في التراث الأسطوري الغني الذي قدمته تلك الحضارة (الآشورية) للبشرية، وهو يجسد تصورات وتطلعات الإنسان في (بلاد الرافدين) المتفاعل مع بيئته الطبيعية، كما يجسد في ذاته مجمل ما عرفه المجتمع بلاد الرافدين من نجاحات وإخفاقات وهيمنة، وذلك على الصعيدين الاجتماعي والسياسي وحتى على الصعيد الاقتصادي.
فالخصوصية الذهنية التي اتسمت بها حضارة (الآشوريين) تتجلى من خلال تمتع الأسطورة بمكانة هامة من جهة التعبير عن نظرة تلك الحضارة إلى العالم بشقيه الطبيعي والاجتماعي، فالأسطورة كانت لها أدوار لا يجوز تحاشيها، كما أنها لا يمكن من دون فهمها التعرف إلى الآلية الداخلية المعنية؛ فلو أخذنا نموذج(إنانا) التي تمثل حالة النزاع التاريخية بين الفلاح والراعي، وقد اخذ (اليهود) منها الكثير وتم في (القصة التوراتية) اقتباس الكثير من تفاصيلها التي تتحدث عن (قابيل وهابيل) ومن خلال مقارنة الأولى بالثانية نكتشف مدى تشابك الرؤية التاريخية مع النسيج الأسطوري، وتشكل نتاج مركب لا ينبغي التعامل معه على أنه مجرد تلاعب بالألفاظ أو حاصل تراكمات وهمية خيالية (كما يذكر أكثر من الباحثين بهذا الشأن).
لذلك نؤكد هنا بان قضية المعرفة ا في المنظور الحضارة (الآشورية) شكلت على الدوام الهدف الأسمى الذي طالما رغب فيه الإنسان معرفته وأراد الوصول إليه، هذا على الرغم من أن العقيدة الدينية السائدة كانت تؤكد بأن الإنسان خلق أصلا خادما للآلهة ليلبي احتياجاتها ويأتمر بما تراه، لذلك عليه أن يلتزم الحدود التي رسمت له؛ ويحظر على نفسه أي فكرة من شأنها دفعه نحو اختراقات لا تؤهله طبيعته لتحمل نتائجها، إلا أنه رغم ذلك يلاحظ أن الرغبة الإنسانية في الوصول إلى قسط أكيد من المعرفة في تنام مستمر تستمد قوتها من حاجات الإنسان المتزايدة ومن الخبرات التي يكتسبها ومن قلقه تجاه المصير المجهول الذي ينتظره.


الموروث الحضاري والهوية القومية والدلالات الفكرية والفلسفية عند الآشوريين


ومن خلال صور هذه الملحمة نستشف جملة من الدلالات الفكرية والفلسفية لهذه الطقوس والاحتفالات التي كانت تمارس قبل سبعة ألاف سنة في المدن (الآشورية) في (بلاد الرافدين – العراق)، فان (الآشوريون) اليوم ما زالوا يحتفظون بالموروث الحضاري وعلى الكثير من الأعياد التي ورثوها عن أجدادهم ولكن بشكل حضاري يواكب متطلبات المعاصرة والحداثة، فهم اتخذوا من تلك الأعياد على سبيل المثال وليس الحصر عيد (الأول من نيسان) واعتبروه عيدا قوميا سمي بعيد (أكيتو)، ففي هذا اليوم يحتفلون بهذه المناسبة باعتباره عيد (رأس السنة الآشورية) في (الأول من نيسان) الذي يصادف وفق (الميثولوجيا الآشورية) بين اليوم العاشر والثاني عشر من بدا احتفالات (أكيتو) وحسب ليلة الاستواء النهار مع الليل في يوم الاعتدال الربيعي؛ وعليه يكون وفق حساب السنين هذه السنة سنة ( 6775 آشورية) والتي تقابل سنة (2025 ميلادية)، وعن كيفية تحديد بدايات التاريخ (الأشوري) وتحديد بداية (السنة الأولى الآشورية).
حيث في هذا اليوم تنظيم مسيرات شعبية ومهرجانات وكرنفالات شعبية وتقدم أغاني وطنية وتراثية؛ إذ يتجمع المحتفلون بأعداد هائلة في أحضان الطبيعة لتتحول هذه المناسبة مناسبة (رأس السنة الآشورية) إلى علامة تواصل لتجذير الهوية القومية (الآشورية) في قلوب ابنا الأمة (الآشورية) أينما وجدوا.
لتشكل هذه الروابط بين معطيات الفكر القومي كجزء من أيديولوجية لارتقاء الوعي المعرفي إلى مستوى المسؤولية كرؤية فكرية استمدت أصالتها في التماثل بين الوعي والتاريخ؛ أي بين الفكر والواقع لوجود الأمة (الأشورية)، ومن خلال هذه الرؤية استطاع الفكر القومي للأمة تشكيل مواقفه السياسية والمعرفية والتاريخية وبرؤية واضحة المعالم عكسها الفكر القومي بواقعية وبأيديولوجية بين متطلبات الواقع والفكر ليواكب طموحات المجتمع (الآشوري) لهذه الرؤية لرفعها إلى حيز الصيرورة والفعل والى مستوى الطموح والمطالب، لتتنامى هذه الرؤية القومية عبر كل مرحل الزمن وحقب التاريخ، لتكون التجربة القومية للأمة (الآشورية) على طول مسارها التاريخي تجربة ثرية نابضة بالحياة مع متطلباتها وتطلعاتها وأهدافها ومضامينها الثقافية والسياسية والاجتماعية والنهضوية، فان تاريخ الأمة (الآشورية) هو تاريخ عريق ومشرف ومؤثر وله هويته في تاريخ الحضارات، فان التاريخ هو عنصر من أهم عناصر الهوية القومية؛ إضافة إلى (اللغة) و(التراث).
ومن هنا تكمن أهمية التراث في تعزيز وتغذية ودعم العقل الجمعي من اجل تشكيل الوعي العام في المجتمع (الآشوري) ومده بالقيم من روح الحضارة (الآشورية) ومن صميم معطياتها الفكرية، ولهذا فان حفظها ونشرها ونقها من جيل إلى جيل يتحمل مسؤوليتها جميع أبناء الأمة (الآشورية) لضمان استمراريتها؛ باعتبارها تمثل مدا شعوريا ترسم ملامح الهوية القومية ليتم التواصل مع الأجيال، لان تمسك وارتباط أفراد المجتمع (الآشوري) بماضيهم وعراقتهم وجذورهم هو الذي يجعلهم تلقائيا يتكيفوا مع واقعهم بما أورثوه؛ ليتم التواصل والتلاؤم بين الماضي.. والحاضر.. والمستقبل، لان هوية الإنسان هي مجموعة من قيم وخصائص وسمات لمجتمع أو لمجموعة أثنية (ما)؛ سواء أكان ذلك على المستوى الروحاني أو المادي أو معنوي، بمعني أن الفكر والثقافة من الفنون.. والآداب. وأنظمة القيم.. والدين.. والأعراف.. والتقاليد.. والمعتقدات.. والتراث.. هي التي تميز أي مجتمع عن مجتمع آخر.
ولهذا تعمل مؤسسات الأمة (الآشورية) – سوا في الوطن (العراق) أو في الشتات – على تنمية ثقافة المجتمع (الآشوري) عبر تطوير مؤسسات (التربية) و(التعليم) ابتدأ من المراحل الابتدائية وانتهاء بمراحل الدراسة الجامعية و بالدراسات العليا، وهذا هو طموح المجتمع (الآشوري) اليوم، وتقوم بأداء هذا الواجب (كنيسة المشرق الآشورية) سواء في (العراق) أو في مناطق وجود (الأشوريين) في شتات الأرض؛ حيث تقوم وبمسعى حثيث وبجهود مضنية بتوسيع مؤسسات (التربية) و(التعليم) لتتخطى مراحل الابتدائية إلى الثانوية والى الدراسات الجامعية وتوفير كل مستلزمات لنجاح هذا المسعى لمواكبة تعزيز الوعي القومي والثقافي بين أفراد المجتمع (الآشوري)، وليتم وبشكل أوسع ترقية الوعي الثقافي في المحيط الاجتماعي بما يساهم إثراء الآليات تطبيقه على المشهد الثقافي (الآشوري) وممارسته؛ ليتم إدماجه في وعي الأفراد إدماجا معنويا.. وفكريا.. وروحيا.. ووجدانيا؛ ليتم رفع مستواهم ثقافيا.. وعلميا.. وتربويا.. وسياسيا.. واقتصاديا.. واجتماعيا، لان ثقافة المجتمع كلما تبنت سياسة تنموية وتنوعت وتعددت آليات تطبيقها كلما تقدمت خطوة إلى الإمام والتي على ضوئها تتقدم خطوة نحو التقدم والازدهار، باعتبار الثقافة جزء من حضارة الأمة وفلسفتها، والحضارة (الآشورية) ما كان لها إن تصل إلى مستوى (الإمبراطورية) إلا حين توجهت توجها ثقافيا.. وعلميا.. وتربويا.. وسياسيا.. واقتصاديا.. واجتماعيا؛ ولهذا عرفت بهذا الثراء بين الأمم ونالت رفعة وشموخ .
لذلك يجب الحفاظ على التراث والعمل على تنميته باعتباره خيارا استراتيجيا للوجود القومي (الآشوري) بين إلام وشعوب العالم، لأن (ألآشوريين) امة تنعم بالتاريخ العريق، ليس في (العراق) فحسب بل في العلم اجمع، بكون عمقها الحضاري يمتد لأكثر من سبعة ألاف سنة ق.م، فهي حضارة عظيمة أوجدت لنفسها مكانة سامية بين الأمم وشعوب الأرض لما حملته من شواهد شامخة منذ عصور ما قبل الميلاد؛ والحفاظ على هذا الإرث ضرورة ليس للأمة (الآشورية) فحسب بل لكل المجتمعات في العالم، لأننا من خلالها ننظر بأمل ليشرق لنا آفاق المستقبل، لأن (الحضارة الآشورية) هي أولى الحضارات ومنها انطلقت المعارف والعلوم الإنسانية، ولهذا لابد أن نسترجع النقاط المضيئة من تاريخ هذه الأمة لنستمد منها مقومات للوصول إلى غد مشرق لكل الأجيال ولكل المجتمعات في العالم .
نعم إن الأمة واجهت تحديات وإخفاقات ولكن تبقى الجهود الكفاحية والنضالية والمساعي الخيرة والنبيلة متواصلة في العطاء وفق إمكانياتها وهي مدار فخر واعتزاز لكل (آشوري)، لأننا على علم اليقين؛ بان الفكر القومي للأمة (الآشورية) يواجه منتقدي وخصوم وأعداء، ولكن منطلقات الفكر في كل مراحل التاريخ تبقى نظرية قابلة للتطور والنقد والمراجعة والتحليل للوصول إلى تجديد الرؤية وتحديثها ومعاصرتها بأفكار العصر والحداثة والمعاصرة وبالتوازي مع الأوضاع السياسية وتطورها مع مفاهيم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والحريات العامة بما تلبي تطلعات الإنسان (الآشوري) في الحرية وحق تقرير المصير .
ومن هنا تأتي أهمية استعادة ذاكرة التاريخ في كل مراحل من مراحل حياة الأمة؛ للوقوف على تاريخ هذه الحضارة (حضارة الأمة الآشورية) بكل ارثها وتراثها ولغتها وتاريخها وفكرها وعومها وأحداثها السياسية والثقافية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية؛ لان ذلك هو جزء من الموروث ومن التراث واللغة والتاريخ؛ وكل ذلك يعتبر عناصر مهمة من عناصر الهوية القومية (الآشورية) وهي مقومات لارتقاء بالمشروع القومي (الآشوري)؛ وهي عناصر التي جعلت الفكر القومي يرتقي ويحقق انجازات هامة في العمل الفكري والسياسي لنشره وفق رؤية معاصرة لإثارة الوعي للأمة (الآشورية) بحضارتها وبهويتها ورفع قدرتها لمواجهة لتحديات .


تأثير المد القومي في عموم أوربا على الأمة الآشورية


لم يتبلور المفهوم القومي للأمة (الآشورية) إلا بعد إن اخذ المد القومي يظهر ويتسع في عموم البلدان الأوربية في القرن التاسع عشر والعشرين وكانت البداية المبكرة في (فرنسا) ثم (ألمانيا) وسرعان ما انتشر الشعور القومي في عموم أوربا.
ولما كان التمايز القومي يرتبط بسمات اللغة وخريطتها ودائرتها المعرفية؛ لذلك فان الفهم القومي استمد مقوماته من خلال (قوم الإنسان) والدائرة (الإقامة) معه؛ والتعاضد لمواجهة تحديات الوجود بعد ظهور المنطلقات العنصرية والعرقية والنزعات الاستعمارية ومحاولات التمويع.. والتذويب.. وإقصاء الأخر.. واستهداف التاريخ واللغة، ولكن من خلال دعم العلاقات الإنسانية بين الشعوب الأرض ولنتيجة الظروف التاريخية التي كانت تمر المجمعات البشرية؛ ونتيجة تنوع العادات والتقاليد وتراث الشعوب وتمسك كل فئة بهذه المورثات؛ نشاء لديهم نوع من الترابط تبلور فهمة بالمنطلق (القوم) ذاته – أي بمنطلق (القومية) – واعتبر ذلك ضمانا لاستمرار وجودهم عبر الفهم القومي لإثبات وجود أية الأمة بهويتها الخاصة .
ومن خلال هذا الفهم استطاع (الآشوريين) الاحتفاظ بتوازن المعادلة لربط ماضيهم بالحاضر والمستقبل لمواجهة الظروف التاريخية التي كانت تمر بالأمة في القرن التاسع عشر والعشرين، وهذا ما استنفر العديد من المفكرين والمثقفين (الآشوريين) لمواجهة طبيعة وظروف المرحلة من أمثال (نعوم فايق 1868 – 1930 م) الذي يعتبر من أوائل (الآشوريين) سعوا في نشر الوعي بأهمية الفكر القومي (الآشوري) فاصدر جريدة قومية في مدينة (أمد) تحت عنوان (نجمة المشرق) ولم يمكث هناك طويلا فهاجر إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) وأسس هناك جريدة (الاتحاد)، ونذكر أيضا (بنيامين لاباري) الذي اصدر أول جريد (آشورية) في مدينة (ارمي – الإيرانية) تحت اسم (زهريرى اد بهرا – أشعة النور) بتاريخ (1–11– 1849) ونذكر أيضا المفكر (فريدون اتورايا 1891 – 1926 ) وهو (الآشوري) الذي كان يعيش في مدينة (أورميا – الإيرانية) والذي أسس أول حزب سياسي (آشوري) ودعا إلى تشكيل وطن قومي لـ(لآشوريين)، ونذكر أيضا المفكر (فريد نزها 1894– 1971 م) وهو الذي اصدر مجلة مرموقة تخص بأوضاع (الآشوريين) وأصدرها باللغة العربية ثم أضاف إليها اللغتين الاسبانية و(الآشورية)، ونذكر أيضا المفكر ( بنيامين أرسانس 1884 – 1957) وهو كاتب مرموق نشر عديد من الكتب التعليمية والأدبية والتاريخية باللغة (الآشورية)، و (يوخنا موشي) الذي كان يصدر (جريدة النجم) للفترة ( 1906 – 1914) و أيضا نذكر المفكر الشهيد (يوسف مالك 1899– 1959 م) و( مالك خوشابا ) و(آشور يوسف 1858– 1915 م) الذي اصدر مجلة (مرشد أثوريون – مهديانا آثورايا) للفترة (1909 – 1915) وكانت تطبع بعدة لغات منها (الارمنية) و(التركية) في مدينة (خربوت التركية) حيث اعتقل واعدم من قبل السلطات (التركية) لنشره مقالات قومية والمطالبة بحقوق (الآشوريين) القومية والتاريخية والإنسانية، ونذكر أيضا المفكر( بشار حلمي) و(مالك ياقو 1894 – 1974 م) والبطريرك الشهيد (مار شمعون بنيامين 1887 – 1918) والشهيد المطران (مار توما اودو) والشهيد المطران (مار ادي شير) و ( اغا بطرس 1880 – 1932 م) و (سرما غانم) والبطريرك الشهيد (مار إيشاي شمعون 1908 – 1975 ) وغيرهم الكثير– الكثير من اللذين ساهموا مساهمة فعلية في إحياء الفكر القومي (الآشوري) سواء عبر نشر وتأليف الكتب والجرائد والمجلات لتوعية أبناء الشعب (الآشوري) أو عن طريق الكفاح والنضال وحمل السلاح لتحقيق أهدف الأمة في الحرية وحق تقرير المصير .
وقد تنوعت الدراسات والاتجاهات في تناول الفهم القومي نتيجة للظروف التاريخية التي كانت الأمة (الآشورية) تمر بها؛ فربطوا هؤلاء المفكرين القوميين من الجيل الأول؛ الكثير من مقومات الفكر الإنساني لفهم القومية بعد ربطها بـ(التراث) و(اللغة الآشورية) ودورهما في بناء القيم القومية و أهميتها في بناء شخصية الأمة؛ انطلاقا بكون (التراث) و(اللغة) من أهم مقومات أحياء وضمان لاستمرارية وجود الأمة بهويتها وخصوصيتها المميزة باعتبار أهميتهما تكمن في حجم التعبير عن ذات الأمة (الآشورية) بوجهها السليم والأساسي والصحيح؛ لكي تفهم القومية بحجم دورها في مواجهة الأخر والسعي إلى تحقيق أهداف الفكر القومي في الحرية.. وحق الوجود وتقرير المصير؛ لينتقل الوعي القومي إلى منطلق مجابهة الواقع بكل عوائقه وتحدياته الكثيرة؛ ورغم الإحباط المتوالي التي واجهتها الأمة (الآشورية)؛ إلا إن الوعي القومي عند أبناء الأمة أصبح بمرور الزمن أكثر عمقا ونضجا ومتعزز بمنطقات فكرية رصينة تمكنوا التعبير عن ذات الأمة وهويتها القومية؛ لان إيمانهم بالمنطلقات الفكر القومي لم يكن مرحليا يزول بزوال المرحلة وظروفها، بل أن الفكر القومي (الآشوري) أصبح جزءا من الفكر الوطني لأبناء الأمة في العصر الحديث والمعاصر؛ بل وأصبح السبيل الوحيد للخلاص من واقع التشتت (الآشوريين) الراهن.


التراث واللغة تجذير للهوية القومية الآشورية


وفي خضم ما تمر الأمة (الآشورية) اليوم من حالة التشتت والتمزق والتهجير والنزوح والاستهداف؛ فلا محال فان تشبث بالفكر القومي يكون من اجل البحث عن الهوية والذات وصولا لتحقيق تكامل الأمة بتكامل قوتها ووحدتها من اجل تحقيق أهدافها في المحافظة على الوجود القومي للأمة وكيانها بشكل متكامل بعيدا عن أي تعصب مهما كان نوعه وشكله؛ ولابد من استيعاب الواقع وتغيراته والمراحل التي مرت بالأمة حتى بلغت في بلورة وجودها القومي واكتماله، وهذا الجانب يأخذنا للوصول إلى حقائق أساسية تكمن في أهمية (التراث) و(اللغة) باعتبارهما جزء لا يتجزأ من هذا التكامل في الوجود القومي للأمة (الآشورية)، وهو ما يدفع لاستمرار وجودها في الحاضر والمستقبل، وهما من عوامل لترسيخ سيادة وجودها على نفسها وعلى أرضها؛ وان ما تصيب الأمة اليوم وما تمر بالمحن والأزمات سواء في تلك المراحل أو في هذه المرحلة؛ إلا من مخلفات انعدام الوعي بالهوية القومية وبمبررات وجودها وتميزها عن غيرها من الأمم .
فان مسالة (اللغة) و(التراث) من أهم محاور في حياة الأمة بكونهما محاور يرسخان وحدة الأمة ووعيها القومي، لأنهما من مقومات تشكيلهما؛ وهناك عاملين يرتبط في تكوينهما وهو العامل النفسي والمادي اللذان يرتبطان بقدرة العقل القومي على التفاعل والابتكار أسباب وجوده وتطوره مع البيئة والتي هي ضمن الطبيعة السلوكية والنفسية للإنسان والتي لها دور كبير في تشكيل الثقافة القومية للأمة (الآشورية) وتحصينها، لنصل إلى حقيقة بكون (الإدراك) له أهميته في تعزيز الوعي الإنسان (الآشوري) لحقيقة المظاهر التراثية التي نحافظ عليها والتي نحيها في حياتنا لندرك قيمتها لتجذير حقيقتها لمواصلة إنعاش الحياة في الحاضر والمستقبل؛ لأن التراث يعبد الطريق إمامنا نحو معرفة حقيقة القومية والهوية (الآشورية) ليتم التفاعل بين الأمة وتراثها.
فالأمة (الآشورية) من خلال تفاعلها مع واقعها تقدم تجاربها الفكرية والمادية التي أخذته وطورته حسب قيم الحضارية التي واكبت وتواكب الحداثة والمعاصرة الفكرية والإيديولوجية من اجل مواكبة متطلبات الوجود وإثباته واستمرار كينونتها لنقلها للأجيال المتعاقبة بشكل حضاري متفاعل مع حاضر الأجيال؛ ليتم من خلال هذا (التراث) وهذه (اللغة، اللغة الآشورية) يقظة أبناء الأمة بهويتهم القومية وبوحدتهم، ومن هنا لابد للأمة (الآشورية) إن تستمد حضورها وقوتها من خلال ترسيخ قيم (التراث) و(اللغة) المتشكلة عبر حقب تاريخية طويلة من اجل سيادة حاضرها ومستقبلها عبر ترسيخ هذا الحضور بمرور الزمن، لان استلهامه يعني استمرارا وتجديدا لحياة الأمة.
ومن هنا نقول بان (التراث) مرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة الحياة للمجتمعات أيا كانت، كون التراث – سواد كان ماديا أو روحيا – ليس فحسب على انه ما تم تقديمه في ماضي الأمة؛ بل كونه ما زال فاعلا ومؤثرا في سلوكيات الحاضر والمستقبل، فالمادي في التراث هي المنجزات المقدمة في مختلف أنواع الفنون، والروحي تتمثل في أنماط التفكير في العادات والتقاليد الاجتماعية أو التي تدور حول طبيعة الحياة والكون التي كان لها شديدة التأثير والتفاعل؛ نظرا لقوة هذه الأفكار وحضورها المؤثر في حياة تلك المجتمعات، إما عن دور(اللغة الآشورية) في تطوير وعي الانتماء القومي؛ فقد تحدثنا عنها في مقالة سابقة وهي موجودة على مواقع (كوكل – الانترنيت) يمكن الاطلاع عليها؛ وقد جاءت تحت عنوان: (( اللغة الأشورية.. الهوية.. والانتماء.. ودورها في نهضة الأمة ووحدتها، بقلم.. فواد الكنجي)).
فحينما اتجه (الآشوريين) في بناء أفكارهم لتحليل ظروف الطبيعية بما كانت تشكل مواسم الفيضانات والقحط من تهديد لحياتهم؛ اتجهوا نحو تحليل لتفسير تلك الظواهر عبر خلق أساطير التي تشكل نقطة تحول كبير في طبيعة العلم والمعرفة وكيفية بناء المنهج الفكري الذي تبنوه (الآشوريين) في حضارة (وادي الرافدين – العراق) التي أثرت تأثيرا بالغا في توسيع دائرة المعارف للحضارة البشرية في العالم اجمع، فأخذت كل المجتمعات منهاجهم في تبني معارفهم الأدبية والعلمية لما كان للأساطير (الآشورية) من دور عظيم في تحليل والتفسير وتغير سلوك الإنسان الأخلاقية كأسطورة (كلكامش) وملحمة الخلق ( إينوما إيليش) وغيرها من الأساطير في بلاد الرافدين؛ التي كانت لهذه الأساطير دورا رئيسا في تشكيل الهوية القومية والاجتماعية للأمة (الآشورية)، لذا فان (التراث الآشوري) في مجمله يحمل في طياته مفتاح لفهم طبيعة الفكر والعقلية التي يتبناها ويحملها الشعب (الآشوري)؛ ومن خلال ذلك يمكننا إن نتابع تاريخ (الحضارة الآشورية) تحليلا وتفسيرا وما جسدته من قيم اجتماعية ذات ارتباط وثيق بمجتمعها من حيث التطور والرقي أثرت على تطور قدرات المجتمعات الأخرى؛ وبالتالي أدت إلى تأثر المجتمعات البشرية بعلومها وآدابها، ليصبح التراث (الآشوري) مفهوما محوريا لتوسيع دائرة المعارف للمجتمع (الآشوري) وللمجتمعات البشرية بصورة عامة؛ بل يصبح هذا (التراث) بمثابة الذاكرة النابضة والمستدامة تدعم تأثيراتها على الهوية القومية والحفاظ عليها لتتبنى هذه الهوية من قبل الشعب (الآشوري) وعبر الأجيال؛ لان منطق (التاريخ) يؤكد على حقيقية مفادها بان لا امة بدون تراث ولا تراث بلا امة، بكون (التراث) لا يبنى ولا يفهم إلا وفق مفهومها .
ومن هنا فان هذا (التراث) هو ركيزة أساسية من ركائز الهوية الثقافية وهو الذي يؤطر ويحدد مفهوم الهوية القومية باعتباره عاملا من عوامل تشكيلها؛ مهما كان اتجاه التفاسير لأفكار هذا (التراث)، لان التفسير يحمل جوانب متعدد ويمكن سفسطتها وفق تجاذبات أيديولوجية تحمل أبعاد طائفية وعرقية وحتى سلوكية؛ ولذلك نجد بان الشعوب تتجه باتجاهات مختلفة في طريقة التعامل مع تراثها ووفقا لبنائها المعرفي، ولهذا فان أسلوب التعامل مع (التراث) يأتي وفق مدركات الوعي والتفكير والثقافة لأي مجتمع من مجتمعات البشرية؛ والتي تفرز لها خارطة وفق إبداعات مثقفيها اخذين من تراثهم منبعا لإلهامهم في إبداعات معاصرة ينهل الأدباء والفنانين والمفكرين اتجاهاتهم في رسم التراث الثقافي بربط الحاضر بالماضي والاتجاه لمواصلة مستقبلهم وفق أسس علمية رصينة يعزز حضورهم بمعطيات عصرهم في الساحة الثقافية العالمية.
فالحفاظ على (التراث) من التقاليد.. والعادات.. والمعتقدات.. والطقوس.. واللغة.. وغيرها هما عناصر أساسية للحفاظ على الهوية القومية لأمة وذاكرتها، والتي تقدمها لشعوب الأرض لتبيان عن مستوى الرقي الحضارة لهذه الأمة وعبر هويتها الثقافية والحضارية، فالأمة (الآشورية) تتميز حضارتها بهذه السمات عن غيرها من الحضارات والتي تجعل لها شخصية قومية تتميز بطابعها الخاص عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى، بما تحمله من دلالات التكامل.. والتنوع.. والاختلاف.. والإحساس بانتماء الذات لها، لتغدو منطلقا وهدفا؛ تعزز شعورها الغريزي بالانتماء لحامل للهوية الجماعية، لان الإنسان (الآشوري) ينتمي إلى تراثه انتماءا روحيا ونفسيا وهو المتنفس الذي يشهق من خلاله نسمات الانتماء القومي لارتباط وعيه بأبعاد تاريخية.. وحضارية.. وسياسية.. وحتى دينية؛ وهذه الخصائص هي دعائم لضمانة استمرارية الإنسان (الآشوري) و وجود الأمة بهويتها، وخصوصيتها المميزة بين الأمم وشعوب الأرض قاطبة.
ومن خلال هذا الفهم انطلق المفكرين من أبناء الأمة (الآشورية) بعد إن شاع الفهم القومي بين الأمم؛ خاصة في نهاية قرن الثامن عشر ومطلع القرن العشرين – كما ذكرنا سابقا – لبلورة مفاهيم حديثة لتكون مرتكزات أساسية للمشروع القومي للأمة (الآشورية) تتبنى اتجاهات فكرية مختلفة مرتكزين على التراث واللغة (الآشورية) والدين المسيحي والثقافة الإنسانية بكل علومها وآدابها ورسالتها الحضارية؛ و وفق أيدلوجية ثورية لتنشيط الحركة الوطنية والقومية بين أبناء الأمة (الآشورية) من اجل بناء تطلعاتهم في الأمن.. والحرية.. والكرامة الإنسانة.. والعدالة.. وحق تقرير المصير؛ ضمن نطاق أهدافهم القومية، وفعلا قاد نخب من المفكرين (الآشوريين) وزعماء الثوريين مسيرتهم بحنكة واستراتيجيه لتحقيق مشروعهم القومي في الحرية والاستقلال؛ رغم تحديات التي جوبهوا بها من قبل القوى الامبريالية والاستعمار الغربي وأعدائهم في المنطقة؛ بما كانت تطلعات الأمة (الآشورية) تتعرض إلى هجمات شرسة في عام 1848 و 1915 و1933 لم يشهد التاريخ مثيلا لها، كونها كانت ترتكز في استهدافهم على هوية الأمة وبنيانها وحضارتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، ومع هذا التحدي قدمت الأمة مواقف قومية نضالية متميزة؛ كونهم أدركوا بان استهدافهم آت لإفشال مشروعهم القومي و تطلعاتهم الفكرية والقومية الهادفة إلى الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير .
ومع كل ما أصاب الأمة من استهداف وقتل وجرائم الإبادة الجماعية كما حدثت في تركيا عام 1848 و 1915 والعراق 1933 واستمر ويستمر لغاية يومنا هذا ونحن في عام 2020 م، حيث التهجير ألقسري والتغير الديمغرافي على مناطقهم التاريخية جرت وتجري على قدم وساق وبدون توقف؛ فان الحركة القومية (الآشورية) ظلت تواجه تحديات ولم تفشل ولم تتراجع – وان لاقت هزائم على الأرض هنا وهناك – لان (المشروع القومي للأمة الآشورية) ظل فكرا حيويا ينشط في وعي المواطن (الآشوري) وظل على طول مسيرته ينهض بمشروعة القومي بخط متكامل لبناء نهضة الأمة؛ رغم كل الإرهاصات التي واجهة الأمة؛ لان وعي الفكري عن الإنسان (الآشوري) ظل يعالج قضايا المجتمع دون تراجع؛ وسعى عبر كل مراحل التاريخ الحديث والمعاصر إلى تحقيق أهدافهم القومية في وحدة الأمة وقرارها الوطني والحفاظ على هويتهم والدفاع عن وجودهم بكل الوسائل والعمل لضمان تحقيق مشروعهم القومي وتعزيز طاقت الأمة من اجل نهضة حضارية تواكب المعاصرة والتحضر وتتحدى ظروف الواقع القاسية والمريرة التي تواجهه مسيرة الأمة وتعترض فكرهم القومي.


الخاتمة


سعى أحرار الأمة (الآشورية) ومفكريهم في كل مرحلة من مراحل التاريخ إلى تجديد الفكر القومي بإعادة بناءه بعيدا عن أية ايدولوجيا أو تسييس ليكون فكرا حرا يمكنه أن يقدم كل جديد ليؤسس المشروع الناجح بأفكاره وبأبعاد القومية والإنسانية وفق تحديات العصر ومتغيرات الواقع ليكون الفكر القومي (الآشوري) متكافئ مع هذه الإبعاد والمتغيرات، لان التفاعل الفكري وتياراته والتأثر وانتقال وتبادل الأفكار؛ ظواهر لا يمكن الحيلولة دونها؛ لأنه هو السياق الطبيعي للفهم الإنساني فالتراث.. واللغة.. والتاريخ.. والثقافة.. والأدب.. والفن.. والعلم.. والمعرفة.. والمشاعر المشتركة.. هي مشتركات في تكوين الشعور القومي الذي يسبق أي تنظير لارتقاء بأفكار إلى مستوى الواقع والاهتمام بشؤون الأمة والإنسان عبر النقد والتأثير والتأثر لتغيير واقع الأمة نحو الأفضل؛ ليس فكريا فحسب بل ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا لكي يتحول الفكر القومي إلى تيار فكري و ثورة سياسية، باعتبار إن الفكر لا يمكن فصله عن الشعور بالانتماء؛ لان هذه الحقائق لا تنكشف للإنسان مرة واحدة لأن الحياة تتطور على الدوام بفعل قدرات العقل البشري، لذلك يتحتم كما ونوعا توسيع النشاط الثقافي القومي باتجاه التحدث والحداثة ومخاطبتهم بلغة العصر .



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في اليوم العالمي للمرأة.. المرأة في المجتمعات المعاصرة مشبعة ...
- متلازمة السلطة وأزمة النخب الحاكمة
- تهجير الصهاينة من فلسطين أسهل من تهجير سكان غزة
- المقايضة على تمرير القوانين في العراق انتكاسة تشريعية
- الاغتراب الثقافي في مواجهة الفكر المعاصر
- عام يمضي.. وأخر يأتي.. لنجعل من منازل الأسر ومدارس الدولة ور ...
- إشكالية قبول الأخر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم ي ...
- التنبؤات هل هي خزعبلات العرافات والعرافين أم هي تنبؤات بإملا ...
- الأمية وانعكاساتها السلبية على السلوك الاجتماعي
- القيم الأخلاقية في مواجهة متغيرات العصر
- مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق انتكاسة تشريعية
- يوم الشهيد الآشوري .. في السابع من اب 1933 الملك (فيصل الأول ...
- تحديات التي تواجه مستخدمي الذكاء الاصطناعي التوليدي
- عيد الصحافة العراقية.. الصحافة العراقية على المحك في أوضاع ا ...
- التجاعيد محطات من تاريخ العمر.. فيا سيدتي إزالتها بجراحات ال ...
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستات
- اين صوت العرب من معاناة الشعب الفلسطيني.........!
- في اليوم العالمي لحرية الصحافة
- عيد العمال والنقابات العمالية ما لها وما عليها في ظل الأزمات


المزيد.....




- تحديث وتفاصيل الحالة الصحية للبابا فرنسيس بعد أكثر من شهر عل ...
- بعد أزمة مطار هيثرو.. نظرة بالأرقام لعدد الرحلات الجوية المل ...
- مشهد غريب.. فيديو يظهر أخطبوطا يركب على ظهر سمكة قرش ضخمة
- إسرائيل تكثف هجومها جنوب غزة وحماس تعلن مقتل أحد قادتها في غ ...
- بعد دعوة سموتريتش -حماس- تصدر بيانا
- ليبرمان: لست مطمئنا بشأن استقرار نتنياهو النفسي
- وسط التصعيد إسرائيل تعلن عن إنشاء -إدارة لشؤون العبور الطوعي ...
- السلبية كآلية بقاء.. لماذا نبالغ في تقدير مخاطر الأحداث النا ...
- نزع سلاح أوكرانيا بات وظيفة ترمب
- الجنرال بوبوف يحدد أهدافًا جديدة بعد حظر قصف قطاع الطاقة الأ ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فواد الكنجي - اكيتو والميثولوجيا الآشورية وتأثيرها الإبستمولوجي والأنثروبولوجيا في ثقافة المجتمعات والحضارات الأخرى