أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - هل يمكن للإنسان معرفة ما -هو- الله؟















المزيد.....


هل يمكن للإنسان معرفة ما -هو- الله؟


عادل عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 04:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل يمكن للإنسان أن يعرف ما " هو" الله؟
في أوّل خطبة من "نهج البلاغة" يقول الإمام عليّ – ع - :
" أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَ كَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَ كَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَ كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ، وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ"
1- يتألّف هذا المقطع من خطبة الإمام علي – ع – من خمس عباراتٍ، تشتركُ العبارتان الأوليان منه، في قضيتين محددتين بدقة، هما: أنهما معاً، تعبير عن عملية "عقلية" و أنهما أيضاً، عبارتان "تثبتان" للعارف صفة ناتجة عن تلك العملية العقلية الخاصة بكلّ عبارة منهما.
أمّا العبارتان الثالثة و الرابعة، فتشتركان في قضيتين أخريين، هما: أنّهما معاً، ليستا عمليتين معرفيتين "عقليتين" أولاً، لأنّ طور المعرفة قد بلغ كماله في العبارة الثانية، تحديداً، بمفردة "التصديق به" ، أمّا القضية الثانية الخاصة بهما، فهي "إثبات" صفتين جديدتين، غير عقليتين للعارف، و هما " التوحيد" و "الإخلاص" ، الصفتان اللتان، إذْ تعلنان التخلي عن العقل، تمهدان إلى نوع التخلي الثاني، و هو الانتقال من " إثبات" الصفات ، إلى "نفيها"
و هكذا تتقدم العبارة الخامسة، و هي " وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ" لتعلن تخليها الواضح عن تلكما القضيتين معاً. فهي: فضلاً عن كونها عمليةً غير "عقلية" ، فإنها تتأسس على "النفي" ، نفي الصفات عن الله، و نفي " إثبات " أيّ معرفة، يمكن للإنسان الحصول عليها، جرّاء عملية نفيهِ لتلك الصفات.
2- العبارة الخامسة إذن ، و هي " وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ " ، هي محور الخطبة، غايتها، و مكمن ثقلها الأكبر. و هنا تجدر الإشارة إلى أنّ هذه العبارة – هي الوحيدة – التي كانت موضع خلاف شديد بين علماء الدين و المتكلمين و الباحثين، حتى ذهب أحدهم إلى القول محقّا: إنها عبارة " زلّت فيها الأقدام و تاهت فيها بعض العقول، لما فيها من تعقيدات تتطلب الدقة و التدبّر"
إذْ كيف يمكن للإنسان العارف أن يحصل على معرفة ما بـ "موجود" عن طريق "نفي الصفات عنه" مع علمه المسبق، أنّ تلك الصفات، هي الوسيلة المثلى لبلوغ غايته في التعرّف عليه؟
3- هل يريد الإمام عليٌّ منّا، أن نتنازل عن وسائل المعرفة الإنسانية "العقلية" – كما فعل هو - كشرط ملزم، لبلوغنا "كمال مرتبة التوحيد" لله سبحانه؟
يبدو لي، أنّ هذه الدعوة، أي ضرورة التنازل عن العقل كوسيلة لمعرفة الله، هي جوهر خطبة الإمام علي و خلاصتها.
4 – يقول الإمام زين العابدين في "دعاء العابدين" مخاطباً الله عزّ و جلّ، و لا يخفى، أنّ قوله، هو قول عليّ، و الرسول محمد:
" و لم تجعل للخلق طريقاً الى معرفتك"
أي، أنّ الطريق الى معرفتك مسدود، ثم يقول بعد ذلك، " الا بالعجز عن معرفتك "
و يقول في موضع آخر: لم يجعل في احدٍ، من معرفةِ ادراكه، اكثر من العلم بانه لا يدركه!
أمّا الإمام عليٌّ نفسه، فيقول في خطبة أخرى: الحمد لله الذي اعجز الأوهام - أي العقول - ان تنال الا وجوده.
و يقول أيضاً: التوحيد أنْ لا تتوهّمه.
خلاصة القول في هذه الفقرة، إنّ الامام علي يريد إخبارنا، بأنّ معرفة " ماهية الله" ممتنعة على العقل البشري، و أنّ كمال توحيده، أنّما يتمثل بـ "الإخلاص له " فحسب. أي بتفويض القلب مهمة أداء هذا النوع من العلاقة بالله، بعد الاقرار المطلق بعجز العقل عن تحصيل أية علاقة يمكن أن تقوده إلى معرفة الله. و من هنا، سيكون " العجز بداية المعرفة، و يكون الاقرار بأنّ مقام "الاحدية " لا يقع تحت قدرات الادراك، لا عقلا و لا فطرة و لا حدسا.
5- على نحو عام، ينقسم الدينُ إلى قسمين،: أصول الدين، و فروعه. أصول الدين هي العقائد، أمّا فروعه فهي الشرائع.
و في السؤال عن مبدأ التفريق بين أصول الدين و فروعه، أو بين العقيدة و الشريعة، من حيث علاقتهما بالعقل البشري، يمكن القول بثقة: إنّ أصول الدين، يتوقف أمر قبولها، أو رفضها على العقل، أمّا فروع الدين، فلا تحظى بمثل هذه المزيّة، إذْ أنّها مجموعة من الأوامر ينبغي تطبيقها و الأخذ بها بمعزل كامل عن قبول العقل بها أو رفضه لها، كما يرد كلّ ذلك بالتفصيل في المجلد 13 من تفسير الطباطبائي.
لكن، و هذه النقطة الأكثر أهمية، إذا كان "التوحيد" هو أصل أصول الدين، و كانت الأصول كلّها منوطة، متوقفٌ أمر قبولها أو ردّها على العقل البشري من جهة، ثم كان العقل البشري، كما رأينا من خلال أقوال الأئمة – ع – عاجز عجزاً مطلقاً عن معرفة أيّ شيء عن موضوع معرفته، و هو "الله" أي: الذات الإلهية، لا كما تبدو لنا من خلال صفاتها، بل كما هي "في ذاتها" من أجل توحيدها توحيداً خالصاً كاملاً، من جهة أخرى، أقول: إذا كانت معرفة الذات الإلهية منوطة بالعقل، لكونها أحد أصول الدين، و كان العقل عاجزاً مطلقاً عن مثل هذا النوع من المعرفة، فكيف يمكن للإنسان العارف أن يحلّ معضلة عظيمة كهذه؟
هنا يتقدّم حلّ الإمام علي – ع- لهذه المسألة، و هو ما يتمثل بقوله: " و كَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ، وَ كَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ"
معنى هذا أولاً: لا بدّ من أن يتنازل الإنسان عن سعيه "العقلي" إلى "معرفة" الذات الإلهية، لجهة توحيدها على نحو كامل، يتنازل عن ذلك النوع من السعي، ليستبدله بـ "الإخلاص" له فقط، كأنّ الإمام علياً – ع – يخبرنا بضرورة ان لا يكون " التوحيد" أصلاً من أصول الدين فقط، بل أن يكون أيضاً، و في الوقت و المعنى نفسيهما، أصلاً من أصول " الشريعة "، أمراً من الأوامر، ينبغي على الإنسان طاعته، من دون أيّ مشاركة لعقله غايتها، رفضه أو قبوله، و لعلنا نجد في سورة " الإخلاص" مثالاً رائعاً على خصيصة مزج العقيدة بالشريعة، إذْ يقول تعالى: " قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفواً أحد" من حيث أن هذه السورة لا تخبر عن أيّ من صفات الله، إنّما تتحدث عن ماهية الذات الإلهية بطريقة لا تدع للعقل مجالاً للتدخل فيها، إنّها أمرٌ من أوامر الشريعة فحسب، إنها "قل" أو امتثل فحسب، في موضوع كان يفترض الإنسان أنه أصلا من أصول الدين، ينبغي له، إشراك عقله فيه.
أحسب أنّ أقوال الأئمة – ع – جميعاً، هي تفسير و شرح لهذه الآية الكريمة فحسب.



#عادل_عبدالله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لا نفهم ما قاله كارل ماركس؟
- هيجل و ماركس في مقال عنوانه : هل تعلم...؟
- - من أفيون السماء، إلى أفيون الأرض: القصّة الكاملة لصراع مار ...
- كارل ماركس، شاعرا
- كيف نفهم ماركس؟ كيف نفكر معه؟ او ضدّه؟
- الله و الإنسان: من -الجَدل- في فلسفة هيجل، إلى -الدَجَل- في ...
- هيجل و ماركس في أربع مقالات قصيرة
- عبء الاثبات في الحوار الفلسفي: الفصل الرابع: أنطوني فلو: افت ...
- عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - الفصل الثالث: الله و إبريق ش ...
- عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب ...
- عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب ...
- عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - على أيّ من الطرفين يقع عبءُ ...
- التصوّف، فيزياء الكم، و شيزوفرينيا العالَم
- الخاطفُ و الضحيّة ... قصّة فلسفية
- محاولة في التفسير العلمي لعبارة - كن فيكون-
- الوضعيةُ المنطقية : البداية و النهاية
- القرود تفشل في امتحان شكسبير
- أدونيس - و - أنا - بين - تناص - المنصف الوهايبي و - انتحال - ...
- - يومَ ضَبطتُ أدونيس مُتَلبّساً -
- هناك.... حيثُ كنّا ندافعُ عن الوطن


المزيد.....




- ترامب يوجه صفعة لشخصيات مثل كامالا هاريس وكلينتون بمذكرة وقع ...
- ويتكوف: -بوتين صلى من أجل ترامب- عقب محاولة اغتياله
- ألعاب نارية ومشاعل تضيئ سماء كردستان العراق في احتفالات عيد ...
- الحكومة البريطانية ترفع مؤقتا القيود المفروضة على رحلات الطي ...
- ويتكوف: لقاء ترامب وبوتين قد يتم في الأشهر القليلة المقبلة
- -بيلد-: انهيار سلطة فون دير لاين في ظل رئاسة ترامب
- ويتكوف: الحل في غزة يمر عبر نزع سلاح -حماس- وإجراء انتخابات ...
- ويتكوف: الشرع تغير وسوريا ولبنان قد يوافقان على تطبيع العلاق ...
- الذكاء الاصطناعي يرد على مقال -لا تقلل أبدا من شأن السعودية- ...
- السعودية.. فيديو حسرة سائق بعد سرقة -كفرات- سيارته برمضان يث ...


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - هل يمكن للإنسان معرفة ما -هو- الله؟