أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العقل العربي














المزيد.....


الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العقل العربي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 09:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الصادق النيهوم (1937-1994) يُعتبر من أبرز المفكرين والكتّاب الليبيين الذين أثاروا جدلاً واسعًا في الساحة الفكرية العربية. تميّز بأسلوبه النقدي الحاد ورؤيته العميقة التي حاول من خلالها تفكيك البُنى الثقافية والاجتماعية والسياسية في العالم العربي. وفي هذا التحليل، سنستعرض بشكل مستفيض شخصيته وإسهاماته الفكرية وأبرز القضايا التي طرحها والانتقادات التي وُجهت إليه.

أولًا: السيرة الذاتية والتكوين الفكري

وُلِد الصادق النيهوم في بنغازي عام 1937، ودرس في جامعة ليبيا قبل أن يواصل دراسته في ألمانيا وفنلندا، حيث حصل على الدكتوراه في الأديان المقارنة. كان تأثره بالثقافة الغربية واضحًا في كتاباته، لكنه لم ينفصل عن بيئته العربية والإسلامية، بل سعى إلى تقديم رؤية نقدية لها عبر مقاربات جديدة تستفيد من الفكر الغربي دون الانسلاخ عن التراث.

ثانيًا: أهم الإسهامات الفكرية

تميّز النيهوم برؤية فلسفية واجتماعية جريئة، حيث ركّز على قضايا الإصلاح الديني، والديمقراطية، والبُنى الثقافية العربية، ومن أبرز إسهاماته:

1. نقد المؤسسة الدينية

هاجم المؤسسة الدينية التقليدية، معتبرًا أنها لعبت دورًا في تكريس الاستبداد وتعطيل التفكير الحر.

رأى أن الإسلام الأولي كان دينًا ثوريًا تحرريًا، لكن المؤسسات الدينية حولته إلى أداة للهيمنة السياسية والاجتماعية.

2. إعادة قراءة النصوص الدينية

دعا إلى إعادة قراءة النصوص الإسلامية بعيدًا عن التفاسير التقليدية، مؤكدًا ضرورة فهم الدين في سياقه الاجتماعي والسياسي وليس فقط من منظور عقائدي جامد.

اعتبر أن القرآن نزل ليكون أداة تحرر، وليس مجرد نصّ مقدس يستخدمه الفقهاء لترسيخ سلطتهم.

3. نقد الأنظمة السياسية في العالم العربي

انتقد الاستبداد السياسي ودعا إلى الديمقراطية كبديل، لكنه كان يرى أن الديمقراطية الغربية ليست بالضرورة الحل الأمثل للعالم العربي، بل يجب تطوير نموذج يتناسب مع الخصوصيات الثقافية للمجتمعات الإسلامية.

شدّد على أن المجتمعات العربية لم تعرف في تاريخها مفهوم "المواطنة" الحقيقي، حيث بقيت السلطة محتكرة من قبل النخب الحاكمة.

4. مفهوم "المسجد الجامع"

قدّم مفهومًا فريدًا حول فكرة "المسجد الجامع" كبديل عن الدولة المركزية، حيث يرى أن المسجد في العصور الأولى كان مؤسسة شاملة تُنظّم حياة المجتمع سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وليس مجرد مكان للعبادة.

اعتبر أن استعادة هذا النموذج يمكن أن يكون أساسًا لديمقراطية محلية تتجنب الاستبداد.

5. نقد الثقافة التقليدية

كان يرى أن البُنية القبلية والعشائرية في المجتمعات العربية هي أحد العوامل التي تُعيق التحديث والتقدم.

اعتبر أن المرأة لم تأخذ مكانها الحقيقي في المجتمع العربي بسبب القيود الثقافية والدينية المفروضة عليها.

6. دور اللغة في تشكيل الوعي

ركّز على أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي أداة تشكيل للعقل العربي، ومن هنا دعا إلى تجديد اللغة العربية وتبسيطها حتى تصبح أداة تفكير نقدي وليس مجرد وعاء لتكرار الأفكار التقليدية.

ثالثًا: أهم القضايا التي طرحها

الصادق النيهوم طرح قضايا جوهرية ظلّت محل جدل واسع، ومن أبرزها:

1. الإسلام والعلمانية: تساءل عن إمكانية وجود إسلام ديمقراطي وحداثي، بعيدًا عن الدولة الدينية التقليدية، ودعا إلى تحديث الفكر الإسلامي من الداخل.

2. المرأة والسلطة: أكد على أن المرأة لم تُستعبد بسبب الإسلام، بل بسبب تفسيرات معينة للنصوص، ودعا إلى تحريرها عبر إصلاح شامل للمجتمع.

3. الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية: رفض استيراد النموذج الغربي للديمقراطية، واعتبر أن هناك إمكانية لخلق نموذج ديمقراطي محلي مستوحى من التجربة الإسلامية الأولى.

4. نقد الاستبداد الديني والسياسي: حمّل الفقهاء والمؤسسات الدينية مسؤولية تحالفها مع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي.

رابعًا: أهم الانتقادات الموجهة إليه

رغم مكانته الفكرية، تعرض الصادق النيهوم لانتقادات واسعة من عدة تيارات فكرية:

1. انتقاد التيار الإسلامي

اعتبره الكثير من الإسلاميين معاديًا للفكر الإسلامي التقليدي، واتُهم بالتأثر بالفكر الغربي إلى حدّ يُخرجه من دائرة الفكر الإسلامي الأصيل.

رُفضت أطروحاته حول المسجد الجامع باعتبارها محاولة لإعادة صياغة الإسلام وفق مفاهيم حديثة لا تتفق مع الشريعة.

2. انتقاد التيار القومي واليساري

انتقده بعض القوميين واليساريين، معتبرين أنه لم يكن واضحًا في مواقفه السياسية، بل ظلّ يدور في فلك النقد دون تقديم بدائل عملية واضحة.

اعتُبر مشروعه الفكري نظريًا أكثر من كونه قابلًا للتطبيق في الواقع العربي.

3. انتقاد الأسلوب والطريقة

رأى بعض النقاد أن أسلوبه كان هجوميًا، ويعتمد على التفكيك أكثر من البناء، مما جعله يُتهم بالسلبية في بعض الأحيان.

وُجهت له انتقادات تتعلق بعدم تقديم نموذج عملي لنظرياته، حيث لم يُقدم حلولًا قابلة للتطبيق على أرض الواقع.

خامسًا: الإرث الفكري للصادق النيهوم

لا يزال فكر النيهوم محل اهتمام في الأوساط الفكرية العربية، حيث يُعتبر من أوائل المفكرين الذين حاولوا تقديم مقاربة جديدة لفهم الإسلام والديمقراطية. ورغم رحيله في 1994، فإن أعماله تُقرأ حتى اليوم بوصفها محاولات جريئة للخروج من النفق المظلم الذي تعيشه المجتمعات العربية.

في الختام، يمكن القول إن الصادق النيهوم كان مفكرًا استثنائيًا حمل مشروعًا نقديًا جذريًا، ورغم الجدل الذي أثاره، فإن أفكاره تبقى جزءًا مهمًا من النقاش الفكري حول مستقبل العالم العربي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعلق المرضي: كيف نكسر قيود الاعتماد العاطفي ونستعيد ذواتنا ...
- إعادة تشكيل الإنسان في العالم الرقمي: مقاربات أنثربولوجية مع ...
- الرضا النفسي: فن التوازن والطمأنينة في عالم متغير
- ألبرت كامو وثورة العبث: جدلية المعنى واللاجدوى في الفكر الأو ...
- البنيوية وما بعدها: تفكيك الأنساق وبناء المعنى الجديد
- نحو فلسفة بيئية معاصرة: بين النقد الحداثي والرؤى المستقبلية
- انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية ...
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل
- فلسفة العقل: المفهوم، القضايا، والتأثير في الفكر الفلسفي الم ...
- تحليل الخطاب: تفكيك السلطة والمعرفة في اللغة وصناعة المعاني
- متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الف ...
- العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
- التحرر من سجن العقل: فن إيقاف التفكير الزائد واستعادة صفاء ا ...
- جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...


المزيد.....




- -ياما نفسي قلك-.. إيمي سمير غانم تعبر عن تأثرها بأغنية شقيقت ...
- تحقيق لـCNN يكشف عن توسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية ...
- تدعمهم رواندا.. متمردون يتقدمون نحو بلدة غنية بالمعادن شرق ا ...
- بنعبد الله يستقبل وفدا من الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة. ...
- أسباب تجعل السعادة مهمة للحفاظ وتكريس الديمقراطية
- لأول مرة .. انخفاض طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 13 ...
- كيرستي كوفنتري: أول سيدة تتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولي ...
- -سي إن إن-: إسرائيل ضالعة في استهداف مبنى أممي بغزة
- انتقال سفارة المملكة العربية السعودية لدى روسيا الاتحادية إل ...
- زيلينسكي يطلب من الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو إضافية


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - الصادق النيهوم: تفكيك المقدس والبحث عن المعنى في متاهات العقل العربي