|
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق : تَشْكِيلَات الْحَضَارَةُ
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 21:12
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الْمَفْهُومُ الْعَامُ لِلْحَضَارَة
الْحَضَارَةُ هِيَ مَفْهُومُ مَعْقَد وَشَامِل يُشِيرُ إلَى تَطَوُّر الْمُجْتَمَعِ الْبَشَرِيِّ عَلَى مَرَّ الزَّمَن. لَقَدْ تَمّ تَعْرِيف الْحَضَارَة بِشَكْل مُخْتَلِفٌ مِنْ قِبَلِ الْبَاحِثِينَ وَالْمُفَكِّرِينَ، وَلَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الْعَنَاصِر الْمُشْتَرَكَةِ فِي هَذِهِ التَّعْرِيفَات. بِشَكْلٍ عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْحَضَارَةَ تُشِيرُ إلَى الْحَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمُجْتَمَعِ الإِنْسَانِيِّ، وَاَلَّتِي تَتَجَاوَزُ حَالَةَ الفَوْضَى وَتَضَع أُسُسًا تَنْظُيمِيَّة لِحَيَاةِ النَّاسِ. هَذَا النِّظَامِ الِإجْتِمَاعِيِّ الْمُتَطَوِّر يَزِيدُ مِنْ إنْتَاجِيَّة الْإِنْسَانُ الثَّقَافِيَّة وَ يُوَفِّرُ لَهُ الْمَزِيدَ مِنْ الرَّاحَةِ وَالرَّفَاهِيَة. وَ قَدْ عَرَفَ "أَدَّوْارد تَايلور (Edward Tylor) " الْحَضَارَةُ بِأَنَّهَا "الْكُلّ الْمُرَكَّبِ الَّذِي يَجْمَعُ بِدَاخِلَه جَمِيع الْمُعْتَقَدَات، وَالْقَيِّم، وَالتَّقَالِيد، وَالْقَوَانِين، وَ الْعَادَات وَ غَيْرِهَا مِنْ القُدُرَات وَ الْعَادَات الَّتِي إكْتَسَبَهَا الْإِنْسَانُ بِصِفَتِه عُضْوًا فِي الْمُجْتَمَعِ". هَذَا التَّعْرِيفِ يُؤَكِّدُ عَلَى الْجَوَانِبِ الثَّقَافِيَّة وَالِإجْتِمَاعِيَّة لِلْحَضَارَة. بَيْنَمَا يَرَى "رَالف بَدنجتون" (Ralph Paddington) إنْ حَضَارَة أَيِّ شَعْبٍ هِي "حُزْمَة أَدَوَات فَكَرْيَّة وَمَادِّيَّة تَمَكَّنَ هَذَا الشِّعْبِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَاتِه الِإجْتِمَاعِيَّة وَالْحَيَوِيَّة". وَهَذَا التَّعْرِيفُ يُرَكِّزُ عَلَى الْجَوَانِبِ الْمَادِّيَّة وَالتِّقْنِيَة لِلْحَضَارَة. وَ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، تُشِير كَلِمَة "الْحَضَارَةُ" إِلَى الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالْمَنَاطِق الْمَأهَوِلة، وَ هِيَ نَقِيضُ الْبَدَاوَة وَ الْبَادِيَة. وَ قَدْ أَشَارَ "ابْنُ مَنْظُورٍ" فِي كِتَابِهِ "لِسَانِ الْعَرَبِ" إلَى أَنْ الْحَضَارَةُ هِيَ "الْمُدُنِ وَالْقُرَى وَالرِّيفُ" الَّتِي يُقِيمُ فِيهَا النَّاسُ عَلَى عَكْسِ الْبَدَاوَة وَ الْبَادِيَة. بِالْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ، فَقَدْ رَبَطَ بَعْض الْمُفَكِّرِين الْمُسْلِمِين الْحَضَارَة بِالتَّقَدُّم وَ التَّفَوُّق، حَيْثُ يَرَوْنَ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ "مَعْنَى التَّقَدُّمِ، وَ التَّفَوُّق النَّوْعِيّ وَ الْكَمِيّ، وَ الإِنْجَاز عَلَى مُسْتَوَى الْوَاقِع، وَ دَرَجَة مَلْحُوظَة مِنْ التَّأْثِيرِ فِي الْمُحِيطِ التَّارِيخِيّ". وَ بِشَكْل عَامٍّ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ مَفْهُومَ الْحَضَارَة يَتَضَمَّن عَنَاصِر مَادِّيَّة وَ فِكْرِيَّة وَثَقَافِيَّة وَإجْتِمَاعِيَّة مُتَدَاخِلَة. فَهِيَ تَشْمَلُ الْبُنَى التَّحْتِيَّةِ وَالتِّقْنِيَّات وَالمُؤَسَّسَات الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَ الدِّينِيَّة، بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُعْتَقَدَات وَالْقَيِّم وَالتَّقَالِيد وَالْفُنُونِ وَ الْآدَابِ. وَقَدْ أَشَارَتْ إحْدَى الدِّرَاسَات إلَى أَنْ مَفَاهِيم الْحَضَارَة مُتَعَدِّدَة إلَّا أَنَّهَا تَدُورُ فِي فَلَكٍ وَاحِدٍ، وَ إِنْ إخْتِلَاف الْعَنَاصِر لِقِيَام الْحَضَارَة تَتَشَابَه لَدَى الْمُنْظَرِين الْمُسْلِمِينَ وَتخْتَلَفَ مَعَ الْغَرْبِيِّينَ فِي بَعْضِ الْجَوَانِب. إذْنٍ، يُعَدُّ مَفْهُوم الْحَضَارَة مَفْهُومًا شَامِلًا وَمُتَعَدِّد الْإِبْعَاد، يُشِيرُ إلَى التَّطَوُّر وَالتَّقَدُّمِ الحَضَارِيِّ لِلْمُجْتَمَعَات الْإِنْسَانِيَّةِ عَبْرَ التَّارِيخِ. وَقَدْ تَمَّ تَعْرِيفُهُ مِنْ قِبَلِ الْبَاحِثِينَ وَالْمُفَكِّرِينَ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمُخْتَلِفة، وَلَكِنْ هُنَاكَ تَشَابُهٌ فِي العَنَاصِرِ الأَسَاسِيَّةَ الَّتِي تَكُونُ الْحَضَارَة.
_ الْمَفْهُومُ الْفَلْسَفِيّ لِلْحَضَارَة
يُعَدُّ مَفْهُوم الْحَضَارَة بِإعْتِبَارِه مُرْتَبِطًا إرْتِبَاطًا وَثِيقًا بِالْفَلْسَفَة ذَاتِهَا. فَالحَضَارَة هِي وَلِيدَة الْفَلْسَفَة، وَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ الْفَلْسَفَة تسْتَمَدّ جُذُورُهَا وَتَتَأَثَّر بِالْحَضَارَة أَيْضًا. فَفِي الْفَلْسَفَة، يُنْظَرُ إلَى الْحَضَارَةِ عَلَى أَنَّهَا الكِيَان الشَّامِلِ الَّذِي يَضُمُّ جَمِيعَ جَوَانِبِ الْحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ، بِمَا فِي ذَلِكَ الْمُعْتَقَدَات وَ الْقَيِّم وَ التَّقَالِيد وَالْقَوَانِين وَالْمَعْلُومَات وَالْفُنُون وَغَيْرِهَا. وَ هِيَ تُمَثِّلُ التَّطَوُّر وَالتَّقَدُّم الَّذِي يُحَقِّقُه الْإِنْسَانِ فِي مُخْتَلَفٍ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ. كَمَا يَرَى الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْحَضَارَةَ تَتَشَكَّل مِنْ خِلَالِ طَرْحِ ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ جَوْهَرِيَّةٍ هِيَ: مَا هُوَ الْعَالِمُ وَمَا هُوَ مُكَوِّنَاتِه؟ وَمَا هُوَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ؟ وَمَا هُوَ السَّبِيلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ إتِّبَاعُهُ فِي حَيَاتِهِ؟ وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ تَعْكِس الْجَوَانِب الْفَلْسَفِيَّة الْمُتَعَلِّقَة بِالْمَيِّتِافِيزِيقَا وَالْأَخْلَاقِ وَ السِّيَاسَة. مِنْ الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ أَيْضًا، تُعْرَفُ الْحَضَارَة بِأَنَّهَا "تَفَنُّنْ فِي التَّرَف وَإحْكَام الصَّنَائِع الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي وُجُوهِهِ وَ مَذَاهِبِه مِنْ الْمَطَابِخِ وَالْمَلَابِس وَالْمَبَانِي وَالْفُرُش وَالْأَبْنِيَة وَ سَائِر عَوَائِد الْمَدَنِيَّة". أَيْ أَنَّهَا تَتَمَثَّلُ فِي التَّقَدُّمِ الْمَادِّيِّ وَ التِّقْنِيّ الَّذِي يُحَقِّقُه الْمُجْتَمَعِ، إِلَى جَانِبِ التَّطَوُّر الْفِكْرِيِّ وَ الثَّقَافِيِّ. وَيَنْظُر ابْنُ خَلْدُونَ إِلَى الْحَضَارَةِ عَلَى أَنَّهَا "نَمَطٍ مِنَ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ" الَّذِي يُنْشِئُ الْقُرَى وَالْمُدُنِ وَيَضْفي عَلَى حَيَاةِ النَّاسِ فُنُونًا مُنْتَظِمَةٍ فِي الْعَيْشِ وَالْعَمَل. وَهَذَا يَعْكِسُ رُؤْيَة فَلْسَفِيَّة لِتَطَوُّر الْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الْبَدَاوَة إلَى الْحَضَارَة. كَمَا يَنْظُرُ إلَى الْحَضَارَةِ فِي الْفَلْسَفَةِ عَلَى أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الشُّرُوط الْأَخْلَاقِيَّة وَالْمَادِّيَّة الَّتِي تُتِيح لِمُجْتَمَع مُعَيَّن التَّقَدُّم وَ الِإزْدِهَار. فَهِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَرَاكَم لِلْأَنْجَازَات الْمَادِّيَّةِ وَ الْفِكْرِيَّة، بَلْ تَشْمَلُ أَيْضًا الْجَوَانِب الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة الَّتِي تَحْكُمُ حَيَاة النَّاسِ. وَ يَرَى بَعْضُ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ الْحَضَارَةَ هِيَ عَمَلِيَّةُ "أنْسَنَّة" لِلطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، بِحَيْث تَزَوَّد الْإِنْسَان بِالْوَسَائِل الْمَادِّيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ اللَّازِمَةِ لِلْحَيَاةِ، مَع إحْتِرَام الْحُرْمَة وَالْقُدْسِيَّة الْمُتَأَصِّلَةِ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْإِنْسَان. وَ فِي النِّهَايَةِ، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ مَفْهُومَ الْحَضَارَةِ فِي الْفَلْسَفَةِ يَتَسَمّ بِالشُّمُولِيَّة وَ التَّعْقِيد، حَيْثُ يَرْتَبِطُ بِالْعَدِيدِ مِنَ الْجَوَانِبِ الْفِكْرِيَّة وَ الْأَخْلَاقِيَّة وَالسِّيَاسِيَّةُ وَالِإجْتِمَاعِيَّةُ وَالتِّقْنِيَة. فَهِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَرَاكَم لِلْأَنْجَازَات الْمَادِّيَّةِ، بَلْ هِيَ كِيَان مُتَكَامِل يَعْكِس الرُّوحُ الْإِنْسَانِيَّةُ فِي مُخْتَلَفٍ مَجَالَاتِ الْحَيَاةِ.
_ دُورٌ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي تَشْيِيدِ الْحَضَارَة
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق لَهُمَا دُور بَالِغَ الْأَهَمِّيَّةِ فِي بِنَاءِ وَإزْدِهَار الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَنْهَضَ حَضَارَة بِدُون إعْتِمَادَ عَلَى هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ الْأَسَاسِيين. لَقَدْ كَانَ لِلْعِلْمِ دُور مِحْوَرَي فِي تَقَدُّمِ الْحَضَارَات عَبْرَ التَّارِيخِ. فَالْعِلْمُ هُوَ الْأَسَاسُ الْمَادِّيّ وَالتِّقْنِيّ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ أَيْ نَهْضَة حَضَارِيَّة. وَقَدْ أَثْبَتَ التَّارِيخُ أَنَّ الْأُمَمَ الَّتِي إهْتَمَّتْ بِالْعِلْم وَتَطْوِيرِه كَانَتْ فِي طَلِيعَةٍ الْحَضَارَات الْمَزدهرة. فَالْعِلْمُ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ مِنْ التَّحَكُّمِ فِي الطَّبِيعَةِ وَإسْتِغْلَال مَوَارِدِهَا لِصَالِح الْبَشَرِيَّةِ. كَمَا أَنَّهُ يُسَاهِمُ فِي تَطْوِيرِ التِّقْنِيَّات وَالِإخْتِرَاعَات الَّتِي تُسَهِّلُ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ وَتَرْفَعُ مِنْ مُسْتَوَى مَعِيشَتِه. وَقَدْ شَهِدَتْ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الذَّهَبِيّ إزْدِهَارِا عَلْمِيًّا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ، حَيْث أسْهُم الْعُلَمَاء الْمُسْلِمُونَ فِي تَطْوِيرِ الْعَدِيدِ مِنَ الْعُلُومِ وَ الْمَعَارِفِ الَّتِي أَثَّرَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي النَّهْضَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْأُورُوبِّيَّة فِيمَا بَعْدُ. وَ مَنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ الْأَخْلَاق تَعَدّ الْأَسَاس الْمَعْنَوِيّ وَالرُّوحِيّ الَّذِي تَقُومُ عَلَيْهِ الْحَضَارَات. فَالْقَيِّم الْأَخْلَاقِيَّة وَالْفَضَائِل هِيَ الَّتِي تَحْمِي الْبَشَرِيَّةِ مِنْ الِإنْحِرَافِ وَ الْفَسَادِ، وَتَحْفَظ لَهَا سَلَّامَةُ مَنْظُومَتُهَا الْحَيَاتِيَّة فِي مُخْتَلَفٍ مَرَاحِلِ نُمُوِّهَا وَتَطَوُّرِهَا. فَالْأَخْلَاق الْفَاضِلَة كَالْعَدْل وَالرَّحْمَة وَ الْمُسَاوَاةِ هِيَ الَّتِي تَجْعَلُ الْحَضَارَة تَزِدْهر وَتَرْتَفِعُ شَانَهَا. كَمَا أَنَّهَا الَّتِي تَضْمَنُ إسْتِقْرَار الْمُجْتَمَعِ وَتَمَاسُكِهِ، وَتَحَقَّق الْأَمْن وَ الرَّفَاهِيَة لِلْأَفْرَاد. وَقَدْ أَكَّدَ التَّارِيخِ عَلَى أَنَّ الْحَضَارَات الَّتِي إهْتَمَّتْ بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الرُّوحِيَّةِ كَانَتْ أَكْثَرَ قُوَّةً وَتَمَاسُكًا مِنْ غَيْرِهَا. فَالْعِلْم وَحْدَهُ لَا يَكْفِي لِبِنَاءِ حَضَارَة مُتَكَامِلَة؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إقْتِرَانِهِ بِالْأَخْلَاق وَالْمَبَادِئ الْفَاضِلَة. وَبِالتَّالِي، يَتَّضِحُ أَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا الرَّكيزتان الْأَسَاسِيَتَان اللَّتَانِ تَقُوم عَلَيْهِمَا الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الرَّاقِيَة. فَالْعِلْم يُوَفِّر التَّقَدُّمِ الْمَادِّيِّ وَ التِّقْنِيّ، وَالْأَخْلَاق تَضَمَّن السُّلُوك الرَّشِيد وَالْقَيِّم الرُّوحِيَّة.وَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ أَيَّ مُجْتَمَعٍ أَوْ حَضَارَة تَسْعَى لِلنُّهُوض وَالِإزْدِهَار عَلَيْهَا إنْ تَتَوَازن بَيْنَ هَذَيْنِ الْعُنْصُرَيْنِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ التَّكَامُل بَيْنَهُمَا. فَالْعِلْم بِدُون أَخْلَاق قَدْ يُؤَدِّي إلَى اسْتِخْدَامِ سَيِّئ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْأَخْلَاقَ بِدُونِ عِلْمِ قَدْ تَكُونُ عَاجِزَةٌ عَنْ مُوَاكَبَةِ التَّطَوُّر وَالتَّقَدُّم. وَ هَذَا مَا أَثْبَتَتْهُ تَجَارِب الْحَضَارَات النَّاجِحَة عَبْرَ التَّارِيخِ، وَاَلَّتِي إسْتَطَاعَتْ أَنْ تُوَازِنُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق فِي بِنَاءِ هَيْكَلُهَا الْحَضَارِيّ الْمُتَكَامِل. فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا هُوَ السَّبِيلُ الْأَمْثَل لِتَشَييد حَضَارَةُ إِنْسَانِيَّة رَاقٍيَّة وَخَالِدَة.
_ كَيْفَ يُمْكِنُ النُّهُوض بِالْمُجْتَمَعَات الْمُتَخَلِّفَة عِلْمِيًّا
لِلنُّهُوض بِالْمُجْتَمَعَات الْمُتَخَلِّفَة عِلْمِيًّا، هُنَاك عِدَّة عَوَامِلَ أَسَاسِيَّةٍ يَجِبُ أَخْذُهَا بِالِاعْتِبَار. أولا يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِير الْبِنْيَة التَّعْلِيمِيَّة وَالْبَحْثيَّة فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ. ضَعْفِ البِنْيَةِ التَّعْلِيمِيَّة وَقِلَّة الِإهْتِمَام بِالْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ هُمَا مِنْ أَبْرَزِ الْعَوَامِلِ الَّتِي أَدَّتْ إلَى تَخَلُّفٍ هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ عِلْمِيًّا. لِذَلِكَ، يَجِبُ عَلَى هَذِهِ الدُّوَلِ الِإسْتِثْمَار بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي التَّعْلِيمِ وَالْبَحْث الْعِلْمِيّ، بِمَا فِي ذَلِكَ إنْشَاءً مُؤَسَّسَات أَكَادِيمِيَة وَبَحثيَّة مُتَطَوِّرَة، وَ تَحْسِين مَنَاهِجِ التَّعْلِيمِ لِتَوَاكب التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَة، وَ تَشْجِيع الِإبْتِكَار وَالْإِبْدَاع الْعِلْمِيّ. ثَانِيًا، يَتَطَلَّب الْأَمْر تَوْفِير بِيئَة مَشْجَعَة وَمُحَفزة لِلنَّهْضَةِ الْعِلْمِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ. وَ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ دَعْم الْقِيَادَة السِّيَاسِيَّة الْعُلْيَا لِلثَّقَافَة الْعِلْمِيَّة وَ إِعْطَائِهَا أَوْلَوِيَّة قُصْوَى، حَيْثُ إنَّ تَأْثِير الْقِيَادَةُ عَلَى الْمُجْتَمَعِ أَمَرَ بَالِغٌ الْأَهَمِّيَّة. كَمَا يَنْبَغِي إحْدَاث تَغْيِيرَات إجْتِمَاعِيَّة وَ ثَقَافِيَّة تُسَاعِدُ عَلَى الِإنْتِقَالِ مِنْ الْمُجْتَمَعِ التَّقْلِيدِيّ إِلَى مُجْتَمَعٍ حَدِيث وَعَصَري، مَعَ الِإهْتِمَامِ بِتَنْمِيَة الطَّاقَة الْفَاعِلَة لَدَى أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ وَتَوْجِيهُهَا نَحْو الْعَمَل وَالْحَرَكَة وَفْق فَكَرة دِينِيَّة تَسْتَنِدُ إلَى تَرْكِيبِ عَنَاصِرِ الحَضَارَةِ. ثَالِثًا، هُنَاك عَوَامِل دَاخِلِيَّة وَخَارِجِيَّة أَعَاقت النَّهْضَةِ الْعِلْمِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ، مِثْل الِإسْتِعْمَار وَالسَّيْطَرَة الْخَارِجِيَّة، وَتَرَدَّي الْبُنَى الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ السِّيَاسِيَّةِ، وَغِيَاب الِإسْتِقْرَار. لِذَا، يَجِبُ مُعَالَجَةِ هَذِهِ الْمُعَوِّقَاتُ بِشَكْلٍ شَامِلٍ وَالْعَمَلُ عَلَى تَحْقِيقِ الِإسْتِقْرَار السِّيَاسِيِّ وَالِإجْتِمَاعِيِّ، وَتَعْزِيز الِإسْتِقْلَال الْوَطَنِيّ وَتَحْرِير الدُّوَل مِنَ الْهَيْمَنَةِ الْخَارِجِيَّة، وَإِصْلَاح الْبُنَى الِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ السِّيَاسِيَّةِ المُعَيْقة لِلتِّطور. رَابِعًا، يَجِب التَّرْكِيزِ عَلَى الْمَرْحَلَةِ الِانْتِقَالِيَّةِ بَيْنَ الْمُجْتَمِعِ التَّقْلِيدِيّ وَالْمُجْتَمَعُ الْحَدِيثُ، حَيْثُ تَكْمُن التَّحَدِّيَات الرَّئِيسِيَّة. فَهَذِه الْمَرْحَلَة تَتَطَلَّب جُهُودًا حَثِيثَة لِتَغْيِير الْمَفَاهِيم وَالْعُلُوم الدِّينِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّةِ وَ الثَّقَافِيَّة، وَإِخْضَاعِهَا لِأضَواء الْعَقْلُ وَالْبَحْث الْعِلْمِيّ الْحُرِّ. كَمَا يَجِبُ عَلَى النَّخب الثَّقَافِيَّة وَالسِّيَاسِيَّة وَالْعِلْمِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ الْقِيَامِ بِدَوْرِ فَعَالٌ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ الِإنْتِقَالِيَّةِ، لِلتَّمَكُّنِ مِنْ التَّطَوُّر التَّدْرِيجِيّ وَالْمَرَحُلي لِلْمُجْتَمَعِ. وَأَخِيرًا، يُمْكِنُ الِإسْتِفَادَةُ مِنْ تَجَارِبِ الدُّوَلِ الَّتِي نَجَحَت فِي إحْدَاثِ نَهْضَة عِلْمِيَّةً فِي السَّابِقِ، مِثْلُ مَا حَقَّقْتُهُ أُورُوبَّا عَبْرَ الثَّوْرَةِ الْفَرَنْسِيَّةِ وَالثَّوْرَة الصِّنَاعِيَّة. فَدِرْاسة هَذِهِ التَّجَارِب وَ الِإسْتِفَادَة مِنْهَا فِي السِّيَاقِ الْمَحَلِّيّ لِلْمُجْتَمَعَات الْمُتَخَلِّفَة سَيُسَاعِد كَثِيرًا فِي وَضْعِ الْخُطَط وَالِإسْتِرَاتِيجِيَّات الْمُنَاسَبَةُ لِتَحْقِيق النَّهْضَةِ الْعِلْمِيَّةِ المَنْشُودَة. بِالْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْعَوَامِل الْأَسَاسِيَّة، يُمْكِنُ إحْدَاثُ نَهْضَة عِلْمِيَّة حَقِيقِيَّةً فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُتَخَلِّفَة وَالِإنْتِقَال بِهَا إلَى مَصَافِّ الْمُجْتَمَعَات الْمُتَقَدِّمَة عِلْمِيًّا وَتَقَنيا.
_ التَّأْسِيسُ لِلنُّهُوض الْحَضَارِيّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُتَخَلِّفَة
لِتَحْقِيقِ النُّهُوض الْحَضَارِيّ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْمُتَخَلِّفَة، لَا بُدَّ مِنْ التَّأْسِيس لَهُ عَلَى عِدَّةِ مُسْتَوَيَات مُتَكَامِلَة. تَعَدّ الرُّؤْيَة الْفِكْرِيَّةُ وَ الثَّقَافِيَّةُ هِيَ الْأَسَاسُ لِتَحْقِيق أَيْ نَهْضَة حَضَارِيَّة. فَمِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يُتِمَّ بِنَاء نَمُوذَج فِكْرِي وَثَقَافِيّ قَادِرٍ عَلَى تَوْفِيرِ الرُؤَى وَ الْمِنْطَلَقَات اللَّازِمَةِ لِلنُّهُوض. وَ يُتَطَلَّب ذَلِك إعَادَةُ بِنَاء الْمَنْظُومَة الْفِكْرِيَّةُ وَ الثَّقَافِيَّةُ عَلَى أُسُسٍ مَتِينَةٍ تَسْتَنِدُ إلَى الْقَيِّمِ وَ الْمَبَادِئِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكَوْنِيَّة الْأَصِيلَة، مَعَ مُرَاعَاةِ الْمُعْطَيَات الْحَضَارِيَّة وَ الْعَلَمِيَّة الْمُعَاصِرَة، تَأْصِيل مَفْهُوم الْحَضَارَة وَتَفْعيل دَوْرَهُ فِي حَيَاةِ الْمُجْتَمَعِ، بِحَيْث تُصْبِح الْهُوِيَّة الْحَضَارِيَّة هِيَ الْمَرْجِعِيَّة الْأَسَاسِيَّة. إصْلَاح الْمَنْظُومَة التَّرْبَوِيَّة وَ التَّعْلِيمِيَّة بِمَا يَكْفُلُ غَرْسِ القِيَمِ وَ المُثُلِ العُلْيَا فِي نُفُوسِ الْأَجْيَالِ الْجَدِيدَةِ، وَتَمْكِينُهُمْ مِنْ مُوَاكَبَة التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّقْنِيّ. إنْتَاجِ الْمَعْرِفَة وَتَوْظِيفِهَا فِي خِدْمَةِ النَّهْضَة الْحَضَارِيَّة، بَدَلًا مِنْ الِإكْتِفَاءِ بَإسَتِيرَاد الْمَعَارِفِ الْجَاهِزِة. لَا تَتَحَقَّقُ النَّهْضَة الْحَضَارِيَّةَ فِي ظِلِّ أَنْظِمَة سِيَاسِيَّة مُسْتَبِدَّة وَ وَاقِع إجْتِمَاعِيّ مُتَخَلِّف. لِذَا يَتَطَلَّب الْأَمْر إِرْسَاء نِظَام سِيَاسِيّ دِيمُقْرَاطِيّ قَائِمٌ عَلَى حُكْمِ الْقَانُون وَ تَدَاوُل السُّلْطَة، وَتَمْكِين الْمُؤَسَّسَات الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ مِنِ الْقِيَام بِدَوْرِهَا. تَطْوِير مَنْظُومَة إجْتِمَاعِيَّة مُتَكَامِلَة تَسُودُها قَيِّم التَّسَامُح وَ التَّعَاوُن وَ الْعَدْل وَالْمُسَاوَاة، وَ تَكَفَّل تَكَافُؤَ الْفُرَصِ وَ حِمَايَة الْحُقُوق وَ الْحُرِّيَّات. تَحْقِيق التَّكَامُل وَ التَّضَامُن بَيْنَ مُكَوِّنَات الْمُجْتَمَع وَتَوْحِيد الصَّفّ الْوَطَنِيّ، بَعِيدًا عَنْ الإنْقِسَامَات الطَّائِفِيَّة وَالعَرْقِيَّة. النُّهُوض بِالْمَرْأَة وَتَمْكِينِهَا مِنْ الْمُشَارَكَةِ الْفَاعِلَة فِي مَسِيرة الْبِنَاءِ الْحَضَارِيِّ. كَمَا لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ أَيْ نَهْضَة حَضَارِيَّةً فِي ظِلِّ ضَعْفِ البِنْيَةِ الِإقْتِصَادِيَّة وَ تَخَلَّف مُسْتَوَيَات التَّنْمِيَة. لِذَا يَلْزَمُ بِنَاءُ نِظَام إقْتِصَادِيّ مُتَكَامِل قَائِمٌ عَلَى الِإسْتِثْمَار الْأَمْثَل لِلْمَوَارِد الذَّاتِيَّة، وَ تَحْقِيق الِإكْتِفَاء الذَّاتِيِّ فِي الْمَجَالَاتِ الْحَيَوِيَّة. تَطْوِير الْبِنْيَةِ التَّحْتِيَّةِ وَ تَعْزِيز القُدُرَات التِّقْنِيَّة وَ التِّكْنُولُوجِيَّة، بِمَا يُمْكِنُ مِنْ الِإسْتِفَادَةِ الْفَاعِلَة مِنْ إِنْجَازَات الْعِلْم وَ التِّقْنِيَة الْحَدِيثَة. تَحْفَيز الإبْتِكَارِ وَ الْإِبْدَاع فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات الِإقْتِصَادِيَّة وَالتَّنْمويَّة، وَ تَشْجِيعِ الْمُبَادَرات الْفَرْدِيَّةُ وَالْخَاصَّة. تَحْقِيق التَّنْمِيَة الْمُتَوَازُنَة بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْقطَّاعِات والْمَنَاطِقِ الْجُغْرَافِيَّة، وَضَمَان الْعَدَالَةِ فِي تَوْزِيعِ الثَّرْوَة وَالْخدْمَات. لَا تَتَحَقَّقُ النَّهْضَة الْحَضَارِيَّة بِمَعْزِلٍ عَنْ الْأَمْنِ وَالِإسْتِقْرَار، وَ الْمَكَانَة الْحَضَارِيَّة لِلْمُجْتَمَع. لِذَا يَتَطَلَّب الْأَمْر تَحْقِيق الْأَمْن وَالِإسْتِقْرَار الدَّاخِلِيّ، وَ وَقَف التَّدَخُّلِات الْخَارِجِيَّة وَإِزَالَة أَيْ عَوَامِل لِلصِّرَاع وَالتَّفَكُّك. إضَافَةُ إلَى تَعْزِيز الْمَكَانَة الْحَضَارِيَّة لِلْمُجْتَمَع عَلَى الصَّعِيدِ الْإِقْلِيمِيّ وَ الدَّوْلِيّ، مِنْ خِلَالِ الْمُشَارَكَةَ الْفَاعِلَةَ فِي الْحِوَارِ الْحَضَارِيّ وَ التَّوَاصُل مَع الْآخَر. تَطْوِير مَنْظُومَة الْأَمْن الْقَوْمِيّ الشَّامِل، بِمَا يَكْفُلُ حِمَايَة السِّيَادَة وَالْكَرَامَة وَالْمُصَالَح الْوَطَنِيَّة. إنْ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمُسْتَوَيَات الْمُتَكَامِلَة لِلنُّهُوض الْحَضَارِيّ يَتَطَلَّب جُهُودًا ذَؤُوِبَّة وَتَضَافُراً بَيْنَ مُخْتَلِفِ مُكَوِّنَات الْمُجْتَمَعِ، فِي إِطَارِ رُؤْيَة إسْتِرَاتِيجِيَّة وَاضِحَةِ الْمَعَالِمِ. كَمَا أَنَّهُ يَتَطَلَّب قِيَادَة سِيَاسِيَّة مُلْتَزِمَة وَ شِعْبٌ وَاع وَقَادِرٌ عَلَى الْمُشَارَكَةِ الْفَاعِلَةِ فِي مَسِيرَة الْبِنَاء وَالتَّغْيِير.
_ بَعْضُ النَّمَاذِجَ مِنَ الْإِنْجَازَات الَّتِي قَدَّمَتْهَا الْحَضَارَات الْقَدِيمَةِ فِي مَجَالَاتِ الْأَخْلَاق وَالْعِلْم؟
الْحَضَارَات الْقَدِيمَة سَاهَمَت بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَطْوِيرِ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ عَلَى مُخْتَلِفِ الْأَصْعِدَة، وَلَا سِيَّمَا فِي مَجَالَاتِ الْعُلُومِ وَالْأَخْلَاق. فِي مَجَالِ الْعُلُومِ. قَدِّمَتْ الْحَضَارَات الْإِنْسَانِيَّة الْقَدِيمَة إِنْجَازَات عِلْمِيَّة كَثِيرَةٌ وَ مُتَنَوِّعَةٌ، وَ كَانَ لَهَا دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي تَطْوِيرِ مُخْتَلَف الْمَجَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّكْنُولُوجِيَّة. أَبْرَزَ هَذِهِ الْإِنْجَازَات مَا قَدَّمْتُهُ الْحَضَارَة الْمِصْرِيَّة الْقَدِيمَة. تَعَدّ الْحَضَارَة الْمِصْرِيَّة الْقَدِيمَةِ مِنْ أَقْدَمِ الْحَضَارَات فِي التَّارِيخِ الْبَشَرِيِّ، وَ قَدْ سَاهَمَت بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَطْوِيرِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَعَارِفِ وَ الْعُلُومِ. مِنْ أَهَمِّ إنْجَازًاتِهَا الْعِلْمِيَّةِ الزِّرَاعَةُ وَالرَّيّ. فَقَدْ إسْتَغَلّ الْمِصْرِيُّون الْقُدَمَاء نَهْرِ النِّيلِ وَ تَقَنِّيَّات الرَّيِّ الْمُتَطَوِّرَة لِتَحْقِيق إنْتَاجِيَّة زِرَاعِيَّة عَالِيَة، حَيْثُ تَمَكَّنُوا مِنْ زِرَاعَةٍ مَحَاصِيل غِذَائِيَّة أَسَاسِيَّة مِثْلُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، وَ كَذَلِكَ مَحَاصِيل صِنَاعِيَّة كَالْكَتَّان وَ الْبَرْدِيّ. كَمَا طَوَّرُوا طُرُق التَّسْمِيد وَ الْحَصَاد وَ التخزين. وَضَع الْمِصْرِيُّون الْقُدَمَاء أُسِّس الرِّيَاضِيَّات الْعَمَلِيَّة، وَتَمَكَّنُوا مِنْ حِسَابِ الْمِسَاحَات وَالْحَجُوم وَ حَلَّ الْمُعَادَلات الرِّيَاضِيَّةِ الْبَسِيطَة. كَمَا إبْتَكَرُوا نِظَام الْقِيَاس وَ الْأَوْزَان وَ الْمَقَايِيس الدَّقِيقَة. كَمَا بَلَّغَ الطِّبّ الْمِصْرِي الْقَدِيم مُسْتَوَيَات مُتَقَدِّمَة، حَيْث قَامُوا بِإِجْرَاء عَمَلِيَّات جِرَاحِيَّة مُعَقَّدَة كَالْجِرَاحَة الْقَيْصَرِيَّة وَتَحْنِيطِ الْجُثَث. وَكَانَ لَهُمْ إِسْهَامًات كَبِيرَةٌ فِي عِلْمِ التَّشْرِيحِ وَ التَّشْخِيص وَ الْعِلَاج. كَمَا اُشْتُهِر الْمِصْرِيُّون الْقُدَمَاء بِإِنْجَازَاتِهِمْ المِعْمَارِيَّة الرَّائِعَة، كَبِنَاء الْأَهْرَامات وَالمَعَابِد الضَّخْمَة بِإسْتِخْدَام تِقْنِيَات هَنْدَسِيَّة مُتَطَوِّرَة. كَمَا إبْتَكَرُوا طُرُق مُتَقَدِّمَة لِلرَّيّ وَ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ طَوْر الْمِصْرِيُّون الْقُدَمَاء عِلْمِ الْفَلَكِ وَ تَمَكَّنُوا مِنْ الَّتنبؤ بِحَرَكَاتٍ الْكَوَاكِب وَ النُّجُوم. كَمَا وَضَعُوا تَقْوِيمًا دَقِيقًا يَتَكَوَّنُ مِنْ 365 يَوْمًا. فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ مِنْطَقَةٍ الشَّرْقِ الْعَرَبِيِّ الْقَدِيم سَاهَمَت الْحَضَارَة الْبَابِلِيَّة بِالْعَدِيدِ مِنَ الْإِنْجَازَات الْعِلْمِيَّةِ، مِنَ أَبْرَزَهَا عِلْمَ الْفَلَك. حَيْثُ تَمَيَّزَ الْبَابِلِيون بِدِرَاسَّاتُهُمْ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْفَلَك، حَيْثُ تَمَكَّنُوا مِنْ رَصْدِ حَرَكَات الْكَوَاكِب وَ النُّجُوم بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ وَتَطْوِير أَوَّل نِظَام تَقْوِيمَيْ قَمَرِيٌّ. وَضَع الْبَابِلِيون أُسِّسَ الرِّيَاضِيَّات الْعَمَلِيَّة، وَتَمَكَّنُوا مِنْ حِلِّ الْمُعَادَلات الْجَبْرِيَّةُ وَالْهَنْدَسِيَّة الْمُعَقَّدَة. كَمَا إبْتَكَرُوا نِظَام الْعَدّ السُّدَاسِيّ وَ التَّقْسِيم الزَّمْني. تَمَّ تَطْويْرُ نِظَام كِتَابة مسَمًّاري مُتَطَوَّرٌ وَ إكْتِشَاف الصُّفْر وَ تَقْسِيم السَّاعَةِ إلَى 60 دَقِيقِة و 60 ثَانِيَة. بَرَع الْبَابِلِيون فِي الْهَنْدَسَةِ الْمِعْمَارِيَّةِ وَالْإِنْشَائِيَّة، وَ بَنَوْا مُدِّنَا كَبِيرَة وَأبْنَيَّة ضَخْمَة بِإسْتِخْدَام تِقْنِيَات مُتَقَدِّمَةٍ. كَمَا سَاهِموا فِي تَطْوِيرِ نَظْم الرَّيّ وَالصَّرْفِ الصِّحِّيِّ. فِيمَا يَخُصُّ الْحَضَارَةِ الصِّينِيَّةِ الْقَدِيمَة فَقَدْ قَدَّمْتُ هِيَ الْأُخْرَى إِنْجَازَات عِلْمِيَّة بَارِزَةً فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَات، مِنْ أَهَمِّهَا الطِّبّ وَالصَّيْدَلَة، طَوَّرَ الْعُلَمَاءُ الصِّينِيُّونَ الْقُدَمَاء طُرُقًا مُتَقَدِّمَة لِلتِّشْخِيص وَ الْعِلَاجُ، وَإسْتَخْدَمُوا الْأَعْشَاب الطِّبِّيَّة وَالْوَخْز بِالْإِبَر. كَمَا إبْتَكَرُوا أَدْوِيَة فَعَّالَة لِعِلَاجِ الْأَمْرَاضِ. أَيْضًا قَامَ الْعُلَمَاءُ الصِّينِيُّونَ بِرَصْد حَرَكَات الْكَوَاكِب وَالنُّجُوم بِدِقَّة، وَطَوَرُوا تَقْوِيمًا شَمْسُيا-قَمَرِيًّا دَقِيقًا. كَمَا إكْتَشَفُوا ظَوَاهِر فَلَكِيَّة مِثْل الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ. أَبْدَع الصِّينِيُّون الْقُدَمَاءِ فِي مَجَالِ الْهَنْدَسَةِ الْمِعْمَارِيَّةِ وَبِنَاء السُّدُود وَالْقَنَوَات. كَمَا إبْتَكَرُوا تِقْنِيَات مُتَقَدِّمَة كَالبَوْصَلَة وَ الْبَارُود وَالْوَرِق وَالطِّبَاعَة. كَمَا أَسْهُمت الْحَضَارَةُ الْيُونَانِيَّة الْقَدِيمَة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَأْسِيسِ الْعُلُوم الْأَسَاسِيَّة، وَمِنْ أَبْرَزِ إنْجَازًاتِهَا الْعِلْمِيَّة الْفَلْسَفَة وَ الْمَنْطِق، بَرَزَ فِي اليُّونَانِ الْقَدِيمَةِ عُلَمَاء وَفَلَاسِفَة كِبَار كَأَرِسْطُو وَأَفْلَاطُون وَسُقْرَاط، الَّذِينَ وَضَعُوا أُسِّس المَنْطِقِ وَالفَلْسَفَةِ الطَّبِيعِيَّة. قَدِم الْعُلَمَاء اليُونَانِيُّون إِسْهَامًات جَوْهَرِيَّةُ فِي الرِّيَاضِيَّات، كَإكِتِشَاف نَظَرِيَّةٌ إقْلِيدِسْ وَحِسَابِ المُثَلَّثَاتِ وَ تَطْوِير الْجَبْر. تَوَصَّلَ الْعُلَمَاءُ اليُونَانِيُّون إلَى نَظَرِيَّات فَلَكِيَّة مُتَقَدِّمَة كَنَظِريَّة بَطْلَيْمُوس، وَكَذَلِك إكْتِشَافَات فِي الْمَيكانِيكًا وَالبَصَرِيَّات وَ الْحَرَارَة. أُسِّس اليُونَانِيُّون عِلْمِ التَّشْرِيحِ وَ الْفِسْيُولُوجْيَا، وَ طْؤُروا طُرُقًا عِلَاجِيَّة مُتَقَدِّمَة كَالْجِرَاحَة وَ التَّشْخِيص. كَمَا أَجْرَوْا دِرَاسَات مُهِمَّةٌ فِي عِلْمِ النَّبَات وَ الْحَيَوَانِ. إنْ هَذِهِ الْإِنْجَازَات الْعِلْمِيَّة لِلْحَضَارَات الْقَدِيمَة كَانَتْ بِمَثَابَةِ الْأَسَاسُ الَّذِي بُنِّيَ عَلَيْهِ التَّقَدُّمُ وَالتَّطَوُّر الْعِلْمِيّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ فِي الْعُصُورِ اللَّاحِقَة. فَقَدْ شَكَّلَتْ هَذِه الْحَضَارَات نُقْطَة إنْطِلَاق لَمُخْتَلِف الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ الْحَدِيثَة. كَمَا سَاهَمَت الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْقَدِيمَة بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي تَقَدُّمِ الْعُلُومِ وَ الطِّبّ، حَيْث أَنْجَز عُلَمَاء مُسْلِمُون مِثْل الزَّهْرَاوِيّ إِنْجَازَات مُهِمَّةٌ فِي مَجَالِ الْجِرَاحَة، وَتَمّ تَرْجَمَة كَتَبَهُ إلَى اللُّغَات الْأُورُوبِّيَّة وَإعْتِمَادُهَا كَمَرَاجع أَسَاسِيَّة. كَمَا أَسْهَمَ الْعُلَمَاء الْمُسْلِمُونَ فِي تَطْوِيرِ الْجَبْر وَالْخُوَارِزْمَيات وَالْكِيمْيَاءِ وَالْفُلْك. وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْحَضَارَات قَدْ إنْدَثَرَتْ أَوْ تَرَاجَعَتْ عَلَى مَرَّ الزَّمَنِ، إلَّا أَنْ إرْثِهَا الْعِلْمِيّ وَالْأَخْلَاقِيّ مَا زَالَ يُشْكِلُ أَسَاسًا لِلْحَضَارَة الْإِنْسَانِيَّة الْمُعَاصِرَة. فَالْكَثِيرُ مِنْ الِإخْتِرَاعَات وَالْمَفَاهِيمُ الْأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي نَسْتَخْدِمُهَا الْيَوْمِ لَهَا جُذُور فِي تِلْكَ الْحَضَارَات الْقَدِيمَةِ. وَهَذَا يُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ دِرَاسَة وَ فَهُمْ تَارِيخِ تِلْكَ الْحَضَارَات وَإنْجَازًاتِهَا لِإِثْرَاء مَعًارَفْنَا وَمُسَاعَدَتنا عَلَى الْبِنَاءِ. أَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَجَال الْأَخْلَاق، بَرَزَتْ عِدَّة حَضَارَات قَدِيمَة بِمُسَاهِمَاتِهَا الْمُتَمَيِّزَة. فَالحَضَارَة الرُّومَانِيَّة الْقَدِيمَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، طَوَرَتْ قَوَانِينِ وَ تَشْرِيعَات لَهَا عَلَاقَةٌ بِالرِّعَايَة الِإجْتِمَاعِيَّة، كَجَمْع الْأَمْوَال لِتَعْلِيم الْأَطْفَال الْفُقَرَاءَ وَالْأَيْتَامَ وَإِطْعَامُهُمْ. كَمَا نَجِدُ أَنَّ الْحَضَارَةَ الصِّينِيَّة الْقَدِيمَة أُسِّسَتْ مَفَاهِيم أَخْلَاقِيَّةٍ مُتَمَيِّزَةٍ، كَالتَّأْكِيد عَلَى قَيِّمِ الْوَلَاء وَالتَّفَانِي فِي خِدْمَةِ الْأُسْرَةُ وَ الْمُجْتَمَعُ. وَفِي الْمُقَابِلِ، سَاهَمَت الْحَضَارَة الْهِنْدِيَّة الْقَدِيمَةِ فِي تَطْوِيرِ مَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ كَالتَّسَامُح وَالرَّحْمَةِ وَالتَّوَاضُع. فَهَذِهِ الْحَضَارَات وَإِنْ شَهِدَتْ أَحْيَانًا مُمَارَسَات مَارِقَةٌ وَخُرُوجًا عَلَى الْمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، إلَّا أَنَّهَا فِي مُجْمَلِهَا سَاهَمَت بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي بِنَاءِ مَنْظُومَة الْقِيَمُ الْحَضَارِيَّةُ الَّتِي نَسْتَفِيد مِنْهَا حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا. إنْ مِنْ أَبْرَزِ مُسَاهِمًات هَذِهِ الْحَضَارَات فِي هَذَا الْجَانِبِ هِيَ نَشْرُ مَبَادِئ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالتَّكَافُلِ الِإجْتِمَاعِيِّ. فَقَدْ ظَهَرَتْ فِي بِلَادِ وَادِي الرَّافِدَيْن (سَوْمِر وَبَابِلُ وَأَشَور) أَوْلَى الشَّرَائِع الْقَانُونِيَّة الَّتِي وَضَعَتْ أُسِّس الْعَدْل وَكَفَلْت حُقُوقَ الْأَفْرَادِ وَالْجَمَاعَاتِ. فَفِي مُدَوَّنَة "قَانُون حَمُورَابِي" عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، نَجِد نُصُوصًا وَاضِحَة تَحْمِي حُقُوق الضُّعَفَاء وَتَفْرَض عُقُوبَاتٍ عَلَى الظُّلْمِ وَالِإسْتِغْلَال. كَمَا سَاهَمَت الْحَضَارَات الْقَدِيمَةِ فِي تَعْزِيزِ قَيِّم التَّسَامُح وَالتَّعَايش السِّلْمِيُّ بَيْنَ الشُّعُوبِ. فَفِي الْحَضَارَة الْمِصْرِيَّة الْقَدِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَانَ هُنَاكَ إنْفِتَاح وَ تَسَامُح دَيْنِي كَبِيرٍ، حَيْثُ كَانَ الْمِصْرِيُّون يَعْبُدُونَ آلِهَةً مُتَعَدِّدَة دُونَ تَعَصُّبٍ أَوْ تَمْيِيزٌ. وَهَذَا مَا نَرَاهُ أَيْضًا فِي الْحَضَارَةِ الْبَابِلِيَّة وَ الْفَيْنِيقِيَّة وَالْإغْرَيقِيَّة. وَ فِي الْمَجَال الْأَخْلَاقِيّ، فَقَدْ وَضَعَتْ هَذِهِ الْحَضَارَات مَبَادِئ السُّلُوك الْحَمِيد وَالْفَضَائِل الْإِنْسَانِيَّة، كَالصِّدْق وَالْأَمَانَة وَالْإِحْسَان وَالْإِيثَار. فَالحَضَارَة الصِّينِيَّة الْقَدِيمَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَرْسَتْ مَبَادِئ "الطَّرِيق الْأَوْسَط" و"السُّلُوك المِثَالِيّ" الَّتِي تَدْعُو إلَى الِإعْتِدَالِ وَالتَّوَازُن فِي التَّصَرُّفَاتِ. كَمَا ظَهَرَتْ فِي الْحَضَارَةِ الْهِنْدِيَّة الْقَدِيمَة مَفَاهِيم الرَّحْمَة وَالتَّسَامُح وَالتَّوَازُن الرُّوحِيّ. وَ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ بُرُوزِ بَعْضُ الْمَظَاهِرِ السَّلْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَضَارَات كَالِإسْتِبْدَاد وَ الْعُنْصُرِيَّة وَالتَّمْيِيز الطَّبَقِيّ، إلَّا أَنْ إنْجَازًاتِهَا فِي مَجَالِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّة بَقِيَتْ رَاسِخَة وَأَثَّرَتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ عَلَى الْحَضَارَات اللَّاحِقَة. فَقَدْ أَصْبَحَتْ هَذِهِ الْمَبَادِئِ وَ الْقِيَمِ جُزْءًا أَسَاسِيًّا مِنْ التُّرَاثِ الْإِنْسَانِيِّ الْمُشْتَرَك. وَ بِالتَّالِي، يُمْكِنُ الْقَوْلُ أَنَّ الْحَضَارَات الْقَدِيمَة كَانَتْ رَائِدَةٍ فِي تَرْسِيخِ الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي لَا تَزَالُ تُؤَثِّرُ فِي وَاقِعِنَا الْمُعَاصِر. فَهِي أُسِّسَتْ لِمَفَاهِيم الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالتَّسَامُح وَ الْأَخْلَاقُ الْفَاضِلَةُ الَّتِي مَا زَالَتْ تُشْكِل أَسَاسًا لِحَضَارَتُنَا الْإِنْسَانِيَّةِ. فِي الْمُجْمَلِ الْعَامّ يُمْكِنُ الْقَوْلُ إِنَّ الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ قَدِ أَسْهُمت بِشَكْلٍ كَبِيرٍ فِي النُّهُوضِ بِالْعِلْم وَالْأَخْلَاق عَلَى مَدَارِ التَّارِيخِ. هَذَا الْإِسْهَام لَا يَنْحَصِرُ فِي حَضَارَةِ بِعَيْنِهَا، بَلْ تَضَافَرَتْ جُهُود الْعَدِيدِ مِنَ الْحَضَارَاتِ لِتَقَدُّم الْبَشَرِيَّةِ فِي هَذَيْنِ الْمَجَالِين الْحَيَوِيِّين.
_ هَلْ الْحَضَارَة الْعِلْمِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ مَنْزُوعَة الْأَخْلَاق
بِالْفِعْل، هُنَاك جَدَل كَبِير حَوْلَ مَا إذَا كَانَتْ الْحَضَارَة الْعِلْمِيَّة وَ التِّقْنِيَة الْمُعَاصِرَة قَدْ إنْزَاحَتْ عَنْ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّةِ، أَمْ إِنَّهَا مَا زَالَتْ مُتَمَاسِكَة بِهَذَا الْبُعْدِ الْأَخْلَاقِيّ. الْكَثِيرِ مِنْ الْمُفَكِّرِين وَالْبَاحِثِين يَرَوْنَ أَنَّ الْحَضَارَةَ الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ قَدْ شَهِدْت نَوْعًا مِنْ التَّرَاجُعِ الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيّ، بِالرَّغْمِ مِنْ تَفُوقُهَا الْعِلْمِيِّ وَالتِّقْنِيِّ. فَإِنْ الْقِوَّى الدَّوْلِيَّة الْعُظْمَى قَدْ تَمَكَّنَتْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ وَالصَّنَاعِيّ وَالْعِلْمِيِّ، لَكِنَّهَا فِي الْمُقَابِلِ إنْحَطَّتْ قِيَمِيًّا وَأَخْلَاقِيًّا وَحَضَارِيًّا، مُتَبَنِيَّة مُمَارَسَات وَإعْتِدَاءات لَا تُمِتْ لِلْإِنْسَانِيَّة بِصِلَة، كَالِإضْطِهَاد وَالِإسْتِعْمَار وَالِإسْتِغْلَال وَالنَّهْب. فَالْفُجُوة شَاسِعَة، بَيْنَ التَّقَدُّمِ الَّذِي وَصَلَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْقِوَّى إقْتِصَادِيًّا وَعِلْمِيًّا، وَ بَيْن أَخْلَاقِيَّاتِهَا الْمَتدهورة فِي التَّعَامُلِ مَعَ الدُّوَل وَالشُّعُوب الْأُخْرَى. وَهَذَا مَا أَرَاهُ يُعَدُّ إنْفِصَال وَاضِحٌ بَيْنَ الْبُعْدِ الْعِلْمِيِّ وَ التِّقْنِيِّ مِنْ جِهَةِ، وَالْبُعْد الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيّ مِنْ جِهَةِ أُخْرَى فِي الْحَضَارَةِ الْمُعَاصِرَة. فِي الْمُقَابِلِ، تَرْتَبِط الْحَضَارَة بِالْمَفْهُوم الْفَلْسَفِيّ الَّذِي يَرَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ مُرْتَبِطٌ إرْتِبَاطًا عُضْوٍيا بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الْإِنْسَانِيَّةِ. فَقَدْ إسْتَطَاعَتْ الْحَضَارَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي عُهُودِهَا الْأَوْلَى أَنْ تُطَوِّرَ الْعَدِيدِ مِنَ الْمُقَارَبَات الْأَخْلَاقِيَّة الْعَمَلِيَّة الْجَدِيدَة، تَعَانق فِيهَا الدِّينِيّ مَع السِّيَاسِيّ، مِمَّا جَعَلَهَا مَرْجِعِيَّة أَسَاسِيَّة لِلْفِكْر السِّيَاسِيّ خِلَالَ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ وَالْوُسْطَى. فِيمَا يَخُضْ الْحَضَارَةِ الصِّينِيَّةِ الْمُعَاصِرَة لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ الْجَانِبِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّقْنِيِّ مِنْ جِهَةِ، وَ الْجَانِب الْأَخْلَاقِيّ وَالْقِيَمِيّ مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، بَلْ رَبَطَتْ بَيْنَهُمَا إرْتِبَاطًا عُضْوٍيا. وَهَذَا مَا يَفْتَقِدُه الْكَثِيرُ مِنْ المَشَارِيع الْحَضَارِيَّة الْمُعَاصِرَةُ فِي الْغَرْبِ، وَاَلَّتِي بَاتَتْ مَنْزُوعَة الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِنْسَانِيَّة. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَفْسِهَا تَوَاجَه تَحَدِّيَات كَبِيرَةً فِي مَجَالِ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ، خَاصَّةً فِي ظِلِّ التَّطَوُّرَات المُذْهِلَة فِي مُخْتَلَفٍ الْمَجَالَاتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتِّقْنِيَة فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ فِي الْحَدَاثَة الْمُعَاصِرَة قَدْ إنْتَقَلَتْ مِنْ النِّطَاق الثَّانَوِيّ إلَى النِّطَاق الْمَرْكَزِيّ، مِمَّا يَطْرَحُ إشْكَالَيْات جَدِيدَةٍ حَوْل عَلَاقَة الْأَخْلَاق بِالْعِلْم وَالتِّقْنِيَة. إنْ الدَّوْلَة الْحَدِيثَة بِمَفْهُومِهَا الْغَرْبِيّ هِي دَوْلَة مَنْزُوعَة الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ رَغْم تَقَدُّمِهَا الْحَضَارِيّ وَالِإجْتِمَاعِيّ فِي حِينِ أَنَّ التَّشْكِيلَات الْحَضَارِيَّة الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ تَقُومُ فِي بِنيَتِها الْأَسَاسِيَّة عَلَى الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ وَتَفْتَقِد إلَى مُقَوِّمَات الْعِلْمِ وَ التِّكْنُولُوجْيَا. فِيمَا يَخُصُّ التَّجْرِبَة الْحَضَارِيَّة الصِّينِيَّة فَإِنَّهَا تُلْغي هَذِهِ التَّنَاقُضَات و تَسُدّ الْفَجْوَة الْحَضَارِيَّة الْمُعَاصِرَة و تُعَالِج الِإخْتِلَال الْأَخْلَاقِيّ الْقِيَمِيِّ الَّذِي يَقُودُ الْغَرْب نَحْو الأُفُول الْحَضَارِيّ. إلَى جَانِبِ مُرَكَّب النَّقْص و الْخَصَّاص الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مَسْأَلَة مُلِحَّة تَفْرِضُهَا الضَّرُورَة الْحَضَارِيَّة عَلَى الْعَالِمِ الْإِسْلَامِيّ. هَذَا التَّنَاقُضُ يُعَدّ تَحْدُيا كَبِيرًا أمَام مُحَاوَلَات الدَّمْجَ بَيْن التُّرَاث الدِّينِيّ الْأَخْلَاقِيّ و التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ المُعَاصِرُ, بَيْن الدَّوْلَة الْحَدِيثَة وَ الدَّوْلَة الْإِسْلَامِيَّةِ. أَنْ نَجَاح التَّجْرِبَة الْحَضَارِيَّة الصِّينِيَّة الْمُعَاصِرَة يَسْتَنِدُ إلَى أُسُسٍ مَتِينَةٍ مِنْ الْأَخْلَاقَيَّات التُّرَاثِيَّة إلَى جَانِبِ النُّهُوض الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ وَ دَمْج كُلًّا الْعُنْصُرَيْن فِي مَنْظُومَةِ إجْتِمَاعِيَّة وَسِيَاسِيَّة وَإقْتِصَادِيَّة وَ ثَقَافِيَّة شَامِلَة و مُتَكَامِلَة تَتَجَاوَز صِرَاعَات الْعَصْر والْهَيْمَنَة الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْأَمَةِ الْإِسْلَامِيَّة الْمُتَخَلِّفَة وَمِنْ قِبَلِ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ آلْمُتَقَهْقِّرَة، هَكَذَا سَيْفًسح طَرِيقُ الْحَرِيرِ الْإِمْبِرَاطُورِيّ صُعُود التِّنِّين الْأَحْمَر الصِّينِيّ نَحْو تَأْسِيس عَصْر حَضَارِيٌّ جَدِيدٌ فِي خِضَمِ التَّحَدِّيَات الْحَضَارِيَّة الْمُعَاصِرَة. فِي هَذَا السِّيَاقِ الْمَحْمُوم بِالسَّجَّال الْحَضَارِيّ و ضَرُورَة التَّغْيِير يَأْتِي طَرْح فَكَرة "الْعِلْمَانِيَّة الْجُزْئِيَّة" كَمُحْاوَّلة لِإِيجَاد حَلَّ وَسْطَ بَيْن الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَالْحَضَارَة الْحَدِيثَة الْغَرْبِيَّة. فَإِنْ الْعِلْمَانِيَّة الْجُزْئِيَّة تُحَاوِل الْجَمْعُ بَيْنَ مَفْهُومِ الدَّوْلَةِ الْحَدِيثَة بِمَفْهُومِهَا الْغَرْبِيّ، وَالدَّوْلَة مِنْ الْمَنْظُور وَالْمَفْهُوم الْإِسْلَامِيّ، عَبَّر دَمْج الْجَوَانِب الْعِلْمِيَّة وَ التِّقْنِيَة مَعَ الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ الْإِسْلَامِيَّة. هَذِهِ النَّظَرِيَّةِ تَسْعَى إِلَى خَلْقِ الإنْقِسَامَات السِّيَاسية وَ الِإجْتِمَاعِيَّة و تكْرَيس الْمَزِيدُ مِنْ التَّبَعِيَّةِ لِلْغَرْب. وَ هَذَا يَتَطَلَّب إعَادَةِ النَّظَرِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَفَاهِيمِ وَ الْمُصْطَلَحَات الَّتِي تُثِيرُ إرْتِيَاب الْبَعْض، كَالْقَوْمِيَّة وَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ وَالْعِلْمَانِيَّة، وَذَلِك بِهَدَف الْوُصُولِ إلَى نَتِيجَةٌ مَنْطِقِيَّةٌ قَادِرَةً عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدَاثَة وَالْأَخْلَاق. وَ فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ الْحَضَارَةِ الصِّينِيَّةِ الْمُعَاصِرَة تَقَدَّم نَمُوذَجًا مُتَمَيِّزًا فِي رَبْطِ الْعِلْمِ وَالتَّقَدُّمِ بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعِيَّة أَسَاسِيَّة لِلْكارثيلَات الْحَضَارِيَّة الْإِسْلَامِيَّةِ النَّاشِئَة فِي مُعَالَجَةِ أَزْمِاتِهَا الْأَخْلَاقِيَّة و الْعِلْمِيَّة. وَطَرَح "مَشْرُوع حَضَارِيّ مُوَحِّد" كمُحَاوَلَةٍ جَادَّةٍ لِتَحْقِيقِ هَذَا الدَّمْج وَالتَّوَازُن.
_ تَطَوُّر الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ فِي ظِلِّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ المُعَاصِرُ
مَعَ تَطَوُّرِ الْحَضَارَةِ وَالتَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ الَّذِي شَهِدَه الْعَالِمُ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، بَرَزَتْ تَحَدِّيَات جَدِيدَةً عَلَى الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة لِلْمُجْتَمَعَات. فَفِي الْوَقْتِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الْعَالِمُ إِنْجَازَات عِلْمِيَّةٍ وَتِكْنُولُوجِيَّةٍ هَائِلَة، إلَّا أَنَّهُ أَيْضًا شَهِدَ خَلَلًا وَتَفْككا فِي الْمَنْظُومَةِ الْقِيَمِيَّة وَالْأَخْلَاقِيَّة لَدَى الْأَفْرَادِ وَ المُجْتَمَعَات. فَقَدْ أَدَّى التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ إلَى ظُهُورِ مُشْكِلَات أَخْلَاقِيَّة كَبِيرَة، تَتَعَلَّق بِالْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْبِيئَة، وَإسْتِخْدَامِ التِّكْنُولُوجْيَا فِي مَجَالَاتِ الْحَرْب وَالتَّدْمِير، وَ التَّلَاعُب بِالْجِينَات الْبَشَرِيَّة، وَإنْتِهَاك الْخُصُوصِيَّة، وَغَيْرِهَا مِنْ الْقَضَايَا الْأَخْلَاقِيَّة الْحَسَّاسَة. كَمَا أَنَّ الِإنْفِصَالَ بَيْن التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ مِنْ جِهَةِ، وَالْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، أَدَّى إلَى نَوْعٍ مِنْ الْخَلَلِ وَالِإخْتِلَالِ فِي توَازِن الْمُجْتَمَعَات، حَيْثُ أَصْبَحَتْ الْمَوَادّ الْمَادِّيَّة وَالتِّقْنِيَة تَحْتَلُّ مَكَانَة أَكْبَرُ مِنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة وَالرُّوحِيَّة. وَقَدْ أَشَارَ الْعَدِيدِ مِنَ الْمُفَكِّرِينَ وَالْفَلَاسِفَةُ إلَى هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ، وَحَذِّرُوا مِنْ خُطُورة إنْفِصَال التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ عَنْ الْمَنْظُومَةِ الْأَخْلَاقِيَّة. فَالْفَيْلَسُوف هَانِز يُونُاس Hans Jonas، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، أَكَّدَ عَلَى ضَرُورَةِ رَبَط التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ بِالْأَخْلَاق، وَ تَطْوِير مَا أَسْمَاهُ "أَخْلَاق الْمَسْؤُولِيَّة" لِمُوَاجَهَة تَحَدِّيَاتُ الْعَصْرِ الْحَدِيثِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، يُؤَكِّد الْفَيْلَسُوفُ الْإِسْلَامِيُّ الرَّاحِل مُحَمَّدُ بَاقِرٍ الصَّدْرِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ إعَادَة بِنَاء الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة فِي الْمُجْتَمَعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ، بِمَا يَنْسَجِمُ مَعَ الْقِيَمِ وَ الْمَبَادِئِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَذَلِك لِمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ النَّاجِمَةِ عَنِ التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ. وَبِالتَّالِي، فَإِنَّ التَّحَدِّيَ الْأَبْرَزَ فِي الْوَقْتِ الرَّاهِنِ هُوَ كَيْفِيَّةٌ إعَادَة التَّوَازُنِ بَيْنَ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَ التِّكْنُولُوجِيّ مِنْ جِهَةِ، وَالْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، بِمَا يَضْمَنُ إسْتِدَامَة التَّنْمِيَة وَالتَّقَدُّمِ فِي إِطَارِ مَنْظُومَة أَخْلَاقِيَّة مُتَمَاسِكَة وَقَادِرَةً عَلَى مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَاتُ الْعَصْرِ. وَهَذَا يَتَطَلَّب جُهُودًا مُتَكَامِلَةٌ عَلَى مُسْتَوَى التَّرْبِيَةِ وَ التَّعْلِيمِ، وَسنّ التَّشْرِيعَات وَالْقَوَانِين، وَتَفْعيل دُورٌ الْمُؤَسَّسَات الدِّينِيَّة وَالْمُجْتَمَعِيَّة، وَتَعْزِيزُ الْوَعْي الْأَخْلَاقِيّ لَدَى الْأَفْرَادِ وَ المُجْتَمَعَات. فِي النِّهَايَةِ، فَإِنْ التَّحَدِّي الأَسَاسِيّ هُوَ كَيْفِيَّةٌ إيجَاد توَازِنُ بَيْنَ التَّطَوُّرُ الْعِلْمِيُّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ مِنْ جِهَةِ، وَ الْمَنْظُومَة الْأَخْلَاقِيَّة وَالْقِيمَيَّة مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، بِمَا يَضْمَنُ إسْتِدَامَة التَّنْمِيَة وَتَقَدَّم الحَضَارَةِ فِي إِطَارِ مِنْ الْقَيِّمِ الْأَخْلَاقِيَّة الرَّاسِخَة.
_ هَلْ هُنَاكَ مَقَايِيس حَضَارِيَّة الْأُخْرَى إلَى جَانِبِ مُوَشًّرات التَّطَوُّرِ الْعِلْمِيِّ و الْأَخْلَاقِيّ
أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق كَمَقَايِيسُ لِلْحَضَارَة هِيَ قَضِيَّةٌ جَدَلِيَّة وَمَعَقدَة. لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعِلْمَ وَالْأَخْلَاقُ هُمَا مَقَايِيس مُطْلَقَة لِلْحَضَارَة، إذْ أَنَّ هُنَاكَ عَوَامِل أُخْرَى مُتَشَابِكَة وَ ذَات أهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ فِي تَقْيِيمِ مُسْتَوَى التَّقَدُّمِ الْحَضَارِيِّ لِأَيّ مُجْتَمَع. أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ هُوَ بِالتَّأْكِيد أَحَد الْمَعَايِير الْهَامَة لِحُكْم مَدَى تَقَدَّمَ أَيْ حَضَارَة. فَالْقُدْرَةُ عَلَى إنْجَازِ الِإكْتِشَافَات الْعِلْمِيَّة وَالِإبْتِكَارُات التِّقْنِيَّة تَعْكِس مَدَى تَطَوُّر الْبِنْيَة الْمَعْرِفِيَّة وَالْقُدُرَات الْإِبْدَاعِيَّة لَدَى أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ. وَ يُمْكِن مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الْمُؤَشِّرُات الْمُخْتَلِفَةِ مِثْلُ عَدَدِ الْعُلَمَاءَ وَالْبَاحِثِينَ، وَحَجْم الِإسْتِثْمَار فِي الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ، وَ إنْتِشَار التَّعْلِيم الْعَالِي، وَحَجْم الْإِنْتَاج الْعِلْمِيِّ وَالتِّقْنِيِّ. وَ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي الِإكْتِفَاءُ بِالْعِلْمِ كَمِقْيَاس وَحِيدَ لِلْحَضَارَة، فَالتَّقَدُّم الْعِلْمِيّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ قَدْ يَنْحَرِفُ عَنْ مَسَارَّه إذَا لَمْ يَرْتَبِطْ بِأَهْدَاف إِنْسَانِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة سَامِيَة. فَالحَضَارَة لَا تُقَاسُ فَقَطْ بِمَدَى تَطَوُّر الْعُلُوم وَالتِّقْنِيَّات، بَلْ بِكَيْفِيَّة تَوْظِيفُهَا لِتَحْقِيق الرَّخَاء وَالْعَدَالَة وَالسَّلَام لِلْإِنْسَانِيَّة. فِي مَا يَخُصُّ الْأَخْلَاق. فعَادَةً مَا يَنْظُرُ إلَى الْأَخْلَاقِ عَلَى أَنَّهَا الْمَرْآة الْعَاكِسَة لِجَوْهَر الْحَضَارَة وَقِيَمِهَا الْأَسَاسِيَّة. فَالْأَخْلَاق تُشْكِل الْإِطَار الْمَرْجِعُيّ الَّذِي يُوَجَّهُ سَلُوكَيَّات الْإِفْرَادُ وَالمُجْتَمَعَات وَيَضْبِط عَلَاقَاتِهِمْ. وَ فِي هَذَا الْإِطَارِ، يُمْكِنُ إعْتِبَارُ مَدَى إلْتِزَام الْمُجْتَمَع بِالْقِيَم الْأَخْلَاقِيَّة كَالْعَدْل وَالْكَرَامَة وَالتَّسَامُح وَالْإِيثَار مُوَشًّرا عَلَى مُسْتَوَى تَطَوُّر حَضَارَتِه. ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَضَارَة الْحَقِيقِيَّةِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ التَّقَدُّمِ الْمَادِّيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، بَلْ تَتَجَاوَزُ ذَلِكَ إلَى تَحْقِيقِ الرَّفَاه الرُّوحِيّ وَالنَّفْسِيّ لِلْأَفْرَاد وَالمُجْتَمَعَات. وَتَأْتِي الْأَخْلَاق هُنَا لِتَشَكُّل الضَّمَانِة الْأَسَاسِيَّةِ لِإسْتِقْرَار الْمُجْتَمَعِ وَ تَمَاسُكِهِ، وَتَمْنَح الْحَضَارَة أَبْعَادًا إِنْسَانِيَّة وَأَخْلَاقِيَّة تَنْمُ عَنْ رُقَى وَتَطَوَّرَ الْإِنْسَانُ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَا يَنْبَغِي الِإقْتِصَارُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق كَمَقايِيس وَحَيْدَة لِلْحَضَارَة، فَهُنَاك عَوَامِل أُخْرَى مُهِمَّةٍ لَا يُمْكِنُ إغْفَالُهَا، مِثْل الْمُؤَسَّسَات السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة وَطَبِيعَة النِّظَام الْحَاكِم وَمَدَى تَمْثِيلِه لِإِرَادَة الشِّعْب. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ تَفَاعُلًات مَعْقِدة بَيْنَ هَذِهِ الْعَوَامِل الْمُخْتَلِفَة تُؤَثِّرُ فِي بِنَاءِ الْحَضَارَة. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، قَدْ يَتَمَتَّع مُجْتَمَع بِمُسْتَوًى عَالٍ مِنْ التَّقَدُّمِ الْعِلْمِيِّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، لَكِنْ إذَا إفْتَقَرَ إلَى مَنْظُومَة أَخْلَاقِيَّة رَاسِخَة أَوْ لَمْ يَتَوَفَّرْ لَدَيْه نِظَام سِيَاسِيّ عَادِل وَمُسْتَقَرّ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُعْوق تَحْقِيقُ الرَّفَاه وَالتَّنْمِيَةِ الشَّامِلَة لِلْمُجْتَمَع. وَبِالْمُقَابِل، قَدْ يَتَمَتَّع مُجْتَمَع بِقِيَم أَخْلَاقِيَّة عَالِيَةٌ لَكِنْ يَفْتَقِرُ إلَى القُدُرَات الْعِلْمِيَّة وَالتِّكْنُولُوجِيَّة اللَّازِمَة لِمُوَاكَبَة التَّطَوُّرَات الْمُعَاصِرَة. لِذَا، فَإِنَّ الْحُكْمَ عَلَى مُسْتَوَى تَطَوُّرِ الْحَضَارَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى مِعْيَارٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الِإعْتِبَارِ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمُؤَشِّرُات الْمُتَرَابِطَة وَالْمُتَكَامِلَة، بِحَيْثُ تَشْمَل التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ وَالتِّكْنُولُوجِيّ، وَالِإلْتِزَامُ بِالقِيَمِ وَالمَبَادِئِ الْأَخْلَاقِيَّة، فَضْلًا عَنْ الْبُنَى السِّيَاسِيَّةِ وَالِإقْتِصَادِيَّةِ وَالِإجْتِمَاعِيَّة، وَقَدْرَة الْمُجْتَمَعِ عَلَى تَوْظِيفِ إِمْكَانَاتِه الْمُخْتَلِفَة لِتَحْقِيق الرَّفَاه وَالْعَدَالَةُ لِلْجَمِيع. وَ فِي النِّهَايَةِ، أَنَّ قِيَاسَ مُسْتَوَى الْحَضَارَةِ هُوَ مُهِمَّة مُعَقَّدَة تَتَطَلَّب النَّظَرُ إلَى الْمُجْتَمِعِ كَنَسِيج مُتَكَامِل مِنْ الْعَوَامِلِ الْمُتَرَابِطَة وَالْمُتَفَاعِلة، بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى الْعِلْمِ وَالْأَخْلَاق كَمَعْايِير مُطَلَّقَةٌ بَلْ كَمَكَّونَات أَسَاسِيَّة ضِمْنَ هَذَا التَّكَامُل الْحَضَارِيّ الشَّامِل.
_ حِينَمَا يُصْبِح الْعِلْمِ وَ الْأَخْلَاق أَدَوَات لِتَدْمير الْحَضَارَةُ
إِنْ الْعِلْم وَالْأَخْلَاق يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَا إِلَى تَدْمِيرِ الْحَضَارَات فِي ظِلِّ وُجُودِ عِدَّةٍ عَوَامِل. أَنَّ أَبْرَزَ مَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَدْمِير الْحَضَارَات هُوَ إنْفِصَالُ الْعِلْمِ عَنْ الْأَخْلَاقِ. فَعِنْدَمَا يَتَقَدَّم الْعِلْم وَالتِّقْنِيَة بِوِتْيرة سَرِيعَةُ دُون إلْتِزَام بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الْأَسَاسِيَّة لِلْمُجْتَمَع، فَإِنَّ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى نَتَائِج كَارْثيَّة. فَقَدْ بَرْهَن التَّارِيخِ عَلَى أَنَّ الْحَضَارَات الَّتِي إنْفَصَلَ فِيهَا الْعِلْمُ عَنْ الْأَخْلَاقِ كَانَتْ عَرْضة لِلْإِنْهِيَار. فَعَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، إنْحِرَاف الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْدَلُسِ عَنْ الْقَيِّمِ الْإِسْلَامِيَّة وَالتَّشَبُّه بِالْعَدُوّ وَ التَّفَرُّق أَدَّى إلَى سُقُوطِ هَذِهِ الْحَضَارَةِ الْعَرِيقَة. كَمَا أَنَّ التَّجَارِب الطِّبِّيَّة النَّازِيَة عَلَى الْبَشَرِ فِي الْحَرْبِ الْعَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ، وَاَلَّتِي أُجْرِيَتْ بِإسْمِ الْعلمِ، أَدَّتْ إلَى مَجْزَرَة إِنْسَانِيَّة بَدَلًا مِنْ إخْتِرَاق عِلْمِي. إنْ تَطَوُّر الْعِلْم وَالتِّقْنِيَة يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَخْدِمَ كَأَدَاة لِلتَّدْمِير، خَاصَّةً فِي الْمَجَالَاتِ الْعَسْكَرِيَّة وَ النَّوَوِيَّة وَالْكِيمْيَائِيَّة وَالْبُيُولُوجِيَّة. فَقَدْ بَرْهَن الْإِنْسَانِ الْغَرْبِيِّ عَلَى كَفَاءَتِهِ فِي التَّدْمِيرِ وَالْقَتْلِ، إذْ قَتَلَ مَا يَزِيدُ عَنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ إنْسَان بِسِلَاح وَاحِدٍ. وَهَذَا مَا أَدَّى إلَى خَطَرِ إنْهِيَار الْحَضَارَةُ بِسَبَبِ سُوءِ إسْتِخْدَامِ الْعِلْم. كَمَا أَنَّ تَقَدُّمَ الْعِلْمِ وَ التِّقْنِيَة بِشَكْلٍ أسْرَعَ مِنَ تَقَدَّم الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ فِي الْمُجْتَمَعِ يُمْكِنُ أَنْ يُهَدِّدَ الْإِنْسَان وَالْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ. فَالتَّقَدُّمُ الْهَائِلُ فِي الْعِلْمِ وَالتِّكْنُولُوجْيَا خِلَالَ الْعُقُودِ الْأَخِيرَةِ لَمْ يُصَاحِبْهُ تَقَدَّم مُمَاثِلٌ فِي السُّلُوكِ الْأَخْلَاقِيِّ، مِمَّا أَثَارَ مَخَاوِفَ مِنْ تَهْدِيدِ هَذِه التَّطَوُّرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ لِلْإِنْسَان وَالْأَخْلَاق. وَ قَدْ أَشَارَتْ الْمَصَادِر إلَى أَنْ سَيْطَرَة رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْعِلْمِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ أَدَّتْ إلَى فَصْلِ الْعِلْمِ عَنْ الْأَخْلَاقِ، حَيْثُ أَصْبَحَ الْعِلْم مُسَخَّرًا لِخِدْمَةِ الْمَصَالِحِ الْمَادِّيَّةِ بَدَلًا مِنْ خِدْمَةِ الْإِنْسَانِ وَالْقَيِّم. وَهَذَا مَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَدْمِير الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ وَبِالتَّالِي إنْهِيَار الْحَضَارَة. إذَنْ، فَإِنْ إنْفِصَال الْعِلْمِ عَنْ الْأَخْلَاقِ، وَإسْتِخْدَام الْعِلْم كَأَدَاة لِلتَّدْمِير، وَتَقَدَّم الْعِلْمَ بِشَكْلٍ أسْرَعَ مِنَ الْأَخْلَاقِ، وَ سَيْطَرَة رَأْسِ الْمَالِ عَلَى الْعِلْمِ، كُلِّهَا عَوَامِل قَدْ تُؤَدِّي إلَى تَدْمِير الْحَضَارَات. لِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ رَبْطِ الْعِلْم بِالْأخْلاقِ وَالْقِيَّمِ الْأَسَاسِيَّة لِلْمُجْتَمَع لِضَمَان تَقَدَّم الْحَضَارَة وَإسْتِمْرَارِهَا.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق: الْمَنْظُور الْفَلْسَفِيّ التَّارِي
...
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: رَمَزَيات الْمَيثولُوجْيَا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق: جُذُور الْمُعْتَقَدَات السِّحْرِيَّة
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق : تَجَاوُزَات الْأَيْدُيُولُوجِيَّا
-
الْعِلْم وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْغَنُوصِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْحِكْمَةِ الْهَرْمُسِيَّة
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مَبَاحِث الْآكْسِيُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ إشْكَالَيْات الْكُوسْمُّولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي سِيَاقِ الثَّيُولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ تَصَوُّرَات الِأنْطولُوجْيَا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق؛ مُقَارَبَات الإِبِسْتِمُولُوجْيَّا
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمَادِّيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق فِي الْفَلْسَفَةِ الْمِثَالِيَّةِ
-
الْعِلْمُ وَالْأَخْلَاق سَطْوَة الْمَيِّتُافِيزِيقِيَا
-
نَقْد فَلْسَفِيّ لِلْخِطَاب الْعِلْمِيّ و الْأَخْلَاقِيّ
-
الْمَشْرُوع الْفَلْسَفِيّ الشَّامِل لِلْوُجُود الْإِنْسَانِي
...
-
أَخْلَاقِيَّات الْعِلْمُ وَ عِلْمِيَّة الْأَخْلَاق
-
حِوَارٌ مَعَ صَدِيقِي الشَّيْطَانُ الْأَكْبَرُ
-
جَدَلِيَّة الِإنْتِمَاء و الِإنْتِسَاب
-
جَدَلِيَّة التَّنْمِيط وَ التَّسْطِيح
المزيد.....
-
تركيا: أردوغان أمام امتحان الاحتجاجات من جديد؟
-
صحافي يتلقى معلومات عسكرية سرية عن -طريق الخطأ- بشأن ضربات أ
...
-
مصر تدرس الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في إدارة الجمارك.. ومصد
...
-
صحافيو غزة في مواجهة القتل المتواصل... العمل على حافة الموت
...
-
وزير خارجية العراق وأبو الغيط يبحثان الأوضاع في المنطقة والت
...
-
أردوغان: المعارضة تتحمل مسؤولية التخريب
-
مصر تشن هجوما حادا على إسرائيل بسبب وكالة الهجرة للفلسطينيين
...
-
Infinix تعلن عن هاتف يتحدى هواتف آبل وسامسونغ
-
بيان قطري شديد اللهجة بعد إعلان إسرائيل إنشاء وكالة لتهجير ا
...
-
رئيس جنوب إفريقيا: مزاعم اضطهاد البيض في بلادي -رواية كاذبة-
...
المزيد.....
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|